Tahawolat
 تسارع الأحداث يوحي أو يؤشر وكأن العالم في الربع ساعة الأخيرة التي تسبق الانفجار النهائي، خصوصاً بعد أن شعرت واشنطن أن أحادية قُطبيتها تتعرض للتفكك. فتحّول أميركا من قوة مُهيمنة على العالم منذ سقوط الاتحاد السوفياتي إلى قوة لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاوزها حسب الرئيس أوباما، يطرح عُمق الأزمة التي تعاني منها أميركا بسبب التحولات الكبيرة التي أحدثتها مجموعة عوامل،أهمها التمدد الاقتصادي الصيني في الأسواق العالمية المحمي بحاملات الطائرات، وهذه تعتبر اندفاعة جيو ـ استراتيجية جديدة، نزوع روسيا إلى التموضع والشراكة في القرار العالمي، وقد استعملت حق النقض في الأمم المتحدة دفاعاً عن سوريا وتأكيداً لحضورها. نشوء مجموعة البريكس الداعمة  والمتفهمة لحق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها وتحررها من التسلط الأميركي المهيمن على موارد وطاقات العالم. صعود إيران النووي.استمرار المأزق الإسرائيلي الوجودي، وهذا خط أحمر في السياسة الأميركية. فشل التقدم في الشرق الاوسط  الناجم عن ضعف  أدوات أميركا أمام صلابة الخط المُمانع والمقاوم وتصديه الدائم لمُخططات المشاريع الأميركية واستهدافاتها. كل ذلك أو معظمه أظهر ازدياد إمكانية القوى المُناهضة وقدرتهاعلى عرقلة المُخططات التي تعتمدها أميركا للسيطرة على مصادر وممرات الغاز التي تزود الأسواق  الأوروبية والتي أصبحت وجودية بالنسبة لها للحفاظ على أحادية القطبية في الوقت الذي تُعاني فيه من الخسائر والهزائم والأزمات الاقتصادية الكبيرة، وهي كانت قد خططت منذ البداية للسيطرة على العالم من خلال سيطرتها على الغاز الروسي والإيراني. بعد أن اصبح الصراع على الغاز يعني الصراع على السيطرة والنفوذ في العالم. أعلنت أميركا في العام 2002  عن مشروع خط غاز أطلقت عليه اسم "نابوكو" وهو عنوان لمقطوعة "فيردي" الموسيقية التي تعبر عن سبي نبوخد نصّر لليهود في العراق. جاء إعلان أميركا وذلك قبل إحتلالها العراق بسنة واحدة، وبعد أن نفذّت إنقلابين: الأول في قطرعام 1995  حيث بدأ تسييل الغاز لعدم إمكانية مد الأنابيب إلى أوروبا، والثاني في العام 2002 مع العدالة والتنمية في تركيا كمحطتين لتجميع الغاز من روسيا وأذربيجان وايران ومصروسواحل فلسطين ولبنان وسوريا وقبرص (روسيا لم تكن قد اكتشفته بعد) وضخه إلى أوروبا دون المرور باليونان، وهذا حلم اردوغان الذي ستتحول بلاده إلى محطة تستقبل أكثر من 40 مليار متر مكعب من الغاز وما يعنيه ذلك من سيطرة ونفوذ في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط. القلق الاميركي بدأ منذ العام 1992 حين عُقدت اتفاقية (كيوتو) للحد من الاحتباس الحراري واعتماد الغاز كطاقة بديلة، وأدّت موافقة أوروبا على تطبيقه في العام 1994  إلى مباشرة أميركا في تنفيذ مروحة واسعة من الإجراءات على الساحة الدولية بهدف قطع الطريق على نفوذ الغاز الروسي في أوروبا، خصوصاً بعد أن سقطت حماية حلف وارسو لها، فأشغلتها بأحداث الشيشان ويوغسلافيا بواسطة الأفغان العرب. في العام 1996 بدأ يظهر نجم بوتين من خلال احداث الشيشان، حيث أسس  شركة غازبروم للإمساك بالوضع الروسي تمهيداً لدور حاسم على الساحة الدولية، وأدى وصوله إلى السلطة في الـ 2002 إلى نكسة في سياسات واشنطن حول الغاز،فكان لابد من إخضاع الغاز  التركمستاني والأذربيجاني لتسهيل السيطرة على الغاز الإيراني والمصري،  اضافة إلى مخزون الساحل الشرقي للمتوسط لإحكام قبضتها على الأسواق الأوروبية ووسط آسيا، وبذلك تحتفظ بسيطرتها على العالم. وفي الوقت نفسه،كان لا بد لواشنطن من أن تدمر المقاومة في لبنان لتحرير غاز المتوسط وللانقضاض على سوريا لاحقاً للحصول أيضاً على الغاز الإيراني وتطويق روسيا في وسط آسيا وأوروبا. ولكنها أُصيبت بالفشل في حرب عناقيد الغضب عام 1996، وبالخيبة في العام 2000 حين أجبرت المقاومة الجيش الإسرائيلي على الانسحاب مخذولاً من جنوب لبنان.هكذا أصبح استخراج الغاز من سواحل فلسطين ولبنان وقبرص مُستحيلاً وخاضعاً لمُعادلة صواريخ المقاومة المتزايدةوالمُتعاظمة.

ظهور معادلات جديدة وضَعَ واشنطن أمام خيارات المواجهة الحتمية. فالتقارب الصيني الروسي، ووجود بوتين المُعادي لسياساتها في السلطة وإحرازه بعض التقدم والنفوذ في القارة الأوروبية في ظل انتعاش اقتصادي ملحوظ سيؤدي إلى إستعادة روسيا لعافيتها، نظرية البحار الخمسة التي يعمل عليها الرئيس السوري بشار الاسد، تراجع قوة إسرائيل وتفوفها أمام توازن الرعب الذي أرسته المقاومة في لبنان، عدم قدرة الغاز القطري على المُنافسة في الأسواق الأوروبية، كلها عوامل تساعد على تقليص نفوذها في أوروبا ووسط آسيا، يُضاف إليه نفوذ الصين وروسيا التجاري في القارة الإفريقية (من هنا نفهم تدخل الناتو ـ الأطلسي في ليبيا) وتقلص بعض نفوذها في أميركا الجنوبية.

كان الرد الأميركي مُفاجئاً وصاعقاً. هجوم بالطائرات المدنية على مبنى التجارة العالمي ومواقع أميركية اُخرى، واحتلال أفغانستان كخطوة أولى لقطع طريق الترانزيت عن الصين ومُحاصرة روسيا وإيران من جهة ثانية، بهدف تحقيق الخطوة الأولى من السيطرة على الغاز المصري وغاز سواحل المتوسط الذي كانت روسيا تجهل وجوده ، فقدِم أردوغان وأوغلو إلى القاهرة لإقناع الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك بالتوقيع على اتفاق "نابوكو" لإنجاز السيطرة على غاز وسط آسيا على حساب سلطة مبارك الذي وقع في الخديعة التركية - الأميركية التي تقضي بتقسيم مصر إلى ثلاث دول والعراق إلى ثلاثة دول وسوريا إلى أربع دول مُقابل تعهد أميركي لتركيا بالحؤول دون تمرير خط الغاز الروسي من اليونان لتتمكن تركيا من السيطرة على كامل قبرص والدخول في الاتحاد الأوروبي على حساب اليونان (أسباب أزمة اليونان الاقتصادية) وبذلك تحتكر تركيا بوصاية أميركية إمداد أوروبا بالغاز على حساب روسيا وإيران (الدرع الصاروخي الاطلسي في تركيا).

المرحلة الثانية من الهجوم الأميركي المُركّب بدأت بالثورة البرتقالية في أوكرانيا وافتعال أحداث روسيا البيضاء للتأثيرعلى إمدادات الغاز الروسي، اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري للضغط على سوريا وتمهيداً لتهجير الشيعة من جنوب لبنان إلى العراق، ومُباشرة تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات طائفية تقودها دولة يهودية، وهذا ما أفشلته قوى المقاومة والمُمانعة حتى الآن.

جاء الرد الروسي على الهجوم الأميركي عنيفاً. خرج البرتقاليون في أوكرانيا من السلطة، أعلنت روسيا عن بناء خطوط الغاز الأربعة: الخط الشمالي يصل إلى ألمانيا، الخط الجنوبي عبر البحر الأسود إلى بلغاريا وعبرها إلى رومانيا وهنغاريا والنمسا وجنوباً عبر اليونان وإيطاليا، الخط الأزرق عبر تركيا وسوريا والأردن (أُلغي هذا الخط بعد اكتشاف روسيا لغاز المتوسط)، ورابعاً خط نيجيريا والنيجر والجزائر الذي يعتمد تسييل الغاز وشحنه إلى أوروبا في المرحلة الأولى على أن يتم مد الأنابيب إلى أوروبا في المرحلة الثانية. ولم تكتفِ روسيا بذلك، بل سارعت الىالاستحواذ على نصف حصة شركة (إيني) الإيطالية في ليبيا وبدأت الإستثمار في السودان، وحصل بوتين عندما زار مصر على بعض الاستثمارات النفطية.

الربيع العربي كان الرد الأميركي المُباشر على الحركة الروسية المُتصاعدة، عبر إحياء مشروع هنري كيسنجر القديم، لتقسيم الشرق الأوسط وقطع الطريق على استثمارات روسيا والصين، والاستحواذ على الغاز في مصر ولبنان وفلسطين وقبرص، وتوسيع المروحة باتجاه شمال آسيا وإسقاط شمالي إفريقيا للحؤول دون التمدد الروسي - الصيني.
فهل اكتملت العناصر المؤسِسة لحرب عالمية ثالثة؟ يبقى السؤال مطروحاً.


 

 

آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
I love these articles. How many words can a wordsmith smith?

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net