خمسون عاماً مرّت على نكسة 5 حزيران 1967 ولا يزال الدرب موغلاً في انهياره.
هل كانت نكسة أم تمريناً مستمرّاً على الهزيمة؟ يومها كتب الشّاعر المصريّ عبد المعطي حجازي قصيدة يخاطب فيها الرّئيس جمال عبد الناصر بعنوان "مرثيّة للعمر الجميل" قال فيها:
"من ترى يحمل الآن عبء الهزيمة فينا/
المغنّي الذي طاف يبحث للحلم عن جسد يرتديه/
أو هو الملك المدّعي أن حلم المغنّي تجسّد فيه".
انفجرت الأسئلة في كلّ اتجاه، وتعثّر الوصول إلى يقين. سأل الشّاعر أدونيس في كتابه "بيان 5 حزيران 1967": "من أنا؟ وهل أعرف نفسي؟
ليس العدوّ المباشر هو من يغلبني، يغلبني العدوّ الآخر اللامباشر المستتر فينا".
هكذا انكسر الحلم ولم نتوقف عن الخسران. ضعنا ولم نعرف ما لنا وما علينا. ولم نكن نعلم أصلاً شيئاً عن ظروفنا وواقعنا وإمكاناتنا وعلاقتنا بالعالم. لم نسأل ولم نحاسب وقبلنا كلّ التّسويات المعروضة في سوق صاخبة. وكرّت سبحة التّنازلات. التَهم العسكر الدّيمقراطيّة. وهيمنت الثّقافة الدّينيّة على الحياة والمجتمع. التَهم أهل الفساد الثّروات الوطنيّة وحوّلوها إلى ثروات شخصيّة. أبعدوا الأدب عن دوره الاجتماعيّ. فصلوا الثّقافة عن الهويّة الوطنيّة والحضاريّة وأبعدوا المثقّف عن دوره النّقديّ. ضحّوا بالأرض لإنقاذ النّظام. ثم ضحّوا بالنظام إنقاذاً للقائد. فقدنا السّيادة على أرضنا ليس بسبب غلبة العدوّ بل بسبب "فقدان وجداننا القوميّ" بحسب سعاده. وحتى لم يعد يصحّ شيئاً ولم يبق شيئاً. الأرض خراب. والرجال جوف. هزيمة ذهنيّة وممارسات ومواقف ولغة. عاشت القبائل والعشائر والطّوائف وأنصاف الآلهة. ومشينا ولم نصل إلى الوطن ولا المواطن ولا المؤسّسات. وتحوّلت الأوطان إلى مقابر، والإنسان في بلادنا إلى شيء من سقط المتاع
ذات مرّة صرخ يوليوس قيصر في معركة خاسرة "مملكتي لأجل حصان".
هل كانت أحلاماً؟ هل كانت أوهاماً؟
أيّ شيء يجمع كلّ هذه الفوضى؟ إنّها السّخرية الّتي هي النّسغ الحيّ، بحسب امبرتو ايكو، الّذي يجمع كلّ هذه الفوضى.