تعتبر بلدة معلولا من أقدم البلدات التي ما تزال مأهولة بالسكان منذ تشييدها في الألف الأول قبل الميلاد على أيدي الأراميين، وحتى اليوم ما برح أهلها يتحدثون اللغة الأرامية إلى جانب اللغة العربية.
ترتفع معلولا 1500م عن سطح البحر، وتقبع وسط جبال القلمون الصخرية الجرداء، ومناخها معتدل الحرارة صيفاً وشديد البرودة شتاء، وتحصر الجبال بينها وادياً تنتشر فيه الأشجار المثمرة وتنساب فيه الينابيع الباردة.
وتشكل بيوت معلولا المشيّدة على السفوح لوحة جبلية رائعة الجمال وهي تأخذ شكلاً متدرجاً جعل بيوتها متراكبة بعضها على بعض، وبسبب ضيق الوادي حوَّل أهالي معلولا بعض المغاور القديمة المحفورة في الصخور بيوتاً حديثة صالحة للسكن.
وقد جذبت الطبيعة المنيعة لهذه الكهوف والمغاور القديسين المسيحيين الذين لجؤوا إليها هرباً من الوثنية والاضطهاد الروماني الذي لاحقهم قبل أن تدين الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية.
ولذلك لم يكن غريباً أن تضم معلولا العديد من الأديرة والكنائس القديمة التي تعدّ من معالم الجذب الديني والسياحي للمنطقة أهمها سيدة معلولا، ويعتبر من أقدم الأديرة في العالم، ودير مارسركيس الذي أنشئ في القرن الرابع الميلادي، ويحتوي على مجموعة نادرة من الأيقونات الأثرية. أحد أجمل الامور التي تثير الإعجاب في معلولا هي هذا الامتزاج الجميل بين الحقيقة والخيال بين التاريخ والاسطورة والايمان، فهذه ممزوجة ببعضها لحد أن فصلها صعب ان لم يكن مستحيلا.
اينما نظر المرء في معلولا تقع عينه على ما يحرك مخيلته او يجعله يترك لخياله العنان ليصور له ما يشاء او ربما تلفت انتباهه اشياء تجعله يطرح على نفسه اسئلة، وكلما ظن انه وجد إجابة على سؤال اكتشف أنه بإجابته انما خلق لنفسة مزيداُ من الاسئلة. الى ان يستسلم ولا يعود يحاول أن يفهم معلولا بعقله بل ينظر اليها على انها لوحة فنية نادرة يحاول ان يعيشها بأحاسيسه ويترك لها (مبتسماً) ان تفعل بمشاعره ما تشاء.
المغائر المحفورة بالصخر تشبه بيوتاً بدائية تدل على انها كانت مسكونة منذ ازل طويل. معلولا أصلها مأوى، وعندما خرج الانسان من كهفه وبنى له بيتاً خرج اهل معلولا ايضاً من كهوف جبلهم.
كان اهل معلولا من اوائل من اعتنق المسيحية. من اجل ايمانهم تحملوا العذاب والاضطهاد وقدموا الشهداء منذ زمن الاحتلال الروماني الى فترة الاحتلال العثماني لبلادنا. وهذا ما يفسر كثرة الاديرة والكنائس في معلولا فمعظها يحمل اسم شهيد او شهيدة وبنيت لتخليد ذكراهم.
لا يوجد مكان على الارض يعيش فيه الماضي والحاضر جنباً الى جنب مثل معلولا، ولن تجد مكاناً على الارض فيه قصة البشرية ماثلة امامك مثل معلولا، فبضعة امتار فقط هي التي تفصل بين كهف عاش فيه الإنسان البدائي ومنزل من عصرنا هذا. بضعة امتار تفصل بين مكان نحت بالصخر بأدوات ربما حجرية وبين مكان يجلس فيه شخص ربما يشاركنا الآن قراءة هذه الكلمات هذا وتحتوي معلولا على معالم تاريخية متفردة اهمها الاديرة والكنائس والممرات الصخرية وعلى أثار مسيحية قديمة وهامة في تاريخ المسيحية منها كنيسة بيزنطية قديمة وأضرحة بيزنطية منحوتة في الصخر في قلب الجبل، كما يوجد فيها دير مار تقلا البطريركي.
تتميز بيوت بلدة معلولا بارتفاع بعضها فوق بعض طبقات، بحيث لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد لتتحول بذلك سطوح المنازل إلى اروقة ومعابر لما فوقها من بيوت لتكون ذات طابع متميز.
أما الأوابد والأحجار الضخمة والكهوف والمغارات المحفورة في الصخر التي سكنها الانسان القديم فتحكي قصة تاريخ آلاف السنين منذ العهد الأرامي الذي كانت فيه معلولا تتبع مملكة حمص إلى العهد الروماني الذي سُمّيت فيه معلولا سليوكوبوليس وإلى العهد البيزنطي الذي لعبت فيه دوراً دينياً مهماً عندما أصبحت بدءًا من القرن الرابع مركزاً لأسقفية استمرت حتى القرن السابع عشر. تعدّ من أعرق المدن المسيحية في المشرق ويعني اسمها (سيدتنا بالآرامية) وتقع على ارتفاع 1450 متراً عن سطح البحر وهي مدينة تشتهر بجمال طبيعتها ومقدساتها المسيحية المشهورة في جميع أنحاء العالم.