Tahawolat

في العام 1920 أعلن غورو ولادة لبنان الكبير. ورغم مرور قرن تقريباً، ما زال يشهد لبنان دورة جديدة من الصراع على هويته ودوره وغده. فهل هي مناسبة لإعلان موت لبنان أو تجديد دوره ومعناه؟
  سأتوقف عند بعض الملامح التي طبعت قرن من وجود لبنان الكبير:
1-أزمة هوية ونظام:
  دستور جمهورية لبنان الأولى نص على أن لبنان ذو وجع عربي، ودستور جمهورية لبنان الثانية أكد على أن لبنان عربي الهوية والانتماء.
ورغم النص الدستوري ظلت الهوية اللبنانية متشظية بين العروبة الواقعية والخيالية والمصلحية المرتبطة بدول النفط والبترودولار بالإضافة إلى الهوية السورية والمشرقية والانعزالية. 
نظام الجمهورية الأولى قام على محاصصة طائفية وامتيازات للمارونية السياسية، ولكن سوء إدارة الطبقة السياسية التي حكمت لبنان، أدى إلى انفجار الوضع اللبناني بسبب أزمة النظام وأزمة المنطقة المنعكسة، مما أدى إلى نهاية الجمهورية الأولى وبداية الجمهورية الثانية مع الطائف، لكن سوء الإدارة والفساد والمحاصصة وترسيخ الطائفية أوصلت الجمهورية الثانية الآن، مع مشارف مئة عام على ولادة لبنان الكبير إلى أزمة حكومة وحكم ونظام، وقد تصل إلى أزمة كيان.

2 -السيادة والتبعية
  حتى الآن لايوجد اتفاق بين اللبنانيين حول مفهوم السيادة، ومعظم القوى اللبنانية تابعة لجهات خارجية قريبة أو بعيدة. حدود لبنان الكبير شملت مزارع شبعا والقرى السبعة والتي تُقدر مساحتها بـ 96 ألف متر مربع، لكن بعض غُلات الانعزالية يتنكرون لهذه الأجزاء اللبنانية حتى لا ينخرطوا في المطالبة بتحريرها ودعم المقاومة.

3- الدولة الفاشلة
«لبنان دولة فاشلة» بالمرتبة 18 من أصل 60 دولة، أي ضمن الدول ذات «الوضع الحرج» حسب تصنيف قدمته دراسة حول «الدول الفاشلة»، نشرتها دورية «فورين بوليسي» منذ فترة وربما الآن وصل إلى مرتبة أسوأ.
  قبل وبعد إعلان «دولة لبنان الكبير» قبل وبعد إعلان الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، أثبتت الأحداث أن لبنان غير قابل لأن يحكم نفسه بنفسه أو أن يطبق «الحكم الذاتي» على كامل أراضيه. فكل فترة تولد أزمة جديدة بين اللبنانيين (مقرونة بالإرتباطات الخارجية )، وتسلك أحد المسارين: إما أزمة سياسية مفتوحة تنتهي باتفاق و«تبويس شوارب»، وإما مناوشات سياسية تعقبها حرب أهلية طاحنة، تنتهي باتفاق و«تبويس شوارب»! هذه هي الحال اللبنانية.
لكن المشكلة أن هذه الاتفاقات لم تكن يوماً «لبنانية صرفة»، بل كانت دائماً نتاج خلطة دولية ببهارات كلامية معسولة حول «الوحدة الوطنية» و«العيش المشترك» و«إلغاء الطائفية السياسية».  
هذه الحال من عدم الاستقرار والثبات والاتفاق على المؤسسات ومرجعيتها وصلاحياتها، يضع لبنان دائماً أمام أزمة وجودية تتفاقم مع تجذر مخاوف مستجدة منها: 
1 _ القلق من حالة الجوار الجغرافي والخطر على انهيار الدولة وتفكك المجتمع.
2- الرعب من إرهاب تكفيري إلغائي في ظل غياب الضمانات والحلول الآمنة والمستمرة... وتنامي هذه الحركات التكفيرية الإسلامية، التي تسعى إلى إلغاء الآخر المسيحي والإٍسلامي الذي لا يشاركها الرأي والتفسير، وتعمل على طرده من دار الإسلام، بالإرهاب والقتل. 
تنطلق هذه الحركات من دمج الاستعمار الغربي بالعقيدة المسيحية، وتكفر كل من لا يوافقها النظرة، إن كان مسيحياً أم مسلماً. هذا التحدي لا يواجه المسيحيين الشرقيين فقط بل هو تحدٍّ مصيري للإسلام المعتدل أو الليبرالي، كما هو تحدٍّ للعروبة نفسها التي تواجه مأزقاً بين مدارسها، حيث يربط بعضها العروبة بالإسلام.  
3  -  يتمثّل التحدي الثالث في انزلاق بعض الفئات المسيحية في لبنان أساساً ولها أصداء في سوريا والعراق ومصر والسودان إلى منطق انعزالي يرتكز على وهْم قيام دولة أو كانتون للمسيحيين، كمخرج وحيد لحمايتهم من البحر الإسلامي، مما يؤدي إلى تحالف بين هذه الجماعات والمخططات الغربية عموماً، وهي الرامية إلى تفكيك المنطقة ضمن مشروع أميركي- صهيوني للشرق الأوسط الجديد، قائم على أساس دويلات طائفية، الغرض منها استغلال خوف المسيحيين والأقليات عامة من جهة، وتبرير قيام "إسرائيل" كدولة يهودية من جهة أخرى، مما يحفظ أمنها على حساب الآخرين. أدى هذا المنطق إلى انقسام المسيحيين في ما بينهم والى تشرذمهم، وتفتيت وجودهم وتعرضهم إلى حملة من المضايقات، وصولاً إلى إحباطهم وتسهيل هجرتهم لأسباب اقتصادية أو لظروف التمييز والقهر.
ما زال لبنان في حالة مواجهة بين نزعتين انعزالية ومشرقية قد تغير نظرتهم إلى الكيان من لبنان الملجأ، إلى لبنان كرصيف للهجرة وساحة حروب أهلية تهدد الوجود.
يواجه لبنان تحديات مصيرية تفرضها حقائق بدأت تتمظهر في الواقع أكثر، منها:
1) سقوط النظام الإقليمي العربي الرسمي ودخوله في مرحلة انتقالية تودع الماضي من دون أن يتبلور المستقبل. وتداعيات السقوط سوف يكون لها انعكاسات وتجاذبات على الساحة اللبنانية المنقسمة على ذاتها والمتحالفة مع قوى إقليمية تتمدّد وتتماهى معها وتحدد قواها وتقرر مصير التوازنات الداخلية اللبنانية.
2) سقوط اتفاقية سايكس ـ بيكو التي رسمت الحدود السياسية لدول الهلال الخصيب، حيث ظهر لبنان بحدوده الحالية العام 1920. وقبل نهاية قرن على نشوء الكيان اللبناني بدأت الأحداث تكسر الحدود السياسية بعد أن اعترفت بها الدول كحالة قانونية دولية، والحركات القومية كأمر واقع. لكن من جهة فإن «اسرائيل» تهدد حدود لبنان الجنوبية بمطامعها التوسعية في الأرض والموارد، ومن جهة أخرى تحوّلت حدود لبنان الشمالية الشرقية الى مساحات مفتوحة تشهد تراشقاً عابراً للحدود(حرب الجرود)، وتنقل المقاتلين والعتاد بين ضفتيها، وقد أصبحت ساحة واحدة مستباحة للسلاح والمقاتلين والإمدادات. وهكذا غدت هذه الحدود خطوطاً افتراضية يُعاد رسمها على ضوء نتائج الصراع الدموي الدائر على ضفتي الحدود وفي كلا البلدين.
    
3) سقوط اتفاق الطائف بسبب عدم القدرة على تطبيقه كاملاً، بمعنى عدم وجود تفسير موحد لتطبيقه وتعليق أو تجميد بنود عديدة منه، مما يضع لبنان أمام فوضى دستورية تهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية وتجعل الحكم فيه غير ممكن، ودولة فاشلة عاجزة إزاء أزمة حكومة وحكم ونظام، فضلاً عن أزمة كيان ومصير ووجود.

إن سقوط النظام الإقليمي سياسياً (عجز الجامعة العربية) وجغرافياً (تكسير حدود سايكس - بيكو) وتزامنه مع فشل الدولة اللبنانية، يفتح الباب واسعاً أمام أسئلة ومعطيات وتحديات مستجدة في لبنان ومحيطه، تواجه لبنان من دون جواب موحّد ومحدّد منها:

1) فائض العنف والإرهاب عبر حدود سايكس ـ بيكو، كسر الحواجز التي رسمتها الكيانات السياسية، وتحوّلت تخومها ساحة معركة واحدة، تعددت فيها المعابر لنقل العتاد والمقاتلين. وهذا ما نشهده  أيضا بين حدود سورية والعراق والأردن وفلسطين ووو
2 ) فائض العصبيات المذهبية والإتنية والقبلية يشجع التواصل بين الجماعات المنتشرة على ضفتي الحدود متجاوزة الحدود السياسية التي أصبحت شرايين تواصل بدلاً من كونها جدار فصل. لم تكن حدود سايكس بيكو على حجم الفئات المنتشرة جغرافياً في أكثر من كيان سياسي. فقد طافت الجماعات عن التخوم المسيّجة وحطمت الحدود التي تباعد بين الأهل والأقارب.
3) فائض الجهل والتخلف والتبعية والاستبداد والتكفير، مع فائض الظلم والقهر زاد  من عدد النازحين واللاجئين والهاربين من الخوف والاستبداد فأصبحوا مادة متفجرة تتمدد في المكان على اتساعه، ضاربةً عرض الحائط الحدود المصطنعة التي أصبحت عاجزة عن عزل الناس في معتقلات كبيرة.
4) فائض المقاومة ضد اسرائيل أخرجها من القمقم الكياني، فغدت المقاومة في لبنان نموذجاً للانتفاضة في فلسطين، وسنداً للمقاومة في الجولان التي بدأت تتصاعد، وامتداداً للمقاومة في العراق وحلماً للمعارضة في الأردن، وكلما اشتد عود المقاومة في لبنان أصبحت نواة لجبهة شرقية توحّد قوى الممانعة والمقاومة والتغيير على امتداد المشرق العربي بعيداً عن الحدود الرسمية والتخوم الافتراضية متجاوزة الحدود والحواجز.
يمكن أن تذهب المنطقة الى فرصة جديدة لتوحيد المنطقة في مواجهة المشروع الأميركي - الاسرائيلي عبر صيغة مجلس تعاون مشرقي على طريقة «مجلس التعاون الخليجي» أو تأسيس جبهة شرقية توحد قوى المقاومة والانتفاضة والممانعة (والتقارب العسكري العراقي – السوري هو نواتها).
5) وبالتوازي مع فائض قوة المقاومة يواجهه فائض قوة الثورة المضادة أو فائض العداء لسلاح المقاومة وروح الممانعة تحت شعار الاستقرار والازدهار على قاعدة التطبيع والسلم مع "اسرائيل". مما شكل جبهة محاصرة المقاومة وأوجد مواجهة مفتوحة بين المقاومة وأعدائها.

هذه الأسئلة الوجودية من يجيب عليها في لبنان؟
القوى القومية والتقدمية غارقة في أزمة أحزابها وتنظيماتها وتعيش حالة مخاض ونقد ذاتي ولم تبلور بعد مشروعاً جديداً فاعلاً. الجماعات الدينية تلقت التحديات وتجاوبت معها بأشكال ومستويات مختلفة. و يمكن رصد الحراكات الجماهيرية الطائفية وكوارثها كما يلي:
1)بعد أن ساد الفكر الانعزالي بشكل واسع داخل الوسط المسيحي، داعياً الى فصل لبنان عن محيطه وإدارة شؤونه بعيداً عن جواره، نلاحظ أن قسماً من هذا الوسط انتقل الى وعي مشرقي يتفاعل مع المحيط ويلتزم بقضاياه ويدرك ترابط وجوده ووضعه في لبنان مع تطورات الحالة الإقليمية لا سيما في المشرق، فتأسست جمعيات ومراكز تدعو الى إحياء المشرقية بأشكال مختلفة تدل عن وعي جديد للتراث والمصير.  قسم آخر من القوى الانعزالية ذهب باتجاه الرهان على عروبة المصلحة فتحالف مع بعض أنظمة الخليج علّه يُحسن توازنه الداخلي.
2)يشهد جمهور من السنية السياسية في لبنان حالات تجاذب حادة غير مستقرة ولم يحسم بعد بين اتجاهات فكرية متناقضة تتوزع بين الإخوان المسلمين والسلفيين واللبراليين والاعتدال والفكر القومي والتقدمي على اختلاف مدارسه. هذا الجمهور كان يتعاطف تاريخياً مع القومية العربية وكان في طليعة دعم ثورات الاستقلال العربية والمسألة الفلسطينية على اختلاف مراحلها. أما اليوم فيشهد مواجهة كامنة وأحياناً مكشوفة بين تيارات التكفيريين ودعاة الإمارة الإسلامية ولو في حي أو قرية وبين فكر ديني وسطي معتدل يعبر عن نفسه بأشكال متنوعة، وهو في حالة الدفاع والترقب والضياع بين "لبنان أولاً" لا يرضي طموحه وبين "هلال سني" لم تتبلور معالمه بعد. هل هو بديل عن العروبة أم امتداد للعثمانية الجديدة. فبعد سقوط العروبة الخيالية يفتش رواد العروبة التاريخية عن عروبة حضارية جديدة تحقق طموحاتهم على اختلاف مذاهبها وتياراتها.
3)   جمهور واسع من الشيعية السياسية يلتف حول المقاومة التي بدأت تشعر بمأزق عزلتها الجغرافية (الجنوب والبقاع والضاحية) وبشرياً (الشيعية السياسية وحلفاؤها)، ما دفع البعض الى بداية طرح أفكار أبعد من المقاومة الإسلامية في الجنوب لتلامس الدعوة الى تحرير الجليل في الشمال الفلسطيني ودعم المقاومة في الجولان ومساندة العمق العراقي مما بدأ يُلامس فكرة حرب التحرير الشعبية الممتد من المتوسط الى الخليج والتي يطلق عليها البعض "الهلال الشيعي"، بينما يسميها آخرون هلال المقاومة المدعوم من إيران. وقد بدأت أوساط شيعية تستسيغ تسمية الهلال الشيعي لما فيها من امتداد شعبي وجغرافي يربط بلاد الشام ببلاد الرافدين وجبل عامل بالنجف، مروراً بمقام السيدة زينب.
4) أما الدرزية السياسية فهم يتوزعون في فلسطين ولبنان وسوريا ويحلم البعض منهم بجبل يوحّدهم بين كل التناقضات التي تحيط بهم وتتحكم بأكثريتهم حالة الانتظار والتردد والخوف من المجهول.
المخاطر التي تواجهنا كدولة وكيانٍ ونظام  ومجتمعٍ لم تعد عابرة أو جزئية بل هي تهدد وجود لبنان. وبدأت ترد في وسائل الإعلام مخاطر " انتهاء الجمهورية" و "موت الكيان" وغيرها من العبارات التي تعبر عن اليأس والقرف والنهايات.
     وإزاء فشل الدولة وعجزها أمام هذه المخاطر الوجودية لم يبق أمام اللبنانيين الأحرار إلا المبادرة للاتحاد والمواجهة لإنقاذ الدولة بإعادة تأسيس جمهورية جديدة تحقق العدالة والمساواة والسيادة بالإجابة أولا على الأسئلة الجديدة المطروحة. فهل هذا ممكن ؟ أم لا محالة هذا هو لبنان وهكذا سوف يبقى أو يزول؟

هل التغيير ممكن في لبنان؟ 
سبق وحصلت محاولات لتغيير المعادلة في لبنان وقد باءت بالفشل. ونجحت جزئياً في تعديل ما، أو تسريع ما، لكن دون حصول تغير بنيوي أو جذري أو جدي. قراءة سريعة تظهر ما يلي:
1)- فائض القوة الإقليمية أجهض من حلف بغداد إلى الثورة الناصرية وصولاً إلى تدخلات البعثيين العراقيين والسوريين، بالإضافة إلى تعاظم نفوذ الثورة الفلسطينية والإغراق المالي العربي المتنوع من ليبيا إلى السعودية.
2)- فائض قوة الجيش اللبناني أوصلت في أحسن الحالات قائد الجيش إلى الرئاسة، لكنها فشلت في استمرار حكم العسكر ولو عبر المكتب الثاني وبعض الأجهزة إلى حين. بالإضافة إلى فشل محاولات الانقلاب من الحزب القومي إلى حركة الأحدب إلى جيش لبنان العربي وجيش لحد، وغيرها من المحاولات الفاشلة والمحدودة.
3)- فائض القوة المالية التي عبر عنها بعض المصارف ورجال الأعمال وكانت ذروتها مع الشهيد رفيق الحريري لم تتمكن من استمرار فرض سيطرتها ونفوذها رغم الدعم العربي والدولي لها.
4)- فائض القوة الإسرائيلية عبر تدخلاتها المتنوعة، من التحالف مع فريق لبناني إلى الاجتياح، إلى الدعم المتنوع، لم تتمكن من تغير المعادلة اللبنانية وظل تأثيرها محدوداً ولمرحلة معينة.
5)- فائض العنف من ثورة أعلنها الحزب القومي في 1949 وأجهضت بسرعة إلى ثورة 58 إلى حركات عصيان مسلح محدود، دلت على أن العنف والثورة ليس له طريق سالك في لبنان.
6)- فائض المقاومة نجح في التحرير وتمدد في المنطقة لا سيما في الجمهورية السورية، لكنها ما تزال أسيرة المعادلة اللبنانية التي طوقتها وحدّت من تأثيرها ودورها حتى الآن في تغير المعادلة اللبنانية الصعبة.
7)- فائض سلاح المليشيات، أفرز حروباً أهلية دورية داخلية، وأوصل أثرياء الحرب إلى السلطة، لكنه غير قادر على التغير والتعديل والتبديل.
باختصار فائض القوة في لبنان لا يُصرف في التغيير. لذلك يستنتج البعض أن  لبنان عصيّ على التغيير وهو أقوى نظام عربي. رغم وصول النظام الطائفي الفاسد إلى المأزق الكبير لكنه لم يسقط بعد، وما زال هناك غياب لرؤية وثوابت وطنية مشتركة، لذا ينجح النظام في إغراق البلد وجرها إلى حروب ونزاعات طائفية وصراعات مذهبية تجهض أي محاولة للتغيير.

ولأنني من الحالمين اقترح أن التغير إذا كان ممكناً في ظروف لبنان والمنطقة، له ثلاثة معابر، وهي: 
ـ انقلاب أو ثورة لإسقاط النظام الطائفي وهذا احتمال مستبعد حالياً للأسباب والمحاولات التي سبق ذكرها.
- اعتماد الاستفتاء الشعبي وهو مستبعد حتى الآن. 
ـ   تشكيل «هيئة إلغاء الطائفية»، واعتمادها هيئة تأسيسية للنظام الجديد مع سن قانون انتخابات على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة مما يفتح الطريق أمام تغيير جدي ممكن.
  
أمام كل هذه الصعوبات يبقى الاحتمال الوحيد لحصول تغيير في لبنان هو تأسيس كتلة وطنية شعبية لها رؤية وبرنامج سياسي للإنقاذ ذات نفس طويل تقدم حلولاً للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولها موقف واضح من المقاومة والاستراتيجية الدفاعية، وتعمل على إعادة بناء العلاقات السورية - اللبنانية على أسس سليمة، ولها قيادة عملية ونزيهة وبرنامج واضح من أجل إعادة التأسيس وبناء جمهورية جديدة. 

اللبنانيون اليوم وفي هذه الذكرى، مدعوون إلى تقديم نموذج جديد للحضارة الإنسانية، خصوصاً بعدما تشيأت الحضارة الغربية التي تدّعي المسيحية وقضت على البعد الروحي للإنسان. هم مدعوون إلى أن يكونوا رسل حضارة كونية جديدة قائمة على مرتكزيْن:
1 ـ  الاعتراف بحق الاختلاف ضمن الائتلاف والتضامن، من أجل القضاء على الفقر والظلم والجهل والاستبداد. لذلك هم شهود على هذا التنوع المتميز، حيث يتم الالتقاء بين المسيحية والإسلام وحضاراتنا القديمة العريقة ..
2 ـ أنسنة الحضارة عبر الموالفة بين البعدين المادي والروحاني. فللإنسان مصالح وحاجات مادية يجب توفيرها بشكل طبيعي وسليم من دون استغلال أو حرمان أو إفراط. وللإنسان أيضاً بُعد روحاني ذو تطلعات عقلانية جمالية نفسية ومثل عليا وقيم ومناقب، من دونها لا قيمة لأي حضارة أو ثقافة،


أمام التحديات الوجودية التي يواجهها لبنان ما هي الخيارات:
-إبقاء الجمهورية اللبنانية على ما هي عليه من أزمات وخضات تهز وجوده ولا تلغيه ولا تغيره.
-موت الجمهورية وإلغائها بسبب التحولات الإقليمية العاصفة وما تحمله من مشاريع قضم وتقسيم وضم وإعادة فرز، وهذا الخيار تفرضه الحروب وحدود الدم.
-بناء جمهورية جديدة تنتظر التغيرات في المنطقة حتى تلتقي معها في مشرق جديد مدني ديمقراطي.

 بعد كل هذا العرض يتبين لنا أن لبنان عجز حتى الآن عن لبننت الإعلان الفرنسي لنشوء كيان لبنان الكبير، بالاضافة الى أننا في زمن تواجه فيه كيانات الهلال الخصيب أزمات وجودية مصيرية. فهل تستطيع القوى الوطنية والقومية والتقدمية في لبنان تقديم نموذج خلاص للبنان وسائر كيانات المنطقة عبر تأسيس دولة وطنية متكاملة مع كيانات المشرق؟

 والبداية تكون بعقد مؤتمر وطني شعبي يضع نظاماً جديداً للبنان ويؤسس لجمهورية ثالثة تضع حداً لمسار التبعية والطائفية وتُجدد معنى ورسالة لبنان ليصبج منارة المشرق.
في هذه المناسبة هل يمكن إطلاق مبادرة تأسيسية عبر ندوات ومؤتمرات دورية، لإبداع صيغة جديدة لمعنى ودور لبنان الجديد، بعد أن دخل لبنان الكبير في خريف العمر.
 

 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net