شهدت شبه الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي، وتحديداً سنة 570م، ولادة طفل في قبيلة قريش إسمه محمد بن عبدالله. ولكن لم يكن أحدٌ يتوقع يومذاك، ماذا يخبّئ المستقبل لهذا الإنسان، الذي ولد في مجتمع جاهليّ قبلي يعبد الصنم والوثن والآلهة المتعدّدة. إلا أن القرن السابع الميلادي شهد ولادة جديدة لنبيّ جديد اسمه هو ذاته محمد بن عبدالله. فكانت ولادة النبيّ (صلعم) هذه بشارة لولادة أمّة. بأمر الله سبحانه وتعالى وفدت الروح التي سوف تلهم النفوس تقواها وتوحيدها وقوة إيمانها، لتكمل البداية على ألسن الرسل النبيّين عليهم الصلاة والسلام أجمعين، بالرسالة الجليلة التي غيّرت العالم القديم، وفتحت أبواباً إلى الحضارة والعقل والنور. روحٌ قوّضت بالتوحيد والإيمان عروش الإلحاد وأصنام الجاهلية([1]).
إنها ولادة الأمل والبشارة والنور، ورسالة الرسول النذير، خاتم الأنبياء، وقارئ وحي الله والناطق بالحق، كما قال الله تعالى في كتابه المجيد «يا أيها النبيّ إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً»([2]).
وهكذا كانت ولادة النبيّ الكريم (صلعم) وولادة الدعوة الإسلامية كدين جديد، في جزيرة العرب – دليلاً على الارتباط الوثيق بين الزمان والمكان، وصلة الوصل بينهما وهو الإنسان. وكان الإسلام بحق، كدين جديد، توحيداً في الدين، ونظاماً في الدولة.
وعلى هذا الأساس، لم يكن من السهل على الدين الإلهي الجديد أن يلغي أدياناً بشرية بتماثيلها وأصنامها وأوثانها. كما لم يكن سهلاً أيضاً على النبيّ الجديد والرسول الجديد، أن بلغى عقولاً كانت تؤمن بالصنم والوثن كإله يقرّبها مما تعبد… «وإزاء هذا الواقع، كان لا بدّ من صراع مرير وصدام أمرّ بين دين الله وأديان الناس وأصنامها، وبالتالي بين عقليتين دينيتين متضادتين، ومؤمنين كلٌ بإيمانه الذي يصعب على أيّ منه زعزعة أسسه وبنيانه ووجوده. وكان هذا بمثابة انقلاب جذري لم تعرفه جزيرة العرب ولا محيطها من قبل، مثلما عرفته جرّاء هذا الحدث التاريخي الذي دخل التاريخ وخرج من الجغرافيا، قوّة هائلة يصعب على أيّة جغرافيا أن تحدّ من قوّتها، ولا على أيّ تاريخ أن يتجاهلها»([3]).
لذلك، لم يتعرّض دين في التاريخ إلى حملات مشوّهة لجوهره ومبادئه، مثلما تعرّض لها الدين الإسلامي. كما لم تتعرّض شخصيّة في التاريخ أيضاً لهجومات حاقدة، منظّمة ومبرمجة بدقّة، مثلما تعرّضت لها شخصيّة النبيّ الكريم محمّد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلّم)… وكذلك الحال مع القرآن الكريم، حيث لم يعرف كتابٌ في التاريخ هجوماً شرساً عليه، مثلما عرفه القرآن الكريم، على مختلف الصعد والمستويات، كما من جهات وفئات وقوى مسيحيّة ويهوديّة واستشراقيّة، كانت تتبارى – بإرادتها أم دون إرادة أو تنسيق بينها- في الحطّ من شأنه، وتشويه ما جاء فيه من أفكار ومبادئ وقيم، وفق سياسة وأهداف، بعيدة كل البعد عن المصداقيّة والمنطق وتحكيم العقل… ([4]).
ولعلّ الدكتور مصطفى الرافعي كان صادقاً في قوله أنه «لم يواجه دينٌ من الأديان، ولا عقيدة من العقائد، ولا نظام من النظم، مثلما واجه الإسلام من مشكلات مستترة حيناً وظاهرة أحياناً»([5]).
لقد شكّل الإسلام منذ وجوده، في الواقع، «سلطاناً» يختلف عن كل السلاطين التي عرفها البشر. كما مثّل القرآن الكريم «سلاح» ذلك السلطان، الذي هُزمت بفضله جميع الأسلحة الأخرى. إذ أن الدعوة الإسلامية «من تنزيل رب العالمين.. والقرآن الكريم دستور الدعوة وكتابها، وسجلّها الأمين، ومرجعها الثابت الصادق، وكله بيان لحقيقة الدعوة ووسائلها…».([6]) من هنا نرى بأن «نفاسة الإسلام في ذاته، لا في دعاته»([7])، حيث أنه «وضع للناس الأسس الفكرية لكل ما يمكن أن يقوموا به في بناء الحضارة، وصنع التقدم»([8]).
ونظراً لأن المستشرقين المغرضين وأسيادهم الاستعماريين والصهاينة، لا يريدون قيام حضارة عربية أو إسلامية تُبنى على أساس القرآن، ولا أن يصنع تقدم عربي أو إسلامي على هذا الأساس، فقد كانت محاولاتهم المستميتة لتشويه القرآن واستئصال فعالیته، النفسية والاجتماعية والحضارية، من نفوس أبنائه وقلوبهم وعقولهم، كمقدمة ضرورية لتحطيم «سلاح السلطان»، وصولاً لتحطيم «السلطان» نفسه بعد تجريده من سلاحه.
إذ أن ظهور الإسلام في الحقيقة «هو أعظم حادث تاريخي في العالم كله»([9]). لقد كان حاجة وضرورة في الوقت ذاته؛ وكما عبّر عنه الدكتور حسين مروّة صاحب «النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية» بقوله: لقد «جاء العالم في وقته المحتوم… ذلك هو – بدقة – ما يتميز به الحادث الكوني التاريخي العظيم»([10]).
هذا وقد مثّل القرآن الكريم – بلا شك – نقطة البيكار المركزية في هذا الإطار، باعتباره الوحي المنزل من عند الله على رسوله محمد بن عبد الله، خاتم النبيّين، المنقول عنه نقلاً متواتراً نظماً ومعنى، وهو آخر الكتب السماوية نزولاً. كما هو بحق معجزة محمد (ص). ولقد بدأ نزول القرآن بمكة، عندما كان الرسول الكريم يتعبّد وحده في غار حراء.. وتوالى نزول القرآن على حسب الحوادث، حتى تَمَّ نزوله في ثلاث وعشرين سنة تقريباً.
ويشتمل القرآن على سور؛ والسورة هي قطعة من القرآن مستقلة، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر. وسور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، لكل منها إسم خاص. وقد وقع لبعضها إسمان فأكثر، من ذلك فاتحة الكتاب وتسمى أم القرآن والسبع المثاني. ([11])
وسور القرآن قسمان: فما نزل قبل الهجرة يقال له: المكي، وما نزل بعد الهجرة يقال له: المدني.
لم يجمع القرآن في مصحف واحد إبان عهد النبي (ص)؛ بل تمّ ذلك في عهد الخليفة عثمان بن عفان على يد زيد بن ثابت والنفر القرشيين (الثلاثة الذين اشتهروا بالحفظ والضبط وجمع القرآن) ([12]).
وانطلاقاً من أن القرآن الكريم – باعتراف المسلمين جميعاً – هو المصدر الأول للإسلام: عقيدة وشريعة، وهذا يعني أن حكم القرآن في أية قضية من القضايا يكون ملزماً للمسلمين جميعاً، فإنه يمثل الوثيقة التاريخية الأصيلة في مثل هذا الموضوع. الوثيقة التي تكشف عن الجذور التاريخية لهذه القضية، والتي تملي على العقل البشري الحكم المنطقي الملزم إلزاماً عقلياً في مثل هذه القضية؛ كما أنّه النص المتواتر الذي وصلنا سليماً من غير تحريف أو تبدیل. ([13])
ومجمل القول، أن القرآن الكريم أظهر ببلاغته وفصاحته وأسلوبه ومعجزاته، قزميّة كل الفصاحات والبلاغات التي عرفتها العصور؛ ورغم مرور الزمن حتى اليوم، بقي مارداً جباراً أمام مسلسل من الأقزام لا ينتهي؛ خصوصاً أن القرآن أفحم أهله العرب وتحدّاهم أن يأتوا بمثله، بل ببعض السور المشابهة لسوره وآياته، فعجزوا رغم شهرتهم الفائقة بالبلاغة والفصاحة في هذا الإطار… وإذا كان القرآن قد أفحم أهله، فكيف بغير أهله من الغربيين؟ لذلك كان استشراسهم في الردّ على هذا الإفحام بمختلف السبل والوسائل.
والجدير بالذكر، أنه عندما قرّر المستشرقون أن «يستشرقوا»، أو بالأحرى، عندما انخرطوا في «مهنة» الاستشراق، بدت معالم الطريق أمامهم واضحة، حيث كانت الإشارات المحدّدة بدقة، قد رُسمت مسبقاً من قبل الدوائر الاختصاصية والخبراء، ليس في مجال الطوبوغرافيا فقط، وإنما في مختلف مجالات الحياة الأخرى. بمعنى أن أرباب النزعة الاستعلائية في الغرب، وبعد الهزائم التي مُنّوا بها على أيدي الشرقيين – ومنهم العرب والمسلمين خصوصاً – (حيث تأتي حركة الاستشراق کامتداد للصراع الإسلامي – الصليبي)، لمسوا مدى حاجتهم إلى استخلاص العبر والدروس من تجربتهم وتجربة غيرهم، فلجؤوا إلى عملية تقويمية في هذا الإطار، بغية النفاذ إلى ما يضمن لهم عملية تأبيد (من مؤبد) سيطرتهم، واستمرارية تكبيل هذا الشرق وتقييده بسلسلة محكمة الحلقات الخانقة يصعب الخلاص منها.
وهكذا، أمام قوة الإسلام واندفاعه، إحتل دیر کلوني (CLUNY) في فرنسا المرتبة الأولى في هذا الإطار، وبنوع أخصّ في التطلّع إلى معرفة كتاب القرآن الكريم الذي يعتبر «سرّ قوة المسلمين وجامع شملهم». وهذا الدير هو نفسه الذي عرف في القرن العاشر الميلادي حركة الإصلاح الدينية، التي عرفت باسم «الحركة الكلونية»، والتي تطوّرت فيما بعد واتسعت حتى أصبح هدفها يتمحور حول الحرص على التخلّص من سيطرة السلطات الزمنية، وجعل البابا زعيماً للعالم المسيحي؛ ثم تعدّت ذلك إلى فرض السيطرة الروحية والزمنية للبابوية على العالم. وكانت الحروب التي عرفت بالصليبية فيما بعد- في أواخر القرن الحادي عشر- إحدى الإفرازات الأولى والأكثر أهمية لهذه المطامح»([14]).
وعندما واجه الغرب المسلمين العرب لأوَّل مرّة في التاريخ على أرض فلسطين بعد ظهور الإسلام، تطلّع علماء المسيحية إلى معرفة الكتاب (القرآن الكريم) واستعانوا باليهود والنصارى من أهل الشام وفلسطين؛ وأعلن بطرس المحترم (أو المبجّل) (Pierre le vénèrable) رئيس دير کلوني، أن «نقطة البداية في حرب الإسلام هي القرآن الكريم»([15]). وهذا المبدأ ذاته هو الذي دفع بوزير المستعمرات البريطاني «غلادستون» (Gladston) عام 1895، أن يعلن بين زملائه في مجلس العموم البريطاني، وقد أمسك القرآن بيده، قائلاً: «لن تحقق بريطانيا من غاياتها في العرب والمسلمين إلا إذا سلبتهم سلطان هذا الكتاب أولاً. أخرجوا سرّ الكتاب من بينهم تتحطّم أمامكم جميع السدود»([16]). وبنوع من العهر الاستعماري العريق، يضيف غلادستون قائلاً: «لن تستقر أقدام الإنكليز في الشرق الأوسط ما دام القرآن يُتلى بين الشرقيين»([17]).
على هذا الأساس، أوفد بطرس المحترم رئيس صومعة الرهبان في كلوني، عدداً من الرهبان إلى الشام ليتلقوا العبرية واللغة العربية. فقضى الراهب هرمان (Hermann) من كبار المسؤولين في دلماسيا (Dalmatia) ثلاث عشرة سنة عاكفاً على دراسة النحو والصرف، وعشر سنوات أخرى في دراسة اللغة العربية، ورجع إلى الأندلس مدرّساً للغة العربية في مدرسة الآباء المسيحيين في ريتينا (Retina). ([18])
ومجمل القول، إن القرآن الكريم، شکّل بالفعل، – وكما أعلن بطرس المحترم – «النقطة الأولى في حرب الإسلام». ومن خلاله تعرّض النبي الكريم (ص) لحملة جنونية من الإتهامات والافتراءات، تبارى فيها الكتّاب والمستشرقون ووصفوا الوحي الذي كان ينزل عليه بأنه نوع من الهستيريا. مع العلم أن جميع هذه الافتراءات كانت لا تقوم ولا ترتكز على أي أساس علمي أو واقعي.. من ناحية أخرى، تؤكد بأن التعصّب الديني الأعمى، والحقد الخبيث، لا يمكن لها أن يؤدّيا إلى الحقيقة؛ وسيكون الدس والتشويه والتحريف بمثابة العمود الفقري لكل بحث يستند إليها.
ومن هذا المنطلق أيضاً كانت «وصية الملك الفرنسي لويس التاسع»، التي تعتبر أخطر وصيّة بحق المسلمين منذ الحروب الصليبية حتى اليوم. فماذا عن نصّ هذه الوصية وفحواها ومخاطرها؟
تُعدّ وصية الملك الفرنسي لويس التاسع أخطر وثيقة في اتجاه المسلمين، حيث فتحت الباب واسعاً أمام عملية التبشير والاستشراق، وهي لاتزال محفوظة، في دار الوثائق القومية في باريس، حيث جاء فيها ما يلي، وهو يخاطب الغربيين قائلاً:
»إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده. فقد هُزمتم أمامهم في معركة السلاح. ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم».([19])
هذه هي وصيّة الملك لويس التاسع ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية على مصر (1249 – 1250 م) سُجن بين جدران دار إبن لقمان التي اعتقل داخلها لمدة شهر كامل بجزيرة الورد الشهيرة. تقع بجوار المسجد الموافي وسط مدينة المنصورة فافتدى نفسه وبقية جنده بفدية كبيرة قدرت بعشرة ملايين من الفرنكات كما قيل. إنه رحل من دمياط في يوم 7 مايو/أيار عام 1250م بصحبة زوجته «مارجريت» وطفله الذي ولد أثناء المعركة، وأطلقت عليه الملكة اسم «جان تريستان» أي وليد الأحزان ليصبح الشاهد الثاني على الهزيمة بعد دار «ابن لقمان».([20])
إن خِلوة لويس في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفكّر بعمق في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء المسلمين. ومنذ ذلك التاريخ لم يهدأ الغرب في محاربة الإسلام والمسلمين، وعلى الأخصّ، في محاربة عقيدتهم وقرآنهم الذي يعتبر حجر الأساس، والمدماك الأهم في البناء الإسلامي، كما في دليل النبوّة أيضاً.
وهذا ما يعبّر عنه المستشرق هينز جروتسفيلد بقوله: «إن من بين دلائل الإعجاز في نبوّة الرسول محمد، القرآن، الذي يجسّد بمعانيه علامة لم يسبق أن تطرّق إليها مؤلف كتب في هذا الموضوع، بل لقد انصرفوا عن الحيثيّات وسلّموا بواجب التأويل».([21])
هذا وقد ذكر ابن وَبَن أنه لقد «تبيّن له أن ما من كتاب، منذ بداية العالم، أُلّف من قبل عربي، فارسي، هندي أو يوناني كالقرآن، يهدي ويعلّم ويدلّ على الواحد الأحد». إلى أن يقول: «فلو أنّ أحداً وافانا بكتاب له مثل هذه الصفات، ويزاول نفس التأثير والسحر على قلوب البشر… وأن الذي بُعث به كان أمّياً، فلا شك أن في هذا دليل نبوّة أكيد». ([22])
بعد هذا العرض، نتساءل: ماذا عن الإفتراءات الاستشراقية فيما يتعلق بطبعات وترجمات القرآن الكريم؟ والافتراءات حول الوحي القرآني؟ وحول مصادر القرآن الكريم… إلخ ؟ هذا ما سنتطرق إليه في الصفحات اللاحقة كما يلي:
الجدير بالذكر أن القرآن الكريم طُبع في أوروبا إثنتي عشرة مرّة([23])، جاءت على الشكل التالي:
- إن أوّل طبعة للقرآن في نصّه العربي هي تلك التي تمّت في البندقية في وقت غير محدد بالدقة، لكن المرجّح هو أن تاريخها هو سنة 1530 تقريباً. لكن جميع النسخ التي طبعت أحرقت. وكانت طبعة كاملة لكل القرآن.
- تم طبع توما أرينيوس «سورة يوسف» بنصها العربي مع ثلاث ترجمات لاتينية وشروح.. (تمت في مطبعة أرپنيوس – ليدن 1617).
- طبعة يوهان زيشندروف لبعض السور، بدون تاریخ. طبعت في رسالتين في سينيا (Cygnea)، بحروف عربية منحوتة في الخشب.
- وطبع في أمستردام 1646، كرسيتانوس رافيوس من برلين السور الثلاث عشرة الأولى من القرآن الكريم بحروف لاتينية، وفي مقابلها ترجمة لاتينية.
- طبعة يوهانس جورج نسليوسNisselius) ) للسورة الرابعة عشرة، والخامسة عشرة بالنص العربي والحروف العربية، مع ثلاث ترجمات لاتينية وذلك في ليدن 1655 مطبعة يو. ألزافير ( Elsevier ) وهي التي اشترت مطبعة أرينيوس بحروفها العربية.
- طبعة ماتياس فريدريك بكيوس (Beckius) عام 1688، وذلك في Augustae vin deli corum.
- أما أول طبعة للنص الكامل للقرآن وبحروف عربية، وانتشرت ولا يزال توجد منها نسخ في بعض مكتبات أوروبا، فهي تلك التي قام بها أبراهام هنكلمان Abraham Hinckelmann (1652 – 1695) في مدينة هامبورغ بألمانيا سنة 1694، وتقع في 560 صفحة.
- وأجود منها وهي التي حظيت بالشهرة والذيوع، طبعة كاملة للقرآن، قام بها «لودوفكو مرتشي (Ludovico Marracci) الراهب المنتسب إلى «جمعية رهبان أم الله»، وكان معرفاً للبابا أنوسنت الحادي عشر. وتمّ الطبع في مدينة بتافيا (Pattavia) سنة 1698 في مطبعة السميناريين..
- وفي برلين سنة 1701 نشرت مختارات من القرآن بالعربية والفارسية والتركية واللاتينية قام بنشرها أندريا أكولوثوس Anderia coluthos) ) اللاهوتي وأستاذ الدراسات واللغات الشرقية في براتسلافا.
- طبعة كاملة للقرآن في نصه العربي، تمت في بطرسبرج سنة 1787 في 477 صفحة. وقد نشرت برعاية امبراطورة روسيا كاترين الثانية «ليستفيد منها رعاياها المسلمون». وقد أشرف على الطبع مُلا عثمان إسماعيل([24]).. وقد أعيدت هذه الطبعة سنة 1790، وسنة 1793، دون أي تعديل.
- وطبع النص العربي الكامل للقرآن مرتين في قازان سنة 1803. وقد أشرف على هذه الطبعة «عبد العزيز توقطمش بن علي».
- لكن يفوق تلك الطبعات جميعها، كما ستصبح عمدة الطبعات الأوروبية، والمرجع للباحثين جميعاً في أوروبا، الطبعة التي قام بها جوستاف فلوجل سنة 1834 في ليبتزك، عند الناشر كارل تاوخنتس الشهير. (ثم أعيد الطبع مرة ثانية في ليبتزك عام 1841، وطبعة ثالثة مصحّحة عند نفس الناشر سنة 1858، وكذلك طبعة رابعة 1870، وخامسة 1881، وسادسة 1893…).
- أما على صعيد ترجمات القرآن الكريم الأولى إلى اللغات الأوروبية، فإن أوّل وأقدم ترجمة كاملة للقرآن – كمحاولة لتعريف الغرب بمحتواه كانت في فترة 1096 – 1270 (أي منذ بداية الحروب المعروفة بالصليبية حتى نهايتها تقريباً) – هي تلك التي دعا إليها ورعاها بطرس المحترم أو المبجل (رئيس دير كلوني)، وتولّاها بطرس الطليطلي وهرمن الدماشي وروبرت کینت، وراجع الترجمة اللاتينية بيير دي بواتييه Pierre de Poitiers)) وتمت هذه الترجمة في سنة 1143، حيث بقيت في صومعة بطرس المذكور طيلة أربعة قرون، حتى كان ظهور المطابع، فتولى تيودور ببلیاندر (Theodor Bibliander) طبعها في مدينة بازل، بسويسرا، عام 1543. ([25]) بينما يذكر البعض أن طبعها في بازل كان قد تم في سنة 1553، مضيفاً بأن هناك رواية تقول: أن رهبان إيطاليا أحرقوا هذه الترجمة خوفاً من تأثيرها على الناشئة، وكذلك على الرهبان أنفسهم([26]).
والواقع أن هذه الترجمة التي أمر بها بطرس المبجل كانت أقرب إلى التلخيص الموسع Paraphrase) ) منها إلى الترجمة؛ فهي لا تلتزم بالنص دقة وحرفية. ولا تلتزم بترتيب الجملة في الأصل العربي، وإنما هي تستخلص المعنى العام في أجزاء السورة الواحدة، ثم تعبر عن هذا بترتيب من عند المترجم. ورغم هذا العيب العام، والأخطاء الجزئية في فهم بعض الآيات، فإن هذه الترجمة «بوصفها أوَّل ترجمة للقرآن إلى لغة أجنبية تعد إنجازاً مهماً كما قال هوك»([27]).
وحقيقة الأمر، أن هذا «العيب العام الذي يعتبر إنجازاً مهماً في نظر الأجانب، إلا أننا لا نستطيع اعتباره نحن العرب والمسلمين، إلا «فضيحة» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لأنها تحمل أبعاداً لا تخفى مخاطرها على أحد، خاصة، وأنها تتناول قدساً من مقدساتنا وتمس وجودنا من الأساس.. ومن خلال ذلك يعتبرها الأوروبيون – على ما يبدو – إنجازاً مهماً.
- وعن هذه الترجمة اللاتينية – المشوّهة – تمّت أول ترجمة إيطالية، حيث قام أريفابيني Arrivabene) ) في سنة 1547 بترجمة القرآن إلى الإيطالية.
- وعن هذه الترجمة الإيطالية تمّت الترجمة الألمانية التي قام بها سالومون أشقجر –(Salomon Schweigger) في سنة 1616، وطبعت طبعة ثانية في نورنبرج سنة 1623.. وهذا يعني أن التشويه كان قاسماً مشتركاً بين الغربيين بشأن هذه المسألة.
ولم يضع حداً لاستعمال أو لانتشار الترجمة اللاتينية التي أمر بها بطرس المحترم إلا الترجمة اللاتينية الجيدة التي قام بها لويجي مرتشي Luigi Marracci) ) الإيطالي، وطبعت سنة 1868 في بادوا Badua) )، حيث كان له رسالة في تعريف الإسلام ورسوله. وتأكيداً لدور مرتشي فقد ذكر السير «أدوارد دونسون روز» Edward Denson Rose) ) في مقدمته لترجمة معاني القرآن: أنه لا توجد ترجمة لمعاني القرآن في اللغة الأوروبية إلا وهي مدينة لفضل مرتشي. حيث أن مقدمته لترجمة القرآن تجمع ما عرفه أهل أوروبا عن الإسلام ومحمد والقرآن آنذاك([28]).
- يضاف إلى ذلك أنه عن الترجمة الألمانية، تمّت ترجمة القرآن إلى اللغة الهولندية سنة 1641.
- كما أن أول ترجمة للقرآن الكريم إلى الفرنسية هي التي قام بها قنصل فرنسا في مصر «أندرياس دي ريير Andreas du Ryer) ) وذلك سنة 1647، وكان يتقن اللغة العربية واللغة التركية! لكن في ترجمته هذه كثيراً من المواضع الغامضة([29]). وقد أعيد طبعها في هولندة سنة 1649. ويذكر المستشرق السوفياتي الشهير بيوترغريازنيفيتش في مقاله عن «القرآن في روسيا» أن الترجمة الفرنسية للقنصل دي ريير Du Ryer) ) كانت بعيدة جداً عن النص العربي الأصلي. وقد استند إليها المترجم بيوتر بوسنيكوف، حيث لم يكتف بتكرار التشويه الذي يشاهد بنسبة كبيرة في ترجمة «دي ريير» بل أضاف إليه أخطاءه المرتبطة بعدم استيعابه الكامل للغة الفرنسية، وسوء معرفته لأسس الإسلام.. ورغم ذلك فقد أثارت ترجمة بوسنيكوف اهتمام العلماء الروس لدراسة القرآن([30]).
والجدير بالذكر أنه عن هذه الترجمة الفرنسية (المشوّهة) تمّت عدة ترجمات إلى: الإنجليزية والهولندية والألمانية والروسية. كما ظهرت ثاني ترجمة فرنسية للقرآن بعد ذلك ب،136 سنة، إذ طبعت في باريس سنة 1783 وقام بها سافاري M. Savary)).
ومما لا شك فيه أن بريطانيا لم تكن بعيدة عن الاهتمام بالشرق، وبالمسلمين وبالقرآن على الأخص فقد بدأت طباعتها مجزأة، وصدرت عن مطبعة ليونورسل عام 1648 إلى عام 1688 بواسطة الكسندر روز Alexander Rose) ) وسمّاها «قرآن محمد» وطبعت الترجمة بكاملها عام 1718 في لندن. ثم تلتها ترجمة جورج سيلG. Sale) ) الشهيرة سنة 1734، والتي تعتبر أقدم ترجمة إنجليزية للقرآن عن العربية مباشرة، وحظيت منذ ظهورها في لندن بانتشار واسع حتى اليوم؛ وقد أعيد طبعها باستمرار. ولم يكن «جورج سيل» أقل حقداً على الإسلام من بني جلدته، المستشرقين، غير أنّه لم يكف عن توجيه شتائمه المباشرة وأحقاده، وكان يقلّل من معنوية القرآن ورسالة الإسلام، فضلاً تحريف الآيات وتشويه مضامينها، وصولاً لحكم مسبق في ذهنه، يخدم مصالحه وأهدافه البعيدة عن جادة الحق والصواب([31])، مجارياً في ذلك كبار الكتّاب الأجانب الذين بالغوا في تحليلاتهم وفي افتراءاتهم الكثيرة، حتى أصبح عملهم هذا بمثابة «اتجاه عام» أو «نهج» قائم بذاته؛ وهذا ما دفع «السير أدوارد دونسون روز» Edward Denson Rose) ) إلى مهاجمة هذا النهج بقوله: «إن المعرفة التي يملكها أغلبية الأوروبيين تجاه الإسلام مبنية كلياً على التقارير المشبوهة التي أعدّها المتعصّبون من النصارى عن الإسلام، وقد أدّت هذه التقارير إلى انتشار عدد كبير من الافتراءات الفادحة، وكل ما وجدوه في الإسلام من خير تجاهلوه، وكل ما هو غير طيب في عين أوروبا كبّروه، وبالغوا فيه أو حرّفوه([32]).
وبقدوم العام 1886، نشرت الطبعة الأولى لترجمة.ج. رادویلRadwell) ) وقد كتب مقدمتها المستشرق اليهودي المعروف جورج مرجليوثMargolioth) ). ولعلّ أبرز ما أثاره رادويل في ترجمته هو ترتيبه للقرآن ترتيباً زمنياً حسب نزول السور.
كذلك كانت ترجمة البروفسور «أدوارد هنري بالمر» E.H.Palmar) )، وقد جاء عمله بطلب من المستشرق الألماني «ميكسو» رئيس قسم الدراسات الشرقية بأكسفورد. وظهرت ترجمة البروفسور «بالمر» لمعاني القرآن وقوبلت باستحسان المستشرقين من ناحية الأسلوب الأدبي([33])، إلا أنه كسابقيه لم يتحرّر كلياً من المؤثرات والتقليد، وخصوصاً أفكار رادويل المتطرّفة… وعلى هذا الطريق، حذا حذوه جميع الذين اعتمدوا نفس المنهج، وصولاً للهدف ذاته المتمثل بالعداء للإسلام والحقد عليه.
أما في ألمانيا، فكانت أقدم ترجمة ألمانية عن النص العربي مباشرة، هي ترجمة دافيد فریدرش، میجرلن، الأستاذ في جامعة فرنكفورت، وقد ظهرت سنة 1772… وفي السنة التالية، أي في عام 1773، ظهرت ترجمة أخرى عن الأصل العربي مباشرة، وقد قام بها فریدرش أبرهرد بويزن([34]).
ومن الطبيعي، أن روسيا لم تكن بعيدة عن هذا الجو مطلقاً، بل كانت في صلبه؛ إذ أننا نجد القرآن الكريم في عشر لفافات كاملة من الرق في ليننغراد، يرجع تاريخ أقدمها إلى عام 1010. ([35])
وفي نهاية القرن السابع عشر، ظهر أول مؤلّف مكرَّس خصيصاً للقرآن باللغة الروسية. وجرى وضع هذا الكتاب من أجل الأمير بطرس الذي أصبح فيما بعد امبراطور روسيا، ولأخيه إيفان ؛ وكانت من نتائج ذلك فكرة بطرس الأول حول الترجمة الكاملة للقرآن إلى اللغة الروسية سنة 1716 في بطرسبرج.
هذا، ويعود شرف نشر أوّل ترجمة للقرآن من العربية إلى «سابلوكوف» Sablokov))، ويشغل اسمه مكانة مرموقة في تاريخ الاستشراق الروسي، خاصة وأنّه كرّس حياته للعمل من أجل ترجمة القرآن. وعندما أنجز ذلك كان قد بلغ من العمر 74 سنة. وقد قيّض لترجمة سابلوكوف إرضاء حاجات العلم والمتطلبات المتنوّعة للمجتمع الروسي خلال حوالي مائة عام، كما يقول بيوتر غريازنيفيتش.
هذا، ومن ضمن الأعمال العديدة عن القرآن التي ظهرت بعد «ثورة أكتوبر/آب 1917، في روسيا، تجدر الإشارة إلى أعمال المستشرق الأكاديمي «بارتولد»، كذلك بحوث المستعربة الموسكوفية «ك. كاشتالوفا»، ومقالات البروفسور «ي. فينيكوف»، وغيرهم..
كما تجدر الإشارة أيضاً، إلى أنه بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية بقيادة فلاديمير ايليتش لينين في روسيا (1917)، تأسّست في بطرسبرج «الشورى الإسلامية المحلية»، وهي التي كلّفت بالاهتمام بمصير المصحف الشهير بـ «مصحف عثمان» الذي يقال بأنه سُلب من مسجد علي بن أبي طالب بالبصرة، ونقل الى سمرقند، ومنها الى روسيا في مكتبة بطرسبرغ الملكية»([36]).
وفي خريف العام 1963، أصدرت دار نشر الآداب الشرقية في موسكو الترجمة الروسية للقرآن التي قام بها المستشرق الكبير «أغناطيوس كراتشكوفسكي» الذي أظهر منذ أمد بعيد اهتمامه بالقرآن، وفكرة أن تستبدل بترجمة سابلوكوف ترجمة جديدة قادرة على تلبية المتطلبات العصرية للعلم. وقد بدأ عمله في هذه الترجمة في خريف العام 1921 لمدة 9 سنوات، وأنهى نسخة العمل الأولية في خريف العام 1930.. وكان الحكم على هذه الترجمة أنه بدقتها وأسلوب دراستها للنص، تتفوق على جميع الترجمات الأخرى، لا الروسية فحسب، بل وحتى العديد من الترجمات الأوروبية([37]).
ومجمل القول إن القرآن الكريم، شكل بالفعل، – وكما أعلن بطرس المحترم – «النقطة الأولى في حرب الإسلام» ومن خلاله تعرّض النبي الكريم (ص) لحملة جنونية من الإتهامات والافتراءات، تبارى فيها الكتّاب والمستشرقون ووصفوا الوحي الذي كان ينزل عليه بأنه نوع من الهستيريا، مع العلم أن جميع هذه الافتراءات كانت لا تقوم ولا ترتكز على أي أساس علمي أو واقعي.. (كما سبق وذكرنا).
هذا، وقد كثرت شبهات المستشرقين حول مصدر الوحي والقرآن، «فكانت كلماتهم لا تخرج عن كون القرآن من صنع النبيّ الكريم»([38]). وهم يوردون عدّة مصادر محتملة لأخذ النص القرآني والانطلاق من ذلك لإنكار المصدر الإلهي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: اليهودية والنصرانية.
ثانياً: مصدر الوحي: الاضطرابات النفسية.
ثالثاً: مصدر الوحي: الحنيفية.
رابعاً : مصدر الوحي: الشيطان.
خامساً: مصدر الوحي: الحالة المرضية والهستيرية.
سادساً: مصدر الوحي: البيئة المكية ومظاهر الجاهليّة… ([39]).
مع العلم «أن المسلمين يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن مصدر القرآن هو الله سبحانه وتعالى، الذي أنزل على النبي مدّة البعثة. وهذا الإيمان من الأمور التعبّدية الاعتقادية التي لا مجال للشك فيها»([40]).
أما عندما نستعرض لائحة بعض المستشرقين الذي افتروا على الإسلام والمسلمين وشكّكوا بقداسة القرآن ومصدره ونبيّه، فإننا نستطيع الإشارة إلى أهمهم، وهم: المستشرق المجري (اليهودي) جولدزيهر، ومونتغومري وات (الإنجليزي)، والفرنسي ريجي بلا شير، وكذلك كليمان هيوار، والأب هنري لامنس اليسوعي… إلخ، ودافيد صمويل مرغليوث، وغوستاف فون غرونباوم، وألفرد غليوم البريطاني.. إلخ، وغيرهم كثيرون، حيث كان معظمهم يهوداً صهاينة، أو صهيونيين من غير اليهود…
وفي ختام هذا البحث، نستطيع القول أنه بعد هذا العرض – شبه التفصيلي – يمكننا تسجيل النقاط التالية:
أولاً: لو اقتصر تأثير القرآن الكريم على البلاد العربية وحدها، لربما كنا لم نشهد ما شهدناه من هجمة استشراقية بهذا الحجم، عنصرية حقودة، من قبل الغربيين واليهود على مختلف مستوياتهم ومشاربهم. لكن «إنسانية» الإسلام وانتصاراته الفائقة على الغرب، و«عالمية» كتابه الكريم، هي التي دفعت بهؤلاء إلى الاستماتة في هجمتهم للحطّ من شأنه أولاً، وتقليص فاعليته الكونية ثانياً، وزرع الشكوك واليأس في نفوس أبنائه ثالثاً، وحقن العرب والمسلمين بحقن مورفينية غربية سامة رابعاً (فكرياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً) وصولاً إلى حالة «الطلاق» بين الإنسان المسلم من جهة وبين كتابه ودينه من جهة أخرى، ليصبح في حالة ضياع وبلبلة فكرية وأخلاقية ودينية يسهل من خلالها السيطرة عليه والتحكّم به وتجنيده لخدمة أهداف لا تمّت إلى الإسلام والمسلمين بصلة. وبدلاً من أن يكون عاملاً إيجابياً في تطوير مجتمعه وأمته، يصبح عالة عليهما، إن لم نقل خطراً وكارثة. وهذا هو الهدف الأرقى الذي يبتغيه أعداء العرب والإسلام، باعتبار أن «تخريب الداخل» أهم وأجدى وأفعل من التخريب الآتي من الخارج؛ بمعنی خلخلة الشخصية وزعزعتها. ([41])
ثانياً: لقد نجح اليهود في كثير من الأحيان في تأسیس «مدارس يهودية» في الإسلام، تخرّج جنوداً يعتنقون الإسلام، لكنهم يعملون على تقويض أسسه ودعائمه من الداخل باسم الحفاظ عليه والدفاع عنه. وما أكثر «المتهوّدین» اليوم في إسلامنا، مع العلم أن فرقة «الدونمة» من اليهود الأتراك هي خير شاهد على ذلك في القرن العشرين، حيث ارتكبت من المجازر والمذابح بحق العرب والأرمن، ما لا ينسى حتى اليوم.
ثالثاً: لقد نجح الاستشراق في أن يكون فاعلاً ومؤثراً ضد العرب والإسلام. ولم تكن دولة الإحتلال الصهيوني على أرض فلسطين العربية الإسلامية سوى إحدى ثمراته، ومن أهم إفرازاته. وقد قامت بدورها ووظيفتها على أكمل وجه – وبدعم غربي – في زرع الفتن وبثّ الأحقاد والعنصريات والتفرقة بين العرب والإسلام. كما عملت بدأب على نشر الفساد والإفساد بجميع صوره – ولا زالت – وتشجيع فتح الحانات وبيوت الدعارة، وتهريب المخدرات في الأوساط الإسلامية، بعد أن كانت قد روّجت – ولا زالت -موجة «المخدرات الفكرية والثقافية والإعلامية»([42])..
رابعاً: إن ما يعيشه اليوم بعض العرب والمسلمين من هزائم، لا تعني أبداً هزيمة الإسلام وكتابه الكريم.. فالإسلام والقرآن هزما كل العصور ولم – ولن – ينهزما، وانتصرا على كل العصور ولن ينكسرا.. لذلك كانت نكهة الانتصارات كلها «قرآنية» (بينما كانت الهزائم بأجمعها لا تحمل أية نكهة من هذا القبيل، لانعدام الإيمان بالإيمان القرآني وروحه الجهادية) تماماً كانتصارات رجال المقاومة الوطنيّة الإسلامية في جنوب لبنان ضد العدو الصهيوني وحلفائه، في هذه الأيام..
خامساً: إن خير ما نختم به كلمتنا هو ما يلي: يجب أن يكون المسلمون يداً واحدة ويتّحدوا ويتوحّدوا، لا ينفصل بعضهم عن البعض الآخر، ولا يجعلوا الحدود فواصل بين القلوب..
ففي الفرقة تمزّق وهزيمة، وفي الوحدة انتصار.. فلنتوحّد. ([43])
* – طالبة عراقية تعمل على تحضير شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي، في جامعة الجنان- طرابلس. وهي نائب في البرلمان العراقي.
[1] – زهر الدين، صالح، الحركات والأحزاب الإسلامية وفهم الآخر، دار الساقي، بيروت، ط1، 2012، ص 7.
[2] – سورة الأحزاب، الآيتان 45 -46.
[3] – زهر الدين، صالح، مرجع سابق، ص 7-8.
[4] – غريب، أيمن، في دراسته المنشورة في مجلة «تحولات مشرقية» (اللبنانية)، العدد 29، شهر تشرين الأول 2022، ص 97 (بعنوان: التحامل اليهودي – الالإستشراقي ضد النبي الكريم محمد (ص).
[5] – الرافعي، د. مصطفى، الإسلام ومشكلات العصر، الشركة العالمية للكتاب، بيروت 1987، ص17.
[6] – غملوش، د. أحمد، الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها، الشركة العالمية للكتاب، بيروت 1987، ص4.
[7] – الرافعي، د. مصطفى، «الإسلام ومشكلات العصر»، مرجع سبق ذكره، ص 8.
[8] – خلف الله، د. محمد أحمد، مفاهیم قرآنية، (سلسلة عالم المعرفة رقم 79)، الكويت 1984، ص 217.
[9] – الجندي، أنور، «الإسلام والغرب»، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، الطبعة الأولى 1982، ص 7.
[10] – مروّة، د. حسين، «دراسات في الإسلام»، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الرابعة 1987، ص 10.
[11] – زهر الدين، صالح، الإسلام والإستشراق، دار الندوة الجديدة، بيروت، ط1، 1991، ص 15.
[12] – للتوسع في ذلك، انظر: طبارة، عفيف عبد الفتاح «روح الدين الإسلامي»، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السابعة والعشرون، حزيران / يونيو 1988، ص 18 – 28 (حيث يذكر أنه كان من الصحابة في العهد النبوي من جمع القرآن حفظاً عن ظهر قلب، کعبد الله بن مسعود، وسالم بن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت. كما كان رسول الله قد اتخذ له كتّاباً يكتبون ما ينزل من القرآن أشهرهم: الخلفاء الأربعة: أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. كذلك زيد بن ثابت وأبي بن كعب، ومعاوية، وثابت بن قیس، وخالد بن الوليد…).
[13] – زهر الدين، صالح، الإسلام والإستشراق، مرجع سابق، ص 16.
[14] – للتوسع في ذلك، أنظر: باركر، أرنست «الحروب الصليبية»، تعريب د. السيد الباز العريني، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثانية، دون تاریخ، ص 5. كذلك: فیشر، هربرت «تاريخ أوروبا للعصور الوسطى»، ترجمة زيادة والعريني، الجزء الأول. دار المعارف بمصر. ص 143 – 146. رنسیان، ستيفن «تاريخ الحروب الصليبية»، ترجمة السيد الباز العريني، دار الثقافة، بيروت، المجلد الأول، ط1، 1969، ص 99.
[15] – شلبي، د. عبد الجليل عبده «صور استشراقية» منشورات المكتبة العصرية. صيدا – بيروت، كانون الثاني/ يناير 1978، ص 26.
[16] – البوطي، محمد سعيد رمضان، «من روائع القرآن»، مكتبة الفارابي، دمشق 1977، ص6.
[17] – شلبي، د. عبد الجليل عبده. مرجع سبق ذكره. ص 28. وأيضاً: زهر الدين، صالح، «الإسلام والاستشراق، مرجع سبق ذكره، ص 21 و 282.
[18] – الندوي، عبد الله عباس «ترجمات معاني القرآن الكريم وتطور فهمه عند العرب» جدة – دار الفتح، مكتبة الإرشاد 1972، ص 26-27.
كذلك: المسلاتي، مصطفی نصر «الاستشراق السياسي في النصف الأول من القرن العشرين»، دار إقرأ، الجماهيرية الليبية، الطبعة الأولى 1986، ص 87.
[19] – انظر كتاب: عبدالله، محمد سويفي، بريجنسكي وشيطنة سياسات أمريكا في الشرق الأوسط، دار الكتاب العربي، دمشق – القاهرة، ط1، 2012، ص 13.
[20] – المرجع نفسه، ص 14.
[21] – العالم، عمر لطفي، المستشرقون والقرآن، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، ط1، 1991، ص 177.
[22] – المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
[23] – بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1984، ص 302 – 305. كذلك: الحاج، ساسي سالم، الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، ط 1، 1991، ص 309 – 318.
[24] – بينما يذكر المستشرق السوفياتي بيوتر غرباز نيفيتش أن الذي أشرف على هذا الطبع هو الملّا عثمان إبراهيم. (راجع: حولية «نحن والعرب» 1988، دار التقدم، موسكو 1988، ص 170).
[25] – بدوي، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 306. كذلك: الندوي، عبد الله عباس، ترجمات معاني القرآن، مرجع سابق، ص 28 -29.
[26] – المسلاتي، مصطفى نصر، الاستشراق السياسي، مرجع سابق، ص 87 – 88، نقلاً عن الندوي، عبد الله عباس، مرجع سابق، ص 28-29.
[27] – بدوي، عبد الرحمن، موسوعة المستشرقين، مرجع سابق، ص 307 -308.
[28] – المسلاتي، مرجع سابق، ص 88. كذلك: بدوي، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 308.
[29] – بدوي، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 309.
[30] – خولية، «نحن العرب»، مرجع سابق، ص 171. كذلك: زهر الدين، صالح، الإسلام والاستشراق، مرجع سابق، ص 24.
[31] – بدوي، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 309 -310، والمسلاتي، مرجع سابق، ص 88-90.
[32] – الندوي، عبد الله عباس، مرجع سابق، ص 31 وما بعدها.
[33] – الندوي، مرجع سابق، ص 46. والمسلاتي، مرجع سابق، ص 91.
[34] – بدوي، عبد الرحمن، مرجع سابق، ص 310.
[35] – بوريس يزييف ومحمد خان ميرزا محمدوف «كنوز العبقرية البشرية، التراث الثقافي الإسلامي في الإتحاد السوفياتي». دار نشر وكالة نوفوستي. موسكو 1985، ص 24.
[36] – زهر الدين، صالح، الإسلام والاستشراق، مرجع سابق، ص 28-29.
[37] – حولية «نحن والعرب»، مرجع سابق، 169 – 176. كذلك مجلة “الفكر العربي”، العدد 31، معهد الإنماء العربي، بيروت 1983، ص 266 – 291.
[38] – الأعرجي، ستار جبر، والدروغي، إيناس جاسم محمد، في دراستهما المنشورة في مجلة «دراسات استشراقية» (العتبة العباسية المقدسة)، العراق، العدد 4، ربيع 2015، ص19.
[39] – المرجع نفسه، ص 19 – 35.
[40] – الحاج، ساسي سالم، الظاهرة الاستشراقية، مرجع سابق، ص 319-350.
[41] – زهر الدين، صالح، في دراسته المنشورة في كتاب «القرآن الكريم، علوم وآفاق»، المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق، 1992، (بعنوان: القرآن الكريم والمستشرقون)، ص 215.
[42] – زهر الدين، صالح، المرجع نفسه، ص 216.
[43] – المرجع السابق نفسه، ص 217.