باغتني خبر ترجل الفارس المنصور عن صهوة جواده.
إنتابني حزنٌ شديدٌ، وشعرت كأن شعلة انطفات في أعماقي. أحست بي ابنتي الصغيرى التي طالما كانت تتردد معي لزيار الأمين بين الفينة والأخرى، وهي في الرابعة عشر من عمرها. لقد أحبته بعفويتها وأطلقت عليه "صاحب القصر". سألتني في ذاك النهار، يوم رحيله عن هذه الدنيا، مالي أراك كئيباً إلى هذا الحد يا أبي؟ في بداية الأمر لم أشا الإجابة. لكنها أصرت بأن أجيبها عن سؤالها.
فقلت لها: مات الأمين منصور يا ابنتي. فأردفت متلهفة: هل مات "صاحب القصر" يا بابا؟
قلت: لا يا صغيرتي، مات القصر. أما "صاحب القصر" فلم يمت، إنه لم يزل حياً يُرزق.
قالت: وكيف؟
قلت: القصر زائل يا حبيبتي،أما "صاحب القصر" فباقٍ، وبقوة وإيمان. باقٍ متجذر في قلوبنا، راسخٌ في وجداننا وفكرنا وكلماتنا، متجسدٌ في قلوب كل معارفه ومحبيه على امتداد هذه الأرض.
كان الأمين منصور بمثابة الروح من الجسد، فالجسد فانٍ، أما الروح فباقية. إنها الطاقة الكونية التي تغمرنا بشعاعها السماوي ونورها الأبدي. إنها روحك أيها الأمين الحبيب التي من العلياء تشفع بنا، تنير عقولنا وتهدينا إلى حيث الحق والخير والجمال، تذكرنا بوقفات العز التي هي الحياة.
خسرناك جسداً أيها المنصور، لكنك على مثال العازار، تبقى رمزاً لقيامة الفكر ونهضة الروح. فأنت خالد دائماً، خالد بما خلّفته من إرث ثقافي وافر وغزير. ولم تزل منتصباً بهامتك الأدبية والفلسفية متألقاً، شامخاً بقامتك كأرز لبنان، وكرائحة الطيب تعبق في أرض الشام.
رحمك الله يا صديق الصدق والوفاء، ولتحملك رياح السماوات بأنفاحها الشجيّة إلى حيث منابع الخلاص الإلهي، إلى رحاب الحياة الأبدية.
وأعدك أنني لم أنساك إلى أن نلتقي