Tahawolat
ثلاث حقائق أفهمتني معنى الوضاعة التي رُميت القضية بها، وبسببها لم يحصل الفلسطينيون هنا سوى على حكم ذاتي ولو في جزيئات صغيرة من فلسطين.
الحقيقة الأولى:
أن فهم الواقع لا يأتي من الثقافة المجردة بقدر ما يأتي من درس الواقع على الأرض، وحينها يمكن المرء الاستفادة من ثقافته ووعيه والاشتغال على الواقع.
الحقيقة الثانية:
إنها المرة الأولى التي لمست فيها تأثير مستويين من الحقن والضخ:
1 -  الضخ الطائفي في اوساط الفلسطينيين وحقنهم(1) بسنة وشيعة ونصارى ومحمديين.
2 -  الضخ المالي لتغذية ذلك بدءاً من تمويل الحكم الذاتي وصولاً إلى تمويل خليجي علني لكل من يعتمد هذه الفتنة (بل الفتن).
الحقيقة الثالثة:
نجاح الإقليمية الفلسطينية والتمويل الأجنبي (ومنه الخليجي الرسمي) في معاداة القومية العربية، لأن هذه المعاداة وحدها كفيلة بحماية الكيان الصهيوني.
كان هذا يوم 22  شباط في رام الله المدينة الشوهاء بمختلف المعاني. المدينة التي أهم معالمها زيارات قادة الاحتلال لها أكثر مما يزوروا مكاتب تل أبيب، ووجود عشرات بيوت الدعارة حيث يُباع اللحم الفلسطيني مغطىً بزعم الاستقلال، وهذا يكفي ولن تغطيه فذلكة مثقف مريض بقوله: "كنت في رام الله"، هي رام الله التي تليق بك.
كتبت الصحف الورقية المحلية أن قرابة 30  شاباً تجمعوا في وسط رام الله تأييداً للرئيس السوري، فتدخل شبان آخرون وحصلت مشادات وشعارات بسقوط الرئيس السوري وأخرى تحية له وتم تمزيق صوراً للرئيس الأسد.
أيتها الصحافة: لا غرابة في حصول العيب من أهله. حين تظاهرنا في الخليل كتبتم أن التظاهرة ضد سوريا، واعتذرتم، وهذه المرة كذبتم؟ لكن عليّ أن أتذكر أن هذه المرحلة من تاريخ البشرية هي الأدنى ثقافة وعقلاً وأخلاقاً على مستوى كامل إعلام الرأسمالية من واشنطن حتى مواخير رام الله الـ 43 (2). فبمجرد حصول بدايات المقاومة والممانعة العربية الجهادية وليس مقاومة الدين السياسي الإسلامي، والمقاومة الكوبية والفنزويلية والمقاومة القطبية من روسيا والصين.. خلعت الرأسمالية العالمية ملابسها وتفاخرت بعريها وخصوصاً الإعلامي، فهل ألوم رام الله!؟
أولاً: اعتقل أمن الحكم الذاتي مجموعة شبان كانوا قد اقترحوا القيام بمسيرة مؤيدة لسورية، التي نحن جنودها، وهذا ما لا يفهمه كثير من القوميين واليساريين، وأخشى أنهم لن يفهموا. وحين يرفض أمنٌ دعم سوريا فهو يؤيد احتلالها. هذه الحقيقة التي يهرب منها الكثيرون ولكنهم يعشقونها ويحلمون بها وأخشى أنهم هناك في سوريا! ولكن حبذا لو نعرف لماذا؟
وثانياً: لم نكن جميعنا شباناً، سوى بكرامتنا ومواقفنا التي بها نحن فِتية. كان الأب عطا الله حنا وكان إحسان سالم وكان الأب نائب المطران كبوتشي. كم فلسطينياً يعرف كبوتشي الذي اعتقله الاحتلال وهو يهرب الأسلحة في سيارته إلى حركة فتح (كم شيخاً سنياً فعل ذلك؟؟) بدل إحضار أكياس المال من السعودية وقطر قبل التحويلات الإلكترونية. وكان عبد الفتاح غانم وكانت أمل وهدان، وكثيرون.
وثالثاً: أحاطت بنا الشرطة نفسها التي أحاطت بنا قبل أكثر من أربع سنوات لأننا تظاهرنا ضد زيارة المأفون القاتل جورج دبليو بوش لرام الله، وضربت واعتقلت. فطبيعي أن تكون الشرطة نفسها. وكنا نرى الشرطة تتحدث مع هذا وذاك اللذين قال لي بعض الأصدقاء إن هذا وهذا...من أجهزة الأمن لكنهم يلبسون لباساً مدنياً. وكان بعضهم قد قال للبعض منا سنضربكم بالبيض(3).
اندس هؤلاء بيننا وتقدموا أولاً إلى المطران عطا الله وزميله يتهجمون عليهما. فلا بد للفكر الأوسلوي الذي يعترف بالكيان أن يعتدي على من هم في فلسطين قبل السنة والشيعة، أي العرب النصارى لأن الهدف اقتلاع ما له علاقة بالقومية العربية. فانسحب الرجلان لأن هدف أوسلو: لا مسيحية في كل فلسطين.
ثم بدأوا بهتافات شيعة شيعة شيعة، وشتم الرئيس الأسد. وهو ما دفع الشباب للانفعال والهتاف باسم الرئيس الأسد لأن التظاهرة كانت فقط للدفاع عن سوريا. وهنا تحديداً يكمن الفخ الذي يبحث عنه مخبرو(4) الصحافة وكأن الأسد هو ملك السعودية أو أمير قطر! لا شبه ولا علاقة. ومن يخدم عبد الله وحمد ليس مؤهلاً لنهش الأسد.
وقفت جانباً وضحكت مطولاً، وسألني شاب: لماذا تضحك؟ قلت له ما كتبته أعلاه وأضفت أن هذه ديمقراطية الخاضعين للاحتلال. هل تعلم أن المذبحة التي دارت بين "حماس" و"فتح" في غزة هي أسوأ من مذبحة عدوان الاحتلال على غزة (2008 - 2009) وهي مذبحة الحكم الذاتي، وهذه لا يتحدث عنها أحد. فهي النتيجة الطبيعية لانتخابات الحكم الذاتي التي خلقت مالاً ونفوذاً وسلطة وقوة على الناس، واعترافاً بالكيان.. وهذه نتائجها. هي الديمقراطية تحت الاستعمار الاستيطاني وبإشراف القاتل العجوز كارتر. هل تتصور نحن ضحايا الغرب يهندس "ديمقراطيتنا" هذا السفاح ويُكال له المديح! وفي اقتتال قيادات وقواعد "فتح" و"حماس" كان اليسار في حضن الحكم الذاتي إلا من رحم ربي كأفراد.
لماذا التهجم على رجال الدين النصارى في التظاهرة؟ هل هذا ما يُهدى إلى جورج حبش في ذكرى رحيله الرابع؟ من الذي زرع هذه الثقافة؟ وما علاقة هذه الثقافة بأي انتماء لفلسطين؟
والتهجم على الشيعة. هل نتنياهو والقرضاوي وجنرالات الجيش الصهيوني أفضل من السيد حسن نصر الله؟ وهل هيلاري كلينتون وكونداليزا رايس اللتان أرسلتا رجالهما لاغتصاب العراقيات والليبيات أفضل من قادة إيران؟ ماذا وراء كل هذا؟ فكروا!
وراء كل هذا أبشركم بسيل من الدولارات، وبهزيمة ممتدة، وحال لا وطن فيه. ويبدو أن من لا وطن له لا يعرف قيمة الوطن، ولذا يعشق اغتصاب سوريا.
لقد أتى الفلسطينيون على كل شيء متأخرين، ولذا لم ينجزوا شيئاً بل احترفوا إنجاز الفشل وتكرار محاولات سيزيف، ولكن الأخطر في التفاخر بأنه انتصار. ليست المشكلة في الفشل بل هي أساساً في اختلاق الانتصار من رحمه العقيمة. لا يتبلور الكذب إطلاقاً في بنى مادية سوى بالقمع والرصاص.
وحتى هذا القمع من أجهزة الحكم الذاتي أتى متأخراً مثل كل تأخر للفلسطينيين. تأخرتم يا شباب! حتى لعبة المخابرات العريقة لم تتقنوها. فاعتقال الشباب قبل التظاهرة يكشف ما تمت محاولة إخفائه، أي أن سلطة الحكم الذاتي ضد سوريا ومع احتلالها. وعدم قيام الشرطة بأمر متظاهريها بأن يقفوا على الرصيف الآخر (كما تفعل الديمقراطيات العريقة) أثبت أن الشرطة إما لا تعرف لعبة الديمقراطية أو تقصد الاشتباك ليعتدوا علينا. ولكن، تأخرتم أيضا هنا، فلم يعد ينفع القمع، ونطمئنكم، لن ننتحر، فأطلقوا علينا النار من البنادق التي تم تسجيل أرقامها وعدد طلقاتها لدى الاحتلال الذي أدخلكم هنا وأدخلها. من أتى هنا بالتحرير فليطلق علينا النار! حيث لم يفعلها المبسلط ورامي(5).
قمع بلا سيادة، وهتاف بلا وطن، ووطن بلا اقتصاد، وانتخابات تحت راية بل قدم الغاصب، ومجلس تشريعي لا يجرؤ على تسجيل مولود واحد دون أن يرسله إخبارية لمكتب النفوس في تل أبيب...إلخ. وفي النهاية افتخار بالاعتراف بالكيان والتطبيع وحقد على سوريا لأنها لم تعترف بالكيان. نعم لم تعترف، وإن اعترف النظام السوري الحالي بالكيان سنذهب للقتال ضده هناك. وليس هنا مجال تعداد ماذا يفعل حكام الخليج الذين يمولون كل هذا الحقد .

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net