"التكريم الأحب على قلبي هو شفاء مريض وهو تكريم من الله"
انها العبارة – المفتاح عند البروفسور فيليب سالم. "شفاء مريض" هو التكريم الأبرز والأحب الى قلب طبيب السرطان فيليب سالم.
عدا كونه طبيبًا عالمي الشهرة و"كنيسته عيادته" كما يقول، فانه "باحث ومعلّم وصاحب رؤية سياسية واجتماعية عصرية" كما تصفه الإعلامية سيلفيان زحيل في "الأوريان-لوجور".
وإذا كان سالم يؤكد دومًا "أن لبنان يعيش فيّ… ولو لم أكن لبنانيًا لما عرفت من أنا"، إلاّ أنه أيضًا "ثائر" يدعو الى الإصلاح الحقيقي والى فصل الدين عن الدولة.
في لقاء مع طلاب جامعيين في لبنان دعا سالم الطلاب، كعادته، لأن "يثوروا ويتمردوا". لكنّه حذّرهم: "إياكم واستخدام العنف، لأن الثورة تتوقف عند هذا الحدّ. عندها يعني أننا نستخدم القوة ونضغط بواسطة السلاح، وليس بواسطة العقل".
وقدّم سالم نصيحة للطلاب: "تمرّدوا بالمحبة وليس بالحقد، هذا هو التمرّد الحضاري، تمرّدوا بالتواصل مع الجميع، هذا هو التمرّد الحقيقي".
هذه بعض من أفكار فيليب سالم الإصلاحية. رجل صاحب رؤية أخلاقية وسياسية وفلسفية، إضافة الى رؤيته كطبيب عملاق يؤمن بالبحث العلمي طريقًا لاكتشاف المرض، تمهيدًا لمعالجة دقيقة وفاعلة توصل الى شفاء المريض.
صدر حديثًا كتاب عنوانه "فيليب سالم بأقلامهم" أعدّه الزميل أسعد الخوري، وهو يضمّ مقالات وكلمات نشرت في صحف ومجلات لبنانية حول مؤلفات عن البروفسور فيليب سالم ونشأته وحياته وإنجازاته المختلفة في عالم الطبّ والفكر والسياسة والفلسفة الإنسانية.
أي لبنان نريد؟
في رأي سالم، ان انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ربما يقودنا الى هدنة قصيرة، لكنه لن يخرجنا من النفق المظلم الذي نحن فيه. نخرج من هذا النفق عندما نتفق على أي لبنان نريد. الاتفاق الذي نتكلم عنه ليس اتفاقًا بين "الزعماء" و"الأمراء" الذين همّهم ان يتقاسموا المغانم والمنافع على حساب الوطن، بل هو اتفاق في العمق على هوية لبنان. ولا نذيع سرًا إذا قلنا ان الحرب كانت ولا تزال بسبب فشل القيادات السياسية والمدنية على بلورة رؤية جديدة للبنان، بل كانت ولا تزال بسبب عدم وجود قيادات سياسية ومدنية بالمعنى الحقيقي.
ويجزم سالم بالقول: "مخطىء من يظنّ ان الحرب في لبنان كانت قد وقعت لو لم يكن النظام السياسي مبنيًّا على مبدأ الدويلات الطائفية التي كانت ولا تزال من أهمّ الأسباب التي أعاقت قيام الدولة القوية الحديثة في لبنان. ان أمراء الطوائف وأمراء الحرب هم الذين أوصلوا لبنان الى الحضيض الذي هو فيه. ونودّ أن نسأل أوَليسَ من المعيب اليوم أن نرى هؤلاء الأمراء أنفسهم يدّعون العمل على قيامته. وهل نحن في حال هذيان، لنصدّق أن معظم هؤلاء الذين عرقلوا قيام الدولة في لبنان منذ الاستقلال يريدون قيام الدولة اليوم؟".
فصل الدين عن الدولة
ويدعو سالم الى فصل الدين عن الدولة، لأنه لا يمكن تحقيق الانصهار المسيحي الإسلامي من دون ذلك. وان الفصل بين الدين والدولة ليس ضروريًا فقط لقيام الدولة ولتحقيق الانصهار المسيحي الإسلامي فحسب، ولكنه ضروري أيضًا لصنع مواطن جديد يكون ولاؤه للوطن لا للطائفة.وهو ضروري لدعم دور الدين في صنع انسان أكثر روحانية ونبلاً وأخلاقًا.
يضيف: يجب أن يكون معلومًا لدى جميع اللبنانيين ان العالم كلّه ينظر إليهم باعجاب لنجاحهم في تجربة انصهار المسيحية والإسلام، وأنه إذا انقسم لبنان يومًا دولتين، دولة مسيحية ودولة إسلامية، تنتهي اسطورة لبنان، وتنتهي الرسالة.
صراع الثقافات
صراع الثقافات في عالم اليوم واضح وجليّ وسط مفاهيم العنف السياسي والمادي التي تحاول تدمير الهويات والحضارات والثقافات والمفاهيم الإنسانية والأخلاقية…
هذا الصراع الحادّ يقود سالم الى "الإيمان بثقافة المعرفة ورفض ثقافة التطرف الديني وثقافة العنف". وهو يرى ان "هناك ثقافتين تتصارعان اليوم في العالم. الأولى تؤمن بقدرة العقل البشري، وتحترم المعرفة والحضارة اللتين يصنعهما هذا العقل، والثانية تؤمن بأن المعرفة ليست نتاجًا إنسانيًا مهمًا، بل أن المعرفة، كل المعرفة، موجودة ومعلبة وحاضرة حسب تفسيرات رجال الدين للكتب الدينية، وحسب فتاويهم".
ظاهرة العنف
وحول ظاهرة العنف التي تجتاح دول المنطقة، يرى سالم أن هذه الظاهرة التي تنتجها ثقافة الدوغما والتطرف الديني ليست ظاهرة جديدة وهي ليست حكرًا على بعض المسلمين، إذ إن أوروبا في القرون الوسطى عانت الكثير من هذا العنف ومن تطرّف وتسلّط الكنيسة المسيحية. إلا أن أوروبا تخطت هذه المعضلة بالثورة الإصلاحية الدينية وما يسمى الـReformation، وتاليًا جاءت النهضة العلمية والفنية التي تلت هذه الثورة. وهذا بالضبط ما هو مطلوب الآن في الشرق. ولبنان اليوم هو في الواجهة في هذا النزاع بين الثقافتين. ثقافة العقل والمعرفة، وثقافة التمرد على العقل والمعرفة.
يضيف سالم: إن لبنان الذي نريد هو لبنان المؤمن بثقافة العقل والإبداع، والرافض لجميع الايديولوجيات الدينية المتطرفة. وهنا أودّ أن أشدّد على أنه ليس هناك من تضارب على الاطلاق بين ثقافة العقل والمعرفة من جهة وثقافة الدين الحقيقي من جهة أخرى. فالانسان كلما تعمّق في المعرفة اقترب من جوهر الدين واقترب من الله. ويجب أن يكون معلومًا أن الدين هو براء من هذه الايديولوجيات المتصلبة، بل هو المتضرر الأكبر من هذا الارهاب الفكري والجسدي الذي يمارسه بعضهم باسمه. وان الضرر الأكبر الذي نتج من جراء هذا الارهاب، ليس الضرر الذي أصاب الغرب والمسيحيين بل هو الضرر الذي أصاب المسلمين وأصاب الإسلام كدين عظيم…
ويشدّد سالم على "تقديس" حرية الفكر وحرية المعتقد. ويقول: نحن نرفض أن يقوم نظام ديني أو سياسي يمنع حرية اللبناني في اختيار معتقده الديني ويحدّ من ممارساته الروحية ليبقى الإنسان فيه حرًا في التحاور والكلام في الفكر والدين. إلا أن مسؤولية الحرية تحتّم علينا التواضع أمام المعرفة واحترام الدين، كما تحتم علينا إحترام هؤلاء الذين يختلفون معنا في المعرفة وفي الدين.