كان..وما يزال.. وسيبقى البقاء للأقوى، أمّا القيم والأخلاق، والتعايش، وحقوق الإنسان، فإنها فرضيّات، يلهو باختبار جدواها أقطاب العالم الجديد في أوقات الفراغ، وهذا ما جعل الدراما كفن تأخذ موقعها المتقدم على الشاشة؛ فهي تحاكي حياة الناس الفعلية، حياتهم كما عاشوها، وليس كما يُفترض أن تكون. فمثالية المسلسلات التاريخية، والنهايات السعيدة لروايات الزمن الرومانسي، أصبحت مدعاة للسخرية، وملاذاً لأحلام البسطاء من الناس، فالسياسة التي أحد وجوهها يتمثل في فن إدارة المصالح، انتبهت لتأثير التلفزيون في حياة الناس، وأهميته في توجيه الرأي العام، فامتدت أصابعها الخفية إليه، وأصبح إحدى أدواتها، لا بل أهمها .
وقد أخذ السوريون مكانهم ومكانتهم في هذا المضمار الفني، إنتاجاً وإخراجاً وتمثيلاً. واستقطبت الدراما السورية في العقدين الأخيرين اهتمام أوسع شريحة اجتماعية .ولأن الخيال الإنسانيّ ثنائي بطبيعته، فقد أغمض عينه عمّا يمكن، ليبصر ما هو كائن، وإذ الواقع أكثر سوريالية مما يُعتقد لم يعد السباق بين السوريين والمصريين على إنتاج المسلسلات، بل أصبحت القضية بينهم من جهة، وبين التونسيين والمصريين والليبيين واليمنيين من الجهة الأخرى؛ ليس على إنتاج المسلسلات، بل على إعادة إنتاج الواقع، فالفن بالنسبة للسوريين أسلوب حياة. ولأن العروبة هويتهم، والوحدة هاجسهم، والحرية شعارهم، فقد انتشروا وفق صفاتهم في بلاد الله، فاتجه الدراميون إلى مقاهي الحمرا ببيروت، والمنشقون إلى ساحة تقسيم باسطنبول، واللاجئون إلى مخيم الزعتري في الأردن، والمغرمون بالفول والطعميّة إلى شقيقتهم بهيّة، وهم ينشدون: حسناء قاهرتي، وحسنك قاهري والقاهرات جميعهن حسانُ!
تحولت الدراما إلى حياة يومية، يمارسها المواطن، مع نفسه، ومع الآخرين بالوقت نفسه، وتوزع المنتجون والمخرجون والممثلون على الأرض السورية كافة، من القامشلي إلى درعا، ثمة من يقول: إن الجهات الدولية المعنية بالإنتاج، قد أعجبت بدراما الواقع السوري، ورأت في مشاهدها فنتازيا تليق بالعصر الحديث، لهذا قررت أن تمدد العرض، من خلال إضافة حلقات جديدة للمسلسل، تلهب حماس جمهور الأكشن من جهة، وتحتكر الشاشة، لمصلحة المسلسل السوري الجديد حتى العام 2014، وبذلك يدخل «زمن العار» من «باب الحارة» وينسى الطلاب السوريون «أيام الدراسة»، إذ أن إغراء ما بعد الحداثة يقتضي بالضرورة أن يأخذ المشهد السوري مداه، وتتحول «ساعات الجمر» إلى أيام وأشهر وسنين. لقد أدرك المنتجون الأتراك، أن «سيرة الحب» تستهوي المواطن العربي «على طول الأيام» فالحب يغذي الأمل بحياة أفضل، وفن الدراما معنيّ بهذا الأمل، فالتلفزيون الذي حوّل الناس من كائنات اجتماعية، إلى كائنات متجاورة، لم يعد الحامل الموضوعي الوحيد لتزجية الوقت في حياتهم، فهم «تحت المداس» تنخزهم «أشواك ناعمة» لذلك خرجوا من هذا الإطار، واحتلوا المشهد بجدارة، وانشغل العالم بهم، كما لم ينشغل من قبل، فإذا كان لبنان قد حاز ذات يوم لقب «سويسرا الشرق»، فإن سورية ستكون «هوليوود العرب»، ونصبح فرجة للعالم، ومن المرجح أن ندخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية؛ فهذا المسلسل يتوقع خبراء الاقتصاد أنه من أكثر المسلسلات تكلفة عبر تاريخ البشرية الحديث؛ وما زال العرض مستمراً.
ما زال العرض مستمرا
104
المقالة السابقة