"مشيئة أميركا هي الغالبة دوما" أو كما يقال بالعامية "متل ما بدها أميركا بيصير"، تعبير قاس علينا يستعمله الكثير من أبناء بلادنا وفي معظم الحالات يؤمن حاملو هذه المقولة بصحتها كما أن الأمر لا يخلو من الكيدية في نوادر الأحيان عند البعض القليل، ألقويّ الفتاك له رهبته عند الخائفين و ضعاف النفوس و يقف جزء لا بأس به من الناس إلى جانب القويّ مفضلين المراهنة على الربح لا المبدأ وكنا قد عشنا أيام اليفاعة حالة مصغرة عما نعيشه اليوم وذلك في زمن بطش بشير الجميل إبان حرب "لبنان" الأهلية في ما كان يسمى المناطق الشرقية، أو "المسيحية" كما أشارت إليها إذاعات الغرب الإستعماري المحرض،
ومن عايش تلك الفترة يذكر جيدا نشرات أخبار ال "بي بي سي" أو هيئة الإذاعة البريطانية و تعابيرالتفرقة التي كانت تستعملها ويستحضرني تعبير "حي الأشرفية المسيحي" من بين توائم أخواته العديدين من التعابير المقززة المستعملة لإذكاء الفتنة الطائفية آنذاك، واليوم نرى الجهات نفسها تذكي نار الفتنة في هجمة ذات مقاربة طائفية على غرار حرب السنتين لكن هذه المرة على نطاق الأمة كلها والشحن الطائفي يأتي ألينا اليوم من كل إتجاه أهمها تركيا و السعودية و أخواتها و جميعهم من أتباع الغرب، وبشير الجميل وصل إلى مرحلة "القداسة" في "الغيتو الإنعزالي" بداية و مناطق أخرى من "لبنان" قبيل الإجتياح الصهيوني لبلادنا في الثمانينات، ويُعزى سر "تقديس" بشير الجميل في المناطق الشرقية وقتذاك إلى بطشه و إجرامه منذ ما سمي بالسبت الأسود حين ابتدأت الميليشيات الإنعزالية تحت إمرته بالذبح على الهوية التي يمارسها داعش اليوم و بعدذاك كانت الحملة العسكرية بقيادة الجميل ضد حزب الوطنيين الأحرار وهو الإنعزالي أيضا، في ما يشبه النزاع على السلطة، و ما نشا عنها من مجازر في حق أبناء الوطن والطائفة الواحدة وأهمها مجزرة الصفرا، وآثر معظم الناس آنذاك إكراها و خوفا على حياتهم تقديس الجميّل وتعليق صوره في بيوتهم وعلى مفارق الطرق مدافعين عنه "مؤمنين به" قائدا مستعملين الإرهاب الكلامي ضد كل من يوجه النقد له و لو كان هذا النقد من باب الغيرة على "القضية" وما الحال لو انتقد أحدهم الجميّل نقدأ لاذعا؟ و لم يكن أحد يجروء على ذلك لأن العقوبات المستعملة ضد كل من عارض الجميّل في المناطق الواقعة تحت سيطرته و التي ابتدأت بنسف سيارة هنا و ضرب أو إذلال على حاجز هناك تطورت على الطريقة الفاشية إلى خطف و قتل منظم لأبناء المناطق عينهم و الصورة العملاقة على طريق حريصا التي رفعت في الثمانينات و عليها بشير الجميل ترتفع رجلاه فوق الأرض قليلا و على رأسه هالة كتب عليها "مبارك الآتي باسم الرب" وكأن الجميل السيد المسيح نفسه تعبر
عن كل ما ورد آنفا من خوف الناس من بطش الجميّل و التفافهم حوله نتيجة لذلك
طبعا فشل مشروع الجميّل، العميل الإسرائيلي، في لحظة بطولة قومية و استمر نهج تحلّق شريحة عامودية من الشعب حول من يبطش بنا مذذاك وحتى يومنا هذا الذي نشهد فيه حملة صهيونية غربية إستعمارية شعواء ، سموها ما شئتم من هذا القبيل، لتفتيت البلاد و الفتك بالعباد على اسس عرقية و طائفية، و قد يبدو الأمر لنصف سكان بلادنا، و لتعليلات مختلفة، متقاربة في جوهرها، أنه ليس باستطاعتنا الوقوف ضد كل هذه الدول القوية و منها الكبرى المتآمرة علينا جميعا و الإنتصار، وهم يراهنون و يفتون وكأن أميركا "النظيفة"عن بعد وأتباعها الإقليميين الأقرب إلينا جغرافيا، الذين تعهدوا ملف القذارة و أكل القلوب و الجلد في الساحات العامة و تدمير القبور المقدسة و الآثارات، سيغدون منتصرين في نهاية الأمر، و لبشير الجميل حسنة تميز ميليشياته عن داعش والنصرة و أمثالها أن الأخيرين لن يراجعو حسابات التأييد والمعارضة بين الشعب لو انتصروا، وهم سيُهزَمون، ليكافئوا من ناصرهم و يعاقبوا من عاداهم بل سيفتكون بكل من هو شريف ومعتدل و مقاوم و بالأقليات جميعا "عن أبو جنب" بحسب التعبير العاميّ كما حصل في العراق الأمس و يحصل اليوم في بعض مناطق الشام و لو دخلوا لبنان سيتوجهون إلى معراب و الرابية و برمانا و جونية و الأشرفية ولعابهم يسيل قبل التفكير في محاربة المقاومة و جمهورها و نهج داعش المتبع في أنحاء الأمة التي يسيطر عليها التنظيم دليل على ذلك
تصعب المعركة حينا و تبان بشائر النصر أحيانا و ينهمك المحللون يوميا في تفسير ظاهرة معينة كسقوط تدمر و جسر الشغور لا تفسير لها لمن لا يفهم العقل الإستراتيجي للذي يدير المعارك و يرسم خطط المواجهة في هجمة تأتينا من كل اتجاه، و التاريخ أثبت أن كل مجموعة قررت أن تخوض الموت وفاء لقضيتها و دفاعا عنها لا بد أن تنتصر كما هي حالنا نحن الجمهور المقاوم و سر الإنتصار هو الإبتسام في و جه الموت حين تأتي لحظة الحقيقة و بهذا نكون قد عشنا محاربين شرفاء حتى آخر نفس صونا للقضية و الأمر ليس بهذه الصعوبة و الإنتصارات السابقة وأهمها ذكرى المقاومة و التحريرالتي نحتفل بها اليوم تذكرنا بما وصلنا عليه من جهوزية و قدرة و أعصاب مرتاحة في وجه حفنة موتورين طائفيين و"قومسينجنيين" يقبضون ثمن كل كلمة يصرحون بها باعوا وطنيتهم و ضمائرهم قبل أن يعرفوا أنها موجودة وذهبوا إلى محكمة دولية ليشكوا بعضهم ويتزلفوا إلى قاض ابيض لينالوا رضاه المزور شانه شأن كل ورقة في أدراج هذه المحكمة الهزلية تلك فيما نحن جمهور المقاومة و المؤمنين بها سبيلا افضل و أسرع و اشرف لنيل حريتنا ندافع عن كل الناس حتى أولائك الذين يمضون وقتهم في الشحن الطائفي و طعن ظهورنا بالخناجر
إنها حرب وجود أشار إليها المفكر أنطون سعادة في أوائل القرن الماضي و هو الذي نبه و حذر من الخطر الصهيوني على فلسطين، و خطر من أسماهم سعادة يهود الداخل، وهم بيننا، لا يقل شأنا عن خطر الصهاينة واليوم تبنت المقاومة مصطلح "حرب الوجود" لأن لا مصطلح آخر يعبر عن حقيقة أزمتنا، وأسباب نُصرة المقاومة لجميع كيانات الأمة اليوم ورفضها لحدود سايكس بيكو التي رسمها الإستعمار أمر أسس سعادة حزبا من أجل تحقيقه، و فيما كان من "الخطيئة" الوطنية الكبرى حتى الأمس القريب أن يشير احد في سياق سياسي أو اجتماعي إلى كلمة سايكس بيكو، بعدما أذعنت "طوائف" بلادنا كلها دون استثناء في الكيان المسمى بلبنان إلى نهائية الدولة اللبنانية، كنا وحدنا أبناء نهضة سعادة ننذر حياتنا و كل كل ما أوتينا به لتحقيق وحدة سورية الطبيعية و محو الحدود الإصطناعية بين كياناتها واليوم أضحى طرحنا خطا عريضا لجمهور المقاومة و الصمود في و جه هذه الهجمة الكونية على بلادنا
أنها لحظة تاريخية نعاني خلالها من هجمة علينا من كل اتجاه جغرافي وثقافي تحالفت فيها ثقافة الصحراء و ثقافة الغرب التي بنيت على انقاض حضارتنا القديمة والغرب اليوم يرسل إرهابيي العالم أجمعين لتدمير معالم حضارتنا و محوها من الوجود ومن يظن أن أميركا تحارب تنظيم داعش فهو واهم و تركيا حليفة أميركا الثانية في المنطقة ترسل إلينا آلاف المجانين المتعطشين إلى الدم أي دم كان بشرط أن يكون سوريا
،
هجمة كهذه من كل اتجاه تتطلب ردا منا في كل اتجاه ومن راهن على أميركا و أدواتها في حرب السنتين في لبنان و خسر سيخسر رهانه هذه المرة على الغرب و داعش لأن لا الغاز و لا الدولار و لا المرتزقة يستطيعون هزيمة شعب قرر أن يعمل حتى الإستشهاد لقضية تساوي و جوده، ومن يعش يرى