Tahawolat
بعد ان بدأت "تحولات" بفتح ملف ربيع الاحزاب عبر حوار مع اسامه عجاج المهتار ورايه بالحزب السوري القومي الإجتماعي، تستكمل ملفها بنشر بيان صدر عن مجموعة من الشباب الوطنيين المستقلين يبدون فيه رأيهم وتطلعاتهم حول نشوء التيار الديمقراطي العلماني الإجتماعي في سوريا بالإضافة إلى ورقة عمل ثقافية قدمها الدكتور قيس جرجس كمساهمة في قراءة المرحلة المقبلة .

إثر الدعوة إلى المؤتمر التأسيسي للتيار الديمقراطي العلماني الاجتماعي في دمشق، تنشر "تحولات" بياناً أصدرته مجموعة من الشباب الوطنيين المستقلين، يُبدون فيه آراءهم حول نشوء هذا التيار، وتطلعاته، ويقدمون في الورقة التالية مقترحاتهم وتوصياتهم في هذا المجال:

بداية نتوجه بالشكر كمجموعة من الشباب تعدُّ بديلاً عن المجتمع الحالي، على استضافتنا بينكم للتأسيس سوياً من أجل تيار ديمقراطي علماني اجتماعي يتناسب مع حياة سورية السياسية الجديدة. إن السياسة بالنسبة لنا يجب أن تكون راقية المستوى واضحة صريحة تتخطى كل الحسابات الضيقة والفردية والفئوية. مجتمعنا في أمسّ الحاجة إلى سياسة صادقة. إننا نرى الحياة، حياة المجتمع، صراعاً دائماً بين الحق والباطل، بين المعرفة والجهل، بين النظام والفوضى. هو هذا الصراع الذي يدفع بالمجتمع إلى التطور. فلا نكتفي بالبقاء بل نطمح إلى الارتقاء. لذا تكون السياسة وسيلة تعبر عن إرادة المجتمع وتدافع عن مصالحه وحقه في الحياة وتقرر مصيره. يقول أنطون سعاده: “إن نظرتنا الاجتماعية هي التي تملي علينا سياستنا».

النظرة الاجتماعية:

لا وجود إنسانياً إلا في مجتمع، فيكون السؤال الأول: من نحن؟ ما هويتنا الاجتماعية؟ بعد أن اكتشف الإنسان نفسه ووعى على وجوده الفردي فظهرت "الأنا" نسبة لظهور الاختلافات الاختصاصية وجراء الالتقاء والتفاعل مع "الآخر"، حصل في تاريخ البشرية أمر خطير وغاية في الأهمية نتج عن التمدن وتطور العمران وهو أن وعي الفرد حقيقة مجتمعه. ففهم فعل المجتمع في نفسه وعلاقته العضوية فيه. ظهرت إذاً "أنا" جماعية لها نفسيتها الخاصة وهويتها الاجتماعية. اليوم نحن نبحث عن هذه الأنا الجماعية التي توحد صفوفنا وتجمعنا أمة واحدة للوقوف في معترك الأمم التي سبقتنا بدلاً من أن نتقاتل شِيَعاً ومِلَلاً بعيداً عن أي مفهوم إنساني وعن أي علم عقلاني. نقف اليوم أمام لحظة فاصلة في تاريخنا، هذا التاريخ الذي وضع على أكتافنا حملاً ثقيلاً، فإما أن نواجه التحديات الوجودية التي تعيق طريقنا وفلاحنا من أجل البقاء والارتقاء، وإما أن نندثر في عبودية ظالمة ونهاية لا ينبثق منها طائر فينيق ولا يحيا من بعدها تموز أو أدونيس. من بين التحديات الوجودية هذه نذكر "اختفاء الهلال الخصيب هذا القرن" كما حذرت مجلة Scientist Magazine في عدد شهر تموز2009. و"الاختفاء هنا يعني اختفاء الأراضي الصالحة للزراعة نتيجة التصحر بسبب السدود العملاقة في كل من تركيا وإيران، والذي يتزامن مع انفجار سكاني"(1) في كل دول الشرق الاوسط. يرافق هذا الخطر الوجودي خطراً أعظم، يضاعف من تدهور واقعنا، هو تفسخ مجتمعنا إلى هويات دينية وإثنية وكيانية، ما يفتح الطريق للطامعين بثروات أرضنا لنهبها والتحكم بمصيرنا من خلال السيطرة على موارد حياتنا.

وفي رأينا، إن هذه التحديات يجب أن تكون الهم الأول لأي خطة سياسية وإعلامية. "فوحدة الحياة القائمة على وحدة مصادر المياه هي المدخل إلى وحدتنا الاجتماعية والسياسية"(2). إن اجتماعنا عبر العصور، منذ السومريين إلى يومنا هذا، حاصل بفعل توفر مقومات الحياة من مياه غزيرة وأرض خصبة وحرارة معتدلة في ما سمي بالهلال السوري الخصيب. إن حضارتنا الأقدم في التاريخ والأسبق في التمدن وفي الإنتاج الزراعي والفكري والفني والأدبي والصناعي هي نتيجة بيئتنا الجغرافية الطبيعية الغنية بموارد الحياة. ومجتمعنا ليس إلا حصيلة التفاعل بين إنساننا وبيئته وبين السلالات التي دخلتها وثبتت فيها فتمدنت وامتزجت. لذلك، جواباً على سؤالنا الأول، نقول إن مجتمعنا يأخذ نفسيته وهويته من البيئة السورية وجغرافيتها الطبيعية التي وحدته جراء الاشتراك في الحياة والمصالح والمصير. إن مستقبلنا يقف على مدى وعينا وإدراكنا لهذه الحقيقة العلمية.

العلمانية:

لا نستطيع أن نكفل نظرتنا الاجتماعية هذه إلا بنظام حياتي وسياسي علماني. ونقول عمداً "حياتي وسياسي" إذ أننا نميز بين الإثنين دون أن نكتفي بالسياسي، لأننا نعتبر أن التطور نحو العلمانية يمر جبراً بفصل السلطة الدينية عن الدولة، لكنه يمر قبل ذلك ومعه بتحرير العقل الإنساني من هيمنة الدين على أسئلة الحقيقة. وهذا ما صاغه الفيلسوف ناصيف نصار في كتابه "الإشارات والمسالك" معتبراًأن للعلمانية مفهومين: ضيق/سياسي، وواسع/تنويري. الأول هو الذي يعنى بالنظام السياسي في الإدارة والحكم. لكنه إذا طبق بدون المفهوم الثاني فيصبح كالجسم بلا عظام. إن العلمانية التنويرية ليست بالضرورة اعتناقاً للفلسفات المادية، بل هي حق العقل وحريته في البحث العلمي في كل الميادين المعرفية الدنيوية والوجودية. أي إنها الوحيدة التي توازي جعل العقل "الشرع الاعلى". إن أي بحث علمي، اجتماعي أو سياسي أو فيزيائي أو اقتصادي أو أركيولوجي، بحاجة إلى موضوعية وإلى نهج منطقي يتطلب تحررا كاملاً من هيمنة الفلسفة الروحية. لأن هذا البحث العلمي لا يهمه ولا يعمل في سبيل إثبات وجود أو عدم وجود الله بل من أجل سيطرة الإنسان على المادة والتحكم فيها لمصلحة حياته وتطوره. عندها يرد الانسان فعل البيئة الطبيعية فيه ويكيفها حسب حاجاته، نسمي ذلك التفاعل المادي ـ الروحي (أي عقلي ونفسي). فتكون الدولة بالنسبة للإنسان مسألة اجتماعية علمية بحتة لا مسألة دينية، وينشأ مفهوم ثقافي جديد هو المواطنة.

الديموقراطية:

لا ديموقراطية حقيقية بدون علمانية لا سيما في المجتمعات الغنية في معتقداتها المذهبية. لأن الديموقراطية بحاجة إلى مفهوم المواطنة، وقلنا إنه مفهوم ثقافي ناتج عن العلمانية التنويرية. لذا فنحن نرى أن مصطلح "الديمقراطية المعرفية" المطروح مناسب، يتلاءم ونظرتنا إلى الديمقراطية التي تقوم على الثقافة عموماً وعلى ثقافة المواطنة خصوصاً. ونضيف على ذلك أن لا ديمقراطية في ظل هيمنة المؤسسة الدينية إذ أن الفلسفتين متباعدتان ومتناقضتان كلياً: الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب، أي أن الشعب، كله، أصبح أهلاً لكي يستمد سلطته من نفسه ويسير بنفسه في معترك الحياة. أما سلطة المؤسسة الدينية فهي منزلة، هي حكم أُنزل على الشعب وفُرض عليه الرضوخ له فلا يستمد سلطانه من الشعب بل من عالم الغيب.

النظرة الاقتصادية:

نود هنا أن نمرّ سريعاً على نظرتنا الاقتصادية التي لا بد من الاهتمام بها، إذ أن المجتمع وحياته لا يقومان إلا على موارد الحياة الطبيعية كما رأينا. لا بل إن للعامل الاقتصادي دوراً بارزاً في صهر المجتمع وجعله متجانساً قوياً. إن القوى الرجعية وأنظمتها تستمد سيطرتها بفضل تحالف الزعامة الإقطاعية/الرأسمالية مع الزعامة الدينية. وتصبح مؤسسات الدولة مباحة لمآرب الراسماليين في حين أن القضاء لا حول ولا قوة له في محاسبة أي مسؤول. والنتيجة أن ما من أحد يدافع عن حقوق المواطنين، أو يكترث إلى حالتهم ومعاناتهم المعيشية. لذا علينا البدء سريعاً بإنشاء مؤسسات تكفل فكرنا العادل من خلال تطبيق مفهوم الكفاءات والاختصاصات. يتعين علينا إيجاد الحل العملي للمواطنين الشباب والمتخرجين من الكليات الجامعية. إن تنظيم هكذا قطاع يفتح أمامنا الأبواب لجذب الكثير من أبناء

الوطن وإدخالهم في نظام اقتصادي جديد عادل يرتكز على توزيع الثروات حسب الإنتاج، بالاضافة إلى النظامين: الحياتي والسياسي، اللذين سيكتشفونهما.

الصراع مع الكيان الصهيوني:

لا يمكننا بعد كل هذا العرض أن ننسى خطراً وجودياً آخرَ هو الكيان الصهيوني السرطاني. إن هذا الكيان يسرق مياهنا في الجولان والأردن وطبريا ويطمع في المزيد منها. هو احتلال واستعمار داخل بيئتنا الجغرافية لذا فوجوده يشكل خطراً على وحدة دورتنا الاجتماعية والاقتصادية. أي إنه يشكل خطراً مباشراً على حياتنا، لذا فصراعنا معه لا يمكن أن يكون صراع حدود بل هو صراع وجود. إن أي حركة سياسية في بلادنا لا تحتضن فلسطين هي خارج المعادلة الواقعية للمنطقة وبالتالي لا تمتلك أي مقاربة علمية لحل أزماتنا. زد على ذلك أن إسرائيل دولة دينية معادية لأي مشروع ديمقراطي/علماني في العالم العربي وفي الهلال الخصيب تحديداً، بل تناسبها المشاريع الدينية التي تفتت مجتمعنا. لذا فلا يمكننا مجابهة إسرائيل في حين أن مجتمعنا مقسّم إلى طوائف يعتبر مناصرو كل واحدة منها أنهم شعب الله المختار. كيف وهكذا حالة اجتماعية ممزقة؟ لا يسمح أبداً إهمال بناء المجتمع الجديد بحجة الصراع مع لنا الانتصار بهكذا ذهنية صحيح العدو الصهيوني.. والعكس

1 و 2 : راجع مقال أسامة المهتار، خبير في الاستشارات الادارية والاستراتيجية، جريدة تحولات عدد 65 شباط 2012

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net