ارتـــحــــــال
إلى أبي الذي أُطعمُ أصابع قلقي لعصافير قلبه
وأعده في كل مرة بأن هذا سيكون عشاءه الأخير
.
.
.
كنت أسخر مني
كان اليأس يسيل مثل النمل
والأمل عظمة بيضاء تلبس فستاناً أحمر أمام كلب
السنوات تمر كحلم
في أشد لحظات حلمي فرحة
أصحو على صوت جارتي:
"الله ياخدكوا ويريحني منكو"
السنوات تمر مثل آخر يوم لسجين.
أعلم أن الهزيمة زوجة أبينا
وأعلم: الهزيمة أن نعترف
جدي الذي نقش على جدار قلبه:
" بلادنا راجعالنا"
لم يستقبل ضيفاً واحداً بعدها
صار منعزلاً
وعندما أراد أن يحرق الباب، حرق البيت كله
جدتي التي كانت تطرز شراشف بألوان العلم
بأصابع من قمح وخيوط من السعف.
ماتت قبل أن تطرز شرشفاً لابنتها التي أنجبتني
وأنا الموقع أدناه
جئت غريباً
لم أسمع غير صوتي لما بكيت
وصدر أمي أسمعني صداه
كنت الغريب
فجاءني صوت من اليمين
همساً يوشوشني ويرفعني إلى ربي
فآخذ فطرة الحزن وصك الشعر والبؤس
وسقطت على الجبال
لم تخنّي الأرض يوماً
لكنني طائشٌ
أداعب الصخر حتى أجرحه
ويسيل دمه على يدي
وهذه الأرض عن دمانا تميل
لم أعرف غير البحر ماء
ولم يخنّي البحر يوماً
ولم تخنّي رسائلي التي تصطاد الموج
لكن إله البحر كان أقرب من حبيبتي التي تنتظر على الشاطئ الآخر
والآلهة تبتلي من تحب
رأيت الغيم يسقي البحر
لا فرق بين غيمة وموجة
قلت:
الاثنتان دموع الملائكة
وكلما عطشت
أحدب لساني للسماء
لكنها تكون مشغولة بغسل أخطاء الآخرين.
فما أخذت من الحياة إلا
لوعة قيس
صوت أُمـي، أجمــل امرأة تُغنّي
"ما فـي حــدا"
ونصائح أبي.
توجع يا بني، الوجع تأشيرة الرب لأنبيائه
تفسخ كف جدار ليلد وردة يتيمة
يتبناها عاشق وتذبل على وسادة مراهقة
صرختان في الظلام يا ولدي
ويد تمتد نحو الرؤى
لا تقل ما الحزن قل: ماذا أنا
إذا ارتحت فاقلق
القلق ممر طويل يسرق أصابعك
ولا تنفعك فيه رؤاك
فأغمض عينيك لترى أين أنت وترى اتجاهك
تحدث بحدســك وتقوس للمطر كي يستقر النور في قلبك
لا تقل ما الله قل: ماذا أنا
كن وحيداً
تحسس حواسك
إياك أن تفقدها في ممرات القلق
امدح قوام الريح
ليتخذك خليلاً، لا تصحب غيره
فلا يرميك ولا يخدشك، بل يكون حصانك
لا تقل ما الوطن قل: هذا أنا
نم قربك في سريرك عارياً، قلّم أظفار حلمك دائماً
ولا تغطِّ أذنيك
لا تغطِّ أذنيك
كي تسمع الليل في آخره كيف يناجي النهار أن انتظر
أريد صورة تذكارية لا أكثر
انتظر لأراك مرة
وتعلّم الحب
لا تغطِّ أذنيك كي تسمع الكون يئن فتقول: أنا بخير
وتنام
وخذ ملح دمع أمك فأنت وحدك في بلادك
كتبت نصائحك يا أبي وخبأتها في صندوق الذكريات
السنوات تمر تمر تمر
وأنا أسخر مني أسخر مني
ولما فتحت الصندوق كانت عمياء
فلم تعرفني وما أجدت قراءتها
أعدني يا أبي
أعدني وأعد عليَّ لوحي لأحفظه
أعدني إلى فناء الدار
إلى حجر أمي الأوسع من هذه الدنيا وسفالتها
أعدني ألعب في حارتي
يجرحني الرمل وقيدني بغيمة
أعدني صغيراً تَغسلني أمي بقبلة
وأنام على فخذها قبل العَشاء بهزتين
أتعبنـي الحـزن
بي من الحـزن اشـتهاء الرمل لخطا العابـرين
بي من الحزن ما يُنسِني بعض حزنـي
بي رجاء الوردة للشمس:
أحرقي روحي، أذيبي نداي لأكتمل
ما اكتمالي إلا في أن أكون ذكرى
تعبت يا أبي
قلبــي مســرحٌ وســع المجانين وضـاق على نفســه
إســفنجة قلبــي لا صــوت لانكســاره
تعبت وأتعبتني الاســتعارة
أريد أن أكون أنا لا القصيدة
أعدني يا أبي وأعد عليّ وصاياك
سأخبئها في نور عيني هذه المرة
أعدني إني فشلت
وصرت شاعراً