ما زال وجهه مضيئاً رغم السنين التي نحتت فيه خطوطاً بهية، ورغم التعذيب الذي نحت في روحه آلاماً لا تنسى فتبلورت دروساً وعبر عطاء وصبر. كيف للألم ان يجوهر الروح فتتعملق عنقاء لا تقهر؟
أراد في سنوات العمر، ربما في استراحة المحارب الذي لا يتقاعد طوعاً، أن يتسلل من شيخوخته إلى سنين الشباب، ريعان الصبا، فالجيش، والمناورات والتدريب، غيرة الضباط وحروبه، الخيوط السرية لحبك الانقلابات العسكرية في سورية، تسلل موشي شاريت، الضابط والوزير الصهيوني، بلباس ضابط سوري إلى الزبداني للقاء قائد سوري كبير قبل إعدام الزعيم سعاده، الانقلاب الفاشل وسوء الاختيار، حرب لبنان وغزو إسرائيل العام 1982 وبطولات سورية فريدة… فأسرة أمينة تحمل الراية… هذا كله في "الماضي المجهول وايام لا تنسى" لمتى أسعد، ومعه كان هذا الحوار. هنا نصه.
– كيف تعرّف قراءنا إلى متّى أسعد؟
مواليد 1928 من بلدة حب نمرة قضاء تلكلخ محافظة حمص، وهي من أكبر بلدات وادي النضارة (وادي النصارى سابقاً). تعرفت منذ طفولتي إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي كان له تواجد مميز في قرى الوادي.
– حدثنا عن دخولك الجيش السوري وعن تعرفك إلى أنطون سعاده؟
عندما بلغت الخامسة عشرة من عمري دخلت الجيش الفرنسي وتخصصت في سلاح الإشارة، وبعد جلاء الفرنسي التحقت بالجيش السوري وبسبب مهارتي باستخدام اللاسلكي (المورس) تم تعييني رئيس مكتب سلاح الإشارة في الأركان العامة للجيش. أما تعرفي إلى الزعيم أنطون سعاده فيعود الفضل لابن عمي رامز فهو قد عرفني إلى الرفيق ألبير جزدان، الذي أعطاني كتاباً عن مبادئ الحزب وبعد أن اقتنعت بها وحفظتها أخذني الى منزل الرفيق صبحي فرحات حيث التقيت بالزعيم، وأقسمت يمين الانتماء، وبعدها أدخلني في شبكة الاستعلامات السرية المتصلة مباشرة مع حضرة الزعيم.
– ما الذي تذكره عن سعاده وعن جريمة إعدامه؟
كان حضرة الزعيم على إطلاع بكل ما يحدث وخاصة الخيانة التي أعطت فلسطين لليهود، وبالنسبة للأحداث التي رافقت إعدام الزعيم فكان هناك اكثر من جهاز مخابراتي إقليمي ودولي توحّدت جهودهم لاغتيال سعاده وخاصة الملك فاروق ومخابرات الكيان اليهودي.
– مع دخول سورية عهد الانقلابات العسكرية نشأ صراع دموي بين كبار ضباط الجيش، ما أبرز ما سجلته؟ وما نتائجه على سورية؟
أول انقلاب عسكري قام به حسني الزعيم لم يدم طويلاً بعده جاء انقلاب سامي الحناوي وأديب الشيشكلي وبحكم تواجدي في الأركان العامة للجيش كنت على إطلاع على مجريات الانقلابات كافة، حيث أن التعاميم والبلاغات كنت أصدرها، وهذا ما ستجدونه مسجلاً بتفاصيله في كتاب مذكراتي "الماضي المجهول.. وأيام لا تنسى".
– يعتقد كثيرون أن الحزب القومي هو من قتل العقيد في الجيش السوري عدنان المالكي، بينما يرى آخرون أن المخابرات المصرية هي من دبر الجريمة. ما رأيك؟
إن المشاحنات المفتعلة قبل عملية اغتيال العقيد المالكي التي شبكت خيوطها قيادة الأركان العامة الشعبة الثانية بالتعاون مع المخابرات المصرية ومن معهم، هي التي هيأت الظروف لإنجاح مؤامرة اتهام الحزب السوري القومي الاجتماعي بهذا الاغتيال، حيث ذهب نتيجة هذا العمل آلاف الضحايا وأدت إلى اجتثاث الحزب لعقود لاحقة في الكيان الشامي، وأن ما أخبرني به الرفيق بديع مخلوف خلال لقائي به في باحة السجن يعد الوصف الدقيق لما حدث في مسرح الجريمة.
جريدة "الفضيحة"
– سجنت لحوالى ثلاث سنوات بعد اغتيال المالكي، ماذا تتذكر من إيجابيات السجن؟
في الفترة الأولى من دخولي السجن كانت بالنسبة لنا الجحيم بحد ذاته، حيث التعذيب بأنواعه كافة، وبما أنك سألتني عن إيجابيات السجن فلن أغوص كثيراً في سلبياته، السجن ربما كان لنا بمثابة مدرسة وخاصة أنه كان معنا الرفيق الشاعر "أدونيس" والرفيق علي الشرع، والدكتور سامي سحلول، الذين أخذوا يعطون الدروس في اللغتين العربية والفرنسية .
وأسست في السجن جريدة أسميتها "الفضيحة" أكتب عن أعمال الرفقاء بالسجن، الجيد منها والسيئ وهكذا حولنا السجن الى مدرسة فعلية. استفدنا منها بمجالات عديدة.
"رومل الجيش السوري"
– من هو "رومل الجيش السوري"؟
في صيف العام 1953 أجرت قيادة الجيش السوري مناورات في الكسوة وشاركت فيها وحدات الجيش كافة وكنت أنا مع لجنة التحكيم الألمانية بقيادة الكولونيل كريبل، وعند نهاية المناورات بفوز المقدم غسان جديد على الوحدات كافة أطلق عليه الكولونيل كريبل لقب "رومل" قائلاً : (إذا كان يوجد في الجيش السوري أكثر من غسان جديد فإنه يوجد أكثر من "رومل").
فشل الانقلاب لعدم توفر شروطه
– في كتابك عرض موجز عن المحاولة الانقلابية الفاشلة للقوميين في لبنان عام 1962، لماذا برأيك فشلت؟
فشلت لعدم توفر الشروط التنظيمية، التي يجب أن تتوفر لنجاح أي انقلاب أو حركة تغيير وأن الحزب في ذلك الوقت كان يتخبط بصراعات داخلية وأن الظروف المحلية والإقليمية والدولية لم تكن ملائمة لمصلحة أي محاولة انقلابية.
– في أصعب الظروف كونت أسرة وطنية منسجمة، برأيك ما القيم التي تبنى عليها الأسرة في عالم اليوم؟
ما زلت أؤمن بمبادئ الحزب التي وضعها الزعيم سعاده التي رافقتني خلال كل المراحل التي اجتزتها، وكانت لي حافزاً للانتصار على الصعوبات وعلى هذا الأساس كوّنت أسرتي، لأن المبادئ تبني الوطن والأسرة معاً.
– ما "الماضي المجهول وأيام لا تنسى"؟
هو كتاب أضعه بين أيدي الرفقاء المطلعين على تاريخ أمتنا لكي يكونوا على بينة حقيقة ماجرى في تلك الحقبة، حيث ألقي الضوء على خفايا المؤمرات التي تحاك ضدنا.