تحتشد في فضاءات واقعنا الحي مشكلات وأزمات وتحديات ومخاطر تضغط في كل اتجاه، من السياسة الى الأمن، الى الاقتصاد، الى الوضع الاجتماعي الضاغط على الناس، الى مآسٍ انسانية ولدتها ظروف بلادنا، والصراعات اللامتناهية في كل ساح، وعلى كل الجبهات، وفي كل الميادين.
صورة تختزن في طياتها كل الصور، لوحة مشهدية يتشكل منها واقع الانسان والمجتمع في تفاصيل يومية – حياتية تجسد ارادة الصراع والكفاح والجهاد الحقيقي من أجل عز الحياة وشرفها واستمرارها.
بالطبع، مخزونٌ ضخم يشكل – في الحقيقة – معيناً لا ينضب، نغرف من جوفه صموداً انسانياً رائعاً قارب الأسطورة، وقدرة هائلة على تخطي الصعاب، واستيعاب الضربات والصدمات والكدمات، وتجاوز التحديات والعواصف التي تضرب من كل صوب
لولا هذا العمق التاريخي – الإنساني – الحضاري الثلاثي الأبعاد لشهدنا انسحاقاً كاملاً لكامل بنيتنا بتفاصيلها وامتداداتها ومضامينها المختلفة
ولكن، هل يكفي كل هذا؟ وما هي احتمالات المستقبل؟ صموداً؟ نهوضاً؟ انتصاراً؟
لقد حمانا العمق التاريخي – الجغرافي وعزّز بالفعل من قدرتنا على الاستمرار، ولكن، هل هذا يعفينا من إعادة قراءة لكل الواقع (واقعنا) بالدرجة الأولى؟ ما هي القواعد والأسس لتعزيز قدرتنا على المواجهة؟ ما هو دورنا؟ كيف نوظف طاقاتنا وقدراتنا في معركة الحفاظ على الوجود؟
أسئلة وأسئلة تراودنا، تلاحقنا، تتراقص في مخيلتنا، تحاكي عقولنا… لا بد من اجابات…
الأمل، حب الحياة، الثقة بالنفس، وبالقدرة على الانعتاق كلها عوامل مساعدة إيجابية تشكل منصات انطلاق باتجاه المستقبل…
ولكن، معرفة الذات نقطة الانطلاق الحقيقي… سؤال الهوية أساسي… لا يمكن تجاوز مسألة الكينونة وعلاقتها بالمحيط.
العمق التاريخي – الجغرافي هو الأساس لارتكاز الهوية، لتجذرها، لتعمقها، لترسيخها في عقول وقلوب وأذهان ووعي الأجيال الآتية…
معركتنا الحقيقية هي معركة الهوية… لأن الطوفان الآتي.. عنوانه واحد "سحق الهويات" وطمرها وتغييب حتى ملامحها في غياهب العدم…
ما العمل؟ يقفز هذا السؤال الى موقع متقدم…
وهل يمكن حفظ الهوية الا بصقل الوعي؟ وهل يمكن صقل الوعي الا بالمعرفة؟ وهل يمكن فصل المعرفة عن الثقافة والجهاد الثقافي شكلاً ومضموناً في مواجهة العاتيات؟
وهل يمكن للصراع أن ينفصل عن بنية المعرفة ليفعل فعله؟
بالطبع، لا… المعرفة والصراع وإرادة الانتصار أقانيم تتكامل في مسيرة الدفاع عن الوجود …
لذا، جئناكم بالوعي، جئناكم بالثقافة، جئناكم بالتربية، جئناكم بالتبشير النهضوي المرتكز الى أخلاق النهضة، جئناكم بالعمل النضالي المنبثق من ارادة الالتصاق بقضايا الأمة الكلية…
ولن تنهزم أمةٌ تسلحت بالوعي والإرادة والتصميم والفعل الحقيقي في دروب الحياة…