يحاول المرء في متابعة للتطور التاريخي لمسار العولمة، العودة والوقوف مع هذا التراث الشفهي الذي تم القطع معه حينما كتب حمورابي وجلجامش نصوصهما في القانون، وفي البحث عن الحياة الأبدية، بالحرف المسماري المقطعي. فهذه الكتابات تحوّلت وتطوّرت وكتبت في ما بعد بالأبجدية المسمارية، وقد سبقت ذلك، الكتابة على ألواح من الطين المخفور، إلى أن جاء الفينيقيون بأبجديتهم التي حملوها إلى اليونان، فقدموس سجل عبر هذه الأبجدية، حساباته التجارية. ومن هنا، يسجّل للفينيقيين مساهمتهم في نشر الأبجدية عبر وضع القاموس الأول في علم البحار، وفي العلوم الزراعية والصناعية الحرفية، وفن البناء، وفي نشر ثقافتهم الإنسانية المسالمة وغير ذلك.
يتابع المرء ذلك التاريخ على يد العلماء المصريين (الفراعنة) الذين رسموا صورة لعالم الآخرة في كتاب «الموتى»، وتبع ذلك، ما قدّمه أخناتون في تعاليمه التوحيدية، كما هيأ علماء مصريون المناخات لعلم الهندسة، ونهر النيل ذاته الموحى لذلك. من ثم ما شرعت إليه التعاليم التوراتية، والتعاليم المسيحية، كذلك ما جاءت به التعاليم العربية الإسلامية. إن تلك العلوم، بخاصة الهندسية منها، كانت قد تطورت في ظل الحضارة العربية، أي في عهدَي بني أمية والعباسيين، وأبرز من طوّرها الإدريسي عبر الخرائط التي رسمها، وأخذ بها في ما بعد، البرتغاليون الذين حوّلوها إلى علم قائم بذاته.
إن ما يُشار إليه سوى بعض من منجزات الحضارة الهيروغليفية السومرية، بمعنى اللغة التي تتكثف فيها الرسوم القديمة، كما يقول هيرودوت، تلك الثقافة التي قطع معها البرتغاليون وطوّروها. لكن هاتين الحضارتين كانتا قد شكلتا القاعدة والمرجع لما ابتدعته البشرية وأضافت إليه، وكأن منجزات هاتين الحضارتين شكلت منطلقاً لعولمة على قدر ما أتاحت به منجزات ذلك الزمن. لقد كانتا خلاصة لحضارتي آسيا وأفريقيا، وعلاقتهما بالعالم القديم. ففيهما بدأت الكتابة، وبدأت العلوم التي أخذت بها البشرية وطورتها، وبين ربوعيهما كانت الشرائع القانونية الأولى، وفيهما كانت التعاليم الدينية وبروز علماء ذلك الزمن، وبهذا لم تكن التوراة التي كتبت بالآرامية، سوى المؤشر على عدم وجود تاريخ عبراني في ذاته كما يحاول الترويج له دعاة الصهيونية اليوم.
فالعبرانيون كانوا كما تقول إحدى الروايات التاريخية، يتكلمون لغة قديمة قريبة من الهيفية (أي لغة الخطوط الهيروغليفية السومرية في طبعتها الأولى، كما لم تكن لغة الأناجيل)، والقرآن أيضاً الذي يحمل بين دفتيه آلاف المفردات اللغوية المأخوذة عن الآرامية والسريانية وغيرهما، تلك الكتب من التوراة إلى الأناجيل إلى القرآن، لم تكن سوى منجز من منجزات هاتين الحضارتين. أما القول بأن التوراة أو القرآن بأنهما من منجزات العبرانيين ذاتهم أو عرب الجزيرة، فهذا مخالف للعقل.
يقول العلامة اللغوي عبدالله العلايلي: «إن تراث البشرية في ذلك الزمن بخاصة التراث الشفهي، وبعضه الكتابي، كان خلاصة من تراثيات لشعوب متعددة وجدت في مرحلة ما قبل الميلاد، وبعد تلك المرحلة وصولاً لما أتت به الأيديولوجية العربية الإسلامية. أما أهمية ما قام به العبرانيون ومن ثم العرب المسلمون، فهو في تجميع هذا التراث والادعاء أنه تراث خاص بهم. وما الوحي ذاته سوى انعكاس واعٍ لواقع اجتماعي ومعبر عنه. أما تلك الكتب التي يُقال إنها منزّلة، فهي في نظري جميعها تستقي من جذور لغوية مشتركة مرجعيتها الحضارة الهيروغليفية السومرية. وما القول بأن الجزيرة العربية وهي الممر والسوق التجاري بأنها المرجعية للإسلام، كذلك في النظر إلى التوراة على أنها نتاج عبراني في ذاته، سوى قول علينا أن نسعى إلى تصويبه.
إن كل المكونات التي برزت في ذلك الزمن حتى تمام نشوء الأديان، وحتى نهاية العصر العباسي في القرن الثاني عشر، لم تكن إلا من رحم هاتين الحضارتين.
أما الفينيقيون، فقد كانوا واسطة العقد بين هاتين الحضارتين؛ فأبجديتهم ذاتها لم تكن سوى الخلاصة لما أعطته البشرية في المجال اللغوي بخاصة، وفي المجالات الأخرى بعامة. ويمكن تلخيص مشاركتهم الحضارية بما قاله هيرودوت من أن الفينيقيين هم من كانوا رواداً لنشر ثقافة هذه العولمة خارج نطاق آسيا وأفريقيا. ويمكن للمتابع وهذا ما بيّنته في كتاب مشترك نشر في الجزائر، بأن اللغة الأمازيغية إذا كان ممكناً قول ذلك، أو كلهجة من لغة، وهذا هو الأقرب إلى الحقيقة، هي آخر ما تبقى من اللغة الفينيقية في عصرنا، هنا يمكن العودة لما كتبه عثمان السعدي وعبد القادر جعلول، كذلك إلى الكتاب المهم «الفينيقيون بناة المتوسط» لمحمد حسين فنطر، وغيرهم ممن اعتمدوا واستندوا على الكتابات القديمة، مرحلة ما قبل الميلاد. أما العربية الفصحى، فكانت بمنزلة قطار متّجه نحو العولمة الممكنة في زمانها، فضمّ إليه جميع اللهجات واللغات التي كانت قائمة، وهذا لا يعني أن الفصحى استطاعت أن تمحو اللهجات المحلية، إلا أنها وضعتها خارج شرعيتها. أما الإسلام بتعاليمه الدينية، فكان تعبيراً عن واقع سائد آنذاك يسعى إلى الأفضل، والقرآن والوحي المنزّل، كان انعكاساً لواقع تاريخي، وإن كان القرآن في ذاته كتاب العرب إلى العرب وإلى غيرهم من الشعوب التي انتشر بين ربوعها. لقد كان القرآن بعد نزوله مادة لتأويلات وصراعات اجتماعية وفتاوى سياسية، وإن جاءت باسم هذه الفئة الاجتماعية أو تلك، هذا ما كان عليه الوضع أيام الخلفاء والصراع على الخلافة، وهذا ما عرفته الدولة الأموية مع معارضيها، كذلك ما عرفته الدولة العباسية التي أفلست وانتهت في القرن الثاني عشر ميلادي.
***
ـ خصوصيات لغوية أم رواسب من لهجات اندثرت؟
في موضوع العولمة والخصوصيات اللغوية، يتابع المرء الانقطاع عن ذاك الزمن الذي توقف في القرن الثاني عشر، تاركاً بصماته في لغة عربية يتكلم بها الملايين من العرب، من دون أن يتمكن العرب من ابتكار آلية التطور. إن تلك الحضارة التي كانت عنواناً لزمانها، طالت جلّ مناطق العالم القديم ودوله، راسمةً صورة تاريخية لموقعها في ذلك العصر. فالمعرفة التي انتقلت من القراطيس، ومن الكتابة على جلد الخراف، كانت قد مرت بمراحل ومخاضات. إن تلك المخاضات قد تولد عنها «الثورة الغوتنبرغية» أي علم الطباعة، هذه الثورة التي تواجه تحديات اليوم، تتجسد بالثورة الحديثة سواء على صعيد ثورة المعلومات «الأنترنت»، أو «الفيس بوك» و«التويتر»، والاتصالات، أم سوى ذلك من تقنيات حديثة.
إن هذه الثورة هي المنجز البشري الذي تتكوكب حوله، وتصاغ عبره، وضعيات من علاقات دولية جديدة تحترم القوة وتحاصر الضعفاء، حيث يمنع عن هؤلاء توطين تقنيات العصر لا مجتمعاتهم فحسب، بل يمنع عنهم الاحتفاظ في علمائهم وكوادرهم وكفاءاتهم التي يمكن منها وعبرها الارتقاء بمستقبل شعوبهم، وبالتالي بمستقبل البشرية.
إن هذه الثورة هي المنجز البشري الذي تتكوكب حوله، وتصاغ عبره، وضعيات من علاقات دولية جديدة تحترم القوة وتحاصر الضعفاء، حيث يمنع عن هؤلاء توطين العصر لا في مجتمعاتهم فحسب، بل يمنع عنهم الاحتفاظ بعلمائهم وكوادرهم وكفاءاتهم التي يمكن منها وعبرها الارتقاء بمستقبل شعوبهم، وبالتالي بمستقبل البشرية.
لذا، فإن الحديث عن خصوصيات لغوية هو ذاته الحديث عن رواسب من لهجات وبقايا تراث إنساني كانت قد عرفته الشعوب العربية وغيرها في الأزمنة التاريخية التي كان لها شأن وحضور فيها.
إن موضوع اللغة في التاريخ الحديث، كان بمثابة هوية أكثر منه خياراً. ولتُلاحظ الكيفية التي أعيد فيها الانحياز للعبرية، أيضاً للكيفية التي يحاول البعض من خلالها، إعادة الاعتبار للهجات على حساب اللغة الأم. فهل يمكن الحديث عن خصوصيات يستطيع العرب الاعتماد عليها في صمودهم، أو في مواجهة ما تخططه المؤسسات التي تدير هذه العولمة التي يساهم العلماء المهاجرون العرب الذين يتجاوز عددهم المليون، في الارتقاء بالحضارة الأوروبية ــــ أميركية، من دون أن تستفيد الشعوب التي ينتمون إليها، من هذه الحضارة، أو من كفاءاتهم وعلومهم وخبراتهم؟
إن الخصوصيات اللغوية، التي يعدّها البعض قاعدة للهوية العربية، هي في وضعية الدفاع، لاحظوا أن جل مناهجنا الجامعية وغير الجامعية، ما زالت تدرّس العلوم البحتة باللغات الأجنبية، إذ لم يُصَرْ إلى توطين تلك العلوم باللغة العربية، وبالتالي لم يصر لتدريس العلوم الحديثة بلغتنا القومية، ناهيك عن أن معظم أسماء الشوارع والمحال والشركات التجارية ما زالت تكتب ويعلن عنها باللغات الأجنبية، كذلك المعاملات الحكومية ولا سيما تلك المتعلقة بقضايا المواطنين، باللغة الفرنسية أو الإنكليزية، كذلك الإعلانات والتعريف بالسلع، أيضاً الوصفات الطبية. لقد أصبحت الأجيال الجديدة، وفي أحاديثها وحواراتها، تتعامل أيضاً بلغات أجنبية، وتستعمل مفردات أجنبية.
إن كل ما نذكره لا يساهم في نشر ثقافة التغريب فحسب، بل في تدمير ما تبقى من خصوصيات تراهن عليها أو يراهن عليها البعض ايضاً. إن ما آلت إليه الأمور من إهمال الأم ــ لغة الحليب، يجعل الأجيال الجديدة في حل من الاقتراب الفعلي والعقلي من وصف وتحديد أسباب عدم تقدم العرب، وبالتالي في عدم القدرة على وضع مشاريع للمعالجة، بخاصة المشاريع التي تبدأ بإعادة النظر بما ذكرناه، وإيجاد صيغ مبتكرة للتعاون بين الدول العربية وعلى المستويات كافة. دون ذلك سيبقى العرب في سجن الماضي، في سجن «سايكس بيكو»، على الرغم من الاستقلالات الصورية التي منحت لهذه الدولة أو تلك.
السؤال: ما هي الخصوصيات اللغوية أو غير اللغوية التي يمكن المراهنة عليها للبناء والتطوير، ولا سيما على الصعيدين اللغوي والتعليمي ومنه الجامعي؟
إن الخصوصيات اللغوية، هي خصوصيات من رواسب لغات اندثرت، تلك اللغات التي جبّتها العربية، وكانت خلاصة لها، ومنها السومرية والهروغليفية والفينيقية بطبيعتها الأمازيغية الأخيرة، كذلك السريانية والآرامية وغير ذلك من بقايا لغات قديمة، وقد أدمجت سواء في اللغة الأم، أم أُدرجت في العاميات المتداولة.
إن مسألة التطور اللغوي، لا يمكن النظر إليها في ذاتها وبذاتها، أي من دون التطرق لما تم تقديمه وعرضه، فاللغة هي مفردات لحاجات اجتماعية، وليست منفصلة عن ذلك. إنها مفردات من حاجات ولحاجات بين البشر، هكذا قال سيبويه والجاحظ والفراهيدي والجرجاني، وهكذا استمرت أجيال من بعد، تتبنى الجديد وتوظفه من أمثال بطرس البستاني وجرجي زيدان الذي ألّف كتاباً تحت عنوان «اللغة العربية كائن حي»، وهكذا يقول شوقي ضيف وعبد الله العلايلي وجواد علي ومحمد العربي ولدخليفة وعبدالملك مرتاض وعبد القادر الفاسي الفهري وعبد السلام المسدي وعصام نور الدين وغيرهم.
والسؤال: ماذا يبقى للعرب من لغة منتجة يفتخرون بها ويقارنونها مع غيرها من لغات؟ لقد جفّت المنابع الإبداعية التي ترتوي منها اللغة، فتوقف نموها، حصل ذلك بسبب هجرة العلماء، وتصفية اللغة المنتجة التي كان جدودنا يتكلمون وينتجون حاجاتهم الزراعية منها. تلك اللغة التي سجلوا فيها قيم حياتهم وتطلعاتهم لمستقبل أفضل.
وبتدمير القيم التقليدية المنتجة، (لاحظوا أن تدمير كل حرفة من الحرف التي رافقت عمل الفلاحين في الماضي القريب، كان يتم تدمير ثقافة كاملة معها). كان يتم تدمير الأساس الذي يمكن المراكمة عليه، من دون وضع الأساس لبدائل هي ما أخذت به شعوب وأمم أخرى. إن عدم وجود بدائل قد أدى إلى تحويل الشعوب العربية إلى شعوب تستهلك من دون أن تنتج، وأدى إلى تحويل الأقطار العربية إلى أسواق استهلاكية من دون قيم، كذلك لم يتم الاحتفاظ بهذه الكفاءات من النخب المنتخبة علمياً وفكرياً ومادياً، تلك النخب التي تعلمت وتخصصت في الغرب، فما تحتاجه بلادنا الفقيرة ليس سوى مشاريع حياة، ولن يتم ذلك إلا بإعادة الاعتبار لهؤلاء العلماء، وباحتضان مجتمعاتهم لهم، وبتعاون هذه الأقطار مع بعضها البعض.
***
إن العربية التي تعاني من مشاكل قديمة حديثة، تعاني بسبب فشل ليس ما يسمى النظام الإسلامي ودولته فقط، بل أيضاً بسبب فشل الدولة الوطنية القومية. لذا، فإن الارتقاء باللغة هو ذاته الحديث عن مشروع عربي تكون اللغة واسطة العقد فيه، ليس على صعيد التربية والتعليم العالي فحسب، بل منها يمكن المساهمة في توطين تقنيات العصر أيضاً. إن فشل المشروع الإسلامي الذي يستحضر معطيات الماضي من دون الأخذ في الاعتبار إضافات الأجيال الجديدة المستبعَدة من المشهد، أو ذاك المشروع الوطني، الذي يأخذ الشكل من الحداثة الغربية من دون أن يعمل على توطين التصنيفات العلمية في المجتمع العربي. إن هذا المشروع، كما ذاك كانا قد استندا على مشاريع غربية كـ«سايكس بيكو»، هو ما أدى إلى تراجع العربية، فالعرب الذين يسكنون في أمكنة اختاروها لأنفسهم، هم من يسيئون استعمال تعاملهم مع ما اختاروه، وحوّلوه إلى أوطان ودول منعزلة عن بعضها البعض.
ونلاحظ مثلاً كيف يشجع هذا النظام العربي أو ذاك على تأبيد اللغة. وسجنها في سجن سيبويه والفراهيدي من دون الأخذ بمنجزات العصر وقيمه العلمية، وبالتالي من دون ما أتى به جرجي زيدان من أن العربية هي كائن حي، وتتطور بتطور الشعوب التي تتكلم بها. كما نجد أنظمة أخرى تتبنى اللهجات، وتشجع على انتشارها، وهذا ذاته ما أدى إلى الانحياز لغير العربية في الكلام الشفهي والكتابي أيضاً، وأن هؤلاء الذين يشجعون اللهجات الدارجة يعتقدون أنهم بها سيحققون مشاركة فعالة بالنظام العالمي. إن هؤلاء هم من تناسوا أن مضمون هذا الصراع تحسمه الثقافة العلمية، وبالتالي مصالح الأقوى، بخاصة أن العولمة تحاول تطويع الضعفاء بالقوة والإكراه.
إن الأنظمة العربية التي تحسب أنها تمثل (الإسلام كدين)، لا تزال تنظر إلى اللغة العربية على أنها بنت الإسلام وليست بنت تاريخها، وبالتالي ليست مجموع تاريخ اللغات التي أخذت منها، وأصبحت جزءاً منها. إن تلك الأنظمة التي تتاجر بالدين، وكأن العالم اليوم يمكن المتاجرة معه بهذا التراث الذي يتم الترويج له عبر الأقنية التلفزيونية، أو غيرها من وسائل مسموعة أو مقروءة. ويمكن القول إن ما نسمعه من خلال هذه الوسائل متهمة أولاً بإلغاء العقل، بخاصة أنه ليس من مشروع حياة عند تلك الدول التي تنشر وتروّج لهذه الثقافة التي ترهن حرية الإنسان وتشي وجوده. إن هذه الوسائل الإعلامية التي تبشر بحياة بعد الحياة، هي التي تساهم في تدمير العقول البشرية، وهي التي تحضر المناخات لتنظيمات مثل «داعش» وغيرها، تلك المنظمات التي تعتبر أن حياة الإنسان يبدأ بعد موته، وبالتالي فإنها تستبدل الحضور الوجودي للإنسان، بمشاريع وهمية، هي ما أوصلنا إلى ما تعرفه مجتمعاتنا من بؤس وتخلف وخوف.
إن الله هو المهندس لهذا الكون، وهو الذي يحتضن الفلاح والعامل والصيدلي والطبيب وعالم الاجتماع والفنان وعالم الآثار، وعالم الفضاء والاقتصادي وعالم الكمبيوتر وغير ذلك من علماء وعلوم أرضية، وليس الله هو الذي ينطق باسمه هذا الشيخ أو ذاك الراهب أو… هذا أو ذاك الذي يحرض على الآخر ويطالب بإهدار دمه… لذا على هؤلاء الذين ينطقون باسم الله، أن يتواضعوا لأن الجنة الأرضية هي للبشرية جمعاء، وما علينا إلا أن نسعى كي نعيش فيها، والأرض ذاتها هي المبتدأ والخبر…
إن اللغة، بما هي الوعاء للهوية، هي منجزات مادية ومعنوية للأجيال، وليست أداة للترويج لثقافة عفا عليها الزمن. كما أن الثقافة الدينية المعلّبة التي تمنع الأخذ بإضافات الأجيال، هي ذاتها التي تشجع على الاستبداد والرهان على المجهول.
إذا ما تفحصنا ما نشير إليه ونشكو منه، فعن أية خصوصيات لغوية نتحدث، وعن أية عولمة ـــ نحن العرب ـــ نسعى إليها، ونسعى إلى المشاركة فيها؟!