(دراسة تحليليّة تأويليّة)
عندما تتعرّف الى نعيم تلحوق تكون في صدد الدّخول في مغامرة من نوع آخر.
قادرٌهذا الرجلُ على خلق مدارات من الأفكار التحريضيَّة في ذهنك. قادر على استفزازك فكريّاً قادر على حثّك على رؤية الواقع بتمرّد هامس.
حملني هذا الشّعور بطاقته الإيجابّية في الآخرين الى أن أقتفي أثر نصّه، فوقعت في حبّ قصيدة له من ديوان " أظنّه وحدي" ، عنوانها "نوم الأيّام" وبناء عليه، قرّرت التّحضير لدراسة تحليلّية تأويليّة لهذه القصيدة، تجمع بين دفّتيها ملامح تناصّية ومحاولات دائمة في الكشف عن العلاقات المتوافقة والمتعارضة القائمة بين المفردات المتداولة في سياق القصيدة الدّلاليّ، اذا صحّ التّعبير .
هذه المفردات التي يكسوها نعيم تلحوق و يعرّيها وفق وجهات سياقيّة حادّة السمّات في سلاستها الدّلاليّة المتوالدة.
فيا أيها النّص أفصح عن مداك لوجه الشّمس ودعنا نشهد!.
لقصيدة "نوم الأيام " مشهّدية تتوالى فيها الأنا وتتناسل ضمن حركيّة صامتة صاخبة بين قطبين : قطب الزّمان المتمثّل بالنّوم والأيّام وقطب الرفّض لما هو قائم.
بين صوت الهزيمة وفعل التّحنيط وصورة السيّد المسيح واللّغة حيث التّلاقي والتّعانق في فعل الفداء التضحية، الخلاص.
عمل مرهق الانتقال التلحوقّي من الأنا المتصارعة مع الأنا الآخر في مسيرة ارتقائها نحو الآخر الخارجيّ ثم نحو ال"نحن" في محاولة للمّ الشّمل وتحريضه.
كيف تشرنقت هذه الأنا التّلحوقية في تعاريج هذه الصّراعات المحتدمة في بوتقة السّكينة/ الاشتعال لتعلن عن معاناة وجودّيةّ صارخة؟كيف سخّرت هذه الأنا التّلحوقيّة توليفة المحاور المتناقضة بين الزمّان / الرفضّ ،الهزيمة/الخلاص، ضمن قصيدة تتمخّض فيها الدّلالات الخصبة؟
لمَ استدعى تلحوق صورة السّيد المسيح بكّل تجليّاتها المعنويّة وقام بدمجها في بنية القصيدة؟
تسير لعبة التناقضات في بنية القصيدة بأثقالها نحو التّكامل في محورية دائرية لا تدرك معناها إلاّ وفق محطّات متنافرة تلتقي في حدّتها النّزاعية نحو اكتمال الأنا التلحوقيّة في النصّ.
فعل الفداء
الزمان الأنا التلحوقية الرّفض
الانهزام
إشكالية الأنا التلحوقية
لا يلتئم نسيج الأنا التّلحوقيّة وفق مونولوج وحيد، في هذه القصيدة تتمحور المجازفات حول الأنا وحول ضمير المفرد المتكلّم وما يعود اليه :
"ألاطف نداماتي
تقرأني الأزمان
أكتب
يقيني
أنا أرددّ شعاراتي خائفاً
كأنيّ….."
تخبر هذه الأنا مخاضاً صامتاً يتمطّى بحيوية بين فعل القراءة والكتابة في زمن خارجه محنّط باطنه متحّول ،خارجه هادىء ، عمقه مشتعل ،ظاهرة قبول ، داخله ثورة.
تحتاج هذه الفرادة الى المعنى لذلك تواجه ، تستبق الزمّان في فعل المواجهة ،مواجهة الآخر الدّاخلي أي الأنا الآخر الكامن في جهاز الشّاعر النفسّي ، المحمّل بكّل تبعات الخضوع والخوف ،الجمود والنوم.هل من انتصار جدّي يتّم في مضمار هذه الطبقات النفسّية؟كيف تقدر الأنا في هذا النزّاع الثّقيل المنضج أن تجد ظلا" لحقيقتها؟
الحّق هو أنّ لا مجال لإدراك المعنى مهما سما أو سخف الحقّ في انعكاسها الثالث أي في مواجهة انعكاس الأنا الخارجيّ في الطّرف الثالث لبعدنا ، في الآخر الخارجيّ.
أعلن تلحوق عن هذا الأخر في صورتين:
الصّورة الأولى تحمل سمات الآخر الغريب ، المحنّط الاجتماعي في تعريف الأنا، غير المدرك لمخاضات النفس وتورّماتها الوجوديّة:
"هذا فلان ،ابن فلان"
عمٌ فلان
خال فلان
شقيق علاّن
وصهر فلتان
والد ابن أخت عمّ فلان وعلاّن وعلتان …."
هذا الآخر المنتشر ,المتكاثر في فراغ ….
أماّ الصورة الثانية فصورة الآخر الخارجي القريب ,
وكأن تلحوق ينفي إلى حدّ بعيد قرابة الدمّ والسلالة ويرمي نرده في ساحة القرابة الانسانيّة فيصيب الوجع ليبرأ,هذا الآخر مرتبط بالأنا التّلحوقية في علاقة التقاء وتوافق في ظروف الوجود ,هما تلتقيان على قاعدة واحدة سمتها ضياع ٌ- يبحث عن وطن:
" أنا وصاحبي ، نائمان في بيت الأيّام….
نفتّش عن وطن به نستريح ،
وعلينا يستريح…"
عند هذه الّنقطة من لعبة تلحوق الداّئرية تلتقي الأنا بأزمات القضايا الوجوديّة والفلسفيّة الأيديولوجيّة ثمّ تنسحب نحو الآخر الخاصّ ثمّ نحو الآخر العام الشّامل ، كلّ إنسان يعاني قضيّة وطن ضائع وهوية متشظيّة في زمن إلغاء الهويّات وتعميم النموذج الواحد.
لذا تتمردّ الأنا التلحوقية على ذاتها في فعل خلاص رؤيويّ يستقي نسغه من رافدين محوريّين يرمزان للفداء والخلاص.
رافد تجلّى في صورة السيّد المسيح ,وآخر في اللّغة (الكتابة والقراءة ) التي تجسّد أكثر المحطّات مقاربة للأنا في تمظهراتها العديدة.
رافدان محرّران للذّات ، رافدان لبذل الذّات في سبيل إعادة خلق الواقع وفق معايير مرتفعة السّقف.
ما هي حاجة تلحوق لاستحضار مغزى الفذاء؟ هل هذه الوسيلة من المواجهة إعلان صريح عن إشكاليّة الزّمان في الواقع ؟أين يتكشّف لنا مكمن الصرّاع الذي يفصح عن الأزمة الكبرى ؟
لعلّ العنوان الملفت الذي سخّره تلحوق كفيل باستدراجنا ، هذا العنوان " نوم الأيّام " الذي يشكّل محوراً بذاته الجمود / الحركة ، الحركة / الجمود.
النّوم: – حالة جمود ظاهرّي يكاد يشبه الموت أو حالة الإغماء وفقدان الإدراك الحسّي الخارجيّ.
– حالة ينشط فيها العقل الباطن ويتفاعل مع المعطيات الحديثة والمتراكمة.
الأيّام: – حركة تحاول تقييد الزّمن ، مستمّرة ثابتة.
– حركة متجدّدة.
.جمع تلحوق المفردتين وحمّلهما أبعاداً أخرى ، انشأ بينهما علاقة تستمدّ مويّتها من المعنى المفترض بين السكينة والنّشاط .
يجمع الشّاعر بين الجمود الظّاهرّي المعلن للنّوم ولثبات الاستمراريّة في الأيّام مع نقيض ذلك أي حركة الدّاخلية الثائرة والتحّرر الباطنيّ.
يعلن تلحوق تلميحاً جمود الواقع اليوميّ الأليم وفق مفهوم وجوديّ إيدولوجيّ يدعو للرفضّ والثّورة الممثلّة بالحركة المتسارعة في ظاهرها والثابتة في عمقها العقيم.
هكذا حوّل تلحوق النّوم المحنّط للواقع الى حركة باطنيّة مكبوتة تسعى لاكتشاف معانيها الرافضة لعبثيّة الزّمن الجامد.
يتقن تلحوق لعبة النقّيض لإثبات نقمته وفق لعبة السّلب /الايجاب ترتحل الّذّات الشّاعرة في بحثها عن نقيضها لتحقيق البرهان ضمن عدّة محاور تجلّت في محور الزّمان / الرّفض ، الموت / الخلاص.
أولا":محور الزّمان /الرّفض:
أ-الزّمان: النّوم /الأيّام.
في متن القصيدة تجلّت مفردات الزمّن وفق وجهي النوّم /الأيّام, تواترت العبارات وانتشرت ، يقول الشّاعر :
(نائم في بيت الأيّام
نائمان في بيت الأيّام
نائمان في بيت الأحزان
الأيّام
الأزمان ، الأوقات
غدوة الصّحو
محراب السنّين
زمان تغتاب فيه المسايا
غفوة الصبّاحات
صاحبي لخمه الوقت فصار من المدمنين على الانتظار
الانتظار
اللّيل عديم الأمنيات
أنا و الأّيّام موقنان )
النّوم التلحوقي حالة رفض مؤجّلة والزّمان ثقيل يجر الآخر الى متاهة الانتظار .لكن الذّات الشّاعرة مدركة رؤيويّة واعية لحركة الحياة الثّائرة ومنها تتبنى اليقين في خصب قادم ضمن احتمال المستحيل.
ب-الرّفض: يقول الشّعر حول آلية الرّفض الثائرة في ذاته:
(أُردّدُ شعاراتي
صوت الغضب
أقاتل غربتي البليدة
أفك قيدي رهناً لسلام أرضاه ، يخشاه غيري
دمي وطنٌ رافضٌ يرقصُ المحنّطون على ريحه، أقاوم طيفي)
آلية الرّفض متجّذّرة في الذاّت الشاعرة في مدى النّص تعطيه نسغا" للتحرّر ، في طيّات هذه النفّس غضب مخنوق وغربة صارخة تبحث عن سلام يقض مضجع المحنّطين يقوّض بنيان الطّيف أي الأنا الآخر الدّاخلي الذي يمثّل الخمول الوجوديّ والاستسلام .
هذا الرّفض يدخل في محور تناقض مع الزّمان والوقت مع النّوم الظّاهري في حركة انقلاب على الواقع المحدود وعصيان ينشد السّلام الداخّلي.
يتحّد الشّاعر بقضيته الوطن بوساطة مفردة "الدّم".
يخرج الوطن من مساحاته الضيقّة الى مساحة الحلم /الإنتماء وهو في هذه المعركة يبحث عن خلاصه وفداء الجماعة.
هكذا زاوج تلحوق بين جمود الزّمان والموت وبين اللّغة – وسيلة التعبير الأنجع –وصورة السّيد المسيح والرّفض وفعل الفداء.
ثانيا":محور الموت /الخلاص:
أ-الموت:
في هذه المعمعة الخلاّقة وظّف تلحوق ثورته الحنون عندما استدعى صورة السّيد المسيح بذكاء حين قرن بين بذل الذّات في سبيل افتداء الآخرين على خشبة صليب وبين بذل الذّات على الورق في قصيدة متكلمّة.
كيف تمّ هذا التّناص الذي لامس التّضمين والتّصريح في آن واحد.؟
كيف أخرج الشّاعر صورة المسيح من إطارها المتعارف عليه إلى تعاريج القصيدة؟
أدخل الشّاعر هذه الصّورة في نسيج قصيدته كما فعل .
أكثر من شاعر حديث ذلك مثل : خليل حاوي ,بدر شاكر السيّاب, محمود درويش وغيرهم .
وكان لكلّ شاعر من هؤلاء أسلوبه الخاص في التوظيف الدّلالي وفي تحميل الأبعاد.
أحيا تلحوق صورة المسيح وعمّدها بالحبر فأصبحت قصيدة تبوح بآهات النفس بثورتها بجوعها الى السّلام برؤيتها .
كأن تلحوق شاء بمطرح ما أن يهزم صورة الموت القائم بالذي هزم الموت بالقيامة على درب بذل الذّات :أليست الكتابة فعل تضحية ومعاناة ، ألم يتغيّر التّاريخ بقلم ثائر؟
موت الذات الشّاعرة هو موت من نوع آخر موت رافض لذاته ، موعود بضياء روحّي آخر ، وهو موت اللّحظة المجّددة في الإنسان أمام فداحة الواقع .
(نائم في بيت الأيّام
يخمر الموت كاللاهوت
أحبس ظلّي في مكان وارف لا تلخمه الأضواء
إسمي ألف عنوان قتيل
أثقالي رحيل
يرقص المحنّطون على ريحه
فتغتاله القضايا
الفكر ظلام
تقديم الأضاحي عن روح الشّهيد
لوى عنقه على مصطبه القنّ، يقاتل
الشهيد
الاسم ضريح)
يعانق الموت الرّحيل، يمتدّ من الآخرين نحو الذاّت ، نحو الفكر المحنّط في المجتمع الموبوء بتكرار أخطائه. يقارب تلحوق الموت بهيبة ساخرة، بوجع متشعّب من العامّ الى الخاصّ فالعامّ.
لكن عبارة (يخمر الموت كاللاَّهوت )وهي العبارة الواعدة بقيامة أكيدة . من هنا استدعاء رمز المسيح الذي خمّر الموت قيامة بدمه وجسده .وحتى تكتمل الرؤيا وتتزاوج مع الواقع يتعانق المسيح واللّغة في بنيان القصيدة انتصاراً للغد الموعود بضيائه ، بقيامته الحضاريّة الفكريّة.
ب-الخلاص :صورة المسيح والّلّغة .
وفق شروطه الخاصة استدعى تلحوق المسيح من خارج النّص وقام بدمجه في القصيدة مخضعاً هذه الرمزّية لبنيّة النّص الجديد الدّلالية .ثمّ قام بعمليّة تحويل صهرت وأذابت هذا الرّمز مع اللّغة حتى تمّ الالتحام بالنّص المتشكّل.
1-صورة السيد المسيح التلحوقية:
يقول الشاعر:
"…..أكتب على خبز الأوقات يقيني ….
………يخرج الإله من العنقود ، يصير العنب .
يخمر اللاهوت في عرس القصب …"
يقول الرسول مرقس في إنجيله عن عشاء الرّب الأخير (14/22==26):
"عشاء الربّ
وبينما هم يأكلون ، أخذ خبزاً وبارك وكسره وناولهم وقال: خذوا،هذا هو جسدي." وأخذ كأساً وشكر وناولهم فشربوا منها كلّهم ، وقال لهم :" هذا هو دمي ، دم العهد الذي يسفك من أجل أناس كثيرين .
الحق أقول لكم :لا أشرب بعد الآن من عصير الكرمة ، حتّى يجيء يوم فيه أشربه جديداً في ملكوت الله ."
فعل الكتابة عند تلحوق فعل بذل للآخر ، بذل الذّات كما بذل المسيح جسده خبزاً (أكتب على خبز الأوقات )
حتميّة هي هذه المزاوجة بين القربان والقصيدة .
إله الشّعر المحمّل بأعباء الوجود ، إله الفكر نبيذي الملامح ، فدائي السّمات ، متحوّل من العنب والعنقود الى اللاهوت في عرس الخلاص.
هل قصد تلحوق هذا الدّمج ، أم انساب من لاوعيه ، كانسياب الأحرف؟ لسنا ندري ولكّن الواضح أنّه أتقن اللّعبة جيداّ.
لم يكتفِ الشاعر بصورة العشاء السرّي بل تنقّل من صورة الى أخرى بمهارة سلسلة يقول :
"أقاتل غربتي البليدة والحال مدان ،
كأنّي مأسور على خبب الرّوح.
مصلوب على ورق الشّوح ،
أفك قيدي رهناً لسلام ،
لست أرضاه ..
يراه وجهي فيعطيه من المرّ لسان…
…..جروحي خطايا.
نذوري ضحايا…
"والليل عديم الأمنيات …
والشهّيد مسيح…
….والاسم ضريح
والشهيد مسيح…..
"……..تارةً أنا المهزوم ,وطوراً أنا العالم
تارةً انا الحبيب ، وطوراً أنا الظّالم
وقيدي لم يزل موسوماً بشمع الشّماتة
والحماقة والغمام ".
يذكر الرّسول متّى في 27/33-34:
"ولمّا وصلوا الى المكان الذي يقال له الجلجلة ،أي "موضع الجمجمة " أعطوه خمراً ممزوجة بالمرّ…"
في 27/39 يقول متّى :"…وكان المّارة يهّزون رؤوسهم ويشمتون …" في 27/41 يقول :" ….وكان الكهنة ومعّلمو الشريعة يستهزؤون به".
الغربة صلب للذّات في بيئة جاهلة ، هنا تتلاءم المعاناة بين آلام المسيح الجسدّية والنفسيّة وآلام الشّاعر في تعاطيه مع الأرض العقيمة ، الجروح تكتسي معاناة الإبداع في تطوير الصورة من النصّ التاريخيّ الى الدّلالة المتشكلّة من رتابة الرضوخ الى ثورة التغيير الحالمة.
فالمسيح كان الحبيب العالم وعند الصلب شمتوا به وسمّوه بالظالم المهزوم.
والحبيب العالم هو الرّاضخ القابل لمسيرة المجتمع التقليدية وعندما تلوح صرخة الذّات الرافضة في الأفق يضطهد من معشر القطيع …. لأنه يشتهي فكّ القيد ويحلم بالسلام بالخلاص ، الخلاص له وللآخرين.
مسيرة المسيح في القصيدة هي مسيرة الذاّت المفكّرة التي أنارتها المعرفة فتوقدت. مدان هو المفكّر في عالم المحنّطين وكلّ محاولة للتغيير مهدّدة بالصلب ، الذي يعتبر نوعاً من المواجهة واثبات الذّات .
2-معجم اللّغة الثائرة :
لقد انتشرت مفردات اللّغة في لغة في القصيدة ، في محاولة لإثبات العلاقة بالحبر على أنهّا علاقة محرّرة مخلّصة :
(تقرأني
أكتب على خبز الأيام أردد شعاراتي
صوت الغضب
يحاورني …
تسألني
تغتاب
قناعاتي
لا تلعنني القصيدة
لا يشطبني الكلام
تأخذني الرواية
أعيد قراءتها مرات
أسألها
ألج الحروف المتناسلة
الفكر ظلام
الفرضيات أنهت جدليّتها)
تحتاج هذه الذاّت الى اللّغة ، كلاماً قولاًوكتابة و"قراءة"
فهي وسيلة الانقاذ والتحّرر من القيود ، تتسلّل الى عوالم الشّاعر تعوّضه عن الألم ، تؤاخيه(لا تلعنني القصيدة ،لا يشطبني الكلام ) تنصره ، تنصفه.
يعبّر من خلالها عن رغبته في العبور من القناعة إلى الواقع عبر التغيير ،متحكّم هو بها (ألج الحروف المتناسلة )في دائرة عشقيّة موحّدة توحي بالفعل الجنسيّ ، بالتوالد بالخلق.
ما هي هذه المغامرة الدّلالية التي ورّط فيها تلحوق القصيدة في عملية دمجه بين الكتابة والزّمان والرّفض والقربان؟
ورطها ورطة أخّاذة وتلاعب بمعطياتها فأنقذها من شدّة رغبته في إنقاذ الوجود الحضاري الذي يضطهده .
في الختام ,هذا غيض من فيض في دراسة قصيدة واحدة من ديوان "أظنّه وحدي" للشاعر نعيم تلحوق ، حيث لا يمكنك ادّعاء الإحاطة بالموضوع من كلّ جنباته ، لا أنكر لقد استفزّتني قصيدتك أيّها الحالم قرّبتني وأقصيتني ولكنّي بكل وداعة وتواضع حاولت ملامسة وجهها عساني أفلحت في تلمّس بعض سماته ، في اقتفاء بعض الآثار الصغيرة من تفجّراته اللامتناهية.