إنَّ العقود السّنويّة هي حلقاتٌ زمنيّة وهميّة متواصلة على أرض المكان الثابتة، فالزّمان الحركي المجتمعيّ البشريّ هو الذي يعطي معنى للمكان الثابت الأرضي، ومن خلال الجدليّة المستمرّة بين الإثنين يعرف سيرتَهُ التاريخ الذي ديدنهُ الصراع بين الأفراد أو الجماعات والأمم. هناك مراحل تبدأ في أواسط القرن أو آخر القرن تنتهي أو تبلغ أوجها في بداية أو منتصف القرن التالي.
فإذا ما أمعنّا النظر في القرن العشرين نرى تحوّلات قد تكون بدأت من الحرب العالمية الأولى أو ما قبلها فمراحل التاريخ ليست مراحل عدديّة مبّسطة بل هي في غاية التعقيد. فالتاريخ يغور ويمور ويفور بمقتضى جدليّته التي لا تُدْرَكُ إلاّ عند أهل الاختصاص، فالأربعون سنة الأولى في القرن العشرين انتهت بحروب تقرّر فيها مصير الإمبراطوريّات القديمة الأوروبية السُّلالية الشائخة كذلك الإمبراطوريّة العثمانية الإسلامية (الرجل المريض) فأصبحت مُعرّاة من ممتلكاتها المستعمرة، وعادت إلى حجمها الطبيعي «كدولة»، كما تقرّر فيما بعد مصير الإمبراطوريّات الشموليّة المختلفة المتمثّلة بالفاشية والنازيّة والشيوعية بالإنمساح من التاريخ أو بالاستمرار المؤقت. أمّا المرحلة الأربعينية المشرقيّة الثانية فكانت مؤشّراتُ بداياتها في حرب 1948 الإسرائيلية – العربيّة مفتاح تاريخ المنطقة الحديث لتنطلق مجدّداً من حرب أكتوبر أو «الغفران» 1973 بين العرب والإسرائيليين.
التحوّلات المشرقيّة في السّنوات الأربعين الأخيرة (1973 – 2013):
إنَّ منطلق الأحداث في المشرق العربي (مع عدم نسيان الثورة السوريّة الكبرى واحداث العراق ومصر…) كان تركز فلسطين كقضية مركزية للعرب احتلت معظمها الحركة الصهيونية وحوّلتها إلى دولة إسرائيلية ذبحت وشرّدت سكانّها، وما الانقلابات العسكرية التي حصلت (بالتواطؤ مع مصالح دول غربيّة) في سوريا ومصر وسواهما سوى استغلال لهذه القضيّة ومحاولات إعادة ردّ اعتبار خائب بشكل أو بآخر إلى شعوب الجيوش العربية المهزومة.
لقد كانت هذه القضيّة كالحبّة الوحشيّة السّرطانية التي مَنَعَتْ النموّ في هذه المنطقة وامتصّت دماء شبابها بحجّة تحرير فلسطين قميص عثمانها الذي انتهى غالباً بالفشل وبتوسّع العدوّ الإسرائيلي الذي لا يهدأ بحيث بلغَ القمّة عام 1967 في النكبة الثانية (لا النكسة كما قال القائد المرحوم عبد الناصر) حيث أكملت إسرائيل احتلال كامل التراب الفلسطيني بالإضافة إلى سينا والجولان وبعض القرى اللبنانية.
إن الحركة الصهيونية هي في أذكى وأخبث حركة عرفها التاريخ عرفت كيف تنظّم وتمرحل المستقبل فكانت نبوءة مؤتمر بال (سويسرا عام 1897) حيثُ أعلن المنظّر الكبير هرتزل: «بعد خمسين عاماًَ ستكون قد تأسست دولة إسرائيل» الكلام كان بدقّة صناعة السّاعات السويسريّة وهذا ما حصل بالفعل. كما أضاف بما معناه:
«لو كنتُ حيّاً آنذاك لأمرت بمحو كل ما هو إسلامي أو معالمي في هذه البلاد لكي تقطع علاقتها كليّاً بالماضي الذي لا نريده وأن تتجسّد يهوديّة الدولة الإسرائيلية بالكامل حسب مخياله الصهيوني».
بُعْدُ نظر الحركة الصهيونيّة:
لقد اكتشفتْ هذه الحركة محرّك التاريخ المحوري واستثمرتهُ إلى أبعد الحدود من حيث المسرى ومن حيث العنصر الأهمّ المسيّر للعالم ألا وهو المال… فكما أنهُ من الماء يُخلقُ كلّ شيءٍ حيّ فَهُمْ من المال يخلقون السياسة برجالها وأنظمتها كما لم تنسَ أهميّة العلم بالإضافة إلى العنصر الأول الذي بفضلهِ تسيطر على مفاصل العالم الحيويّة. وهذا ما تسنّى لها بكلّ جدارة واستحقاق، ففي البداية اقنعت بريطانيا بإعلان وعدها إنشاء كيانٍ قوميّ يهوديّ في فلسطين واحةً للحضارة الغربيّة وسدّاً أمام «البربرية العربية الإسلامية» وذلك بعد أن فشلت في أن تشتري فلسطين بالذّهب من السلطان العثماني عبد الحميد.
بعد أن أصبحت دولةً اعتمدت على فرنسا تسليحاً وسياسةً فهي التي وفرّت لها ما أرادت، زد على ذلك مساهمتها الفعّالة في بناءِ مفاعل نوويّ كي تتمكن في ما بعد من الحصول على القنبلة النووية وصناعة مئات الرؤوس الذريّة كي تضمنَ دفاعاً ردعياً نوعيّاً أمام الكثرة ِالعربية ِالكاثرة عدديّاً.
بعدَ حرب السويس (العدوان الثلاثي عام 1956) ركّزتْ اعتمادها شبه الكامل على ظهر العملاق الأمريكي مع عدم نسيان العملاق السوفياتي الآخر الذي كانت قد زرعت في أوساطهِ القيادية العليا عناصرَ من أهمِّ عناصر يهوديّيها، كما يجدرُ ألاّ ننسى استغلالها لألمانيا بحجة التعويضات عن «محرقة الستة ملايين يهودي» كما تزعُمْ، ودعم أمريكا لها شبه الأوتوماتيكي في هذا المجال.
والسياسةُ الأمريكية غدتْ كحيةٍ ذات رأسين: الأمريكي والإسرائيلي فضمنتْ سلامتها «التاريخية»!!…
ممنوعٌ تغيير الوضع القائم (الستاتيكو) والتغيير الديمقراطي
(على الطريقة الجزائرية):
منذُ محاولة محمد علي باشا توحيد المنطقة بقيادة مصر ووقوف الغرب في وجههِ بعدَ أن أوشكَ ابنه إبراهيم باشا على الوصول إلى العاصمة إسطمبول وإعادتهِ إلى المربع المصريّ مذيّلاً بسينا.
كذلك منذُ المحاولةِ الناصريّة الرائدة التي بدأتْ بعدَ منتصف القرن العشرينْ لتوحيد المنطقة ومصيرها المشابه لمحاولة محمد علي وهزيمتها القاصمة في حرب حزيران 1967 (مروراً بانفصال الوحدة عام 1961 وحرب اليمن 1962).
إنَّ حرب حزيران لم تحطّم عبد الناصر نهـائيّاً فاستأنفها بحربٍ من نوع ٍجديدٍ عبقريّ سـمّاها «حرب الاستنزاف» التي طالتْ ومسّت إسرائيل والتي توّجها خلفهُ الرئيس السادات بـ «حرب الغفران» أكتوبر 1973 التي اعادتْ الاعتبار نسبيّاً إلى مصر وحجّمتْ الغرور الإسرائيلي مما فتحَ مجالاً أمامَ الولايات المتحدة لإيجاد حلٍّ متوازنٍ بينَ البلدين يضمنُ بقاءهما تحتَ المظلّةِ الأمريكية، ولكنْ الأمور لم تسِرْ بالكامل كما شاءَ الأمريكيون
على أيةِ حال لاحظ كيسنجر الداهية وزير خارجية أمريكا أنَّ انتصار العرب النسبيّ في الحرب واستخدامهم النفط لأوّل مرّة كسلاح ٍفي المعركة مبنيٍّ على تضامنٍ عربيٍّ مدهش ستكون لهُ نتائج قد لا تُحْمَدُ عقباها بالنسبةِ لأمريكا واسرائيل والغرب في المستقبل، فقرّرَ كيسنجر تغيير المعادلة وذلكَ أنَّ حروب المستقبل يجب أن تكونَ حروباً عربيةً – عربية فكانت الحرب بين مصر وليبيا وبين الجزائر والمغرب بالوكالة عن طريق البوليساريو والحرب أو الحروب اليمنيّة – اليمنيّة ومن ثمَّ يجب أن تبدأ مرحلة أخرى مذهبيّة حروب سنيّة – شيعيّة، واللعب على جميع أشكال التناقضات في المنطقة التي توّجتها العبقرية الأمريكية بنظرية «الشرق الأوسط الجديد» والذي لم تستطع تحقيقهُ دفعةً واحدةً وبسرعة. فأرادت الوصول إليه بالتقسيط وبشكلٍ آخر عن طريق الفوضى الخلاقة التي فجّرت عُقَدْ المنطقة، فالفوضى معمّمة عنيفة إلى أقصى الحدود، والدّول أخذت تتناسل دولاً ناهيكَ عن الحروب الأهليّة التي حصلت في لبنان والعراق وسوريّا والسودان والفلسطينية – الفلسطينية (الفتحية – الحماسية) أمّا محاولة مقاربة الديمقراطية التي حاولتها الجزائر فانتهت بحربٍ أهليّة ذهبَ ضحيتها مئات الآلاف، ذلك أنّهُ ممنوع أن تكون ديمقراطية على الطريقة الجزائرية، كما قال ميتران رئيس جمهورية فرنسا الأسبق.
وفي حال حصول قيام الدول المذهبية كما هو الآن فهذا سيسهل مهمّة تهويد الدولة الإسرائيلية التي ستسمح لها بطرد العرب المقيمين فيها مسلمين ومسيحيين الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون وكذلك غير اليهود الذين تسلّلوا إلى داخل الدولة الإسرائيلية.
كيفَ الخروج من المحن التي تغطّي العالم العربي بمعظمهِ؟
لقد أخذَ كثيرون يترحّمون على معاهدة سايكس – بيكو. فالدّولة العربية في طريقها إلى الدويلات والعُصَب لا بلْ إلى الزوال. والدول الإقليمية الكبرى المجاورة في مثلُثها غير المتساوي الأضلاع بل المتساوي النيات تمتدُّ خراطيمها الحادّة، والعرب في معامعَ بمنتهى الوحشيّة والهمجيّة فيما بينهم تتجاوزُ الخيالْ، والجامعةُ العربية بدت الرجل المريض الجديد (دون ممتلكات) سوى القرارات الفارغة والبيانات الخاوية.
إنَّ مصر القلب وحجر الزاوية لأيّ بناءٍ وحدويّ رازحةٌ الآن في حالةٍ لا تُحْسَدُ عليها ولا تُبشِرُ بالخير في القريب العاجل.
إنَّ على قيادتها ومثقفيها اجتراع المعجزات لإعادة تثبيت البوصلة وتركيز الثوابت من جديد.
لقد أصبحت مهدّدةً أرضُ الكنانةِ بأنْ تموتَ عطشاً بعدَ مشروع «سد النهضة» في أثيوبيا، كما أنَّ على المفكرين العرب والأحزاب العربية أنْ تقومَ بالدّور المطلوب منها لتقويم اعوجاجات الأوضاع غير الطبيعية التي نعيشُها.
نكرّر: تبقى الثقافةُ هي الأملْ الوحيد الذي يجمعُ أبناء الأمّة العربية ويوحّدهم. هذهِ الثقافة التي أداتها اللغةُ العربيةُ السامية لغةُ الشعر والرواية والفلسفة والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والسينما والمسرح والأغنية والرّسم…
إنَّ هذهِ المنطقة ظامئةٌ لفتوحاتٍ جديدة هي فتوح الحدود فيما بينها. هذهِ الفتوح التي تتكوّن من نوع ٍآخر لالتقاء عربيّ إفريقيا بعربيّ آسيا بعربيّ المهجر مسلماً كانَ أو مسيحيّاً.
إنَّ اتساع الرؤيا وحريّة العبارة هما الوسيلتان اللتان نحنُ بحاجةٍ ماسّةٍ إليهما في هذهِ المرحلةِ بالذات التي تُهدِّدُ مصيرنا ووجودنا سيّما أننا أمامَ غربٍ وصهيونيةٍ لا يقيمانِ للسوى حقّاً مثقال ذرةٍ إلاّ في النصوص التي تضُجّ بالخواءِ والرياح، خصوصاً إذا ما كانَ من العالم الثالث من العرب المسلمين والمسلمين بشكل خاص…
إنَّ الألمان بعدَ هزيمتهم الساحقة في الحرب العالمية الثانية لم يكونوا يبكون وينوحون على الأرصفة وفي الزوايا بلْ كانوا صوتاً واحداً: سنُعيدْ بناء ألمانيا من جديد وسنجعلها أفضل مما كانت. وهذا ما كان. فألمانيا اليوم هي البلد الذي انتصر في حرب الاقتصاد لا عن طريق الدبابات والطائرات، وهي اليوم البلد الأهمّ والأغنى والأقوى والبلد الذي يقود أوروبا بالفعل الاقتصاديّ السياسيّ وليسَ بالفعل القوويّ العسكريّ.
فالرسول العربيّ قال: «اطلبوا العلم ولو في الصين». فلماذا لا نتعلّم من قارةٍ جارةٍ لقارتنا نستطيعُ الإنتقالَ إليها في ساعاتٍ من ضفةٍ إلى أخرى.
هجانة النظرية السياسية العربية أو النظام المفقود:
لقد انقطعَ العرب سياسيّاً عن ماضيهم المضيء مدّةَ ألفِ سنةٍ على الأقل، ودخلوا بتقليد النظام الغربيّ الذي لم يستوعبوه لأنَّ النظرية السياسية إبنة الواقع السياسيّ الاجتماعيّ في بلدٍ ما. فهم كانوا يقلّدون بشكل غير مدروس النظام الملكي الذي لا يعرفهُ بلْ يرفضهُ الإسلام إلى النظام الجمهوري الذي لم يفهموه، والديمقراطية والاشتراكيّة والقومية التي لم يحسنوا لا فهمها ولا تطبيقها.
بعدَ أنْ عمَّ الاستبداد والفساد الديني والعسكري قامت الانقلابات والثورات واخذت تتقاطعُ عبثيّاً المفاهيم فالقائد الأب يريد أن يورّث السلطة لوريثهِ الابن كما حصلَ في سوريا مع الرئيس حافظ الأسد وكما أوشكَ حصولهُ في العراق مع الرئيس صدّام حسين وفي مصر مع الرئيس حسني مبارك وفي ليبيا مع القائد معمّر القذافي وكذلكَ في اليمن مع الرئيس علي عبد الله صالح ممّا استولدَ اصطلاحاً جديداً في العلم السـياسيّ العربيّ الملكجيّة: (الملكيّة الجمهورية). هذهِ القيامات والثورات (الربيع العربي المجهض) كذلك مشكلة الأحزاب كظاهرة غربيّة لم يهضموها فكريّاً لأنّها كانت نتيجة الثورة الصناعية في أوروبا التي لم نعرفها نحنُ حتّى الآن في بلادنا.
كيفَ يمكننا أن نُحيل المستحيل إلى ممكن؟
قال نابوليون منذُ مئتي عام في عزّ ملحمتهِ: «المستحيل ليسَ فرنسيّاً» ونابوليون بالنتيجة هزمَ فرنسا وحصدَ أكثر من جيل من أجيالها سيّما في حملتهِ ضدَّ روسيا التي حصدتْ أكثر من ستمئة ألف محارب أي عدد الجيش الفرنسي حاليّاً مضروباً باثنين… وكانَ المستحيلُ مستحيلاً عاصياً على نابوليون كما كان عاصياً على هتلر وسواهما.
نحنُ بدورنا نستطيع القول: المستحيل ليسَ عربيّاً. لماذا؟ لأنّ ملياراً ونصف المليار من الناس بلْ أكثر ما زالوا يصرخون فجراً: «الله أكبر» أي أكثر من خمسة أضعاف أعداد العرب ناهيكَ عن أندونيسيا التي عدد سكانها وحدها يضاهي عدد سكان العالم العربي التي دخلها الإسلام عن طريق الحرف لا السيف. فماذا يعني هذا؟ يعني هذا بكل بساطة أنَّ الحضارة العربية استهواها واستساغها الناس واعتنقوا كتابها خلاصة الكتابين القديم والجديد.
إنّنا لا نستطيع أن نتجاهل الحداثةَ روح العصر وفي الوقت نفسه نتجاهل تراثنا وتاريخنا الدينيين.
بنينا حضارة تميّزت وعمّرت ولا تزال ملفت الأبصار والأفئدة وفي الوقت نفسه لا نُطبّق «نظرية الله»: «الإنسان صورتهُ على الأرض» كيفما كان لونهُ وشكلهُ ومكانهُ ومن هنا يجب أن نؤسِسَ مفهوماً دستوريّاً حضارياً متميّزاً على صعيد المنطقة والعالم مقتدين بالتجربة اليابانية والهندية وبشكلٍ من الأشكال التجربة السويسرية.
إنَّ ما يحصل في الموصل وحمص بخصوص المسيحيين إخواننا الأعرق والأقدم في الوطن يندى لهُ الجبين يستلزمُ ردَّ الفعل المباشر والأعنف لأنّهُ ليسَ للإسلام بهِ علاقة على الإطلاق إنّها مرحلةٌ خطيرةٌ جداً فالإسلام: «لا إكراهَ في الدّين» والإسلام قبل كلّ شيء: «إقرأ» بمعنى إعلم وتعلّم وخذ العبرة». فالأنبياء رُسلٌ دمثو الأخلاق قريبونَ للنفوس وإلاّ لانفضَّ الناس من حولهم.
علينا أن نبدأ من الممكن مهما كانَ ضعيفاً وأولُ عتبةٍ فيه يجب عقد اجتماع للجامعة العربية علـى علاتهـا لسنِّ «حقوق الإنسان العربي» كمادّةٍ أولى من تعاقد أو من دستورٍ عربيٍّ جديد يقتضي احترام المواطن العربي كإنسان، فالإنسانُ كما ذكرَ القرآن مَنْ أماتهُ أماتَ الخليقةَ كلّها ومن أحياه كمنْ أحيا الخليقةَ كلّها. «من قتلَ نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتلَ الناسَ جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
فكيفَ لهؤلاء الأوباش بقطع ِرؤوس الآخرين وتعليقها كزينةٍ على جدرانِ مكاتبهم؟
إنَّ الجامعة يجب أن تخلُقَ محكمةَ عدلٍ عربية مقرّها القاهرة. فلا يمكن نقع الناس كعلب السردين شهوراً وسنين دونَ محاكمة بلْ اعتبارهم موادَّ مختبرات تعذيبية.
على الجامعةِ العربية أن تنشئ قوات تدخّل سريع مهمتها تخليص الأرواح قبلَ إزهاقها في الدول المعنية وذلك طبعاً بعدَ موافقة الدولة المعنية.
إنَّ الجامعة يجب أن تبدأ كجامعةٍ جديدة ولو بعضوين فقط كمصر وتونس وتنصّ دستوراً فدرالياً لكل الدول العربية تتقيد بهِ الدول بعدَ توقيعها الجديد وانضمامها إلى الجامعة.
على الجامعةِ أن تستعين بجمعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن تيسيراً لتطبيق قوانينها التي غايتها احترام الإنسان العربي وكرامته.
كما على الجامعة أنْ تُصيغ قانون حماية الطفولة وذلكَ بمنع تجييش الأطفال في الجيوش العربية تحت طائلة العقاب الأشدّ.
إنَّ على العرب أن يبدأوا حتى ولو من الصفر بدلَ أن يظلوا في أوضاع ٍمهلهلةٍ لن تجلُبَ لهم سوى الخراب والدّمار والإفقار والمرض وربما الإمّحاء.
عندما يُصبحُ الوطنُ جزراً قاحلةً ماحلةً ماؤها الرّمالُ وآفاقها المتاهات التمساحيّةُ الفاغرةُ ورياحها السيوفُ والرّماحُ فسبّح عندئذٍ بإسم ربكَ الذي قال: إقرأ ولم تقرأ… ولكنكَ أكرهتَ الآخرين في الدّين وذبحتَ من لا يُطيعُ صاغرين فلا حولَ ولا قوّةَ أخيراً إلاّ بالله العلّي العظيم والسّلام لنْ يُخيّمَ أخيراً إلاّ مع من إتّبع الهدى والضمير.