78
في ظل التحوّلات البنيوية التي تمر بها المجتمعات العربية، على الصعيد السياسي والإقتصادي والثقافي، يبرز التساؤل حول دور المسرح العربي وحاله بمعناه الفني الأدائي، كونه ومنذ عصر الأنوار كان أداة تعبير ثقافية، شهدت على مدى مراحل متفاوتة تحوّلات في الأشكال والمضامين والآليات، وشكّلت دوماً محاولات تأثيرية في الحراك المجتمعي.
يواجه المسرح العربي اليوم أسئلة جوهرية في كينونته الثقافية، بما يمتحن مدى رسوخ قاعدته التأسيسية في الذهنية المعرفية العربية، ومن ثم سمات هذا المنتج وخصائصه، بما يعطيه دوراً تثاقفياً في الاحتياجيات المجتمعية الأساسية وليست التكميلية، بما يؤهلّه أن يمثّل نوعاً ثقافياً وشريكاً عضوياً، ضمن التطوّر بما لايمكن الإستغناء عنه، وهي الصورة المعاكسة لراهن المسرح العربي المأزوم.
لا نستطيع فهم واقع المسرح العربي وآلية عمله وأزماته، والإجابة على إمكانية ارتقائه دون العودة إلى جذور تكوّن هذا المسرح، إذ أنّ هناك بعض النقاط الجوهرية حول نشوء هذا المسرح وإلى أي مدى تبدو مسألة المسرح هي قضية أصلية في الأداء العربي، وإن كان قد مرّ عليها الزمن، فهي مازالت تترك إنعكاساتها في واقع المسرح العربي الحالي.
الروّاد الأوائل والتأسيس:
ساد في التاريخ العربي الكثير من "الظواهر" المسرحية، والتي بحثها وفصّلها الكثير من النقاد والمنظرين المسرحيين، التي كان أبرزها دراسة علي عقلة عرسان في كتابه "الظواهر المسرحية عند العرب"، والتي تؤكّد بوجود أشكال تمثيلية وطقوس شعائرية تحمل تجليات مسرحية، مثل مواكب العزاء في عاشوراء والمقامات والموالد الدينية، واحتفالات الجمعة الحزينة، ولكنها أشكال تبقى شديدة البعد عن المسرح بالمعنى الأرسطي وتطوّراته، مع الإشارة إلى استثناء (مسرح خيال الظلّ) الذي اعتبر شكلاً مسرحياً أوحداً ظهر في المرحلة العباسية، كما يطرح الباحث علي الراعي، ورغم وجود المسارح الرومانية القديمة في بعض المدن العربية، ولكن المسرح كفن لم يكن جزءاً من الثقافة الإجتماعية في العصور الوسطى والحديثة، بل تمّ استيراده من أوروبا مثل بقية المنتجات أو المهارات التقنية، والتي لم تكن إلا "مجرّد انبثاق إلى الوجود، ومحاكاة لظواهر فنيّة رآها المثقفون العرب في أوروبا، فاستوردوها استيراداً إلى بلادهم"(الراعي، 1999، ص65)، وهذا ما رافق عمل المبدع العربي بوضوح، منعكساً في بحثه المتخبّط عن المرجعية الفنية.
وعلى اختلاف البدايات من دولة إلى أخرى، إلا أن دارسي تاريخ المسرح العربي، يجمعون أن هذا الفن جاء لأول مرة عندما عرض مارون النقاش مسرحية "البخيل" في بيروت 1847، والتي تمّ الخلاف حول ما إذا كانت ترجمة كاملة لنص مسرحية "موليير" بذات العنوان، أم أنه مجرّد اقتباس وتأثّر بعد الإطلاع عليها إذ جاءت بلغة شعرية سهلة أقرب للركاكة، (كمال، 2013، ص127) ودخلت مفردة المسرح بمعناها الحالي، وتوالت تجارب الرواد أبرزها أبو خليل القباني في دمشق ويعقوب صنوع في مصر، وكان مسرحاً اجتماعياً أكثر منه سياسي، عالج المواضيع الانسانية بشكل كوميدي ساخر ناقد وغنائي، ما جعل اقتباساتهم من النصوص العالمية ليست حرفية، بل ربطوها بالشأن الإجتماعي فقط لتعويد الناس أن يأتوا إلى المسرح، إلى أن ضعُف المسرح الغنائي في الخمسينات و صار ما يسمى المسرح الحديث.
ومع كل ما يشوب تجربة الروّاد الأوائل من ملامح فنية بدئية، فقد ترافقت مع نهوض البرجوازية الصغيرة وكانت جزءاً من حركة التنوير أو النهضة في مواجهة الرجعية، ويقيّم الكاتب سعدالله ونوس تجربتهم أنها "كانت طافحة بالصحة، فكانوا يدركون فطرياً طبيعة المسرح كظاهرة اجتماعية تنشأ بين الناس وتنتشر بين صفوفهم، ولذلك لم يتقيدوا بالصيغ الجاهزة للمسرح في أوروبا على الرغم من انطلاقهم منها" (العلان، 2017، ص 192)، بل اعتمدوا على إحساسهم الفطري الإرتجالي للتفاعل مع المتفرجين بما يدفع العرض ليكون حدثاً فرجوياً يحقق المتعة والتسلية ويلامس هموم الناس بذات الوقت، وهذا جعل من مسرح الروّاد ظاهرة فنية-مجتمعية وشغلت ركناً هاماً يقبع في جوهر الخطاب الحداثي العربي.
وفي مرحلة الستينيات شهدت المنطقة العربية تحولات سياسية غيّرت من مركّبات المجتمعات العربية، ودخل المسرح مرحلة نهوض وإزدهار ملحوظ، فقد بدأ ينتزع الإعتراف والإهتمام من المؤسسات الرسمية، وترسخ كظاهرة اجتماعية، وانطلقت المهرجانات المسرحية وتأسست المعاهد المسرحية، وتطوّرت أدوات المسرح الفنية، من حيث العمل على الممثل وظهور مهنة المخرج وتطوّرت المفردات السينوغرافية في دلالتها الدرامية، وتمّ التأثّر بالإتجاهات وتيارات المسارح الغربية، مثل بريشت والتغريب وغروتوفسكي ومسرح الفقير، وبرز في هذه المرحلة أعمال كل من أنطوان ملتقى وريمون جبارة ومنير أبو دبس في لبنان، وفي سوريا رفيق الصبان وشريف خزندار ونهاد قلعي وهاني صنوبر، وفي مصر حمدي غيث وسعد أردش وكرم مطاوع وغيرهم، ويتمّ استعراض هذه المرحلة في بحث الحفار التوثيقي، متناولاً بشكل وافٍ كلّ تفاصيلها التأريخية (الحفار، 2001، ص6-14).
وفي التجربة المسرحية التونسية تشكلت الحركة المسرحية الطليعية من فنانين بعد دراستهم بالخارج، وخبروا الفورات الأوروبية التجريبية فعادوا وساهموا في تغيير الممارسة المسرحية، عند إصدارهم المانيفستو الشهير "بيان الأحد عشر" عام 1969، والذي جاء كما يشير المسعودي بعد سنة واحدة من ثورة الطلاب في باريس 1968، وقد رفعوا شعار التجريب والسعي نحو "مسرح اجتماعي ناقد يمنح من خلال شرعيته هامشاً لتحرير الكتابة المسرحية وفعلها بالرغم من تلوّن هذه الحركة بالمنحى الإيدلوجي ذي النزعة الماركسية الثورية، والمهم في ذلك هو أن التطلع إلى دراماتورجيا جديدة كان أهم أفق للفعل المسرحي الجديد" (المسعودي، 2009، ص 38)، وظهر نتيجة لذلك في استباق للتجارب العربية الأخرى، أن يصبح المسرحي دراماتورج أي مخرج/مؤلف مثل الفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري وتوفيق الجبالي ومحمد إدريس ونور الدين الورغي ومنصف الصايم ورجاء بن عمار وعز الدين قنّون وغيرهم.
ولكن هذا التطوّر الذي أطلق عليه وباحثي ونقاد المسرح (مرحلة النهوض الكبير) يراه الكاتب والمخرج فرحان بلبل بداية ضعف المسرح مشيراً "أن بذور التراجع كانت في رحم الصعود، وكأن عوامل الصعود كانت نفسها عوامل الإنحسار" (بلبل، 2007، ص10)، وهو ما يتوافق مع رؤية الكاتب والناقد المسرحي بول شاؤول، معتبراً السبب أنه "أصبح المسرح نظرية، وهو ما شكّل النعمة والنقمة، نعمة لأنه هناك رؤية يتم العمل عليها، ونقمة لأن ما من نظرية إلا يكون مصيرها أن تنتهي، لسقوطها في الوصايا الجاهزة ما يقودها نحو مصير التشابهية والتكرار" (شاؤول، 2019)، فجاء الإستنزاف في أواخر الثمانينات، معلناّ بدء أزمة المسرح العربي من خلال مقالته الشهيرة "المسرح العربي من الإنبهار إلى الإنهيار" (شاؤول، 89، ص 158)، فقد وصل التأثّر بالغرب أوالتمرّد عليه عبر التجريب إلى طريق مسدود، رغم كل محاولات المسرحيين في تأصيل المسرح العربي.
هاجس التأصيل والهوية الفنيّة:
ترجع ظاهرة التأصيل إلى بداية الممارسة العربية لهذا الفن، رغم بروز المصطلح في ستينيات القرن العشرين، لكنها تعود في الأساس إلى تلك المحاولات، التي قام بها الروّاد منذ بداية القرن، بما يعبّر عن مدى وعيهم وإدراكهم العميقين بخصوصية الثقافة العربية، فلجأ بعض العاملين والإختصاصيين المسرحيين، إلى عوربة المسرح بأي طريقة، لمحاولة إكتشاف معادلات درامية تم استقائها من التراث كنوع من المرجعية الفكرية، أما المفردات الفنية فقد بقيت تجاري أذواق الناس وترضي المجتمع "من خلال إيجاد نوع من المواءمة بين هذا الفن الوافد وخصائص الثقافة العربية، حتى ولو أدى ذلك في بعض الأحيان إلى التضحية بمتطلبات الفن وخصائصه في سبيل متطلبات الذوق" ( زباش، 2012، ص 186)، ليبقى هذا المنتج قديماً أصيلاً بالمعنى الفكري وليس أصلياً بالمعنى الفني، بمعنى عدم تواؤم الشكل مع المضمون في التعبير الفني، وهي المعادلة التي مهدت لشرخ يلازم المسرح حتى الآن، في تلك الفجوة بين المضامين التي تحكم سياسات المسرح وآليات تحققها.
في ظل البحث عن الهوية التي شغلت ذهن الباحثين والفاعلين المسرحي، التي يعرّفها بلبل على أنها تأتي "بمعنى وجود الصفات الخاصة لا بمعنى التفوّق" (بلبل، 127) أي إيجاد شكل مسرحي يعبّر عن واقع اجتماعي سياسي يعكس خصائصه العربية، وهو ما ظهر في محاولات الكتاب مثل سعدالله ونوس وممدوح عدوان ووليد إخلاصي في سوريا، وفي مصر ألفرد فرج ومخائيل رومان ومحمود دياب ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وغيرهم، وفي المغرب عز الدين المدني وعبد الكريم برشيد، وأيضاً في محاولات المخرجين مثل فواز الساجر في سوريا وصقر الرشود في الكويت وروجيه عساف في لبنان وعوني كرومي في العراقي وأصحاب المسرح الإحتفالي في المغرب، أي أن هذه المحاولات جميعها تتعلق بتوحيد الشكل الفني وسماته للإجابة عن سؤال تأصيل الظاهرة المسرحية، وتحويل المسرح من فن غريب مستورد إلى فن أصلي وليس أصيل في الثقافة العربية.
لاشك أن حركة التأصيل كان نتيجة التجريب الفني بهدف التطوير النوعي الفني البحت، وقد قامت بعض المحاولات في البحث على أسلوب معالجة المفردات الفنية، بهدف إظهار هوية العمل المسرحي وتحديدها، من خلال تناول الشخصية الدرامية بما ينبثق عن علاقتها بالبيئة الإجتماعية المحيطة، الشيء الذي بدوره ينطبع على ملامح الصراع وتطوّر الحبكة، (الآلوسي،ص5) ولكن هذا يتعلق بمعالجة الموضوع الدرامي، أما في حال الإنتقال إلى آليات الفنية في التجسيد، من التمثيل وبناء المركّب الفني الإخراجي العام، تواجهنا حينئذ أصول المسرح الكلاسيكية بالمعنى الأكاديمي، والتي لا تحمل أي هوّية مجتمعية، بل تتمايز فقط من حيث بالنوع الفني الأدبي.
ولذلك يبدو التأصيل القائم على استرجاع العناصر التراثية ناقض ومتعاكس مع آليات المسرح الإبداعية، ولا يمكن أن يتوافق ومستحدثات العصر وتطوراته، وهو ما أثبتته الممارسة العملية، إذ لم تنتج هذه الإشكالية التاريخية النقدية، والتي استنفرت المجهود المسرحي خلال أكثر من مائة عام في التراث العربي، إلا التخبّط الفني بين المرجعيات والآليات، فقد اعترف المسرحيون العرب، أن من أهم المشكلات التي تواجه التلقي والتواصل في الفعل المسرحي "انحراف الرسالة الاتصالية وانقطاعها بسبب عدم تمكن المرسل من أدواته التعبيرية وتمرّسه بها أو بسبب خروجها على النمط السائد أو تقليديتها"(أبو هيف، 2002، ص61) وهكذا اختفت تلك هذه الطروحات لارتباطها بالقديم والثبات، وعادوا المسرحيون في سعيهم نحو الحداثة، والتي لن يجدوا سبيلاً إلا الغرب لاستحضارها.
في تأمل المشهدية المسرحية الحالية، نلمس بوضوح ذاك الضياع والتخبط في الرؤى الإبداعية والآليات الجمالية والتقنيات الفنية لدى المسرحيين العرب، كما يرصدها المخرج والكاتب المسرحي والأكاديمي هشام زين الدين واضعاً تجاربهم في تيارين يسيران بالتوازي جنباً إلى جنب، إذ في حين "يجهد بعضهم في البحث عن آفاق جديدة في التعبير مستخدماً الأساليب الحديثة خارج القيود الكلاسيكية السائدة، نجد البعض الآخر غارقاً في التقليد محافظاً على صيغ مسرحية تخطاها الزمن"، (زين الدين، 2018، ص12)، وفي حال اعتبرنا أن الإجتهادات في التيار الأول تضعنا في المساحة المضيئة الداعية للتفاؤل في الواقع المسرحي، فإن نظرة متفحصة وأشد قرباً هي كافية، لنرى أن هذا التعدد والتنوع التجريبي، ماهو إلا حالة وهمية تخفي ورائها تعدداً في الأزمات، مضاعفة في التحديات تنذر بواقع مسرحي مأزوم لاحقاً.
قراءة الراهن المأزوم
لا يمكننا إنكار تصاعد النشاط المسرحي في الآونة الأخيرة، من حيث عدد المسرحيات والتي تُعرض سنوياً، سواء في لبنان أو في بعض الدول العربية، وإن كان للأسف لا يوجد إحصائيات رسمية بهذا الخصوص، إضافة إلى كثرة المهرجانات المسرحية، حيث أصبحت لا تخلو بلد عربي منها، ومع ذلك لا نستطيع القول أن هذه التجارب تؤهل المسرح للقيام بوظيفته الإجتماعية كنوع فني والذي عادة يتحقق من خلال تقاطع محورين، الأول عامودي تراكمي، والآخر أفقي جامع أو متمازج مع التجارب المتزامنة (الآلوسي،ص2)، إذ لم يصبح حضور المسرح بعد سلوكاً ثقافياً اجتماعياً، لا يمكن الاستغناء عنه، كما لا يمكننا أن نتحدث عن سمات جمالية واضحة، ولا أعني الهُوية الفنيّة، لما يُسمى المسرح العربي.
يقودنا البحث عن ملامح التحديات التي يعيشها المسرح اليوم، إلى تفنيد الأزمة ورصد مسبباتها، ولأن المسرح فن اجتماعي تواصلي جامع، نجد أنفسنا في مواجهة البُنى الإقتصادية والسياسية والتعليمية المتراكبة والمتداخلة في رسم المشهد الثقافي العربي العام، ولذلك ليس من المستغرب أن تأتي أزمة المسرح على مستوى أزمة الثقافة العربية ذاتها، التي تعكس ما يواجهه الفرد ضمن تحولات المجتمع سياسياً واقتصادياً، ولذلك يأتي الحديث مختلطاً وبشكل تلقائي، إذ عندما نتحدث عن الظاهرة فهي تحمل في جوفها السببية، والعكس أيضاً صحيح في تقليب أوجه الأزمة وتمظهراتها وتحدياتها.
في نظرة عامة لواقع المسرح العربي، يطرح المخرج والممثل فائق حميصي، أن المسرح العربي بخير وأن هناك إنتاجات ضخمة في أكثر الدول العربية، من خلال مواكبته التجارب العربية الحديثة في مهرجانات الهيئة العربية للمسرح كونه أحد مؤسسيها، وهي هيئة مستقلة مدعومة مالياً من حاكم الشارقة فقط، لا تدعم أي إنتاج مسرحي بل تقوم بنشاطات، تشجّع المسرحيين على انتاج المسرح، وعرضه في مهرجانات تقيمهات في كل دولة عربية، ويشير أنه في كل دولة عربية هناك مسرح يمثّله اتجاهات الفنانين المسرحين فيها، ينمو وينتشر ويحتل أهمية فنيّة تتمايز عن حاله في الماضي، ولذلك هناك مشاكل وإشكالات لا تصل لحدّ الأزمة، وهي ليست متشابهة ولا تملك ذات الصفات في كل بلد، مستحضراً أنّه في لبنان على سبيل المثال، هناك مشكلة الإنتاج المالي بسبب تنحّي الدولة وبلدياتها عن دورها التمويلي الداعم، وعدم توافر أناس كثر يحاولون أن يستثمروأ في الإنتاج المسرحي، ولكن الإنتاج كثيف وما زال يزداد، بفضل جهود ذاتية من قبل الفنانين، وتوفيرهم مساعدات مالية بسيطة جداً، ولهذا يخلص حميصي قائلاً: "لست من مناصري أن هناك أزمة في المسرح، فالمسرح بالأصل هو دراما وصراع، وكلمة أزمة هي كلمة ملازمة للمسرح بشكل عام".
وعن حال المسرح في لبنان لدى الممثلة والمخرجة عايدا صبرا رؤية مغايرة، إذ تجده يغرق في أزمات لا أزمة واحدة، لترى هذا الإنتاج الكثيف ما هو إلا فورة في الكم، أمام تراجع ملموس في النوعية الفنية، ولهذا تأتي معظم النتائج متشابهة لا تحقق أي نقلة نوعية ثورية ارتقائية في العمل الفني، مستذكرة تجربة المخرجة سهام ناصر وكيف شكّل عرض "الجيب السري" عام 1992علامة مسرحية فارقة لبنانياً وعربياً، أمّا حالنا اليوم فهو شديد البعد عن مجاراة التجارب الغربية، وحركة تطوره من حيث المضمون والتقنيات والأداء، وتحمّل الإنتاج وصعوبة تأمينه المسؤولية الأولى، في تأثيره على كينونة العمل وطبيعته الإبداعية، فالحدّ الأدنى من الإنتاج المالي يحدّ من مخيلة الفنان وتجريبيته التجديدية الطليعية، والجهد الفردي في المسرح لا يكفي لصناعته ولا ينقذه، ولكن هذه الأزمة العضوية للمسرح هي جزء من حال المشهد الثقافي العام الذي تخلّى عنه المجتمع وانقساماته بعد الحرب اللبنانية، إذ لم تعد الثقافة همّ المؤسسات الرسمية أو المدنية، وخلا مركز المدينة من المسارح ليغزوها المطاعم ومحلات التسوق، والمسارح الباقية ليست إلا أمكنة معمارية تؤجّر المكان بهدف التحصيل المالي، فهي لا تملك مجالس إدارية فنيّة تضم أناس متخصصين، يضعون خططاً أو استراتيجيات بهدف خلق جمهور يحب المسرح ويجذبه، وبالنتيجة تقول صبرا "لقد فشلنا في ظل الأزمات والأحداث التي نعيشها أن نأخذ الدور البديل عن الدولة، أو عن المؤسسات الداعمة، في إيجاد بدائل لتبقى العلاقة مع الجمهور تفاعلية فعّالة وبشكل متواصل"، لقد انسحب المسرح من الحياة المجتمعية العامة.
ومع ذلك تجتمع ملاحظات وتوصيات كلّ من صبرا وحميصي حول عمل مؤسسات المجتمع المدني، وتقصيرهم شبه المعدوم بدعم العمل الثقافي بشكل عام والمنتج المسرحي جزء منه، مثل البلديات والهيئات المدنية الخاصة بكل منطقة والتي تشكّل السلطة الإجتماعية، إذ لا يمكن التعويل أو الإقتصار على انتظار الدعم المركزي الذي تقدمه وزارة الثقافة، أما عندما توجهت بالسؤال إلى شاؤول، عمّا إذا كان راهن المسرح، ما زال يتوافق مع رؤيته التشاؤمية، التي توجسها في نهاية الثمانينيات، أجابني بنظرة أكثر حزناً: "الآن أزمة المسرح العربي أن ليس لديه أزمة، لأنه فقد التحدي، وبقي فن فردي استنفذ كل المصادر الذاتية التراثية والخارجية، ورغم كل ما يجري من ملاحم حقيقية في الدول العربية من ثورات وحروب وتهديدات تواجه المصير العربي، بمعنى أنّ كل العناصر التي توحي المسرح وتغذيه موجودة، ولكن المسرح بات كأنه غير موجود".
لا يمكننا إنكار أن حال المسرح العربي إنتاجياً وإبداعياً يستحوذ اهتمام الباحثين والنقاد والفنانين، ولا يسعنا أن نغوص بتفاصل كل بلد على حدة، ولكن إذا اطلعنا على آخر ما نُشر في هذا السياق، كما في مقال الصحفية منى مرعي، التي استعرضت آراء مختلفة من عدة دول عربية، مثل المخرج روجيه عساف من لبنان، والباحثة ميسون علي من سوريا، والممثلة والكاتبة المسرحية جليلة بكّار من تونس، وأستاذة الدراما والنقد المسرحي إيمان عزالدين من مصر، إضافة إلى المخرج الفلسطيني عامر خليلي، نجد أن جميع النقاط المطروحة تنطبق على الواقع العربي، رغم التباينات أو الاختلافات الظاهرية، على سبيل المثال، ما تعتبره بكّار في تونس أنه الأزمة الأساسية التي تقلقها أكثر من الأزمة الاقتصادية الكبيرة، ألا وهي التعلمية، بما يؤثّر على تكوين الأجيال والمواطنين وبالتالي حال الفنانين، نجدّ أننا لا نستطيع أن نستثني أي دولة عربية من هاتين الأزمتين، فالعلاقة العضوية مع كل ما هو اقتصادي، هي مقولة تعمل في جوهر العملية المسرحية من حيث الآلية، ولا تقتصر على دولة عربية دون غيرها.
ولهذا سنحاول أن نضع بعض النقاط ونضيئ عليها بإيجاز، والتي تجمع حال هذا المسرح العربي، والذي أرى أنه لا يتناقض بين دولة وأخرى إلا من حيث النسبة والشدة، وليس في الوجود الجوهري لهذه التمظهرات الإشكالية، والتي يمكننا حصرها كالتالي:
–المسرح العربي قائم على طبيعة خطابية: اعتمد المسرح على الكلمة كمفردة أساسية في العمل المسرحي، وظل متأثراً بالحكواتي الراوي أي بالثقافة الشخصية، وربما هذا كان سبب انتعاش المسرح السياسي في السبعينيات وإن كان قد توجه نحو المتلقي بطريقة توعوية أو تعليمية أو إرشادية، وكأنه يقدم وسائل إيضاح إو إلقاء خطابات وحكم، وهو ما حكم عليه بالتراجع فيما بعد مع تطوّر مفردات العمل المسرحي، وبروز مهنة الممثل وخصوصاً مع تأسس المعاهد الأكاديمية المسرحية في تلك المرحلة، ولكن فيما بعد أصبح الإهتمام بتعلّم تقنيات التمثيل لسدّ حاجة الدراما التلفزيونية والسينمائية في الغالب وليس تغذية المسرح، ليدخل الخطاب المسرحي في التطور الإعلامي الأخير تحدّيات فنيّة جديدة أوسع وأصعب، ساهمت في تنحيته عن تأثير الفنون الأخرى مثل الغناء أو الرقص والبرامج الترفيهية.
–غياب قاعدة المسرح الشعبية وإعراض المتلقي: مع كل محاولات المسرحيين العرب، لم يستطع المسرح أن يصبح جزءاً بنيوياً من المجتمع العربي كما في أوروبا، حيث لم يُطرد المسرح من الثقافة العامة حتى خلال القرون الوسطى عندما بقي في الكنيسة، فحافظ على مضمونه كونه نوع فني، وبقي مربوطاً بمفاهيم أرسطو الأساسية في الدراما تعليمياً ومعرفياً، إذ رسخ هذا التعليم الطلاب عالم الدراما ليعطي نتائج مستقبلية، وليصبح صنّاع المسرح جزء من صناع الفن، وبالتالي يصبح المسرح فعالية فنيّة وعادة ثقافية يحتاجها الناس في الممارسة الاجتماعية، والذي لم يتحقق في عالمنا العربي حتى يومنا هذا، بسبب تلك القطيعة بين تناول المسرح كمنتج فني أو كممارسة ثقافية، وهو العامل الجوهري الذي يعيق إرتقاء المسرح العربي في صورته العامة، حيث بقي تأثيره شفاهياً وسطحياً عابراً على مستوى البيئة العربية، الخلاصة ليس لدينا مسرح بل مسرحيات، لأن المسرح يجب أن يكون جزءاً من البنى الإجتماعية.
– انفصام الممارسة المسرحية بين المسرح الشعبوي والنخبوي: يساهم إنقسام المشهد المسرحي بين نوعين من الممارسة المسرحية، المسرح الجماهيري الشعبوية ومسرح النخبة، في خلق فجوة كبيرة على صعيد تشكيل ثقافة التلقي وفهم المسرح بالمعنى الإبداعي الفني، ما يخلق ضياعاً في المقاييس والتقييم واضطراباً لدى المتلقي الذي يواجه حيرة غير قادر على تفسيرها، بين أعمال جاذبة متواضعة فنيًاً بل تكون أحياناً هابطة ومبتذلة ، وأخرى تجريبية ولكن غير مفهومةومنفّرة لعدم تحقق المتعة في مشاهدتها.
ظهر المسرح الشعبوي والذي يُطلق عليه المسرح التجاري اليومي، ليكون قريباً من الثقافة السائدة وتطوراتها وظواهرها، ما يجعله ناجحاً في إثارة الناس عاطفياً، وقد تمثّل في مسرح دريد لحام وعادل إمام وفؤاد المهندس وجورج خبّاز، وقد تمثّلت خصائصه وركائزه في تناول المواضيع الإجتماعية والسياسية الوطنية والشؤون الحياتية اليومية بطريقة كوميدية، كونها أداة فنيّة ترضي إحساس الترفيه والتسلية لدى المتلقي، واعتمدت على التأثير الشفاهي القائم على اللعب البلاغي في المفارقات اللغوية من جهة، والتقنيات الأدائية في المهارات التمثيلية العالية ما جعلها تقوم على الممثل النجم، ليكون محور العرض المسرحي وعمود بنائه الدرامي.
أما المسرح النخبوي، فقد تعامل مع المسرح كمنتج فني إبداعي يعالج المواضيع المختلفة، وهي تذهب في إتجاهات لا تحمل بذور التطور بالمعنى التراكمي، بل تتخبط في مسارات فنية مختلفة من التشخيص إلى مرحلة التجريد، ومن مرحلة الأداء الكلاسيكي إلى الأداء الحديث، ولكن هذا لا يعني أنها غير متطورة أو غير حداثية كما تمثلت في أعمال الفرق المستقلة، مثل زقاق اللبنانية أو فرقة كون السورية أو الهناجر في مصر وفرقة الحكواتي الفلسطينية، ولكنها بقيت غير جاذبة للناس كونها تعتمد الإقتباس ومقاربات المسرح الغربي على صعيد النص وتقنيات الأداء، إذ يبدو التجريب وهو دافع التطوير يتبع أحياناً سمة "الموضة" أو مسرح "الصرعات" ليجاري ظواهر المسرح العالمي، لتبقى خطوات بلا أثر يمحوها الزمن، لافتقارها الأرضية الأكاديمية الكلاسيكية الصلبة المطلوبة، كي تكون بمثابة ركيزة أساسية تحتفظ بأثر الصرعات التجريبية من أجل البناء عليها.
–التعليم المسرحي وإنتاج الكوادر الفنية: يعاني المسرح من فوضى في التعليم الأكاديمي، فهو بالأساس مادة نظرية يتبع بقية المواد التعليمية ونظمها وآليات اكتسابها وتطويرها، إذ تعاني معظم المعاهد في الوطن العربي من الدعم اللازم في التبادل الأكاديمي وتجارب المدارس الفنية المسرحية على صعيد العالم العربي، كما أنها منقطعة تماماً عن الصيرورة الأكاديمية في المعاهد العالمية، وهذا يخلق مشكلة مع تخريج الكوادر الفنية المتخصصة وكفاءاتها، والتي تأتي أغلبها دون المستوى العلمي المطلوب، إضافة إلى التأهيل والتعليم لمادة الدراما في المدارس، والتي مازالت متواضعة وفي حالة بدئية في بعض الدول التي توليها بعض الإهتمام، مثل المدارس في الأردن ولبنان والتي تقتصر على المدارس الخاصة غير الحكومية العامة منها فقط، وفي بعض الدول الخليجية، وانعدامها التام في بلدان أخرى كما في مصر وسوريا، ما يبقي ذهنية الفرد بعيدة كل البعد عن الثقافة المسرحية وغير مستعد لاستقبالها.
–التمويل والإنتاج: لا يتمّ حتى الآن في منطقتنا التعامل مع المسرح على أنّه سلعة استراتيجية، تدخل في السوق الإقتصادي كجزء مؤسس من مفهوم الدولة الحديثة، وهذا يعني أنه لا يُعتبر صنعة وصناعة تنتج سلعة وبضاعة تُستهلك، ولهذا بقي المسرح بعيد عن خطط مؤسسات المجتمع المدني والدولة على حدّ سواء، وهو ما يحوّل العمل الإبداعي إلى انتاج إجرائي يعمل بشكل منفرد وفردي، تلعب فيه العلاقات الشخصية دوراً أساسياً في التمويل والتسويق، بما يؤثّر على الموضوع المُعالج، ليأتي إما خيرياً وإجتماعياً في جوهره وليس فنيّاً إبداعياً، كما في تلك التجارب التي تتناول المواضيع الراهنة مثل اللجوء والعنف ضد المرأة، مثل بعض المسرحيات السورية في الخارج مؤخّراً، أو تتناول المواضيع المسليّة السطحية والخفيفة في المفردات الدرامية والتي تقوم على الغناء والإستعراض، وأحياناً الإثارة الجسدية كما في بعض التجارب اللبنانية، مثل بعض مسرحيات ندى أبو فرحات منها "أسرار الست بديعة" 2015.
– المسرح والتعبير السياسي: لا يمكن فصل المسرح عن السياسة، ولطالما كانت محاولات العرب لتكريس المسرح كوسيلة للتعبير، فقد اعتبرت السلطات ولاسيما ذات الطابع الإستبدادي، ومنذ زمن عبد الناصر وما تلاه من الأنظمة الشمولية، التي اعتبرت المسرح قضية خطيرة جداً بمعنى التأييد الشعبوي، ولذلك تمّ رفض الطروحات التي تضرّ أو تخلخل البقاء في السلطة، وربما قد صدّق بعض المسرحيين هذا الطرح، حول أن المسرح قد يؤدي إلى ثورة، وأنه خطير ويؤثّر على السلطات وحكّامها، ولكن عملياً هو لم يفعل إلا أن خربش وجدان السلطات بعض الشيء، فقد خافوا على فخامتهم وليس على سياساتهم التي حكمت بيد من حديد بعد هزيمة 67، فقد أعطت الأنظمة الديكتاتورية دوراً للثقافة كي تعطي واجهة براقة تغطي جرائمها، ومن هنا نشأ مسرح التنفيس مثل مسرح دريد لحام وسعيد صالح وفايز حلاوة، وقد استمر بشكله الحديث في الستاند أب كوميدي أو مسرح كاباريه التجاري، ليبقى تأثير المسرح شفاهياً على مستوى البيئة العربية بما يعكس حال المواطنة فيه.
لا يمكن للمسرح أن يكون منفصلاً عن تركيبة الإنسان العربي الداخلية، فالتكوين النفسي والاجتماعي والثقافي له لم يمكّنه في أي نوع من المواجهة ضد القوى المتسلطة عليه، نتيجة القهر والاستلاب عبر مراحل متطاولة في الزمن، لقد تعوّد الفرد فقدان الإرادة وكذلك المقاومة، وهذه الآلية نفسية إجتماعية في عالمنا العربي، لا يمكنها أن تنتج مسرحاً أو فعلاً درامياً، لأنّ "المسرح فن لا يعترف بالحلول الوسطى، ولا ينطلق منها، بل يكتب وفي بداهة كاتبه أن يصل بالشخصية، بل أن تصل الشخصية ذاتها، إلى أبعد مدى أمام أزمة أو حالة صراع من نوع ما، وهذا ما لا يتوافر في بنية الشخصية الفردية والاجتماعية العربية" (غنيم،2011،177)، فالإنسان العربي لا يسعى إلى التغيير في واقعه أو مواجهته أو القضاء عليه، إلا بالكلام والتمنّي، لأن المواجهة إما إنها لا تجدي، أو يكون ثمنها باهظ غير مستعد لدفعه، ليوائم ذاته مع الوضع والواقع القائم، وهذا التواطؤ يعيشه وخضع إليه الفن المسرحي أيضاً.
ومع كل هذه المعطيات في رصد واقع حال المسرح العربي المتأزم، نستطيع بوضوح التمييز بين مستويين في أسباب هذه الأزمة التي آلت إليه الحال:
–المستوى الأول هو الجانب الفني الذاتي وهو ما يضم من الصعوبات الذي تواجهه الممارسات المسرحية، على مستوى بنية العمل الفني وخصائصه الإبداعية التي تشكّل ميكانيزماته الذاتية، أي مكوّنات المعمل الداخلي للمسرح من المفردات والعناصر الفنية التشكيلية، والتي ما زالت فقيرة وغير كافية من حيث المرجعيات الفنية، وذلك على خلاف المسرح الأوروبي الذي قام على مرتكزات استفادت من الفنون الأخرى مثل الرسم والعمارة، وبقيت في تفاعل مع منتجات المجتمع الصناعي، وتابعت تجلياته في استخدام التكنولوجيات في الأعمال المسرحية المعاصرة.
– المستوى الثاني هو الجانب السياسي الموضوعي: تعاني الحياة المسرحية في العالم العربي من عدم استمرارية التدفق المالي الداعم والذي عليه مسؤولية إبقاء هذه الحياة، إذ لا يمكن لأي فنان مسرحي أن يعيش من/لأجل المسرح، باستثناء بعض التجارب في تونس مثل التياترو لتوفيق الجبالي ومسرح الهناجر في مصر، بينما الدراما تبيح للجميع من أهل المهنة في الغرب، أن يعيش حياة مسرحية قائمة بذاتها، وأن يقوم بتجاربه الخاصة كمحترف، ولهذا لا يعاني من رعب الفناء أو الجوع والفقر، كما لا يواجه أي نوع من القمع أو الرصد لمحتوى العمل الفني كما يحصل في بلادنا، إذ ما زالت الأجهزة الأمنية في أكثر الدول العربية تُلزم العمل الفني بأن يحصل على موافقة أو سماح، وكأنّ المسرحي شخص غير مسؤول وطنياً.
يتراكم أمام هذا الواقع للمسرح العربي مجموعة كبيرة من التحدّيات، لا تقلّ على تلك التحديات والتهديدات التي تمرّ بها المنطقة العربية عامة، وهي تهدد هوية الفرد والمواطنة قبل المسرح أيضاً، وهو ما يجعل ممارسة أداءات المسرح أكثر وعورة و صعوبة الإنجاز المسرحي، وتصاعدت مسؤولية المسرحيين، في مواجهة هذا الخراب الثقافي، في مهمة مضاعفة من إصلاح الحال وإنتاج مسرح، من خلال السعي إلى تحقيق ما يلي:
–الدعم المالي: على المسرح أن يحصل على دعم من الدولة وليس من السلطة كحق طبيعي له، مثل وزارة الثقافة إلى جانب البلديات المحليّة، والحصول على الدعم الإجتماعي متمثلاً بمؤسسات المجتمع المدني، والدعم الأكبر من الدولة والسعي لتأمين تمويل يحمل الإستدامة، مثل تأسيس مسرح وطني يقدم ريبورتواراً سنوياً.
–تقديم مسرح يرتقي بالمتفرج: أن نقدم ما يحتاجه الجمهور لا ما يريده، ليكون جاذباً ومؤثراً، بهدف الإرتقاء بالذائقة الفنية لدى الناس، وليدخل بالسياق الأخلاقي والثقافي بالنسبة لهم، بحيث أن يُطالبوا به مرة أخرى ليكون جزء من ممارسة الحياة اليومية، الشيء الذي يمهّد الطريق لخلق حركة مسرحية عربية حقيقية.
–الإرتقاء الإقتصادي: إن الإستفادة من المسرح بترقية المجتمع، وترقية الشعوب، يحمل معنى اقتصادي، عندما تدعم مسرحاً، تحصل على أناس يتعاملون مع الحداثة، ويحركون دولابها الإقتصادي على الصعيد الفكري والفني السياحي والصناعي، وغيرها من القطاعات الإقتصادية.
– المسرح أحد مصادر المجتمع للتعبير: وهو مصدر تربوي اندماجي، أي مصدر دمج المجتمع ليس بالمعنى التوحيد الثقافي، بل التنوع والتفاعل وتقبّل الآخر المساوي، وهذا كان حلم الروّاد المسرحيين العرب الأوائل منذ 120 سنة مع مسرح القباني والنقاش وصنوع، وألا يكون هامشياً وجانبي ونخبوي.
– المسرح وجوهره المعرفي: يفشل المسرح عندما نقف ضد قيمته المعرفية، وهو لن يزدهر إلا بتوفر مستلزماته الفنية الإبداعية من جهة، وجعله متداخلاً مع الحوار الثقافي اليومي من جهة أخرى، حيث مشاركة الجمهور مع اكتمال مفردات العمل الفنية هي التي تملأ تلك الفجوة والقطيعة، بين مسرح إبداعي وآخر شعبي، وهو ما حقق استمرار المسرح، وبالتالي دفعه نحو مساحات ابداعية ارتقائية.
لن يتوقف الحوار والبحث عن أشكال وطرق تكريس المسرح العربي، إنه جزء من معركة الفرد العربي للحصول على حقه في تحقق المواطنة والتعبير والإرتقاء المجتمعي المنتج، ولأن المسرح هو أحد النشاطات التفاعلية الإجتماعية وأكثرها حيوية ومتعة، سيبقى حاجة فنية وثقافية لا تسمح له طبيعته الأنطولوجية الفنيّة أن يتخلى عن الحراك الإنساني في المجتمعات، ولعل ما يوجهه المجتمع العربي في الأونة الأخيرة في موجة الربيع العربي، التي رفعته من مستوى التحديات ما بين الفناء أو الإرتقاء، وعلى المسرحيين العرب مسؤولية الإختيار والنضال.
المراجع:
–أبو هيف، عبد الله: المسرح العربي المعاصر قضايا ورؤى وتجارب. اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002.
–الآلوسي، تيسير عبد الجبار: حول هوية المسرح العربي. موقع جامعة ابن رشد المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية، هولندا، (د. ت) http://www.averroesuniversity.org/pages/tayseer9657.pdf
–بلبل، فرحان: مسرحنا العربي واقعه وآفاقه. دار حوران للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2007.
–الحفار، نبيل: المسرح العربي في قرن. مجلة الحياة المسرحية، العدد (49)، وزارة الثقافة في سوريا، 2001.
–الراعي، علي: المسرح في الوطن العربي. عالم المعرفة، العدد 248، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، 1999.
–زباش، سمية: الروّاد الأوائل ومسالة تأصيل المسرح العربي. مجلة الأثر، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، العدد 13/مارس، 2012.
–زين الدين، هشام: الهوية الضائعة: المسرح العربي بين الكلاسيكية والحداثة. جريدة العرب، السنة 40 العدد 10974، ملف يتناول حال المسرح العربي اليوم، 2018/04/29، ص12
https://i.alarab.co.uk/s3fs-public/2018-04/10974_0.pdf#page=12
–شاؤول، بول: المسرح العربي الحديث (1976-1989). رياض الريس للكتب والنشر، المملكة المتحدة، لندن، 1989.
–العلان، أيمن محمد: المسرح وشاغل الحداثة في خطاب الرواد العرب. مجلة الحياة المسرحية، العدد(98-99)، وزارة الثقافة في سوريا، شتاء – ربيع، 2017.
–غنيم، غسان: ظاهرة المسرح عند العرب. مجلة جامعة دمشق، المجلد 27 ، العدد (الثالث+الرابع)، 2011.
– كمال، محمد مصطفى: موسوعة المسرح العربي. دار المنهل اللبناني، 2013.
–مرعي، منى: مسرحيون عرب يناقشون تحدياتهم: الهوية، الإنتاج.. وشياطين أخرى. موقع جريدة المدن الإلكترونية المستقلّة، تاريخ النشر 27/03/2019 .
–المسعودي، عبد الحليم: تجليات الحس التجريبي في الدراماتورجيا التونسية المعاصرة. مجلة الحياة المسرحية، العدد 67-68، وزارة الثقافة في سوريا، 2009.
لقاءات أجرتها الباحثة
–عايدة صبرا، بيروت، 23 آذار 2019
–بول شاؤول، بيروت، 24 نيسان، 2019
–فائق حميصي، بيروت، 25 آذار 2019