ليس مصادفة ان يُختار اسم "تحولات " لهذه المجلة الرائدة. كانت علامة فارقة منذ تأسيسها وأريد لها أن تواكب التحولات التي تمر بها بلادنا على كل الصعد وفي كل الميادين الثقافية الادبية الفنية… مرت أربعون سنة كغفلة عين او كأربعين عقد مشحونة بتغييرات جذرية، ملأى بتقلبات وحروب، قلبت معايير المجتمع وجعلت الفساد يستفحل ويستشري في النفوس وهدرت الأرواح وسفكت الدماء وطغى الشر على كل شبر من أرضنا العربية وحل الظلام على الفكر… وكأننا عدنا فعلاً الى ايام الجهل والجاهلية.
هدرت الطاقات الفكرية والجسدية في محاربة طاعون استشرى بالمجتمع وفكك أساس بنيانه وعلا الصدأ الأدمغة والقلوب على مدار أربعة عقود، بسبب الحرب الأهلية اولاً وحروب الكيان الغاصب لنا وللمنطقة!
بالرغم من كون التحولات التي طرأت هي سلبية وقد أدمت الأفئدة وجعلت الوضع مأساوياً لا يطاق… بيد أنها خلقت تململاً وشحذت الفكر لحثنا الى اجتثاث أسباب هذا التخلف فنعمل جاهدين لخلق وعي جديد يتجدد ويتحول بفعاليات مثمرة وبناءة .
هذا هو التاريخ يعيد نفسه: التطرف الديني من جهة والاستعمار الفكري من جهة اخرى.
آن الوقت لان نراجع أنفسنا وان نحاسب المسؤولين على لامبالتهم واستغلالهم لمناصبهم على حساب الشعب. هذا من إيماننا ان الفكر والفن لا يزدهران في بيئة منغلقة متطرفة وحيث نفتقر للحاجات الاساسية وحيث العدو لنا بالمرصاد مادمنا منقسمين في الداخل.
كثر الناس وقل العمل الاجتماعي والجماعي. أين المراة الآن وأين دورها؟ هنالك إمكانيات ومواهب وجرأة ولكنها لا تقاس أمام الجهل والتخلف والتلطي وراء الدين. في كل المراحل التاريخية من انحطاط كانت هنالك رؤى وأفكار تنمو لإحداث تحولات في البنية الاجتماعية. وهذا منوط بنخبة تتوخى التغيير الجذري في كيفية التفكير، كما في إلغاء الهيمنة الاستعمارية عن الفكرالعربي.
لم أر تغيراً اجتماعياً جماعياً كعدوى ألمت بالمرأة كالحجاب واللباس الشرعي مما يضع المجتمع في خانة الدين والمذاهب ويجعل التفرقة في المجتمع حتمية والحوار سلبياً او متكلفاً.
هيمنة الهوية الدينية والمذهبية من خلال الحجاب هي التحول الأبرز الذي طغى خلال هذين العقدين الأخيرين خاصة، وهو مستفحل في كل البلدان العربية .
هو لا شك في أنه يمثل ردة فعل ضد الغرب وله مسببات كثيرة وربما هو خيار، ولكن هو ايضاً عقبة امام التعايش ضمن نسيج اجتماعي مختلط. الدين في القلب والتعايش في المجتمع يفترض تجاوز كل النعرات التي فتكت ببلدنا خلال الحرب الأهلية… فبدلاً من تجاوزها والعمل على بناء وطن متآخٍ متحد جاءت هذه المفارقة، لترسيخ الدين والمذاهب في عصر نحن بأحوج ما نكون فيه الى التخلي عن كل تعصب او تطرف في كل صوره .
وقد شاهدنا التطرف الديني كم يسيء الى الدين خاصة، ثم الى المجتمع عامة، ورأينا الشيطان الديني المتطرف يخرج من قمقم العصر الحجري ليذبح ويهتك ويسبي النساء ويذلهن… تحولات أليمة حلت بنا والأحرى بنا أن نجابهها بنشر الوعي والعلم في شرائح المجتمع كله. إنه الجهل الأعمى الذي يستشري في مجتمعنا الآن للأسف.
يجب أن تتضافر الجهود من كل صوب وحدب لإرساء مجتمع علماني على مستوى ثقافي راق.
ولن يحدث ذلك إلا إذا زاد التململ في أفئدتنا وعقولنا وراجعنا أخطاءنا وسلبياتنا وواجهناها بكل صدق، من دون ان نطمر رؤوسنا في الرمال لأن المسوؤلية هي مسؤوليتنا كلنا. حري بنا ان ننكبّ على قلع كل مسببات التردي والمعوقات الرجعية العمياء التي تغلغلت في النفوس تغلغلاً عميقا كالجذور الممتدة تحت طبقات الارض والمنغرسة في أعماق أعماقها حتى تتحرك الارض تحتنا – توقظنا، تعيدنا الى رشدنا، تتحرك بنا وفينا كزلزال جبار – يزلزل الارض تحتنا – زلزالاً كفيلاً بإزالة ترسبات الحروب الأليمة – وما ترتب عليها من تأخر وجهل – زلزال ينسينا التطرف والجهل وكل ما لحق بهما – ونبدأ من جديد نرسي أسساً جديدة لتحولات من نوع آخر، عنوانها الانفتاح على الغير، التقدم العلمي الثقافي، رفض الهيمنة الغربية وبناء وطن جديد علماني نبينه بعلمنا وولائنا له.
وزلزلت الارض
113
المقالة السابقة