وحش كاسر دهم مشرقنا العربي. بات يهدد الأمة دولاً وشعوباً من المحيط الى الخليج. وحش أفلت من قمقم التاريخ، ومن مكر وأوكار الاستخبارات الإمبريالية والرجعية، مستغلا أزمات مجتمعاتنا العربية. بدأ يتجول في وعي العامة. يجنّد القتلة والمجرمين أداة لمشروعه الفاشي الدموي، ويخوض في حياة البشر مهددا مستقبلهم السياسي والأمني والاجتماعي، وفي دماء المواطنين عرباً ومسلمين وأقليات إثنية ودبنية، ويتطلع لمد إجرامه ليطول العالم بأسره. لا لبس في أهدافه، إنها تدمير الحضارة والاجتماع الإنساني، وحياة الدول والمجتمعات؛ يصرخ علناً: "بالذبح جئناكم"!!
إنه وحش الفاشية الدينية. نمط خاص من الفاشيات، تناظر وتواكب الفاشيات العنصرية والرجعية في العالمين العربي والغربي. انها ادوات اضافية بيد الامبريالية وأتباعها في المنطقة، تستخدمها لادارة معاركها الراهنة والمستقبلية. أدوات تعوض التراجع النسبي لقدراتها على خوض الحروب التقليدية التي استخدمتها وتستخدمها في إشاعة الفوضى المدمرة، وذلك بتفكيك دول المنطقة ومجتمعاتها، مشرقها خاصة، لفرض شرق أوسط جديد، منزوع الارادة والسيادة والموارد، خاضع كليا للاملاءات الاطلسية، ومتصالح وراضخ للكيان الصهيوني.
حقق هذا المشروع تقدماً على الأرض، وأصبحت السكين فوق رقاب الجميع. ازاء ذلك لم يعد مقبولاً ان نبقى غارقين في نقاش عبثي حول الأكثر مسؤولية في ايجاد البيئة الملائمة لولادة هذا الوحش ونموه. أطراف عدة في النظام الرسمي العربي الذي فشل في مشروع الاستقلال والتحديث وبناء الدولة الوطنية تتحمل المسؤولية:
1ـ القوى والنظم القومية، التي حادت عن أهدافها وشعاراتها. وتحولت الى سلطات استبدادية وفاسدة.
2ـ التيارات الليبيرالية التقليدية او تلك المتحدرة من أصول يسارية. التي بدأت مأخوذة بديمقراطية الدبابات الأطلسية وانتهت مستتبعة من النظم النفطية الوهابية.
3ـ التيارات اليسارية التي اكتفت بالطروحات النظرية المجردة وخاضت نضالات منفصلة عن فهم الواقع، وعجز عن الانخراط الجدي في المعركة الوجودية الدائرة على امتداد المنطقة.
كل هؤلاء يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية، لا يستثنى من هذه المسؤولية المثقفون الوطنيون والديمقراطيون، الذين فشلوا في تحديث الثقافة المجتمعية، وارتضوا أنصاف الحلول إزاء الثورة الثقافية، وقبلوا مبدأ تسييس الدين، فالتحقوا بالمرجعيات الدينية والطائفية والمذهبية والمال النفطي، هذا الفشل سهل ظهور الفاشية الدينية وانتشارها، فنمت وترعرعت في العالمين العربي والاسلامي، لاسيما بعد الحرب الأفغانية بإدارتها الأميركية السعودية، وتمظهرت واستقوت بالتراث الديني، فاستخدمته للقتل والذبح والتكفير ومعاقبة كل مختلف.
هذه الظاهرة باتت تشكل خطراً داهماً ليس على الإنسان وحقوقه الانسانية فحسب، وانما على الحق بالوجود، والحق بالحياة أيضاً، وخطراً على الهوية وعلى حرية الكلمة والحريات العامة، بما في ذلك الممارسة الدينية نفسها، وعلى الثقافة والتراث والآداب والفنون، وصولاً إلى نمط عيش تشكًل خلال قرون، وجعل الوطن العربي خارج التاريخ ومنطق العصر.
إن مواجهة هذه الموجة المدمرة من الفاشية لا تحتمل التردد. باتت واجبة، وهي ممكنة، لكونها مسؤولية القوى الحية والحريصة على المنجزات الحضارية، وعلى الحريات والاستقلال والوحدة والتقدم.
نحن الموقعين أدناه، ندعو كل المثقفين والمناضلين والناشطين في الحقل العام الى التحرك وإطلاق أوسع حملة ضد الفكر الإرهابي التكفيري، وضد التعصب الديني والمذهبي، وضد استخدام الدين في العمل السياسي، والى النضال من اجل بناء الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد المواطنة وتصون الحريات الشخصية والعامة، وتحترم التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية، وتجرم بث الأفكار العنصرية، والفاشية والتكفيرية. دولة تضع في أولوياتها التنمية المستندة الى الانتاج، والى عدالة التوزيع، والقضاء على الفقر والتهميش. دولة تحرص على تطوير التعليم الوطني بكل مراحله، ولا تتخلى عن واجبها في تعزيز القدرات الدفاعية والتصدي للمخاطر التي تواجهنا جميعاً، دولاً وشعوباً، ولا سيما في مشرقنا العربي، وفي مقدمها الخطر الصهيوني على فلسطين وعموم المنطقة. كما ندعو الى دعم القوى الرسمية والشعبية التي تقاتل بالفكر والسياسة والسلاح قوى الارهاب التكفيري وداعميه، وإلى تشكيل اوسع ائتلاف عربي لمناهظة الفاشية الدينية.
ليكن شعارنا: الفاشية الدينية لن تمر، والموت لزارعي الموت في عالمنا العربي والإسلامي.
بيروت في 1/9/2014
(وقّع العريضة المئات من المثقفين والناشطين).