"الصحافة اللبنانية في نصف قرن من الزمان".
معرض دائم يضم الأعداد الأولى من كل صحيفة ومجلة أدبية برزت في وقت صدورها، وعلى مسافة عدة أمتار من بلدية، بيروت الممتازة " في أسواق بيروت يؤمه يومياً عشرات الزوار والسياح.
هذه المجموعة كادت ان تضيع في زحمة الآف الكتب التي كان يملكها الفيكونت فيليب دي طرازي في حياته. وقد طلب من الدكتور فؤاد غصن ان يكون وساطة خير لبيع مجموعته التي لديه لقاء مبلغ من المال قدره ألفا جنيه مصري. ولهذه الغاية وسّط الدكتور غصن أصدقاءه المصريين. وكان ان عرض هذا الأمر على الدكتور علي باشا ابراهيم رئيس الجامعة المصرية، ويعود ذلك الى نهاية عام 1945 وبداية العام 1946. وعن ذلك يورد الدكتور فؤاد غصن أخبار هذه الوساطة عبر مراسلات ذكرها في "المذكرات" التي نشرها في كتاب، صدر عن دار الريحاني للطباعة والنشر في بيروت في سنة 1967. ومن خلال هذه المراسلات يتبين لنا ان هذه المجموعة كادت ان تباع لقاء مبلغ من المال قدره ألفا جينه مصري لمجموعة الفيكونت طرازي الصحافية. ذهب الدكتور فؤاد غصن الى منزل الفيكونت فيليب دي طرازي ليبلغه جواب الجامعة المصرية بشأن بيعها، فوجده نائماً في السرير، وقد بلغ من العمر إحدى وثمانين سنة، فعرض له الجواب، فما كان من طرازي إلا ان هش وبش لذلك. بعد ان قرأ له الكتاب الوارد عن الجامعة وهو الموافقة على طلبه في 19 كانون الاول سنة 1945 ورسالة ايضاً بتاريخ 17 كانون الثاني في سنة 1946.
وقد ذكرت الجرائد في حينه، ومنها جريدة "بيروت" لصاحبها محيي الدين النصولي بتاريخ 18 حزيران في سينة 1946 تحت عنوان " هل يصل الخلاف الى القضاء؟" ما مفاده:
"ان المفوضية المصرية وجهت تقريراً ضافياً عن عقد البيع الذي يجعل مجموعة الفيكونت طرازي الصحفية ملكاً لها لا ينازعها فيه منازع الى وزارة الخارجية اللبنانية تبسط له القضية منذ ان كلفت جامعة فؤاد الأول المواطن فؤاد غصن بشراء هذه المجموعة الصحفية بألفي جينه مصري أي بثمانية عشر الف ليرة لبنانية الى ان عاد الفيكونت طرازي عن هذا العقد وباع المجموعة لدار الكتب الوطنية (كانت قرب البرلمان اللبناني) بست وثلاثين الف ليرة لبنانية".
ويقول المندوب اللبناني :" ان سعادة وزير مصر المفوض تلقى تعليمات من حكومة لبنان توسّطه لإنهاء هذا الخرف ودياً قبل الالتجاء الى القضاء". وجاء في عدد جريدة "بيروت" 2548 بتاريخ 21 حزيران سنة 1946، ما مفاده :
"قلنا في عدد فائت ان الحكومة المصرية كلفت سعادة وزيرها المفوض بسوريا ولبنان بأن يبذل الجهد بالطرق الدبلوماسية ليحمل الحكومة اللبنانية على اعادة مجموعة الصحف التي كان سعادة الفيكونت دي طرازي قد باعها لجامعة فؤاد الأول في القاهرة بوساطة المواطن الدكتور فؤاد غصن بالفي جينه اي ما يعادل ثمانية عشر الف ليرة لبنانية. وقد قام سعادة وزير مصر المفوض بهذه المهمة التي القتها حكومته على عاتقه، ووصع تقريراً ضافياً مدعوماً بالادلة والبراهين مفاده ان الصفقة تمت شرعاً وعرفاً. ثم طلب في نهايته اعادة المجموعة الى اصحابها الشرعيين، أي جامعة فؤاد الأول.
ويظهر ان وزارة الخارجية اللبنانية درست هذا التقرير دراسة مفصلة من جميع النواحي واستقر رأي الوزير على مشاطرة الحكومة المصرية وجهة رأيها بهذا الخلاف الناشب بين القطرين الشقيقين".
وهناك مطالعة من وزير الخارجية اللبناني أحالها الى مجلس الوزراء للبت بهذه القضية. وتقول المطالعة ان يرتفع السعر من 18 الفا الى 36 الفاً. ويتلخص رأي الوزير فيليب تقلا باعادة المجموعة الصحافية الى اصحابها الشرعيين اي جامعة فؤاد ا لاول.
وهناك تساؤل وجهته الجريدة المذكورة الى اصحاب الشأن في عدد 2548 بتاريخ 21 حزيران سنة 1946 ، قالت فيه :
" لتسمح لنا الحكومة من جهة ان نتساءل عن الموقف الذي سوف تقفه من هذه القضية وكيف تمت، ولماذا دفعت الحكومة ستة وثلاثين الف ليرة لبنانية ثمناً لهذه المجموعة على الرغم من انها كانت تعلم ان جامعة فؤاد الاول قد ابتاعها بثماني عشر الف ليرة لبنانية لا غير".
وكان ان تّدخل في الأمر فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الشيخ بشارة الخوري، وكان ان تواسط مع الحكومة المصرية لالغاء القيود التي حصلت بين جامعة فؤاد الأول ، بشخص رئيسها ومديرها الدكتور علي ابراهيم وبين الكونت فيليب. وعاد كل شيء الى حاله دون ان تتم صفقة البيع والغاؤها نهائياً.
وهنا، نتساءل : ما هي تلك المجموعة الصحافية . وما هو الكتاب الذي وجهه الفيكونت فيليب دي طرازي الى الشيخ بشارة الخوري؟
هي مجموعة صحافية يربو عددها على سبعة الآف وخمسمائة صحيفة مختلفة العناوين. تشتمل على نموذج من كل جريدة او مجلة ظهرت في انحاء المعمور باللسان العربي وبجميع اللغات الشرقية، ومزيتها الخاصة ان ذلك الأنموذج هو أول عددٍ من الجرائد والمجلات اللبنانية والعربية. وتعتبر هذه المجموعة فريدة في العالم بما حوته من نوادر الصحف القديمة وبواقع الصحف الحديثة. وهي مرتبة ترتيباً جغرافياً تاريخياً يدعو الى الاعجاب ويبرهن على سلامة الذوق ويمهد السبيل للوقوف على حالة الصحف منذ نشأتها الى وقتنا الحاضر.
وهذه المجموعة، منذ ان وضع رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري، يده عليها، اصبحت في حوزة الجمهورية اللبنانية. وقد ضمتها دار الكتب الوطنية في حينها، وهي التي كان مقرها بجانب مجلس النواب الحالي ( وقد قلنا ذلك قبل الاحداث الدامية في لبنان). وقررت الحكومة آنذاك ان يستفيد منها الجمهور اللبناني، والقارىء اللبناني والعربي، وتكون معرضاً يتوافد اليه الأدباء والصحافيون والعلماء وطلاب العلم والمعرفة واساتذة استشراق للنظر فيها واستفادة من قدمها وندرة وجودها.
وكان ان وجه الفيكونت الى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية عريضة صرّح فيها لفخامته بخطورة المجموعة راغباً منه اصدار الأوامر بإبقائها في لبنان والحرص عليها حرصاً شديداً خوفاً من ضياعها.
فكان نصّ العريضة المذكورة بتاريخ 16 تموز سنة 1946. ما يلي :
" بعد تأدية فروض الاجلال والاخلاص. طالعت في بعض الجرائد ان مجلس الوزراء قرر ان تدرس قضية مجموعة الصحف ليتبين هل يجب ان تعتبر في جملة الآثار أم لا ؟ فإذا كان الاول حتم ان يحتفظ بهاعملاً بقانون : حفظ الآثار. وإلأ فمن الجائز التسامح باخراجها من لبنان.
أستأذنكم يا صاحب الفخامة في التصريح بان مجموعو الصحف المشار اليها يجب ان تعتبر بكل حق من أثمن الآثار التي يفرض على لبنان ان يحرص عليها لكونها فريدة من نوعها ولا نظير لها في بلاد الشرق والغرب على الاطلاق.
لعمري كيف لا تعتبر هذه المجموعة في حكم "الآثار ". وقد حوت العدد الاول فقط او الاقدم من كل جريدة ومن كل مجلة عربية وشرقية ظهرت في الخافقين؟ ولقد التقطتها بعناء جسيم من أطراف آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية. وقضيت ستين سنة كاملة عاكفاً ليل نهار على البحث والتنقيب والمراسلة حتى تيسر لي الظفر بفرائدها وخرائدها. ثمّ نظمتها تنظيماً جغرافياً وتاريخياً محكماً لتسهيل مطالعتها أو قرائتها؟
لا يخفى على فخامتكم ان كل كنزٍ ثمين قل من يكترث له او يعرف قيمته ما دام محتجباً عن الانظار والابصار.
ولكنه متى عرض للعيان تجلت خطورته وتهافت الغادي والرائح للاشراف عليه والتثبت من حقيقة شأنه.
اعتقد يا صاحب الفخامة اعتقاداً راسخاً ان الحكومة اللبنانية متى تسنّى لها تنظيم تلك الجواهر الثمينة النفسية بشكل معرض في (دار الكتب) تقاطرت جماهير الأدباء والصحافيين وعلماء المشرقيات من كل حدب وصوب ليطلعوا عليها ويستفيدوا من مضامينها ويطلقوا الألسنة بالثناء عليها وتشبت أقطاب لبنان وقادتها ببقائها في وطنهم الام.
وحسبي ان أذكر لفخامتكم على سبيل المثل جريدة "لبنان" التي أسسها في عام 1867 م سلفكم داود باشا المغفور له ونشرها باللغتين العربية والفرنسية في "بيت الدين". عاصمته. فهي بلا ريب قطعة أثرية ثمينة لا نظير لها البتة. وهيهات ثم هيهات ان تفوز الحكومة اللبنانية في عهدنا بمثال منها ولئن بُذلت مليوناً من الليرات ثمناً لها.
قيسوا عليها مئات والوفا من الصحف الثمينة التي انطمس خبرها وباء أثرها ولم تبق مكنوزة إلاّ في هذه المجموعة فقط.
لست أغالي يا صاحب الفخامة ان صّرحت بأنه يستحيل على دول الأرض طراً ان تكون مجموعة تحاكي هذه المجموعة بعددها وأهميتها وترتيبها وكمالها. لأن اغلب تلك الصحف كما تعلمون دخل في خبر كان ونُسجت عليه عناكب النسيان. وقد سبق فريق من هواة الآثار فدهشوا بما شاهدوا بينها من صحف جمة نادرة الوجود منقطة النظير وجاهروا على رؤوس الأشهاد بأنه يتعذر الحصول على النموذج منها ولو بُذل في سبيل مشتراه غنى كسروان ومال قارون بعد هذا التصريح نرى البعض واقفين بالمرصاد يحاولون انتزاع هذه المجموعة الفريدة من يد الحكومة اللبنانية بعدما قرّر فخامتكم ان يمتلكها ويحرص عليها كل الحرص.
فأرجو كل الرجاء من فخامتكم بل استحلفكم بأعزّ ما لديكم ان تحولوا دون الاستهتار بمثل هذا الجواهر اليتيمة وتشدّدوا الأوامر بابقائها تحت راية الأرز المباركة والعزيزة على قلبكم وعلى كلّ لبناني مخلص. أطال الله تعالى بقاكم ذخراً وفخراً.
فيليب دي طرازي
بيروت 16 تموز 1946
+++++
وكانت هناك جهود مثمرة للفيكونت في عالم التأليف يأتي في مقدمتها : كتابة النفيس تحت عنوان " تاريخ الصحافة العربية" في اربعة اجزاء . وكان باكورة تآليفه "تاريخ الدولة المصرية في عهد السلالة المحمدية العلوية" مدّته مخطوطاً الى عباس الثاني خديوي مصر في عام 1899 م، "القلادة النفسية في فقيد العلم والكنيسة". وهو ترجمة العلاّمة اقليمس يوسف داود مطران دمشق. واردفها بمراثي المطران في 20 لغة شرقية وغربية.
"عصر العرب الذهبي" " عصر السريان الذهبي" " لمحة تاريخية في دار الكتب الوطنية" " بحث علمي في تاريخ القرآن". وهناك كتب مخطوطة تركها لم تطبع ولا نعلم مصيرها؟.
وقد توّج أعماله الباهرة بتأسيس دار الكتب لوطنية ووقف عليها تفكيره وعلمه ووقته وماله. وعّين اميناً عاماً لدار الكتب من عام 1921 الى العام 1940. وكان الرئيس كميل نمر شمعون موظفاً عند الفيكونت من سنة 1922 الى سنة 1924 وكانت مهمته درس الكتب الفرنسية وتنسيقها. كما زين دار الكتب بستين صورة زيتيه تمثل مشاهير علماء لبنان ونوابغه وأمرائه وحكامه. قد جهزّها من جيبه الخاص دون ان يكلف الخزينة غرشاً واحداً من أثمانها.
ولادته :
ولد الفيكونت فيليب في 28 أيار 1865 م. دخل المدرس البطريركية في بيروت في سنة 1873 م. مدة سنتين، ثم دخل كلية الآباء اليسوعيين في بيروت حيث امضى فيها ثماني سنوات الىسنة 1883 م. نال على اثرها الشهادة العلمية. اتقن اللغات العربية والفرنسية واللاتينية واليونانية. ثم انصرف الى الاعمال التجارية في مكتب والده الكونت نصرالله. وكان كلما نما في العمر نما معه حب الدرس والمطالعة والتنافس في جميع الكتب واقتنائها لا يقعده ذلك عن خدمة الانسانية والمصالح الوطنية وجالسة الأدباءوالشعراء ومراسلة العلماء والرؤساء.
تزوج اوجيني بسول في 19 شباط سنة 1900 م.
تكريمه:
اعتزل الفيكونت امانة دار الكتب الوطنية، وجميع المناصب التي تبوأها في حياته وآثر العزلة في بيته بعيداً عن اعين الناس.
ولكنه بعد اعتزاله دار الكتب الوطنية في بيروت، آثر ذوو الفضل والمروءة إلا ان يقيموا له احتفالا تكريميا في دار الكتب الوطنية بتاريخ الجمعة 23 شباط سنة 1940، يليق بمكانته ورفعته برئاسة الوزير حسين الاحدب الذي قال فيه :
" …. ان ما قام به الفيكونت من العمل الباهر في دار الكتب الوطنية آية من آيات جدّه وعباته…. ويا ليت الحكومة … وضعت تشريعا خاصا استثنت به الفيكونت من قانون بلوغ السن ريثما يتمكن من تحقيق امانيه… ولا سيما ما برح يتمتع بنضارة العقل وهمة الشباب والمنّة لله تعالى".
ثم تكلّم بونور مستشار وزارة المعارف اللبنانية والاساتذة: عمر فاخوري والياس ابو شبكة وحليم دموس ونور الدين بيهم وهكتورخلاط. وختم المحتفى به الحفل مقدما الشكر للعزة الآلهية التي شملته بعين عنايتها وقيضت له ان ينهض بتلك الخدمة الشريفة للامة اللبنانية التي أشادت بناء فخما لتأمين مستقبل دار الكتب وتعزيز مكانتها".
ثم شكر الخطباء على عواطفهم النبيلة والحضور على محبتهم مؤملاً ممن خلفوه ومن سائر الموظفين ان يثابروا على العمل بما عهده فيهم من الشهامة والاماني والتفاني والاخلاص".
جهوده المثمرة:
أثنى الناس عليه وعلى أعماله وانضمامه الى عدد من الجمعيات والاندية والمساعي الخيرية التي قام بها . وتعدُ في طليعة الجمعيات التي ساهم فيها "شركة منصور دي بول" التي ترأسها ثمانية سنوات (1898-1906) كما قام بتأسيس "جمعية المساعي الخيرية السريانية". وكان والده خير معوان لها في مشاريعها الخيرية والانسانية و "جمعية العائلة المقدسة". وقد تولى رئاسة كلتيهما زمناً طويلاً.
وتجلت اريحيته في اثناء الحرب الكونية الاولى (1914-1918). وقد ساعد البائسين والمنكوبين. فأطعم الجياع وكسى العراة وتفقد المرضى واعطى مساعدات مرضية لهم ولم يميز طوال حياته بين مذهب ومذهب ودين ودين. وقد نشر عنه العالم محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، في جريدته "المقتبس " في 11 كانون الثاني سنة 1918، مقالا مستفيضا عن محامده ومكارمه ومزاياه، تحت عنوان "المحسنون" قال فيه :
ولم نر رجلاً مثل الكونت فيليب دي طرازي في بيروت الذي لم يدع ستارا في بيته الا خاطه البسة للمحتاجين . وقد جعل ديونه صباح مساء ان يوزع الخبز والطحين والالبسة على الفقراء والمحتاجين من ابناء بلدته".
اما جهوده الفكرية المثمرة في اثناء وظيفته في دار الكتب . فقد نهض بها نهضة مباركة وضحى في سبيل انجاحها وثباته بالمال الوافر ومساعيه المستمرة للعمل.
ويمكننا تلخيص اعماله الباهرة بالآتي:
1. أتحف دار الكتب الوطنية بخمسة الآف مجلد ونيف بين مطبوع ومخطوط نقلها اليها تدريجاً من خزائن كتبه منذ العام 1922، وما بعد.
2. جّهز دار الكتب في عهدها الاول بخزائن ومكاتب ومقاعد وخرائط وطنافس وسجوف وسجلات.
3. دفع من جيبه الخاص رواتب خمسة موظفين ورواتب حاجبيها مدة سنتين، قبل ان تتسلمها الحكومة اللبنانية. ويتضح هذا من وثائق رسمية محفوظة في دار الكتب وفي خزائن الفيكونت.
4. لم يكتفِ بتعاطي الأعمال في دار الكتب، بل دفعته الحمّية والغيرة الى تعاطي قسم من تلك الأشغال في منزله أيام الراحة والفراغ.
5. ذهب الى اوروبا ومصر ومعظم البلدان الشرقية وحصل على مؤلفات ومجموعات كبيرة من الكتب جهّز بها دار الكتب . وكان يدفع نفقات رحلاته دون ان يكلّف الخزينة فلساً واحداً.
6. بلغ مجموع ما قدّمه الى دار الكتب نحو اثنين وثلاثين مجلداً جمعها كتاباً فكتاباً وكراساً فكراساً. فالتسعة والعشرون الف مجلد أهداها او حصّلها من اهله واصدقائه ومن المعاهد العلمية وارباب السماحة والفضل.
أما الآلاف الثلاثة الباقية فقد دفعت تكاليفها الحكومة اللبنانية.
7. زيّن دار الكتب بستين صورة زيتية تمثل المشاهير من الرجال والقادة قدمها منن ماله الخاص.
8. أنشأ في المكتبة معرضا خاصا أودعه تحفاً اثرية وكتابية وفنية بينها ما نسج بالفضة والذهب او رصّع باللآلىء والجواهر الثمينة.
9. وضع دليلاً خاصا بالمكتبة بمثابة تنسيق للكتب العربية مبنيا على العلم والمعرفة والفن والمنطق دعاه : " ارشاد الاعارب الى تنسيق الكتب في المكاتب". وضع بتصرف القراء واهل العلم والمعرفة واصحاب الاختصاص.
10.وضع الفيكونت كتابا نفيسا عنوانه " خزائن الكتب العربية في الخانتين". ضمنّه اخبار المكتبات العربية قديمها وحديثها في زهاء الف ومائتي صفحة كبيرة. واستند في رواياته الى مصنفات الاقدمين والمتأخرين . وكانت المراجع والمصادر التي اعتمد عليها تربو على ستمائة مرجع. وتتضح خطورة هذا الكتاب من مطالعة عناوين ابوابه وفصوله وسائر مواده في فهرس عام شامل.
وفاته
توفي الفيكونت فيليب في مصيفه في "عاليه" بجبل لبنان. في منتصف ليل الثلاثاء في 7 آب سنة 1956 . وكان لوفاته رنة حزن وأسى في جميع الاوساط التي قدّرت انجازاته وكان لها أبعد الأثر. ومن مآثره الوطنية ان هناك أيضاً مجموعة خطوط في ثلاثة مجلدات انطوت على كتابات لمشاهير الرجال والنساء في الشرق من سلاطين وامراء ووزاء وعلماء وشعراء. وكل من تلك الخطوط مكتوب بيد صاحبه ومذّيل بتوقيعه. وهناك مجموعة تحت عنوان : " العقد الفريد". اشتملت على ثلاثة عشر مجلداً تضمنت نخبة من رسائل كتبها كبار القادة والرؤساء الى عائلة آل طرازي في القرنين التاسع عشر ومطالع القرن العشرين. كما انه حصل على القاب علمية كثيرة نالها من أصحاب الشأن منها : لقب "فيكنت" من بابا روما لاون الثالث، وحصل على عدة اوسمة من عدة بلدان منها : وسام نجمة الصباح من سلطان لحج، والوسام العثماني الثاني من السلطنة العثمانية، والوسام المجيدي الثاني من السلطنة العثمانية، ووسام نيشان الافتخار من رتبة كومندور من باي تونس، ووسام الاستحقاق اللبناني ، ووسام الارز من الجمهورية اللبنانية، ووسام المجمع العلمي الفرنسي.
وليس لنا في هذا المجال إلا ان نشير الى بيتي الشعر اللذين كتبهما تحت صورته:
يا معشر الصحب ِ ذا رسم به اقترنت رسومكم وبها قد صــــــــــار مزدانا
فتلك آثارنا أضحـــــــت تضـــمُ معــاً رغما عن الدهر في ذا السفر إخوانا
++++++
هذا هو الفيكونت فيليب دي طرزي الذي حصّل من العلوم والمعارف اللغوية والثقافة العالية اوفي نصيب. وكان كلما كبر في السن كلما ازدادت محاسنه وصفاته واخلاقه ومزاياه.
كانت له صفاته الحميدة وأخلاقة العالية التي قلما أعتد بها او تأفف في ملبسه وفي مأكله ومشربه.
لا يخضع الا للحق ويعامل الناس معاملة واحدة سواء اختلفوا في الرأي والدين أو أتفقوا لأنه يعدهم واحداً في الانسانية وفي المجتمع.
استفاد من سفراته الى الخارج. واحضر معه مئات الكتّاب والمصنفات في سبيل إغناء مكتبته بجميع الكتب الادبية والثقافية والفنية والعلمية والطبية.
ونقول في ختام هذا الموضوع:
أين أصبحت مجموعة الفيكونت فيليب دي طرازي؟ هل لا تزال باقية ليزين وجودها (المكتبة الوطنية الجديدة) التي تزمع الحكومة القيام بها او انشائها ام اختفت وسرقت، بعضها او قسم منها، ولا يعلم الا الله سبحانه تعالى مكان وجودها . أم ماذا؟
نجيب البعيني
المصادرة والمراجع
موسوعة أدباء لبنان وشعرائه، دارنوبليس، بيروت ، 2006
تاريخ الصحافة اللبنانية، تأليف فيليب دي طرازي، بيروت 1913.
تنوير الاذهان في تاريخ لبنان، ابراهيم الاسود، سنة 1927.