117
تجري اليوم أحداث بالغة الخطورة، على أمن وسلامة ومستقبل ومصير أمّتنا وأجيالها القادمة. لهذه الأحداث سببان رئيسان:
السبب الأول: هو التآمر على هذه الأمّة من قبل أعدائها، وهذا أمر طبيعي، كان بالأمس بشكل معين، وهو اليوم بشكل آخر، وسيكون غداً بشكل جديد.
السبب الثاني: هو واقع بنية مجتمعنا في كيانات الأمّة كافّة، فهي بنية مشتّتة الولاء والانتماء، حيث الانتماءات الطائفية والإتنية، تشكِّل في الغالب الرابط الأقوى، أقوى من الانتماء القومي، أقوى من الانتماء الوطني، وما كان للمؤامرات مهما عظمت، أن تنال من الأمّة ما تناله اليوم، لو لم يكن واقع بنية مجتمعنا على هذا النحو، وأكبر خطر استراتيجي اليوم، بعد الخطر الإسرائيلي، لا بل أصبح مُكَمِّلاً له، هو ما يعمل لإذكاء الصراع بين الطوائف والمذاهب، وعلى رأسها ما يعمل لتصعيد صراع سنّي شيعي، من شأنه أن يطيح بما تبقى في هذه الأمة من روابط الحياة، إذا ما وقع. وإذا كان علاج السبب الأول يندرج في إطار العمل السياسي والأمني والعسكري والمؤتمرات العربية والدولية، بما يهدف إلى وقف المؤامرة الحالية وتقليص نتائجها السلبية، فإن علاج بنية مجتمعنا يندرج في إطار العمل البنائي والإنشائي والنهضوي في مجتمعنا، إنه عمل فكري، ثقافي، تربوي، تشريعي، تنظيمي، اقتصادي… إلخ، وهو بهذا المعنى فقط عمل سياسي بامتياز، من شأنه الوصول إلى مجتمع مُوَحَّد الانتماء، الأمر الذي يساهم في إنهاء المؤامرة، وينهي فرص وفاعلية التآمر المستقبلي، هذا العمل البنائي الإنشائي النهضوي وظيفة رئيسة للأحزاب والمُثقَّفين والمُفكِّرين وجميع عناصر المجتمع المدني، وهذا ما كان غائباً أو ضعيفاً جداً في الماضي.
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي، نرى أن حزبنا انطلق أساساً من أجل هذه الوظيفة، لا بل إن القيام بهذه الوظيفة هو تماماً جوهر غاية الحزب.
قام الحزب السوري القومي الاجتماعي على ثقافة الوحدة، حيث ارتكز في تحديد مبادئه ونظامه الفكري على رابطة وحدة الحياة والمصالح على أرض موحَّدة، ومن هنا كان المُتَّحد الاجتماعي مُرْتَكَزاً أساساً في الفكر القومي الاجتماعي، وصولاً إلى الأمَة المُتَّحَد الأتمّ، فعرّف أنطون سعادة الأمّة بأنها جماعة من الناس، تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النفسية المادية…إلخ، وثبَّت في المبادئ أن الأمّة السورية مجتمع واحد، وأنها وحدة الشعب السوري المُتَوَلِّدة من تاريخ طويل…إلخ، وحدَّد الوطن السوري واعتبره البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمّة السورية، واعتبره وحدة جغرافية زراعية اقتصادية استراتيجية، وأن الأمّة تجد أساسها قبل كل شيء آخر، في وحدة أرضية معينة، تتفاعل معها جماعة من الناس وتشتبك وتتَّحد ضمنها.
ورأى أن مبادئنا، المبنية على هذا الأساس الفكري، قد كَفَلَت توحيد اتجاهنا، وأن نظامنا قد كَفَلَ توحيد عملنا في هذا الاتجاه، إلى ما هنالك، وهو كثير، مما يمكن إيجازه بأن فكر الحزب السوري القومي الاجتماعي هو فكر وحدوي بامتياز، ونهجه نهج توحيدي بامتياز، وعلى نظام الشكل أن يكفل تحقيق الفكر والنهج، أي أن يكفل تحقيق المضمون الوحدوي للقضية السورية القومية الاجتماعية.
إن الحزب السوري القومي الاجتماعي، تعتريه اليوم الانشقاقات، فهو رسمياً ثلاثة كيانات تنظيمية، يحمل كل منها اسم الحزب، وهناك أيضاً سوريون قوميون اجتماعيون خارج الكيانات الثلاثة، يشكلون عدداً كبيراً من العقول والطاقات والإمكانيات.
هذا التموضع التنظيمي للسوريين القوميين الاجتماعيين، ليس مسؤولية حصرية، تقع على عاتق المسؤولين الحاليين في هذه التنظيمات، ولا على العاملين فيها أو خارجها، بل هو نتيجة لمسار تاريخي، ساهمنا جميعاً به، ويتَّضح من نتائجه، أنه مسار مليء بالاحتقانات التشريعية والتنظيمية، ناهيك عن الابتعاد عن تجسيد فكر ونهج الحزب التوحيدي، جوهر القضية السورية القومية الاجتماعية.
إن هذا التموضع التنظيمي، كما الأسباب التي أدت إليه، بحاجة إلى تصحيح تاريخي، يشمل مواضيع الفكر والنهج، والشكل الملتزم تحقيق الفكر والنهج، إننا نرى أن أمتنا بحاجة كبيرة لهذا التصحيح.
إن مسؤولية المسؤولين عن التنظيمات الثلاثة، ليست بما هم عليه، بل بالمبادرة الإيجابية تجاه هذا التصحيح التاريخي.
من كل ما سبق، فإن رؤيتنا لوحدة السوريين القوميين الاجتماعيين، تتجاوز عملية دمج التنظيمات الثلاثة بتنظيم واحد، إنها بكل وضوح عملية فكرية، منهجية، نريد منها الوصول إلى إقامة المؤسّسة الواحدة التي تتنكَّب مسؤولية القضية السورية القومية الاجتماعية، ملتزمة فكرها التوحيدي، وتنهج نهجها الموحِّد، وتقيم نظام الأشكال الذي يكفل تحقيق ذلك، وهي بهذا كله، تجمع السوريين القوميين الاجتماعيين، حيث لا يمكن ذلك بدون هذه المسؤولية والالتزام لمؤسسة الوحدة المنشودة.
لذلك نرى أن هذه العملية تحتاج إلى مؤتمر عام، يشارك فيه القوميون من مختلف مواقعهم، وينكبّ فيه الجميع، على دراسة الواقع والمخاطر، ونقيم نقداً جريئاً وصريحاً وشفافاً، للمسار الفكري والمنهجي والتنظيمي، وصولاً إلى هذه المؤسسة الملتزمة ما ورد ذكره.
إن إقدامنا على هذه العملية، ونحن ننهج بثقافة الانشقاق، يجهض مسعانا، ويبدِّد جهودنا، لذلك علينا أن نبدأ بتفعيل ثقافة الوحدة، بديلاً عن ثقافة الانشقاق، شبه السائدة بين القوميين الاجتماعيين اليوم.
في ثقافة الوحدة، نرى بوضوح حقيقة جلية، هي أن السوريين القوميين الاجتماعيين، في حالة انشقاق، ينضوون في ثلاثة كيانات تنظيمية، وفي كل كيان، تعصف عوامل انشقاقات جديدة، ذلك فضلاً عن السوريين القوميين الاجتماعيين خارج هذه الكيانات، حيث تعتمل عوامل إقامة كيانات تنظيمية منشقة جديدة، وهكذا من هذه الرؤيا نتنكب مسؤولية إقامة مؤسسة الوحدة ووضع حد لظواهر الانشقاق.
أما في ثقافة الانشقاق، ننطلق من وهم، هو أن الحزب موحَّد، وكل يرى أن تنظيمه هو الحزب الواحد الموحَّد، وكل ما عدا ذلك، خروج أو تقاعس أو سقوط على درب النضال، وهكذا في ثقافة الانشقاق نتنكّب مسؤولية الدفاع عن هذا الوهم، فلا نحصد إلا الغرق به، ونؤسس لانشقاقات جديدة.
في ثقافة الوحدة، يترتب على جميع العاملين في الكيانات التنظيمية، مهما اختلفت مواقعهم في المسؤولية، إدراك الواقع الحالي والمخاطر الكبيرة المحدقة، ووضع مصلحة سورية فوق كل مصلحة، وبالتالي نجد أن مصلحة سورية، هي في إقامة مؤسسة الوحدة المنشودة، ويكون علينا التفكير في التعاطي الإيجابي المساعد والمساهم في إقامتها والوصول إليها، بدءاً من ضخ ثقافة الوحدة في الجسم العامل وغير العامل. أما في ثقافة الانشقاق، كما هو سائد الآن، فإن غالبية المسؤولين والأعضاء، يقومون بالدفاع عن معسكرهم التنظيمي، بتخوين الآخر وتجريمه وإصدار الاتهامات والأحكام، بدءاً من الخروج العقائدي، وصولاً إلى خيانة الخط القومي، إنه التكفير القومي شقيق التكفير الديني، ونحن نشهد الكثير من ذلك، شفهياً وإلكترونياً.
في ثقافة الوحدة، تكون الأخطاء التي وقعنا بها في الماضي، خزان تجربة، نستفيد منه في كيفية تصويب المسار الفكري والمنهجي، وتصويب التموضع التنظيمي. أما في ثقافة الانشقاق، فتكون هذه الأخطاء مذبحاً، نذبح عليه حزبنا وقضيتنا وأمتنا، وذلك بالتراشق والتناول المتبادل، بحيث لا نبقي شيئاً من الثقة العامة، التي لا يقوم من دونها حزب، ولا تنهض من دونها نهضة.
عندما تعم ثقافة الوحدة، يحصل أن تكون هناك مخالفات للنظام، وتكون هذه المخالفات فردية، تنتمي إلى عالم الحوادث، وتكون بحقها إجراءات. أما في ثقافة الانشقاق، فتكون المخالفات جماعية، تنتمي إلى عالم الظواهر، فالانشقاق ظاهرة وليس حادثة، والظواهر لها أسباب عامة، وهذا ما تعالجه ثقافة الوحدة، ولا تعالجه الإجراءات.
في ثقافة الوحدة، ننسج الثقة العامة، محتوية حتى الأخطاء في العمل، حيث هي أخطاء في كيفية تقديرنا لتحقيق المصلحة، فنسيج الثقة العامة، يكون متيناً، والمخالفات تكون فردية.
أما في ثقافة الانشقاق، فيتم تزيين أفراد ورجم أفراد آخرين، تزيين أفراد بالذكاء والبطولة والإقدام، ورجم آخرين بالغباء والتقاعس وصولاً إلى الخيانة، وبهذه الطريقة الشارعية، تعم ثقافة الرجم، لأن من تم تزيينه هنا، رجم هناك، وهكذا نطعن الثقة العامة التي لا تنوب عنها الثقة بهؤلاء الأفراد، فثقافة الوحدة تقيم حياة، عبر تعزيز الثقة العامة، وثقافة الانشقاق، تقضي على ما تبقى من حياة عبر هدم الثقة العامة.
في ثقافة الوحدة، الحزب هو حزب القضية، حزب وحدة المجتمع، والمجتمع الموحَّد ينهض بقضيته، ووظيفة الحزب الرئيسة، هي أن يكون عاملاً أساسياً في استنهاضه. أما في ثقافة الانشقاق، فالحزب هو المجتمع، والحزب هو القضية، بهذه الثقافة نكون قد استبدلنا القضية بقضية أخرى، وألغينا المجتمع، ونصّبنا أنفسنا مكانه، وبهذه الثقافة، لا ينهض الحزب بنفسه، بل ينشق على نفسه، لأنه فقد وظيفته، فالمبادئ تقول إن "سورية للسوريين" وليست للسوريين القوميين الاجتماعيين، وإن "السوريين أمة تامة" وليس السوريون القوميون الاجتماعيون أمة تامة، وأن "مصلحة سورية فوق كل مصلحة" وليست مصلحة السوريين القوميين الاجتماعيين فوق كل مصلحة. فثقافة الانشقاق تطيح بوظيفة الحزب وبالتالي بدوره ووحدته، ويصح فينا عندها قول سعادة "كل عقيدة عظيمة، تضع على عاتق أتباعها، المهمة الأساسية الطبيعية الأولى، التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها، كل ما دون ذلك باطل، وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة، تزول ويتبدَّد أتباعها".
عبد الكريم عبد الرحمن
السبب الأول: هو التآمر على هذه الأمّة من قبل أعدائها، وهذا أمر طبيعي، كان بالأمس بشكل معين، وهو اليوم بشكل آخر، وسيكون غداً بشكل جديد.
السبب الثاني: هو واقع بنية مجتمعنا في كيانات الأمّة كافّة، فهي بنية مشتّتة الولاء والانتماء، حيث الانتماءات الطائفية والإتنية، تشكِّل في الغالب الرابط الأقوى، أقوى من الانتماء القومي، أقوى من الانتماء الوطني، وما كان للمؤامرات مهما عظمت، أن تنال من الأمّة ما تناله اليوم، لو لم يكن واقع بنية مجتمعنا على هذا النحو، وأكبر خطر استراتيجي اليوم، بعد الخطر الإسرائيلي، لا بل أصبح مُكَمِّلاً له، هو ما يعمل لإذكاء الصراع بين الطوائف والمذاهب، وعلى رأسها ما يعمل لتصعيد صراع سنّي شيعي، من شأنه أن يطيح بما تبقى في هذه الأمة من روابط الحياة، إذا ما وقع. وإذا كان علاج السبب الأول يندرج في إطار العمل السياسي والأمني والعسكري والمؤتمرات العربية والدولية، بما يهدف إلى وقف المؤامرة الحالية وتقليص نتائجها السلبية، فإن علاج بنية مجتمعنا يندرج في إطار العمل البنائي والإنشائي والنهضوي في مجتمعنا، إنه عمل فكري، ثقافي، تربوي، تشريعي، تنظيمي، اقتصادي… إلخ، وهو بهذا المعنى فقط عمل سياسي بامتياز، من شأنه الوصول إلى مجتمع مُوَحَّد الانتماء، الأمر الذي يساهم في إنهاء المؤامرة، وينهي فرص وفاعلية التآمر المستقبلي، هذا العمل البنائي الإنشائي النهضوي وظيفة رئيسة للأحزاب والمُثقَّفين والمُفكِّرين وجميع عناصر المجتمع المدني، وهذا ما كان غائباً أو ضعيفاً جداً في الماضي.
نحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي، نرى أن حزبنا انطلق أساساً من أجل هذه الوظيفة، لا بل إن القيام بهذه الوظيفة هو تماماً جوهر غاية الحزب.
قام الحزب السوري القومي الاجتماعي على ثقافة الوحدة، حيث ارتكز في تحديد مبادئه ونظامه الفكري على رابطة وحدة الحياة والمصالح على أرض موحَّدة، ومن هنا كان المُتَّحد الاجتماعي مُرْتَكَزاً أساساً في الفكر القومي الاجتماعي، وصولاً إلى الأمَة المُتَّحَد الأتمّ، فعرّف أنطون سعادة الأمّة بأنها جماعة من الناس، تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النفسية المادية…إلخ، وثبَّت في المبادئ أن الأمّة السورية مجتمع واحد، وأنها وحدة الشعب السوري المُتَوَلِّدة من تاريخ طويل…إلخ، وحدَّد الوطن السوري واعتبره البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمّة السورية، واعتبره وحدة جغرافية زراعية اقتصادية استراتيجية، وأن الأمّة تجد أساسها قبل كل شيء آخر، في وحدة أرضية معينة، تتفاعل معها جماعة من الناس وتشتبك وتتَّحد ضمنها.
ورأى أن مبادئنا، المبنية على هذا الأساس الفكري، قد كَفَلَت توحيد اتجاهنا، وأن نظامنا قد كَفَلَ توحيد عملنا في هذا الاتجاه، إلى ما هنالك، وهو كثير، مما يمكن إيجازه بأن فكر الحزب السوري القومي الاجتماعي هو فكر وحدوي بامتياز، ونهجه نهج توحيدي بامتياز، وعلى نظام الشكل أن يكفل تحقيق الفكر والنهج، أي أن يكفل تحقيق المضمون الوحدوي للقضية السورية القومية الاجتماعية.
إن الحزب السوري القومي الاجتماعي، تعتريه اليوم الانشقاقات، فهو رسمياً ثلاثة كيانات تنظيمية، يحمل كل منها اسم الحزب، وهناك أيضاً سوريون قوميون اجتماعيون خارج الكيانات الثلاثة، يشكلون عدداً كبيراً من العقول والطاقات والإمكانيات.
هذا التموضع التنظيمي للسوريين القوميين الاجتماعيين، ليس مسؤولية حصرية، تقع على عاتق المسؤولين الحاليين في هذه التنظيمات، ولا على العاملين فيها أو خارجها، بل هو نتيجة لمسار تاريخي، ساهمنا جميعاً به، ويتَّضح من نتائجه، أنه مسار مليء بالاحتقانات التشريعية والتنظيمية، ناهيك عن الابتعاد عن تجسيد فكر ونهج الحزب التوحيدي، جوهر القضية السورية القومية الاجتماعية.
إن هذا التموضع التنظيمي، كما الأسباب التي أدت إليه، بحاجة إلى تصحيح تاريخي، يشمل مواضيع الفكر والنهج، والشكل الملتزم تحقيق الفكر والنهج، إننا نرى أن أمتنا بحاجة كبيرة لهذا التصحيح.
إن مسؤولية المسؤولين عن التنظيمات الثلاثة، ليست بما هم عليه، بل بالمبادرة الإيجابية تجاه هذا التصحيح التاريخي.
من كل ما سبق، فإن رؤيتنا لوحدة السوريين القوميين الاجتماعيين، تتجاوز عملية دمج التنظيمات الثلاثة بتنظيم واحد، إنها بكل وضوح عملية فكرية، منهجية، نريد منها الوصول إلى إقامة المؤسّسة الواحدة التي تتنكَّب مسؤولية القضية السورية القومية الاجتماعية، ملتزمة فكرها التوحيدي، وتنهج نهجها الموحِّد، وتقيم نظام الأشكال الذي يكفل تحقيق ذلك، وهي بهذا كله، تجمع السوريين القوميين الاجتماعيين، حيث لا يمكن ذلك بدون هذه المسؤولية والالتزام لمؤسسة الوحدة المنشودة.
لذلك نرى أن هذه العملية تحتاج إلى مؤتمر عام، يشارك فيه القوميون من مختلف مواقعهم، وينكبّ فيه الجميع، على دراسة الواقع والمخاطر، ونقيم نقداً جريئاً وصريحاً وشفافاً، للمسار الفكري والمنهجي والتنظيمي، وصولاً إلى هذه المؤسسة الملتزمة ما ورد ذكره.
إن إقدامنا على هذه العملية، ونحن ننهج بثقافة الانشقاق، يجهض مسعانا، ويبدِّد جهودنا، لذلك علينا أن نبدأ بتفعيل ثقافة الوحدة، بديلاً عن ثقافة الانشقاق، شبه السائدة بين القوميين الاجتماعيين اليوم.
في ثقافة الوحدة، نرى بوضوح حقيقة جلية، هي أن السوريين القوميين الاجتماعيين، في حالة انشقاق، ينضوون في ثلاثة كيانات تنظيمية، وفي كل كيان، تعصف عوامل انشقاقات جديدة، ذلك فضلاً عن السوريين القوميين الاجتماعيين خارج هذه الكيانات، حيث تعتمل عوامل إقامة كيانات تنظيمية منشقة جديدة، وهكذا من هذه الرؤيا نتنكب مسؤولية إقامة مؤسسة الوحدة ووضع حد لظواهر الانشقاق.
أما في ثقافة الانشقاق، ننطلق من وهم، هو أن الحزب موحَّد، وكل يرى أن تنظيمه هو الحزب الواحد الموحَّد، وكل ما عدا ذلك، خروج أو تقاعس أو سقوط على درب النضال، وهكذا في ثقافة الانشقاق نتنكّب مسؤولية الدفاع عن هذا الوهم، فلا نحصد إلا الغرق به، ونؤسس لانشقاقات جديدة.
في ثقافة الوحدة، يترتب على جميع العاملين في الكيانات التنظيمية، مهما اختلفت مواقعهم في المسؤولية، إدراك الواقع الحالي والمخاطر الكبيرة المحدقة، ووضع مصلحة سورية فوق كل مصلحة، وبالتالي نجد أن مصلحة سورية، هي في إقامة مؤسسة الوحدة المنشودة، ويكون علينا التفكير في التعاطي الإيجابي المساعد والمساهم في إقامتها والوصول إليها، بدءاً من ضخ ثقافة الوحدة في الجسم العامل وغير العامل. أما في ثقافة الانشقاق، كما هو سائد الآن، فإن غالبية المسؤولين والأعضاء، يقومون بالدفاع عن معسكرهم التنظيمي، بتخوين الآخر وتجريمه وإصدار الاتهامات والأحكام، بدءاً من الخروج العقائدي، وصولاً إلى خيانة الخط القومي، إنه التكفير القومي شقيق التكفير الديني، ونحن نشهد الكثير من ذلك، شفهياً وإلكترونياً.
في ثقافة الوحدة، تكون الأخطاء التي وقعنا بها في الماضي، خزان تجربة، نستفيد منه في كيفية تصويب المسار الفكري والمنهجي، وتصويب التموضع التنظيمي. أما في ثقافة الانشقاق، فتكون هذه الأخطاء مذبحاً، نذبح عليه حزبنا وقضيتنا وأمتنا، وذلك بالتراشق والتناول المتبادل، بحيث لا نبقي شيئاً من الثقة العامة، التي لا يقوم من دونها حزب، ولا تنهض من دونها نهضة.
عندما تعم ثقافة الوحدة، يحصل أن تكون هناك مخالفات للنظام، وتكون هذه المخالفات فردية، تنتمي إلى عالم الحوادث، وتكون بحقها إجراءات. أما في ثقافة الانشقاق، فتكون المخالفات جماعية، تنتمي إلى عالم الظواهر، فالانشقاق ظاهرة وليس حادثة، والظواهر لها أسباب عامة، وهذا ما تعالجه ثقافة الوحدة، ولا تعالجه الإجراءات.
في ثقافة الوحدة، ننسج الثقة العامة، محتوية حتى الأخطاء في العمل، حيث هي أخطاء في كيفية تقديرنا لتحقيق المصلحة، فنسيج الثقة العامة، يكون متيناً، والمخالفات تكون فردية.
أما في ثقافة الانشقاق، فيتم تزيين أفراد ورجم أفراد آخرين، تزيين أفراد بالذكاء والبطولة والإقدام، ورجم آخرين بالغباء والتقاعس وصولاً إلى الخيانة، وبهذه الطريقة الشارعية، تعم ثقافة الرجم، لأن من تم تزيينه هنا، رجم هناك، وهكذا نطعن الثقة العامة التي لا تنوب عنها الثقة بهؤلاء الأفراد، فثقافة الوحدة تقيم حياة، عبر تعزيز الثقة العامة، وثقافة الانشقاق، تقضي على ما تبقى من حياة عبر هدم الثقة العامة.
في ثقافة الوحدة، الحزب هو حزب القضية، حزب وحدة المجتمع، والمجتمع الموحَّد ينهض بقضيته، ووظيفة الحزب الرئيسة، هي أن يكون عاملاً أساسياً في استنهاضه. أما في ثقافة الانشقاق، فالحزب هو المجتمع، والحزب هو القضية، بهذه الثقافة نكون قد استبدلنا القضية بقضية أخرى، وألغينا المجتمع، ونصّبنا أنفسنا مكانه، وبهذه الثقافة، لا ينهض الحزب بنفسه، بل ينشق على نفسه، لأنه فقد وظيفته، فالمبادئ تقول إن "سورية للسوريين" وليست للسوريين القوميين الاجتماعيين، وإن "السوريين أمة تامة" وليس السوريون القوميون الاجتماعيون أمة تامة، وأن "مصلحة سورية فوق كل مصلحة" وليست مصلحة السوريين القوميين الاجتماعيين فوق كل مصلحة. فثقافة الانشقاق تطيح بوظيفة الحزب وبالتالي بدوره ووحدته، ويصح فينا عندها قول سعادة "كل عقيدة عظيمة، تضع على عاتق أتباعها، المهمة الأساسية الطبيعية الأولى، التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها، كل ما دون ذلك باطل، وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة، تزول ويتبدَّد أتباعها".
عبد الكريم عبد الرحمن