مَن يُطل على المشهد اللبناني اليوم ويقارنه بما كان عليه منذ اربعين عاماً يتوقف عند مشهدين متناقضين في عنواني السياسة والقوة . ففي المجال السياسي وعلى صعيد الحكم والنظام ورغم أن الدولة اللبنانية قبل أربعين عاماً لم تكن على حال مريح يرضي عاقلاً محباً إلا انها كانت شبه دولة يديرها اشخاص يتمتعون بقدر لا بأس به من صفات رجال الدولة ويتظاهرون بالوطنية والبعد عن الطائفية، رغم أن ممارستهم الفعلية في السياسة لم تكن خالية من نَفَس طائفي، الا انهم كانوا لا يجرؤون على الحديث الواضح بهذا النفس او على الاقل يتهيّبونه.
أما اليوم فقد تردى أمر الدولة حتى فقدت من يمكن تسميته برجل دولة وفقد السياسيون الذين يضطلعون بالمسؤولية الرسمية او الاهلية الحس الوطني وبات الحديث الطائفي هو الاساس والنفس المذهبي هو الحاكم، ما يجعلنا نطرح السؤال: هل كيان هذا حال السياسيين فيه قادر على الاستمرار والتحول الى دولة؟ اعتقد أن النفي هو الجواب المنطقي. وهنا يطرح التحدي على اللبنانيين الذين عليهم أن يبحثوا في أمر مستقبلهم قبل أن يصحوا يوماً ويجدوا انفسهم على قارعة التاريخ من غير دولة ولا وطن.
هذه اللوحة السوداء لا تجد ما يخرقها الا ما ابتدعه جزء من اللبنانيين من مقاومة كسرت معادلة "قوة لبنان في ضعفه" التي جلبت للبنان القتل والدمار والاحتلال، وأرست مكانها معادلة "القوة بالجيش والمقاومة" والتي أنتجت معادلة "توازن الردع مع العدو"، ما جعل الجنوب الذي كان المهدّد دائماً في السابق، واحة أمن وأمان وثبت للبنان موقعاً في الخريطة الاستراتيجية الإقليمية وجعله رقماً في معادلتها لا يمكن لأحد أن يتجاوزه…
وباختصار وفي أقل من اربعين عاماً شهد لبنان انحداراً سياسياً مخيفاً، وارتقاء عسكرياً مقاوماً مطمئناً.
* عميد ركن متقاعد وأستاذ جامعي وباحث استراتيجي