محاضرة ألقاها الكاتب بدعوة من «منبر الوحدة الوطنية» – بيروت، بعنوان: «مواجهة الإرهاب فكرياً وأمنياً». «تحولات مشرقية» تنشر هذه الدراسة على حلقتين.
مطروح اليوم موضوع «الحرب على داعش» كاختصار لـ«الحرب على الارهاب». الولايات المتحدة أقامت «تحالفاً» تزعم أن الهدف منه هو القضاء على «داعش» وما يمكن أن يتصل بها أو يتفرع عنها.
هنا، لابد من التوقف لإبداء أربع ملاحظات:
أولاً: هذا «التحالف الدولي» هو في حقيقته تجمعٌ كونته الولايات المتحدة، ويتضمن دولاً تابعة أكثر مما هي حليفة، سواء أكانت دولاً أوروبية أم غير أوروبية. فهذه الدول، أو أشباه الدول، واقعة عملياً تحت الاحتلال العسكري الأميركي المباشر، إما بسبب عضويتها في حلف شمال الأطلسي، كما هو حال دول الاتحاد الأوروبي الواقع تحت الاحتلال العسكري الأميركي المباشر، وتركيا وغيرها، أو من خارج الحلف الأطلسي كالدول الناطقة باللغة العربية، والملتزمة استراتيجياً بالقرار الأميركي مثل دول الخليج والأردن، حيث تنتشر القواعد العسكرية الأميركية العملاقة، وتفرض قرار واشنطن فرضاً.
ثانياً: هذا «التحالف» يتناقض مع قرار مجلس الأمن الدولي 2170 الصادر في 15 آب 2014، إذ أن هذا القرار لايقيم أي تمييز بين «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» ومشتقاتها كافة، حتى أن نصوص هذا القرار لم تذكر في أي من مواده منظمة «داعش» بمفردها بل تذكرها دائماً مع «النصرة» و»القاعدة» ومشتقاتها.
والمعروف أنه لولا هذا الربط بين المنظمات الإرهابية لما كان القرار قد صدر أساساً، إذ أن حق النقض، الروسي- الصيني، كان سيمنع صدوره.
ثالثاً: هذا التحالف الأمريكي ينطلق من القرار 2170 ليفتح على حسابه، منقلباً على القرار 2170 ذاته. فواشنطن أخذت من مجلس الأمن الدولي ما تريد أن تأخذه، لتكرر، بقدر ما تسمح به الممانعة الروسية – الصينية – الايرانية، تجربة ليبيا التي كم أظهر الروس ندمهم على السماح بحدوثها، وكم تحدثوا عن عزمهم عدم السماح بتكرارها.
ومن خلال هذه الخدعة الامريكية، التي كانت متوقعة سلفاً، أو في أسوأ الحالات كان حُدوثها غير مستبعد، تكوّن ما هو نقيض للأمم المتحدة، أي تُكون ما يسميه الأمريكيون، ويردده عنهم العالم ترداد الببغاء، «المجتمع الدولي».
هنا لابد من أن نتوقف قليلاً بقصد توضيح الصورة فنعرض للتعريف الذي يعطيه الأمريكيون لـ«المجتمع الدولي»، إذ أن التعريف هنا ضروري لفهم السياسة الأمريكية و«للخداع المستدام» الذي يمرر من فوق رؤوس ومن خلف ظهر العالمين، كالحالة التي نحن فيها الآن.
جون بولتون هو الذي أعطى هذا التعريف في العام 2004 يوم كان مندوباً دائماً للولايات المتحدة في منظمة الأمم المتحدة، فقال بصريح لسانه: «لايوجد شيء اسمه الأمم المتحدة. يوجد «المجتمع الدولي» وهو يتكون من دول تتجمع حول القوة الدولية الوحيدة، أي الولايات المتحدة الأميركية، لمواجهة حالة معيّنة حين نرى ذلك ممكناً وتكون مصلحتنا تتطلب ذلك».
هذا التعريف يعكس المفهوم الحقيقي الذي تتبناه واشنطن للعنوان الفضفاض الذي تُكثر الحديث عنه. ويُفترض بأي إنسان عاقل أن يتذكر هذا التعريف قبل أن يلفظ عبارة «المجتمع الدولي»، هذه العبارة الحمّالة الأوجه. يكفي لدولةٍ ما، أو شبه دولة، أن تكون تابعةً، خاضعةً، للإرادة الأميركية، مُنضوية تحت لوائها، ملتزمة بسياساتها، وبالتالي ضد حقوق الانسان وضد السلام والعدالة، حتى تكون عضواً في «المجتمع الدولي»، وبالتالي تكون دولة مرضيّاً عنها. وفي الحالة المعاكسة تكون إما دولة «إرهابية» أو «داعمة للإرهاب».
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن هذا النوع من «المجتمع الدولي» هو، كما جاء في التعريف الآنف الذكر، نقيضٌ لمنظمة الأمم المتحدة التي دُرج على اعتبارها الممثل الحصري لـ «الشرعية الدولية»، وبالتالي فإن من يكسر قراراتها يخرج عن الشرعية الدولية.
والواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تُمثل الخروج المستدام عن الشرعية الدولية، وكذلك الحال بالنسبة إلى قاعدة اسرائيل العسكرية. ومن منطلق كون التحديد شرطاً للوضوح، وهذه قاعدة أساسية يجب الانتباه إليها بل والالتزام بها، يتبين من خلال الوقائع الدولية أن احترام هذه الشرعية الدولية بات يعتبر في نظر «المجتمع الدولي» بمثابة «عمل إرهابي»، أو «داعم للإرهاب»!!!…
وهنا المفارقة الفظيعة والاستكبار الأميركي الظالم للشعوب، وبتعبير لايقل عن ذلك دقة يجب القول إن هذه المفارقة تُشكل تجسيداً لسياسة استعباد الشعوب. إنه نظام العبودية المناقض للمدنّية ولمقومات الحضارة الانسانية، وبالتالي فإن من المستحيل بناء سلام عالمي على قاعدة نظام العبودية لأن هذا النظام يكرس الحروب المستدامة التي تأمر بها واشنطن وتنفذها.
إن ما يحدث منذ عشرات السنين، ويبلغ ذروته من خلال هذا «التحالف الدولي» المخادع، والانقلاب على القرار 2170، يضع مصير العالم على أكف عفاريت واشنطن، وهذه ليست مبالغة على الاطلاق إذ أن الشراسة الاميركية في الدفاع عن الأحادية الدولية، لاتتورع عن شيء.
والأحادية هنا هي بمثابة ديكتاتورية دولية مثلها مثل نظام الحزب الواحد أو نظام الـ«أوليغارشيه»، كما هو النظام المعتمد في الولايات المتحدة بالذات حيث السلطة الفعلية انتقلت عملياً من المؤسسات الدستورية (الكونغرس والادارة) إلى الكتلة الصناعية – العسكرية وبيوت المال، وهذا ما كان الرئيس الأسبق الجنرال آيزنهاور قد توقعه وحذر من مخاطره في خطبة الوداع الشهيرة التي ألقاها في 17 كانون الثاني من العام 1961. وما ينطبق على الولايات المتحدة في مجال الـ «أوليغارشية» ينسحب تدريجياً، ولكن بسرعة، على دول الاتحاد الاوربي من خلال تدعيم ركائز الإدراة الاتحادية على حساب الدول القومية التي يُصار إلى تفكيكها تدريجياً من خلال مشاريع «الأقلمة والمناطقية» REGIONALISATION ما يضعف كثيراً الحكومات المركزية ويفقدها السيطرة على المناطق والأقاليم لمصلحة سلطات اتحادية غير منتخبة تتمتع فيها هيئة «المفوضية» بصلاحيات على الطريقة المعتمدة في الإدراة الاميركية.
إنها «الأمركة» بكل ما للكلمة من معنى والتي تعزز نفوذ الكتل الصناعية – العسكرية وبيوت المال المقبلة على التفاعل أكثر فأكثر مع الكتلة الصناعية – العسكرية وبيوت المال في الولايات المتحدة بفعل قيام السوق المشتركة الأطلسية حيث السيطرة ستكون للأمريكيين.
لذلك يكثر الحديث عن قرب بُزوغ فجر «عالم من دون أوروبا»… Un monde sans Europe
رابعاً: الوقائع كلها تثبت بأن دول وأشباه دول «التحالف»، هي التي تقف خلف المنظمات التي تطلق عليها صفة «الارهابية»…أو «الارهاب الاسلامي»، مثل «طالبان» و«القاعدة» و«داعش»، و«النصرة» و«الجبهة الاسلامية»، وجند كذا وكذا….وهي التي ترعاها بالكامل وتنقلها إلى سورية المقدسة وتمولها وتُنفق عليها المال وتمدها بالسلاح والمدربين…إلخ.
ولقد بلغ الفجور حداً جديداً من خلال اعتراف نائب رئيس الولايات المتحدة الامريكية، جو بايدن، بمسؤولية عدد من أعضاء «التحالف» في تقديم الدعم الكامل لهذه المنظمات، وخصوصاً «داعش». وأشار بالاسم إلى تركيا والمملكة السعودية، طبعاً لم يذكر دولته ولا أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي على الرغم من اعتراف المسؤولين في هذه الدول وكذلك إعلامهم عن إرشاد هذه المنظمات الارهابية وتقديم الدعم لها، وبشكل خاص مسؤولية فرنسا وبريطانيا في رعاية ثلاثة معسكرات للقاعدة في منطقة «فزان»، في الجنوب الليبي والتي «تُخرج» مختصّين في الارهاب، خصوصاً في تفخيخ السيارات، وتصدرهم إلى سورية المقدسة وإلى الدول الافريقية…
وجاء كلام بايدن أمام حضورٍ مميز في جامعة «هارفرد»، ولكن… ولكن… لم تُقدم أي حكومة، أو حزب سياسي، أو جهاز إعلامي على اصطياد هذا الحدث الخطير، هذا الاعتراف الخطير، لمساءلة الادارة الاميركية عن الإجراءات التي ستتخذها بحق هذه الحكومات، التابعة لواشنطن في الواقع العملي، لتنشئتها ورعايتها وتسليحها وتمويلها لهذه المنظمات التي ترتكب أفظع الفظائع.
فما دامت الولايات المتحدة قد نصبت نفسها مسؤولة عن مكافحة الارهاب في العالم، وما دامت قد صوتت على القرار الدولي رقم 2170، الصادر تحت الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة، وما دام نائب رئيس الولايات المتحدة قد وجه هذه الاتهامات إلى دولٍ محددة مشاركة في الحرب لتدمير سورية المقدسة، فكيف تقدم لهذه الدول الارهابية – حسب تصنيف بايدن نفسه- مكافأة تتمثل في إدخالها في التحالف بدلاً من معاقبتها؟؟؟…!!!..
هذا من جهة، ومن جهة ثانية لماذا لاتتحرك النيابة العامة التابعة للمحكمة الجنائية (CPI)
Cour Penale Internationale، لملاحقة حكومات هذه الدول على ارتكابها جرائم حرب ضد الانسانية؟؟؟…!!!!…
هذه الملاحظات قد تكون ضرورية لفهم حقيقة ما يجري في هذه الحرب التدميرية التي تستهدف سورية المقدسة، لتدمير أي أثر للحضارة فيها، أي لإعادتها إلى العصر الحجري، تحت عنوان «التحالف الدولي ضد داعش»، أو «الحرب على الارهاب»…
كما أنها ضرورية لمواكبة السؤال حول مدى جدّية الولايات المتحدة في محاربة الارهاب بالمطلق.
صحيح أن الأحداث والوقائع كافية لتقديم إجابة واضحة على هذا السؤال، ولكن حسبنا الاشارة إلى أمرين يختصران الاجابة ويجعلان الناس يحترمون عقولهم ولو قليلاً، فيدركون بأن لاضرورة أصلاً لطرح السؤال إذ أن الوقائع الدامغة تغني عن هذه البهلوانية الذهنية Acrobatie mantale.
الامر الأول هو أن الولايات المتحدة تقف حجر عثرة أمام تبني الامم المتحدة للتعريف الذي أعطته محكمة نورمبيرغ لـ «الحرب العدوانية». فلقد جاء في الفقرة الحُكمية الصادرة عن المحكمة أن «الحرب العدوانية» تمثل «الجريمة الدولية الأرفع»، Crime international Supreme، أي أنها أخطر الجرائم الدولية.
وبناء عليه اعتبرت الفقرة الحكمية أن المسؤولين عن أي حرب عدوانية يجب أن يساقوا أمام قضاء دولي خاص لتتم محاكمتهم كـ «مجرمي حرب».
وبما أن حروب الولايات المتحدة كلها، منذ انتهاء الحرب الثانية الكبرى، حروب عدوانية فإن واشنطن ترفض هذا التعريف للحرب العدوانية كي لايتعرض الرؤساء الاميركيون، ولو نظرياً للملاحقة كمجرمي حرب.
وأما الأمر الثاني الذي يؤكد عدم استعداد الولايات المتحدة لمحاربة الارهاب فيتمثل برفضها التام لعقد مؤتمر دولي مخصص لتعريف الارهاب، إذ أن تعريفاً من هذا النوع يُحتم التمييز ما بين المقاومة من جهة والارهاب من جهة ثانية، وبالتالي يحدّ من هامش المناورة المتوفرة للولايات المتحدة ولسياستها القائمة على الكيل بمكيالين، وهو الاسلوب المعتمد في السياسة الاميركية لتبرير حروبها العدوانية كافة.
نحن إذاً أمام حفلة نفاقٍ ضخمة أطلقتها الولايات المتحدة، وتُحييها مع الدول الأوروبية، وتُنظمها وتديرها وتضبط إيقاعها. فكلما كبر حجم الدول تكبر معها أكاذيبها.
لبنان ضحية من ضحايا هذه الأكاذيب بدليل ما يحصل من مهزلة في موضوع المليارات الأربعة. فجيشنا اللبناني الباسل يواجه هجوماً من هذه المنظمات الارهابية المذكورة في القرار الدولي 2170 الآنف الذكر. صحيح أنه يواجه المنظمات الارهابية منذ سنوات، لكن الضغوط اشتدت عليه مع اندلاع الحرب الأميركية – الاسرائيلية، لتدمير سورية المقدسة.
ومع ذلك فإن «دول التحالف» تقطع أي مساعدة عسكرية عن الجيش اللبناني فيما الجيش يخوض المعارك ضد المنظمات نفسها التي تلقى الرعاية من «التحالف» نفسه. معنى ذلك أن قيادة التحالف تريد لبنان مهزوماً أمام هذه المنظمات لأن هزيمته تُضعف الدولة السورية أكثر فأكثر فيكون دماره فرق عملة.
أي أن دول «التحالف» العدواني المسخ تريد الدمار للبنان. إن ما يحدث مع جيشنا الباسل منذ أكثر من سنة، على صعيد قطع السلاح عنه بينما هو في آتون المعركة دليل قاطع على تآمر مايسمى بأصدقائه.
إن قضية «المكرمة» السعودية والأكاذيب التي أحاطت بها، وما زالت تحيط بها، أمرٌ مؤذي جداً، وللأسف الشديد أن لبنان منقسم على نفسه في هذا الشأن. وفي سياق هذا الانقسام نشهد على مهزلة اسمها «سجن رومية»، وهي مهزلة ما كانت لتحصل لولا تواطؤ سلطات الوصاية على هذا السجن الذي يختصر حقيقة هذا النظام اللبناني القائم على المعتقلات المذهبية والتفرقة العنصرية APARTHEID والتبعية للأعداء.
إن ما ذكره القائد السابق للدرك اللبناني، العميد جبران في شأن هذا السجن، يُشكل إخباراً يستوجب الملاحقة القضائية للأوصياء على هذا المعتقل الغريب العجيب على اختلاف درجاتهم ومسؤولياتهم، من عسكريين ومدنيين من دون أي استثناء.
تشخيص المنظمات الارهابية التي تعتدي على لبنان
بما أن كل ما له صلة بـ«التحالف» اللعين هو كاذب ومجرد ستارة مهمتها تغطية الأهداف الأمريكية الحقيقية من الحرب العدوانية الارهابية على سورية المقدسة، وبما أن هذا التحالف اللعين لايتورع عن تخريب ما لم يخرب بعد في لبنان، فلا مناص من اللجوء إلى المبدأ البسيط القائل «ما حَكّ جلدك غير ظفرك»، وبالتالي إعطاء تشخيص «للمنظمات الارهابية» التي يتبناها «التحالف» الكاذب عسكرياً ويتنكر لها في الكلام السياسي، مع وجود بعض الاستثناءات مثل إعلان وزير خارجية فرنسا، الصهيوني المتشدد لوران فابيوس، عن تعاطف حكومته مع سلوك «جبهة النصرة»، وذلك بقوله أمام مؤتمر «أصدقاء سورية» المنعقد في مراكش في كانون الأول من العام 2012، أن إرهابيي جبهة النصرة «يؤدون عملاً جيداً»، ils font du bon boulot، وذلك إثر المجزرة التي نفذوها في «الحُولة»، في محيط حمص، وصولاً إلى الكلام الصادر عن نائب الرئيس الامريكي جو بايدن في 2 تشرين الثاني 2014، أمام نخبة من الباحثين في جامعة «هارفرد» والمذكور آنفاً.
فكما ذكرنا، إن المنظمات التي تعتدي على لبنان ورد ذكر الأساسية منها، بالإسم، في القرار الدولي 2170، المتخذ تحت الفصل السابع، والذي يحظر على أي دولة أو جهة من التعاون معها، أو حتى التواصل معها، فعلى صعيد التشخيص الذي يستنتج الطريقة الواجب على لبنان أن يتعاطى من خلالها مع هذه المنظمات المتوحشة لابد من التقيد بالآتي:
أولاً: هذه المنظمات تنتحل الصفة الدينية فيما هي منظمات إجرامية متوحشة لا أكثر. فلا يجوز بالتالي الإنزلاق إلى نقاشات ذات طابع ديني أو مذهبي معها، أو في شأنها، إذ في ذلك مضيعة للوقت، ناهيك عن كون ذلك يعطيها مشروعية معينة تفتقر إليها، إن سلوكها يثبت أنها مجرد منظمات إجرامية متوحشة.
ثانياً: إن البعد التوحشي في أدائها الاجرامي يعيدنا بالذاكرة الى أسلافها من المنظمات الصهيونية المتحدرة من «الهاغانا»، مثل منظمات شتيرن، إيرغون، ليهي، بالماخ… وغيرها. فما تفعله «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» ومشتقاتها في سورية المقدسة وفي العراق نسخة طبق الأصل عما فعلته تلك المنظمات الصهيونية في فلسطين إبان النكبة.
لذا يجب اعتبارها من سلالة المنظمات الصهيونية والمشار إليها خصوصاً أن عملها يصب في خانة اسرائيل بالكامل، وبالتالي فإن محاربتها هي بمثابة محاربة إسرائيل، أي أن محاربتها واجب وطني – قومي – إنساني، وأما عدم محاربتها فخيانة عظمى.
ثالثاً: إن سُلوكها الصهيوني بالكامل يندرج بشكل واضح لا لبس فيه في إطار استراتيجية «الفوضى البناءة» المعتمدة رسمياً من قبل دولة الولايات المتحدة الأمريكية، أياً كان العنوان الحزبي لإدارتها، جمهورية أو ديمقراطية.
هذه «الفوضى البناءة»، المدمرة لنا ولغيرنا من الأمم المستهدفة، من الحروب العدوانية التي تشنها الولايات المتحدة، بتسميات ومبررات شتى، هي التي تجسد نهج الحروب المستدامة المعتمدة من جانب واشنطن.
من هنا قول الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتكراره القول، بأن الحرب على الارهاب قد تدوم عشرات السنين. حتى في ما يخص أكذوبة الحرب على «داعش»، أي على منظمة إرهابية، يرى الأميركيون أن الحرب تتطلب سنوات عدة. هذا مع العلم أنه لا يعصى على عقل أي انسان متزن إدراك أن الولايات المتحدة حسمت تدمير الجيش الليبي خلال ثلاث ساعات فقط، فهل يصعب عليها وهي المسيطرة بالكامل على الأجواء العراقية، نارياً واستخباراتياً وإدارياً، هل يصعب عليها إبادة مواكب وأرتال «داعش» التي تتنقل عبر سهول وصحاري الموصل والعراق الأوسط، وهي مكشوفةٌ ومن دون أي غطاء جوي؟؟؟…!!!.
مَن منا نسي كيف أباد الطيران الأميركي أرتال ومواكب الألوية العراقية، المنسحبة من الكويت في العام 1991؟….
عدد الصواريخ يفوق عدد قتلى «داعش
وما يزيد في تعميق هذه الخديعة الفظيعة، والتي ضربت كل الارقام القياسية في الكذب والنفاق، هو مايفعله القصف الأمريكي على سورية المقدسة تحت عنوان «الحرب على داعش». أمران يدعوان إلى السخرية في هذا المجال:
إنها المرة الأولى في تاريخ الحروب يتم فيها استخدام صواريخ عابرة للقارات لمطاردة منظمة إرهابية، وهذا مُخالف لأي منطق عسكري.
يُلاحظ، وبوضوحٍ شديد، أن الصواريخ عابرة القارات (توماهوك) التي تقصف «داعش» يفوق عددها بأضعاف عدد القتلى من «داعش» الذين يسقطون جراء هذا القصف…!!!..؟؟؟
وهذا ما يحدث أيضاً في الغارات الجوية التي يُنفذها الطيران الأمريكي ضد «داعش»، حسب الزعم طبعاً، والتي تنهال حممها على منشآت تابعة للدولة السورية، كالمنشآت النفطية والمصانع والجسور والطرقات والأبنية… إلخ… الأمر الذي يعطي فكرة أولية عما يمكن أن يبقى من سورية المقدسة إذا ما جرى تنفيذ المشروع الأميركي على مدى سنوات طويلة، ودائماً بحجة… «مكافحة الارهاب».
وهنا لابد من استعراض دور إسرائيل في تدمير سورية المقدسة، ورعاية الحلف الأطلسي لعملية تصنيع الإرهابيين ومعسكراتهم، خصوصاً معسكرات الجنوب الليبي ومعسكرات تركيا.
(يتبع في الحلقة المقبلة)