104
مائة عام مضت على الحربي العالمية الاولى وما زال العالم يعيش أسبابها ونتائجها وتداعياتها. وما زالت الحروب تولد في عقول الرجال والنساء وتموت فيها. مائة عام وما زلنا نحلم بعالم بلا حروب، بنظام عالمي بلا ظلم، بمجتمعات بلا عنف، بعالم عربي مستقر، ولا يزال الـــــــــــــــــــــدرب مجهـــــــــــــــــولاً.
روى لنا غير مرة الدكتور زين نور الدين زين أستاذ التاريخ في الجامعة الاميركية في بيروت انه كان في زيارة الى احدى المتاحف في النمسا ووجد هناك العربة التي أغتيل فيها ولي عهد النمسا الارشيدوق فردنياند وزوجته في حزيران 1914 على يد شبان متمردين من الصرب. وراح زين زين يستعذب القول ان التاريخ نلمسه ونحسه ونشمه ونتذوقه، وراح يتلمس باصابعه آثار الرصاصات في العربة ويقول " تلك الرصاصات أشعلت الحرب العالمية الاولى". ولكنه وجد رصاصتين وراح يفتش منهمكاً عن الرصاصتين الباقيتين مستذكراً انهم اطلقوا عليه اربع رصاصات . ولبث يفتش ولم يجد حتى قالت له زوجته الرصاصة الثالثة والرابعة اصابته وأصابت زوجته وأردتهما.
والصحيح ان تلك الحادثة كانت سبباً مباشراً للحرب ولكن الأسباب الاعمق كانت في السباق الى التسلح والتحالفات والامبريالية والقوميات. وكل هذه المفاهيم لا تزال سارية في القرن الواحد والعشرين واعادت تشكيله ولو مع فوارق على ما يقول الاجتهاديين. ولكن ماذا كان يحدث في بلادنا؟ كانت المنطقة مع ظل الحكم العثماني (رجل الشرق المريض) وكان التململ في أوجه والبحث عن مشاريع قومية سورية وعربية خارج إطار تركيا وغالباً بمساعدة قوى اوروبية ( فرنسا او بريطانيا) قيد التحضير والتداول.
في بيروت كان الوالي عزمي بك يوجه جهوده الى تطوير الحياة الزراعية في ولاية بيروت. وتقررت ميزانية الزراعة الخصوصية لولاية بيروت في عام 1914 بعدما تقرر تأسيس مكتب زراعي في كل لواء من الوية بيروت. واصدر الوالي امره بافتتاح مكتب الالبان في نيسان 1914 وكانت ولاية بيروت تصدر الى اوروبا حوالي خمسة ملايين بيضة في السنة. ونالت مصنوعات بيروت الفضية والذهبية رغبة واقبالا في اوروبا على ما يذكر د.عصام شبارو في كتابه " تاريخ بيروت" ص 213. وفي خبر آخر من كتاب " بيروت في التاريخ والحضارة والعمران" لطه الولي ص 111 انه كان هناك نزاع بين الحكومة العثمانية يمثلها مديرالمالية (الدفتردار) وبين بلدية بيروت على حرج الصنوبر ( حرج بيروت) اذا حاول مدير المالية الاستيلاء على الحرج واعترض مجلس ادارة البلدية مسجلاً ان الحرج هو ملك الاهالي ومتنزههم الوحيد. وهكذا سجل الحرج على انه من املاك البلدية.
وفي بيروت صدرت مجلة " فتاة لبنان" في كانون الثاني 1914 وهي مجلة أدبية علمية روائية لمنشئتها سليمة ابي راشد .
وفي العام 1914 كان جبران خليل جبران يكتب في بوسطن كتابه " دمعة وابتسامة " ويكتب الرسائل الى مي زيادة وماري هاسكل ويرسم الفنانة الاميركية روث سان دنيس.
وفي العام 1914 أنهى امين الريحاني روايته " زنبقة الغور" في ماريدا – المكسيك.
وفي لبنان وسوريا ومع دخول تركيا الحرب استفحلت معاناة ا لجوع والهجرة وسفربرلك والتضييق على الحريات.
وفي العام 1914 كانت القوى الاستعمارية تخطط وتدبر لزرع اسرائيل في المنطقة والاستيلاء على النفط في المنطقة وتقسيم العالم العربي.
في بداية القرن الماضي كان هناك ثلاثة مشاريع حضارية بحسب ما يقول د.محمد عابد الجابري " المشروع الحضاري العربي والمشروع الغربي الاوروبي والمشروع الاسرائيلي" اين اصبحت هذه المشاريع بعد مائة عام. كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف قصيدة فيها الكثير مما حل في العالم العربي " منذ العام 1916 وحتى اليوم لم تزل الالغام على السكة الحديد / ولم يزل لورانس يقلب النظر في الصحراء العربية".مر القرن ولم يحدث شيء . قرن من اجل اللاشيء.
مئة عام على الحرب العالمية الاولى والعالم العربي ينتقل من التقسيم والتجزئة الى التفتيت. ومن التفتيت الى أين؟ والدم يمتزج بالنفط، واليقين بالنفاق، والحقيقة بالزيف. والتاريخ بالاوهام والاساطير.
والسؤال، كيف يمكن أن نستعيد ارادة التغيير؟ كيف نعيد بناء مشروعنا الحضاري ونستأنف دورنا في التاريخ؟ كيف نعيد بناء الانسان – القيمة ودوره في المجتمع ؟ كيف نعيد الاعتبار للعقل والحرية والكرامة الانسانية؟ كيف ننتقل من القبيلة الى المدينة؟ كيف نساعد الماضي ان يمضي والمستقبل ان يولد؟ كيف نعيد ترتيب الاولويات وتحديد الاهداف والآليات ؟
اسئلة كثيرة تحتاج الى مدى زمني ولكن من قال ان الهوية الحضارية لا تُبنى يومياً وفي خضم الاحداث التحولات التي تجبهنا.
روى لنا غير مرة الدكتور زين نور الدين زين أستاذ التاريخ في الجامعة الاميركية في بيروت انه كان في زيارة الى احدى المتاحف في النمسا ووجد هناك العربة التي أغتيل فيها ولي عهد النمسا الارشيدوق فردنياند وزوجته في حزيران 1914 على يد شبان متمردين من الصرب. وراح زين زين يستعذب القول ان التاريخ نلمسه ونحسه ونشمه ونتذوقه، وراح يتلمس باصابعه آثار الرصاصات في العربة ويقول " تلك الرصاصات أشعلت الحرب العالمية الاولى". ولكنه وجد رصاصتين وراح يفتش منهمكاً عن الرصاصتين الباقيتين مستذكراً انهم اطلقوا عليه اربع رصاصات . ولبث يفتش ولم يجد حتى قالت له زوجته الرصاصة الثالثة والرابعة اصابته وأصابت زوجته وأردتهما.
والصحيح ان تلك الحادثة كانت سبباً مباشراً للحرب ولكن الأسباب الاعمق كانت في السباق الى التسلح والتحالفات والامبريالية والقوميات. وكل هذه المفاهيم لا تزال سارية في القرن الواحد والعشرين واعادت تشكيله ولو مع فوارق على ما يقول الاجتهاديين. ولكن ماذا كان يحدث في بلادنا؟ كانت المنطقة مع ظل الحكم العثماني (رجل الشرق المريض) وكان التململ في أوجه والبحث عن مشاريع قومية سورية وعربية خارج إطار تركيا وغالباً بمساعدة قوى اوروبية ( فرنسا او بريطانيا) قيد التحضير والتداول.
في بيروت كان الوالي عزمي بك يوجه جهوده الى تطوير الحياة الزراعية في ولاية بيروت. وتقررت ميزانية الزراعة الخصوصية لولاية بيروت في عام 1914 بعدما تقرر تأسيس مكتب زراعي في كل لواء من الوية بيروت. واصدر الوالي امره بافتتاح مكتب الالبان في نيسان 1914 وكانت ولاية بيروت تصدر الى اوروبا حوالي خمسة ملايين بيضة في السنة. ونالت مصنوعات بيروت الفضية والذهبية رغبة واقبالا في اوروبا على ما يذكر د.عصام شبارو في كتابه " تاريخ بيروت" ص 213. وفي خبر آخر من كتاب " بيروت في التاريخ والحضارة والعمران" لطه الولي ص 111 انه كان هناك نزاع بين الحكومة العثمانية يمثلها مديرالمالية (الدفتردار) وبين بلدية بيروت على حرج الصنوبر ( حرج بيروت) اذا حاول مدير المالية الاستيلاء على الحرج واعترض مجلس ادارة البلدية مسجلاً ان الحرج هو ملك الاهالي ومتنزههم الوحيد. وهكذا سجل الحرج على انه من املاك البلدية.
وفي بيروت صدرت مجلة " فتاة لبنان" في كانون الثاني 1914 وهي مجلة أدبية علمية روائية لمنشئتها سليمة ابي راشد .
وفي العام 1914 كان جبران خليل جبران يكتب في بوسطن كتابه " دمعة وابتسامة " ويكتب الرسائل الى مي زيادة وماري هاسكل ويرسم الفنانة الاميركية روث سان دنيس.
وفي العام 1914 أنهى امين الريحاني روايته " زنبقة الغور" في ماريدا – المكسيك.
وفي لبنان وسوريا ومع دخول تركيا الحرب استفحلت معاناة ا لجوع والهجرة وسفربرلك والتضييق على الحريات.
وفي العام 1914 كانت القوى الاستعمارية تخطط وتدبر لزرع اسرائيل في المنطقة والاستيلاء على النفط في المنطقة وتقسيم العالم العربي.
في بداية القرن الماضي كان هناك ثلاثة مشاريع حضارية بحسب ما يقول د.محمد عابد الجابري " المشروع الحضاري العربي والمشروع الغربي الاوروبي والمشروع الاسرائيلي" اين اصبحت هذه المشاريع بعد مائة عام. كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف قصيدة فيها الكثير مما حل في العالم العربي " منذ العام 1916 وحتى اليوم لم تزل الالغام على السكة الحديد / ولم يزل لورانس يقلب النظر في الصحراء العربية".مر القرن ولم يحدث شيء . قرن من اجل اللاشيء.
مئة عام على الحرب العالمية الاولى والعالم العربي ينتقل من التقسيم والتجزئة الى التفتيت. ومن التفتيت الى أين؟ والدم يمتزج بالنفط، واليقين بالنفاق، والحقيقة بالزيف. والتاريخ بالاوهام والاساطير.
والسؤال، كيف يمكن أن نستعيد ارادة التغيير؟ كيف نعيد بناء مشروعنا الحضاري ونستأنف دورنا في التاريخ؟ كيف نعيد بناء الانسان – القيمة ودوره في المجتمع ؟ كيف نعيد الاعتبار للعقل والحرية والكرامة الانسانية؟ كيف ننتقل من القبيلة الى المدينة؟ كيف نساعد الماضي ان يمضي والمستقبل ان يولد؟ كيف نعيد ترتيب الاولويات وتحديد الاهداف والآليات ؟
اسئلة كثيرة تحتاج الى مدى زمني ولكن من قال ان الهوية الحضارية لا تُبنى يومياً وفي خضم الاحداث التحولات التي تجبهنا.