بشكل مفاجئ ومن دون ان تتوقع اية جهة عالمية او اقليمية, وفي 10 حزيران 2014 اجتاحت داعش ثلاث محافظات عراقية في الغرب هي نينوى وصلاح الدين والانبار كما دخلت مناطق عديدة في محافظتي ديالى وبابل وصعدت الى الاولوية في الاهتمام السياسي والاعلامي الاقليمي والدولي, بطبيعة الحال استنكرت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا ودول المنطقة ما قامت به داعش ودعت الى مواجهته بكل الوسائل. اخطر ما قامت به داعش هو احتلال ثاني مدن العراق الموصل وعاصمة صلاح الدين تكريت واجتاحت سهل نينوى وهجّرت المسيحيين منه كما اجتاحت جبل سنجار وقتلت وسبت وهجرت الاقلية الايزيدية. كما ارتكبت مجازر بحق بعض العشائر في الموصل والانبار وفي قاعدة سبايكر الجوية في صلاح الدين.
في اواخر آب 2014 اجتمعت عشر دول في جدة في السعودية وقررت إنشاء تحالف دولي لمحاربة داعش برئاسة الولايات المتحدة, وتوسع هذا التحالف ليضم اربعين دولة من دون وجود للامم المتحدة. بدأت الطائرات الاميركية بقصف مواقع لداعش في العراق وانتقلت بشكل مفاجئ الى سوريا حيث قصفت مواقع لداعش ولجبهة النصرة. ما يلفت النظر في اعمال القصف هو ما يلي :
– عندما اقتربت داعش من اربيل وباتت على مسافة نحو 30 كلم شرقي المدينة في ظل شبه انهيار للبيشمركة الكردية, تدخل الطيران الاميركي وقصف بعنف قوات داعش والحق بها اضراراً بالغة الزمها على الانسحاب.
– عندما احتلت داعش سد الموصل وتركه البشمركة تعرض العراق لخطر اما نسف السد او احكام المياه داخله ما يعني اما اغراق مدن كبرى مثل بغداد والموصل وتكريت او تجفيف هذه المدن وجوارها, تدخلت الطائرات الاميركية وضربت داعش وانسحبت من سد الموصل
– عندما اجتاحت داعش سهل نينوى وجبل سنجار ودمرت وقتلت وسبت نساء من المسيحيين والايزيديين لم تتدخل الطائرات الاميركية لتمنع داعش من الاستمرار بعملياتها كما فعلت على مشارف اربيل.
– عندما اجتاحت داعش ريف عين العرب كوباني المؤلف من نحو 185 قرية ومساحته اربعة آلاف كلم مربع لم تتدخل الطائرات الاميركية رغم نزوح اكثر من مئتي الف كردي من قراهم .
– عندما وصلت طلائع داعش الى حدود كوباني تدخلت الطائرات الاميركية وقامت بقصف على اهداف منتخبة وبوتيرة تسمح لها بضبط ايقاع هجوم داعش, من دون وقفه كما حصل في اربيل. وما يزال القتال ناشباً على تخوم كوباني منذ شهرين ولم تدخل داعش المدينة كما انها لم تنسحب من محيطها.
حدد وزير الخارجية الاميركي مهمة الولايات المتحدة والتحالف الجديد في تصريح جاء فيه: "نحتاج لمهاجمتهم (داعش) على نحو يحول دون استيلائهم على أراض, ولتعزيز قوات الأمن العراقية وغيرها من قوات المنطقة المستعدة لقتالهم من دون أن نلتزم بإرسال قوات". وأضاف "من الواضح أن هذا خط أحمر للجميع هنا لا قوات برية."
بالتدقيق في كلام الوزير كيري نلاحظ ما يلي:
– ان هدف التدخل الاميركي هو الحؤول دون استيلاء داعش على اراض جديدة اي ليس تحرير الارض التي سيطرت عليها واعادتها الى الدولتين المعنيتين سوريا والعراق على عكس ما فعلت في عملية عاصفة الصحراء عندما طردت القوات العراقية من الكويت واعادت السلطة الكويتية الى الحكم.
– تعزيز قوات الامن العراقية, وهي تقوم بذلك بشكل بطيء يحمل نيات بإعادة الوجود العسكري بعدما رفضت حكومة المالكي بقاء قوات اميركية في العراق. تشير المعلومات المتوافرة ان الولايات المتحدة تريد انشاء قواعد لها في عين الاسد والحبانية في الانبار وبلد وسبايكر في صلاح الدين ودبس في كركوك. من جغرافيا هذه القواعد نستنتج ان الولايات المتحدة تريد الإمساك بالمكون العربي السني في الانبار وصلاح الدين وأن تكون لها الكلمة الفصل في مصير كركوك المتنازع عليها بين العرب والكرد والتركمان.
لا تدعم الولايات المتحدة القوات العراقية من اجل القضاء على داعش فهي تمتنع عن تسليم طائرات ف 16 اشترتها الحكومة العراقية ودفعت ثمنها وكذلك طائرات اباتشي وصواريخ جو ارض من نوع هيل فاير يحتاجها الجيش العراقي في حربه ضد داعش. المناطق التي استعادتها الحكومة العراقية في جرف الصخر في بابل وقبلها في امرلي كانت على يد ميليشيات محلية اطلق عليها تسمية قوات الحشد الشعبي واصبحت تابعة لوزارة الدفاع.
– اضاف كيري انه يريد تعزيز "غيرالقوات العراقية من المنطقة" من دون ان يحدد. لم يتحدث عن الجيش السوري المنهمك في قتال مع النصرة والقاعدة في انحاء عديدة من سوريا. ربما قصد قوات البيشمركة التي اسرع بتقديم الدعم لها, لكن ايران كانت اسرع منه وتدخلت فوراً لحماية اربيل من خطر داعش وقدمت دعما فوريا لمسعود البرازاني الذي شكر ايران باعتبارها اول من قدم الدعم العسكري ضد داعش.
ماذا تريد الولايات المتحدة من التدخل العسكري الراهن في العراق وسوريا؟
من الواضح انها لا تريد القضاء على داعش ولا على النصرة وغيرها من مشتقات القاعدة, ولم يتحدث اي مسؤول اميركي عن ذلك بل سمعنا كلاما كثيرا عن طول مدة المعركة. يرجح ان تريد الولايات المتحدة انتشار قواعد لها في العراق كما ذكرنا آنفاً وهي تستغل داعش او تستخدمها من اجل تحقيق هذا الهدف.
تهدف الولايات المتحدة من ضبط ايقاع هجوم داعش على كوباني الى الضغط على اكراد سوريا والحزب الرئيسي الاتحاد الوطني الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي من أجل تغيير سياسته المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني المتحدة خوفاً من عواقب اخرى غير محسوبة بقيادة عبد الله اوجلان وعضوية هيئة التنسيق الوطنية السورية اي معارضة الداخل, المتهمة دائماً بالتعامل مع الحكومة السورية والتبعية لها. رغم ان صالح مسلم زعيم اكراد سوريا رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران الماضي وخلت مناطق الكرد في سوريا من اي نشاط انتخابي, ورغم انه اعلن انشاء بركان الفرات بالاشتراك مع الجيش الحر بعد سيطرة داعش على الموصل في مشروع واضح ضد الحكم السوري, إلا ان ذلك لم يشفع له فهاجمته داعش وقتلت وهجرت مئات الآلاف من كرد سوريا بتواطؤ تركي واضح.
بات واضحا ان الولايات المتحدة تستخدم داعش لتنفيذ اجندة سياسية.
اما عن اتهام حلفاء الولايات المتحدة بدعم الارهاب فهو يتعلق بموقف هذه الدول وهي مجلس التعاون الخليجي وتركيا والاتحاد الاوروبي. إنه ينبع بشكل اساسي من موقفها من الازمة السورية. تقف هذه الدول الى جانب المعارضة السورية ضد الحكومة وهي لا تخفي دعمها العسكري والسياسي والمالي والاعلامي للمعارضة فضلا عن ان هناك الكثيرين من رعايا هذه الدول يقاتلون في صفوف المعارضة. عندما وقفت الولايات المتحدة ضد داعش وخصوصا بعد صدور قرار مجلس الامن رقم 2170 وتشكيل التحالف في جدة, وقعت هذه الدول في مأزق وحيرة. انها عندما تشارك في ضرب داعش والنصرة يعني انها تقاتل المعارضة السورية المسلحة التي طالما قدمت لها كل اشكال الدعم في السنوات الماضية. فهي تدعم من جهة وتحارب من جهة من دون ان تجرؤ على رفض طلبات الولايات المتحدة.
من المرتقب ان يسفر سلوك الولايات المتحدة مع الارهاب وسلوكها عن توريط لحلفائها في اعمال متعاكسة, وعن تدهور في هذه الدول في المستقبل القريب لانه لا يمكن استمرار هذه السياسة المزدوجة والمتوازية والمتعارضة في الوقت نفسه من دون عواقب داخلية في هذه الدول.