عندما اختار الزميل سركيس أبو زيد اسم "تحولات" لمجلته قبل أربعين عاماً كان السبّاق على ما سيشهده نهاية القرن العشرين وبداية الحادي والعشرين من تحولات في العالم الذي في حركة تغيير وحروب وصراع عقائد وحروب أديان ولعبة مصالح أمم تلعب بمصائر الشعوب ووجودها وحقوقها.
وقراءتي لـ"تحولات" كانت من عددها الأول عندما كانت تطبع على "الستانسل" وتوزع باليد، ويمر سركيس على أتوستراد الزلقا في سيارته الـ"بيجو" الصغيرة، ليزودني بأعداد من المجلة لأوزعها في المنطقة، لكن الحرب الأهلية داهمتنا وتهجّرنا وهجّرتنا.
"تحولات" عادت في مطلع التسعينيات، وهي مثل كل مطبوعة تمر بصعود وهبوط، وتوقف أو احتجاب عن الصدور، لأسباب مالية أو أمنية أو مهنية، ولكن أصرار ناشرها كان دائماً أن تعود إلى ساحة الصراع الفكري، والى موقعها كاملة مشروعاً لمجتمع جديد ببناء إنسان جديد، فهي ليست الإعلام من أجل الإعلام، بل من أجل قضية بقيمة أمة، ووجود وطن، ورسالة الى العالم، تحمل نظرة جديدة الى الكون والحياة وترسم بديلاً لما أنهك الأنسانية في ضغوط مادية وأخرى روحية تصارعت ولم تقدم لها الحلول المناسبة فكانت "المدرحية" التي هي خلاصة لحل إنساني لا يكون مادياً فقط ولا روحياً فقط، بل مزيج من مادة وروح.
هذه " التحولات" المستمرة في الصدور منذ أكثر من عقد من دون توقف، وبعناد من رئيس تحريرها، وبمساهمة مالية وتحريرية من أصدقاء له، استطاعت أن تكون مجلة الناس من دون تمييز، فهي تشبههم بما يفكرون، والى ما يتطلعون، والنهوض بالأمة التي إليها ينتمون، فتتنوع موضوعاتها، وتتوزع عناوينها، وتتفرع مضامينها؛ إنها فكرية بامتياز، وسياسية لخدمة أهداف وطنية وقومية، وثقافية لتزيد القارئ معرفة ووعياً، واجتماعية لتقوّي من بنيان وحدة المجتمع.
أربعون عاماً على صدور "تحولات" وفي زمن التحولات، مرت في فترة المراهقة، لشاب في عمر المراهقة السياسية كان أيضاً، وكانت تشبهه في الثورة ورفض المجتمع المحلي المنتفض عليه، فناضل لتغييره، لكن المجلة تطورت فأصبحت يافعة وشابة وهي الآن في سن النضوج والوعي والبلوغ، فأسست لها تواماً هي "تحولات مشرقية"، فصلية تعنى بالدراسات وتغني القارئ بالأبحاث وتضيء على الأزمات الكبرى.
فلـ"تحولات" في عيدها الأربعين، كل الأماني بأن تتطور وترقى الى المراتب المتقدمة في عالم الاعلام المتطور وعصر ثورة الاتصالات، التي حوّلت الورق الى الشاشة، وقربت القارئ في أي مكان منها، بإلغاء الحدود، والأهم الرقابة الرسمية التي كانت تقمع حرية الرأي، وتمنع وصول الصحيفة الى قرائها، حيث سجن الظلام الالكتروني الرقيب أو حوله الى عاطل عن العمل، فتوقف عن مهمته، وبقي الصحافي والإعلامي حراً في مهنته يبدع الحرية.
والثقة في "تحولات" وثباتها في تحولاتها، أكدها لنا صاحبها سركيس أبو زيد أنها ستكون مجلة الحق في الحياة، ومبدعة للفكر، ومتقدمة في الرأي، موضوعية وسباقة في التحليل.
“تحولات” في زمن التحولات
111
المقالة السابقة