Tahawolat
لعبت الانظمة العربية، ملكية كانت أم جمهورية، دوراً حاسماً في إخماد الحس القومي لدى شريحة واسعة من الشعوب العربية، ونجحت في تحويلها الى مُجرد كُتل بشرية وارقام ذات وظيفة إنتخابية كحدٍ أقصى تمهيداً لحرفها عن دورها القومي وإشغالها بنمط تبعي يوصلها الى فقدان الحيوية الوطنية كنتيجة لفصلها عن سياق التطور التاريخي عبر إرضاخها وتطويعها بالعامليْن الإقتصادي والاجتماعي وتطويق المفهوم القومي بالعامل الديني فتراجعت قضية فلسطين كمسألة مُلحّة أو أساسية في الصراع العربي - الإسرائيلي تحت وطأة إستبدالها بالعداء لإيران ولمشروع المقاومة والممانعة، وكان لنجاح هذا المناخ أثر بالغ الخطورة في التغيير الجيو - سياسي والجيو - ثقافي الذي رعتة وساهمت في إعداده كل من اميركا وإسرائيل وبعض الدوائر الغربية التي إستطاعت إرساء جيو -إستراتيجي عربي جديد يخدم مصالحها ومخططاتها في المنطقة على حساب مصالح وموارد ومفاهيم القومية العربية.

لا يصعُب على المُراقب لوقائع الحروب الاميركية المُباشرة في الشرق الاوسط، وبعيداً عن الارقام والإحصائيات، مُلاحظة كلفة هذه الحروب التي تغطيها دول النفط والإعتدال العربي أكان بعقود التسلح الإلزامي أم بتغطية نفقات القواعد العسكرية المُنتشرة في دول الخليج خاصة، أو بإيداع اموال النفط في البنوك الاميركية كفائض توظفه الإدارة الاميركية لسد ثغرة السيولة الناتجة عن الإنكماش الإقتصادي الناجم عن إرتفاع نسبة الديون الداخلية والخارجية البالغة أعلى منسوب لها منذ تأسيسها، وإذا ما اضفنا تمويل الشركات الاميركية وحلفائها الحصري في تنفيذ المشاريع الكبرى اكان في المُنشآت النفطية او العمرانية ام لناحية السلع والبضائع المستوردة، يتبين لنا ان الثروة العربية الضخمة تشكل كُتلة نقدية إحتياطية هائلة ومن ناحية تشكل اهم المداخيل القومية لإكبر آلة عسكرية إستعمارية تنتهج القتل والتدمير والإبادة المُنظمة بحق الشعوب العربية النازفة دماً وأشلاءاً بشكل يومي. وإذا لم نُغفل التغطية المالية، العلني منها والسرّي، التي ساهمت بها جهات عربية في تمويل

إحتلال أفغانستان، فقد بلغت حدود السبعين في المئة من كلفة الحرب ولا تزال مُستمرة حتى الآن. وفي العراق تكاملت الجهود الاميركية العربية المُتحالفة على هدف تدمير دولة تشكل بموقعها الحيز الاكبر لمساحة تختزن حقبات تاريخية، سابقة ولاحقة للعرب، كما انها تُعتبر الزاوية الذهبية لمُثلث الهلال الخصيب العريق بالحضارة والثقافة، في حين شكلت الاراضي العربية منصات لإنطلاق الطائرات والصواريخ لقصفها ووُضع البترول العربي بتصرف الحلفاء ضد مكامن قوتهم التي نجح الاميركي في تفكيكها والإستيلاء على مخزون النفط الاكبر في العالم على انقاض وحدة الشعب، مُقابل حماية مُفترضة من عدوٍ وهمي اسمه إيران، وها هم اليوم يستعملون أعلى مراتب مكرهم وخداعهم ودسائسهم التاريخية للإيقاع بسورية آخر قلاع القومية العربية التي إنتصرت للمقاومات العربية قاطبة وشكلت حائلاً لمشاريع تفتيت المنطقة إنفاذاً لشرقهم الاوسط الجديد.

شكّل بعض النظام العربي إنموذجاً هجيناً في إصراره على التخلي عن السيادة القومية وتفويضها لإرادات خارجية بما في ذلك موارده النفطية وعائداتها، مُقابل إستمراره في الحكم، وقد شهد العصر الحديث أنماطاً من التبعية والوصاية تمثل بعضها بإتفاقيات وعهود موقعة من ملوك ورؤساء عرب تتكفل الموافقة على إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وتسهيل قيام الدولة اليهودية في فلسطين العربية. وهذا ليس آخرها ولا أخطرها، بل الخطورة تكمن في الادوار التي تلعبها الأنظمة العربية في الاحداث الجارية التي تخطت إسقاط الأنظمة الى إسقاط الدول وبالتالي إسقاط الحضارة العربية على ايدي العرب انفسهم.

أنظمة عربية نشأت بإرادة القوى الخارجية، ذاتها ساندت كافة المشاريع السياسية والثقافية والإقتصادية والعسكرية والامنية بما في ذلك تهويد فلسطين وليس القدس فقط، أنظمة تخوض حروب اميركا وحلفائها في الارض العربية، تقتل وتمول القتل، تدمر وتمول التدمير كما تعلمت من ربيبتها فلسفة العقاب الذي تمارسه على ابناء جلدتها وقوميتها.

لا احد يتجاهل ان المنطقة برمتها على فوهة بركان يتقد بأربعة عناصر، النفط والغاز وإسرائيل والصراع الديني، تختصر مصالح وخطط اميركا، وادواتها التي تُحدث الإشتعال في المنطقة عربية بإمتياز، وهذا ما يذكرني بسعداللة ونّوس في مسرحية "رأس المملوك جابر" الذي حمل حكم إعدامه على رأسه الحليق دون ان

يدري وسار به فرحاً الى الوالي، فإلى أين سيسير بعض الحكّام العرب برؤسهم، الى اميركا ام تركيا ام إسرائيل.

عندما طُرد العرب من الاندلس لدسائسهم عادوا الى الوطن الام، ولكن إذا خرجوا من الوطن لدسائسهم فإلى أين سيعودون، الى البادية والحجاز ام الى كوكب آخر لست ادري، ولكن ما ادريه وما يُمليه علم الإجتماع في هذه المرحلة البالغة الخطورة والحساسية لمصيريتها فإن على كل الذين آمنوا وعملوا لوحدة الهلال الخصيب، كل الذين آمنوا بفكر قومي جامع وموحِد ان يفوا بقسمهم ويحاولوا إنقاذ الامة من السقوط في دوامة العنف والتشلق والإنهيار، آن الاوان لوقفة عز نحن جميعاً جديرون بها، لنكون جنود الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية، إنها صرخة اتمنى ان لا تكون الاخيرة

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net