مع مرور قرن على إعلان وعد بلفور المشؤوم الذي قدم المدخل الصهيوني لاغتصاب أرض فلسطين واقتلاع شعبها وطرده من وطنه، وفي سياق الجرائم التاريخية التي ارتكبتها حكومات ودول الاستعمار البريطاني والفرنسي، لا بد من قراءة لتسلسل الأحداث والوقائع التي سبقت إعلان وعد بلفور، والتي ساهمت بتأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين.
في العام 1807 دعا نابوليون بونابرت إلى عقد مجمع يهودي بحضور كل الطوائف اليهودية في أوروبا لجمع شمل الأمة اليهودية، وبعد دخوله القدس وجه نابوليون رسالة إلى القادة اليهود قائلاً: «يا ورثة فلسطين الشرعيين».
في العام 1838 أيّد رئيس وزراء بريطانيا اللورد بالمرستون موقف الزعيم اليهودي الثري روتشيلد في إرسال مجموعات من يهود أوروبا إلى فلسطين لإنشاء شبكة مستعمرات لكي تشكل حاجزاً يفصل مصر عن سوريا.
في نهاية القرن التاسع عشر في العام 1897 كانت ولادة الحركة الصهيونية في «بازل» سويسرا، حيث أعلن مؤسسها «هرتزل» أن النجاح في تحقيق إقامة «الدولة اليهودية» مرتبط بتبني الدول العظمى هذا المشروع لكونه يتوافق مع مصالحها في الشرق الأوسط.
في تشرين الأول 1917 أصدر الرئيس الأميركي ولسون بياناً إلى الشعب الأميركي أعلن فيه موافقته على إرساء «كمونولث يهودي في فلسطين».
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتفكك الامبراطورية العثمانية واكتشاف اتفاقية سايكس- بيكو في 25 أيار من عام 1916 التي تقسم المنطقة العربية إلى كيانات سياسية، أعلن وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور في 2 تشرين الثاني عام 1917 وعداً: «أن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين». عرف فيما بعد بوعد بلفور.
هذا الوعد الذي منح الأرض لمن لا يملكها لمن لا يستحقها. هذا الوعد الذي أدى إلى أكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ البشري.
بإعلان بلفور دق الاستعمار البريطاني الإسفين الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، وبعد 30 عاماً على الوعد وفت بريطانيا بوعدها وساهمت باغتصاب فلسطين بإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في العام 1948.
لقد شكل وعد بلفور حجر الأساس في الصراع العربي الصهيوني الذي لم تتوقف الدول الاستعمارية عن رعاية المشروع الصهيوني.
الهدف الوحيد لتنفيذ وعد بلفور هو اغتصاب فلسطين وطرد شعبها وإحلال اليهود مكانهم.
لقد وفت بريطانيا بوعدها ونفذت وعد بلفور بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين ولكنها خانت حليفها الشريف حسين ولم تنفذ وعدها له الذي أطلقه البريطاني هنري مكماهون في العام 1916 للشريف عبر مراسلات حسين- مكماهون والتعهد بقيام مملكة عربية تضم المناطق العربية الخاضعة للحكم العثماني في شرق البحر المتوسط مقابل التحالف مع بريطانيا ضد تركيا في الحرب العالمية الأولى.
في الذكرة المئوية لوعد بلفور تستمر الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وهدم منازلهم واغتيال شبابهم وتنفيذ مخطط تهويد القدس وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وسط صمت عربي أسود وتهافت عربي رسمي نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، الأمر الذي أدى برئيس وزراء الكيان المغتصب للإعلان بأن العديد من الدول العربية لم تعد ترى في إسرائيل عدواً لها.
بعد قرن على وعد بلفور لم تعد فلسطين البوصلة عند أنظمة العار العربي، ولا اغتصابها وتشريد شعبها كارثة إنسانية ولا القدس عنواناً عربياً إسلامياً.
على امتداد قرن من وعد بلفور لا يزال الشعب الفلسطيني والعربي يقدم التضحيات والبطولات من أجل تحرير فلسطين.
إن المقاومة وثقافتها هي الرد على وعد بلفور واغتصاب فلسطين والمخططات الصهيوأميركية، وما انتفاضة السكاكين الثالثة وبطولات شباب فلسطين إلا تأكيد على أن الشعب الفلسطيني عصي على الإخضاع والتطويع والاستسلام.