133
"إن احدى الامثولات التي لا يفتأ التاريخ يعظنا بها، هي أن الكبار يستعملون الصغار، وخصوصاً الأصدقاء منهم، لغايات تخدم مصالحهم"(1).
فخيار الفرنسيين كان محسوماً اذاً في المواجهة التي انفتحت بين أبناء الجبل والمصريين، في ربيع سنة 1840: اللبنانيون هم الأصدقاء الأقرب، والجانب الأضعف بين الفريقين، ولذلك تقتضي حكمة التاريخ بأن يكونوا وأد الرهان المحكوم في سجل الحسابات الفرنسية، فتُضحّى مصالحهم على مذبح مصالح الآخرين.
لقد رأى بعض المؤرخين أن فرنسا ناصبت انتفاضة الجبليين عداءً لا يتزحزح، وعملت على كبحها بهمة لا تفتر، فيما رأى البعض الأخر عكس ذلك: ولكن وقوع التمرّد على مفترق المصلحة والحق، بين الحكم والشعب، من جهة، وارتفاع صوت الشعب على حساب هزال الحكم في عهد ملكية لويس فيليب، من جهة أخرى، يجعلنا نطرح حركة أبناء جبل لبنان، سنة 1840، فرس رهان بين تعاطف الشعب الفرنسي وتجهم وجه حكومة "تيار" الذي لم يخلُ من التردد.
كانت المناطق السورية قد استقبلت "المصريين كمخلّصين"، بسبب ما كان يعمّ البلاد من "تخريب تدريجي للسلطة القانونية" في ظل حكم الباشوات العثمانيين الجائر(2).
والواقع ان الادارة المصرية سجلت نقلة نوعية في بلاد الشام، فوضعت "… أصول الادارة والجباية، ورفعت أيدي أرباب الاقطاعات، وأعطتهم من الخزانة رواتب تكفيهم على حد الكفاية. ولم يخلص من ذلك إلاّ الأمير بشير، والي لبنان، فانه نال ولايته مباشرة من محمد علي في مصر، وظل يتصرّف بلبنان، وبذلك رفعت سلطة المشايخ والأمراء المستبدين… وكانت حكومة محمد علي من أفضل ما رأته الشام من الحكومات منذ ثلاثة أو أربعة قرون… وقد سرّ هؤلاء (أصحاب التجارة والحرف وسائر الطبقات العاملة) كثيراً لخلاصهم من الظلم الذي أوصلهم الى درجة من الذل لا تطاق… ولم يكن الفلاحون أقل سروراً منهم، لأنه، وان كانت الضرائب المقررة تستوفي بكل شدة، فلم يكن يستوفى منهم بارة زيادة ولا تضبط حاصلاتهم وغلالهم، ولا يؤخذ منهم شيء دون دفع ثمنه، ولم يجبروا على تقديم خدمة دون بدل…"(3).
غير أن متطلبات الحرب الباهظة غلبت الاستعدادات الفطرية لدى باشا مصر، فأخفق في تأمين الأمن والاستقرار والازدهار حتى النهاية لبلاد الشام، وانقلب لاحقاً الى استغلال ثرواتها وظلم بنيها وتجنيد شبابها وفرض السخرة على أهلها، فارتفعت الضرائب الى أربعة أضعاف في غضون ثمانية أعوام، وتجاوزت الانسان الى "الحيوانات والأشجار والمطاحن ودواليب معامل الحرير، وكل ما هو منتج، فناء الفلاحون، وهم آنذاك 98 %، من الشعب اللبناني، بما ألقى على كواهلهم المتعبة من أعباء وواجبات، فامتلأت أكبادهم حقداً على الحاكم الوطني الجائر، واشتد نفورهم من استهتار الغريب بحقوقهم ومعاملته إياهم معاملة الأرقاء لما فرض عليهم"(4).
ولم تكن التطورات السياسية إلاّ لتزيد من ارهاق اللبنانيين، فقد كان بونسومبي، سفير انكلترا، يعمل بوضوح على تأليب القوى ضد محمد علي، محاولاً جمعها في عمل موحّد لانتزاع سوريا من أيدي المصريين(5)؛ وابلغت الحكومة الانكليزية، بلسان معتمدها الجديد في الاسكندرية، في أوائل سنة 1840، محمد علي بعزمها على مواصلة سياستها القائمة على سلامة السلطنة العثمانية ووحدتها، مؤكدة تصميمها على استعمال كل الوسائل الممكنة في سبيل ذلك، فأدرك محمد علي أن الدول الأوروبية قد جزمت أمرها على استعمال القوة ضده اذا لم يمتثل لمقرراتها، وسارع الى الاحتياط لما يمكن ان يعقب هذا التهديد، فانصرف الى تقوية دفاعاته وتوسيع استعداداته العسكرية بتجهيز الفيالق الجديدة وبناء التحصينات واستنفار الرجال وجمع الضرائب(6)، وهذا ما أثار مخاوف قنصل انكلترا في الاسكندرية وجعله يستفسر الباشا عن سبب هذه الاستعدادات العسكرية، فأكد له الباشا انه عازم على الدفاع عن حقوقه حتى الموت، وأن الاستعدادات التي يراها ليست شيئاً قياساً الى ما يمكن أن يراه في وقت لاحق(7).
وفي هذا الاطار، ارسل العزيز الى ابنه ابراهيم باشا، الذي يقود جيوشه في سوريا، يأمره بأن يعمل بالاتفاق مع الأمير بشير على تجنيد الجيوش وتحصيل الضرائب غير الاعتيادية من الجبل، ولكن خوفه من أن تواجه هذه الاجراءات، وخصوصاً الضرائب الاضافية، صعوبات كبيرة، بسبب حالة الفقر والعوز التي كان الشعب اللبناني يعاني منها آنذاك، جعله يأمر ولده بالبدء بتجريد الجبليين من السلاح لجعلهم غير قادرين على المقاومة(8).
وهكذا قام ابراهيم باشا يطالب المسيحيين في لبنان، في أوائل سنة 1840، باعادة 16 ألف بندقية كانوا قد حصلوا عليها عند نشوب ثورة الدروز في حوران وامتدادها الى وادي التيم للدفاع عن سياسة محمد علي في سوريا ضد الدروز(9).
أوجس الأمير بشير خيفة من سياسة محمد علي، وأوضح لابراهيم باشا بأن الظروف غير ملائمة لتنفيذ هذه الاجراءات مؤكداً استحالة تجريد الجبليين من سلاحهم، كما كتب الى سليمان باشا، قائد الجيش المصري، ينذره بأن "أهالي لبنان أشبه بالنار تحت الرماد، فما أن تلمسها حتى يندلع من هذه الشعلة حريق عام"(10).
ولكن ابراهيم باشا أصرّ على تنفيذ تعليمات والده دون مناقشة، فبدأت عملية التجريد من السلاح التي رفضها المسيحيون بما تعنيه من وضع أعناقهم في قبضة الجلاّد، فوثب العثمانيون والانكليز على الفرصة المتاحة، وأطلقوا جواسيسهم يحرضون على الثورة متعهدينها بالمال والسلاح والوعود، فتقبّل اللبنانيون الفكرة وأعلنوا ثورتهم في أيار سنة 1840، كما ألّفوا "جيش الخلاص" وأنشأوا صندوقاً لجمع التبرعات.
ويؤكد المؤرخون على دور الأجانب الأساسي في تأجيج نار الثورة، فيتحدث محمد كرد علي عن "أصابع الأجانب" في اشعال فتيل الثورات في سوريا ضد الحكم المصري، بما فيها ثورة "… سكان كسروان"(11)، فيما يتحسس لوتسكي قدرة الدول الأوروبية على استغلال الاستياء الذي كان سائداً بين الجبليين وتوظيفه في انتفاضة تخدم مصالحها وتحبط مساعي فرنسا في تشجيعها لمحمد علي بحل نزاعه مع السلطان مباشرة(12)، ويؤكد م. صبري على دور "قناصل انكلترا وسردينيا والنمسا وبطريرك الروم الكاثوليك وكهنوته في دمشق في تأجيج سعير الانتفاضات الأولى في أيار وحزيران"(13)، فيما يحصي طنوس الشدياق أنفاس الأجانب النافخة في بوق العصيان بخبرة الشاهد عيان فيقول: "كانت الأفرنج تخبرهم (الثوار) باتفاق الدول الأربع النمساوية والانكليزية والمسكوبية والبروسية مع الدولة العثمانية على استخلاص سوريا الثانية من يد عزيز مصر. وكانوا يأتون إليهم الى الحرش، ويحرشونهم على الدولة المصرية ويشددونهم ويحققون لهم قدوم مراكب حربية لاسعافهم ويقدمون لهم قليلاً من البارود والرصاص"(14).
ويتوقف مؤرخون آخرون عند أدوار استثنائية لبعض الدول، فيفصّل ج. حجّار مساعي النمسا الحثيثة للافادة من حرج السياسة الفرنسية بين حليفها محمد علي وأصدقائها الموارنة مؤكداً على الدور الكبير الذي لعبه اليسوعي البولوني، الأب ريللّو، بالتعاون الوثيق مع القنصلية النمساوية، حتى كاد أن يكون المحرّك الأساسي لثورة الموارنة(15)، فقد استطاع هذا الأب أن يتقرّب من الأمير بشير الثاني حتى بات موضع ثقته(16)، كما استطاع أن يرتبط بعلاقة مع الضباط الانكليز والعملاء الأتراك، وكانت هذه العلاقة حديث الجميع(17)، واشتهر بنشاطاته السياسية والعسكرية، وخصوصاً بتهريب الأسلحة والذخائر الى الثوار(18)، وبلغ تأثيره على الموارنة ودوره في اذكاء ثورتهم حداً جعل قنصل النمسا يكتب الى الأب ريكادونا، رئيس الارسالية اليسوعية، مؤكداً له أنه لولا مساعدة الأب ريللّو الفعّالة لما استطاع السلطان والحلفاء كسب المعركة ضد الحكم المصري(19).
ويبدو أن الأمر اختلط على الأب ريللّو، فاعتقد أن بعمله هذا يخدم قضية الفرنجة عامة، والمسيحية والرهبانية اليسوعية خصوصاً(20)، دون أن يأخذ في حساباته المماحكات السياسية التي تملي مواقف القوى من ثورة الجبل، كما يبدو أن طبيعة مهمة الأب ريللّو اختلطت على الموارنة فاعتقدوه مرسل العناية المسيحية المجرّدة، وظنوا أنهم باستجابتهم لتحريض هذا الأب، انما يتطوعون في حرب مقدسة ضد ارادة ابراهيم باشا(21).
وقد اغتبط الانكليز بنشاط الأب ريللّو بعد الصدود المارونية التي واجهت مهمة مبعوثهم المستر وود الذي كان يحاول منذ سنوات تأليب جماعات جبل لبنان ضدّ الحكم المصري(22)، وكانوا دوماً يعلّقون أهمية كبرى على انتفاضة سوريا ودورها في اضعاف قضية محمد علي وحسم تردد ممثلي القوى المجتمعين في لندن(23)،فتحرّك عملاؤهم لمساعدته، وراحوا يجوبون أنحاء الجبل محرّضين الدروز والموارنة والنصيرية على السواء لشق عصا الطاعة ضد الحكم المصري، واستأنف المستر وود مهمته حتى تمكن من النجاح "في مأموريته، وأشهر الجبليون العصيان، وتجمعوا متسلحين وامتنعوا عن تأدية الخراج والمؤن العسكرية"(24).
ويؤكد الأمير أمين، ابن الأمير بشير الثاني، الذي أوفده والده لمفاوضة الثوار في ساحل بيروت، في 11 حزيران 1840، على تصلّب الثوار عازياً ذلك الى تدخل الدول وانخراطهم في عمل جماعي يستهدف الوجود المصري في سوريا من خلال تأليب جماعاتها ومدّ ثوارها بكل دعم ممكن، فقد "اتصل افرنجي بهم (الثوار) من قبل قنصل سردينيا وحرّضهم على الهجوم على بيروت، وقَدِم يوسف الزنانيري، ترجمان قنصل النمسا، الى زحلة يحرّض اهلها على الثورة، وقدّم نعمه طراد، ترجمان قنصل انكلترا، الغلال الى الثوار، واتصل افرنجي بهؤلاء الثوار في التاسع من حزيران وحرّضهم على الاستمرار في القتال قائلاً: ان سفينة مشحونة بالسلاح ستصل قريباً…"، ويضيف الأمير أمين بأن "تشديد الأفرنج لأهل البلاد ظاهر كالشمس وترددهم عليهم أيضاً، اذ انه هو بنفسه رآهم عندهم"(25).
لم تفطن فرنسا، في البداية، للدور الذي تلعبه النمسا من خلال الأب ريللّو، وللفرصة التي يقدمها تحركه للقوى المناوئة للسياسة الفرنسية، وفي مقدمها الانكليز، فلم تبد استياءً من نشاطه، كما يستشف من تقارير قنصلها في بيروت، السيّد بوريه، الذي بدا متحمساً لتحرك الأب ريللّو(26)، ولربما أنها علمت ولم تعر ذلك اهتماماً انطلاقاً من اطمئنانها لأوضاع الباشا ورؤيتها الخاطئة لموازين القوى، فقد كان السيّد تيار، مخدوعاً بقوة محمد علي الحقيقة، وكان "كل أمله، كما يؤكد غيزو، مبنياً على ثقته المزدوجة بأن محمد علي سوف يقاوم بضراوة كل المحاولات الرامية الى انتزاع سوريا منه، وأن كل وسائل العمل الجماعي ضده سوف تفشل. وكان اقتناعه بهاتين النقطتين راسخاً الى حدٍ جعله يرى أن سياسة اللورد بلمر ستون ازاء الشرق هي سياسة خرقاء…"(27).
ويبدو أن تقارير المبعوثين المضللة هي المسؤولة عن انخداع السيّد تيار بموازين القوى، فقد جاء في تقرير السيّد كوشليه، على سبيل المثال، في 9 أيار سنة 1840، "أن كل قوى انكلترا وروسيا البرية والبحرية سوف تفشل أمام قوى محمد علي المدعومة من جانب القوة الفرنسية…"(28).
ولكن تطورات الأوضاع في غير مصلحة الباشا جعلت فرنسا تتنبه متأخرة لمسلك اليسوعيين عموماً، والأب ريللّو خصوصاً، الذي أصبح يشكل تهديداً عظيماً لمصالحها في الشرق، فجندت الآباء اللعازاريين لمحاربة نفوذ اليسوعيين واصلاح ما أفسده الأب ريللّو، ولكن تحرّكها جاء بعد فوات الأوان، فلم تغفر للأب ريللّو ولليسوعيين هذه الخيانة التي اعتبرتها في أساس ما آلت اليه الأمور في غير مصلحة السياسة الفرنسية(29).
والواقع أن علامات الاستفهام حول السياسة الفرنسية تجاوزت مهمة الأب ريللّو لتنسحب على ثورة الجبليين برمّتها، فقد فاجأت انتفاضة اللبنانيين الحكومة الفرنسية وأحرجتها بين حلفائها وأصدقائها: فهي من ناحية لديها التزاماتها الأخلاقية والسياسية ازاء باشا مصر، ويفرض عليها نفوذها ومصالحها في المتوسط عدم التخلي عن حليفها في أحلك ظروفه، خصوصاً وأنها تدرك أن تحالف القوى في هذه المنطقة موجه ضد مصالحها أكثر منه ضد محمد علي نفسه(30)، وهي من ناحية أخرى، لديها التزامات في لبنان ترتبط بتأثيرها الكبير على جميع التجمعات المسيحية والدرزية(31)؛ فكيف يمكنها أن تحمي وجود محمد علي في سوريا، وتحافظ في الوقت عينه على رصيدها ونفوذها لدى الجماعات الثائرة ضده ؟، ولم يكن تأخر التعليمات الدقيقة التي تحدد للقنصل الفرنسي في بيروت، السيد بوريه، الجانب الذي يجب أن يقف الى جانبه، إلّا لتزيد من تعقيدات السياسة الفرنسية وتجعل موقفها بالغ الخطورة(32).
ففي غياب التعليمات التي توضح خيار السياسة الفرنسية في هذه الأزمة، أشكل الأمر على القنصل الفرنسي فمال لتأييد الانتفاضة، وراح يضمّن تقاريره الى حكومته ادانات واضحة للخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية، من تجنيد اجباري، ومضاعفة الضرائب، وتجريد من السلاح، وأعمال سخرة(33)، ويؤكد تقريره، في 27 شباط سنة 1840، أن الفلاحين ضاقوا ذرعاً "بالمطالب والسخرة التي أرهقتهم"، وأنهم قد تركوا أعمال الزراعة ولجأوا الى الجبل في مقدمة لإعلان عصيانهم(34).
ويستمر التصعيد في تقارير السيّد بوريه ضدّ الحكم المصري حتى يصل به الأمر الى اعتماد أسلوب عدائي في حديثه عن محمد علي، فينعي عليه تعصبه والروح الاسلامية التي تتحكم بمواقفه، وحرب الجهاد التي بدأ التبشير بها عندما يتحدث عن "وفد أعجمي وصل الى الاسكندرية ليعرض على نائب الملك باسم سيّده، تحالفاً هجومياً ودفاعياً ضد الفرنجة؛ هذا الاقتراح حظي بموافقة محمد علي الفورية وأعطيت الأوامر لجانب من جيش الحدود بالهجوم على بغداد(35).
وبدورها انكلترا كانت ترصد بحذر بالغ تطور العلاقات بين مصر وبلاد العجم، حيث كان الفرس يسعون لعقد تحالف مع محمد علي، فأرسلوا اليه بعثات من أجل هذه الغاية: "بالنسبة للبعثة العجمية، كتب الكولونيل هودجز، في 12 شباط سنة 1840، أوضح الباشا بجلاء أن عروضاً قد قدمت اليه من جانب الشاه بهدف عقد تحالف معه، ولكن مثل هذه المقترحات لم تلق منه أي تشجيع"(36).
ويتضمن تقرير السيّد بوريه المستفيض الى السيّد تيار، في 21 أيار سنة 1840، خلاصة رأي القنصل الفرنسي في الأوضاع السائدة في سوريا، وفي أسلم المخارج التي تخدم المصلحة الفرنسية في الشرق.
يبدأ تقريره بالتلميح الى "فكرة خلّاقة" و "مخطط ساحر" يعتبرهما جوهر المصالح الفرنسية في "المسألة الشرقية" التي تبدو "على وشك أن تجد لها حلاً جذرياً".
فهو ومنذ وصوله الى بيروت، كما يقول، قد تأكد "بما لايقبل الشك من أمرين اثنين":
1-"ان تأثيرنا بليغ جداً في البلاد السورية، كذلك هما الثقة والعطف اللذان يوحي بهما اسم فرنسا".
2-"ان الحكومة المصرية هي محط كراهية شاملة، ولا نجد للوهلة الأولى سبباً لذلك، ويمكنني التأكيد لمعاليكم أنني لم أجد مواطناً سورياً واحداً، أميراً كان أم شيخاً، أسقفاً أو كاهناً بسيطاً، مارونياً أو درزياً، إلاّ وهو على استعداد للثورة عند أول اشارة…".
"ويجب الاعتراف أولاً بأن هذا النفور من الحكومة المصرية هو أقل تعليلاً في لبنان منه في باقي الولايات السورية، ولكنه مع ذلك أكثر عمقاً".
واستناداً الى هذه الرؤية، يتساءل بوريه: "كيف نتجاوب مع الموجبات السياسية الكبرى التي تجعلنا الحماة الطبيعيين لنائب الملك، ونحافظ في الوقت نفسه على ثقة الناس بنا كوننا نساعد حكومة تثير البغض؟"؛ ثم يستطرد مستدركاً بأن المسألة تزداد تعقيداً لأنها تقتضي حلاً يأخذ في اعتباره عدم "اضعاف نائب الملك، ويتضمن تطمينات تسمح بالحفاظ على تأثيرنا السياسي والديني، كما يعطي ضمانات مستقبلية لنا وللشعب المسيحي في لبنان لمجابهة الحكومة المصرية".
على ضؤ هذه التعقيدات المحيطة بالمسألة السورية، يخلُص بوريه الى رسم صورة متشائمة لمستقبل المصالح الفرنسية في سوريا، حتى لو تمكن محمد علي من الانتصار في معركته بمساعدة فرنسا، "فبعد مضي سنين قليلة على تأسيس المملكة المصرية، وبعد أن يصبح قيامها أمراً واقعاً، تكون سوريا قد فقدت نخبة سكانها، كما نكون قد فقدنا نفوذنا في هذه البلاد، فتأتي عندها الاتفاقيات التجارية لتعطي فرنسا (الأمة المفضلة الآن) ما تعطيه لسائر القوى المناوئة لمصر، الى درجة أنه، في آخر تحليل، نكون قد انتصرنا في المسألة الكبرى، لكننا نصبح في سوريا متساوين مع الآخرين، بدلاً من لعب الدور الذي نلعبه الآن، وبدلاً من هذه الوضعية المميزة التي تجعلنا متساوين مع سلطة الباشا نفسه، على الرغم من أننا لا نملك لا جنوداً ولا مدافع".
وبعد هذه المبالغة في تصوير المخاطر التي تتهدد مستقبل المصالح الفرنسية في سوريا، يطرح بوريه "مخططه الساحر" متسائلاً: "ألا تتلاشى هذه المخاطر اذا ما اعترفنا باستقلال أمير لبنان، وأخيراً بتأسيس امارة كاثوليكية مستقلة(37) أو ملزمة ببعض قيود التبعية؟.
"ويبدو هذا التدبير الجذري وكأنه تجزئة لممتلكات محمد علي الحالية، ولكنه، في الواقع، سوف يعطيه حليفاً قوياً ترتبط به مصالحه ارتباطاً وثيقاً. وهكذا يصبح محمد علي محمياً في مواجهة تركيا بسور مؤلف من أربعين ألف جبلي يمكن للأمير تسليحهم، بدلاً من أن يبقى في مواجهة شعب متمرد باستمرار، وليس على استعداد لامداده حتى بفيلق واحد؛ ومن ناحية أخرى تصبح سوريا مقفلة أمام الانكليز والروس بفعل النفور الديني العنيف؟، كما أن الحكومة المصرية القوية بوجه القوى الأخرى، تبقى ضعيفة فقط أمام فرنسا التي تصبح، دون اتفاقيات ومعاهدات، بل بقوة الأمر الواقع، الحامية الطبيعية للأمير الكاثوليكي".
ويختم بوريه اجهاده الفكري في بلورة هذا المشروع متمنياً على وزارة الشوؤن الخارجية الفرنسية "اعلامه ان كان عليه أن يتابع العمل بفكرته هذه، وأن يجمع بالتالي المعلومات الاحصائية والطوبوغرافية والتجارية التي يمكن أن تخدم امكانية تحقيقها"(38).
لم يلق مشروع بوريه التأييد الذي كان يتوقعه صاحبه، فالحكومة الفرنسية لم تعط أية اشارة يفهم منها أنها تشجع قنصلها على متابعة فكرته كما طلب، بل ان السيد تيار، رئيس الحكومة الفرنسية، انتهى، بعد فترة من التردد، الى التنصل من هذا المشروع الذي لا ينسجم مع اهتمامات السياسة الفرنسية في الشرق، كما يفهم من جواب بوريه، بتاريخ 2 آب 1840، "يستخلص من برقية معاليكم أن نفوذنا في سوريا والحماية التي نقدمها هناك يعتبران أمراً ثانوياً بالنسبة الى مسألة الشرق الكبرى"(39).
والموارنة، المعنيون بالامارة الكاثوليكية، لم يتحمسوا للمشروع لأنه صعب التحقيق من ناحية، ولأن الانخراط فيه من شأنه أن يجهض ثورة قاسية كانوا قد بدأوا يخوضونها ضد المصريين جنباً الى جنب مع دروز الشوف ووادي التيم، وسنيي طرابلس وعكار وأقليم الخرّوب، وشيعة بعلبك وجبيل(40).
والأمير بشير نفسه بدا متردداً عندما عرض عليه بوريه المشروع بحضور الأب ريللّو عدو المصريين اللدود، فلفت انتباه القنصل الفرنسي حول صعوبة استقلال الجبل اذا لم يخوّل ميناء على البحر، اضافة الى سهل البقاع الذي يموّن الجبل بحاجته الى الحبوب، وشكك خصوصاً بامكانية تسامح القوى العظمى في تمرير هذا المشروع الذي يخدم المصالح الفرنسية وحدها(41).
ومع ذلك، ظل بوريه متشبثاً بفكرته، مؤمناً بأن انتصار الثورة قد يغير القناعات، ويضع الجميع أمام الأمر الواقع، يشجعه على ذلك ما تلقاه ثورة الجبليين من تعاطف الفرنسيين النازلين في سوريا.
وكان هؤلاء قد فهموا تردد السياسة الفرنسية بأنه عطف على الثورة، فجاهروا بمناصرتها، وانخرطوا في صفوفها، حتى تهيأ للقنصل الروسي، بازيلي، أن الفرنسيين وحدهم من بين سائر الأوروبيين، هم من تعاطفوا مع الثوار وساندوهم، وأمدوهم بالرصاص والبارود، ووجهوا تحركاتهم، وحضروا اجتماعاتهم(42).
ويبرر بازيلي تعاطف الفرنسيين مع الثورة "بالتعاطف الفطري مع كل عصيان الذي تغلب في هذه الحالة على تعاطف الشعب الفرنسي مع محمد علي…"(43).
وكان وفد من أمراء اللبنانيين ومشايخهم، موارنة ودروزاً، قد توجه الى دمشق، في محاولة لعرض اوضاعهم على شريف باشا، حاكم سوريا العام، ولكنهم عادوا مستائين(44) فتذكر بعضهم أميراً فرنسياً(45) كان قد استقر في بلدة ذوق مكايل منذ بضعة أشهر، حيث راح يقدم الاعانات والمساعدات للأهالي حتى بات موضع ثقة جميع أبناء المحلة واحترامهم، فاقترح هؤلاء على رفاقهم بأنه قد يكون من المفيد الاستئناس برأي هذا الأمير في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، وبعد موافقة الجميع تم انتداب وفد من عشرة أمراء ومشايخ، توجه في اليوم التالي للاجتماع بالأمير الفرنسي في ذوق مكايل(46).
في 26 أيار 1840، التقى الوفد المنتدب، من دروز وموارنة، الفيكونت الفرنسي في دارته، فعرض عليه اعضاؤه واقع الحال وما يعانيه الجبليون من ممارسات وأعمال سخرة وبلص، موضحين عزمهم على مواجهة دكتاتورية الحكم المصري بالعصيان، ومتمنين عليه اعطاءهم رأيه في ذلك(47).
أبدى الفيكونت أنغروا تعاطفه مع قضية زواره، ورغبته في أن يكون مفيداً لها نظراً للروابط التاريخية التي تشد اللبنانيين الى فرنسا، ثم نصحهم بالتوجه الى بيت الدين ومحاولة الحصول على تعهد من الأمير بشير الثاني بتقديم احتجاج شديد اللهجة ضد الاجراءات التعسفية المتخذة، يوضح نتائجها على أبناء الجبل(48).
والواقع أن نصيحة الفيكونت تبدو منسجمة تمام الانسجام مع الخطوط العريضة لمشروع الامارة المسيحية الذي نادى به القنصل بوريه، لأن من شأن مثل هذا الاحتجاج أن يضع الأمير على راس الثورة، وذلك دليل على اتصال الفيكونت الوثيق بالقنصلية الفرنسية، وعلى اضطلاعه بمهمة سياسية تتستر وراء رغبته بتعلم اللغة العربية.
خيّب الأمير بشير الثاني آمال الفيكونت أنغروا والقنصل بوريه عندما اكتفى بالاجابة على شكاوى وفد الأمراء والمشايخ الدروز والموارنة، الذين زاروه في بيت الدين، في 27 أيار 1840، بأنه قدّم الاحتجاج الذي تسمح به أمانته لمحمد علي، وبأنه بالتالي، لا يستطيع أن يقبل منهم أكثر من احتجاج مماثل(49): ثم أكّد، في اليوم التالي، ولاءه لمحمد علي بمباشرة حملة "تجريد الأسلحة" مبتدئاً بدير القمر.
أزعج ولاء الأمير لمحمد علي السيد بوريه، فأكد في تقريره الى السيد تيار، في 27 أيار، بأن هذا الأمير الذي بوسعه أن يحرك سوريا ضد محمد علي لما له من نفوذ فيها وتأثير على جماعاتها، لا يمكنه، بالمقابل، أن يمنع حصول العصيان، وأنه اذا حصل عصيان فيها، ورفض قيادة الثائرين، فانه سوف يكون عدوهم الأول(50)، فبدا بذلك وكأنه يدق ناقوس العصيان، اذ بعد أربعة أيام، توجه وفد آخر من المشايخ الى الفيكونت انغروا يدعوه الى تأييد الاجراءات الثورية التي اعتزم الجبليون اتخاذها دفاعاً عن مصالحهم(51)، فنزل الفيكونت عند رأي الوفد، وتوجه معه الى القرب من جسر نهر الصليب حيث بدأ الثوار يتجمعون استعداداً للتحرك.
وفي 8 حزيران سنة 1840، اجتمع مشايخ ستة آلاف جبلي كانوا قد احتشدوا أمام أبواب بيروت للتداول في الخطوات الواجب اتخاذها حيال اصرار الحكومة المصرية على عدم انصافهم والتجاوب مع مطالبهم، فقرّ قرارهم على توجيه نداء الى مواطنيهم يذكرون فيه بمظالم الحكم المصري ويدعونهم الى الالتحاق بصفوف الثورة؛ كما انتخبوا بالاجماع الفيكونت أنغروا قائداً لثورتهم، فبات منذها يعرف باسم "أمير العسكر الفرنساوي"(52).
ومعه تعددت الأعلام التي كانت تقود تحركات الثائرين، فكان بينها "علم الموارنة، وهو شبيه بعلم أورشليم، وعلم الدروز، وكان مضلعاً من عدة ألوان، كما كان لهم علم فرنسي، اضافة الى عدة بيارق تعود الى مشايخ عديدين. وقد حملوا أعلامهم الى كنيسة مار الياس من أجل تبريكها، حيث أقسم الدروز والموارنة يمين الاتحاد الأخوي"(53): وبعد القسم خاطب الأمير الفرنساوي جموع الجبليين قائلاً:
"أبنائي،
باتحادكم في شهر السلاح من أجل الدفاع عن دينكم وبلادكم وحقوقكم، تقدمون للعالم مشهداً مجيداً.
محمد علي يطالب بتجريد الجبل من سلاحه من أجل احكام نيره الاستبدادي على أهله، وكان قد انتزع الشباب من أهلهم لتجنيدهم في خدمته. الضرائب المفروضة عليكم زادت على عشرة أضعاف في ظل الحكومة الحاضرة؛ وقد حلّ الخراب ببلادكم وكثرت الممارسات التعسفية بحقكم مثل السخرة والمعاملة السيئة التي تعاملكم بها حكومتكم… وأخيراً، الانسانية تنتفض لمرأى العدد الكبير من مواطنيكم يقتاتون من الاعشاب البرية على نحو ما تفعله الحيوانات. الموت أفضل من هذا الواقع المذري!.
ولكن، أيها الجبليون الأباة، العناية الالهية تسهر عليكم، لقد أوحت اليكم بالفكرة النبيلة المتجلية بحمل السلاح ذوداً عن نفوسكم، ومن أجل الحصول على الاستقلال، عليكم أن تثبتوا أنكم رجال زاخرون بالاباء، وإنكم لا ترضون ابداً العودة الى سيطرة المصريين الذين خدعوكم ، والذين لا يريدون سوى القضاء على حقوقكم المقدسة والغالية.
لقد ارتجف الطاغية أمامكم، فقدم لكم التنازلات، ولكنها كانت غير مقبولة. نعم، ليرتجف دائماً! لأنكم سوف تتصدون لأوامره الظالمة وعروضه المشبوهة التي لا ترمي سوى الى خداعكم واضعافكم بتفريق كلمتكم وزرع أسباب الشقاق بينكم.
ان محمد علي ليس له أي سلطان عليكم لأن قوة أوروبية لم تعترف له بحق امتلاك سوريا التي أنتم أبناؤها، والتي لم ينتزعها من الباب العالي إلا بالخيانة والعصيان.
في الاتحاد قوة، فكونوا متحدين يا أبناء الجبل، أمنيات واعجاب أوروبا كلها لكم، وليس هناك شك بأن فرنسا حليفتكم المزمنة، تتبنى قضيتكم العادلة…
ان قضيتكم هي الأكثر قداسة لأنها قضية دينكم، وهي أخيراً القضية الأنبل لأنها تذكر بانجازات الحضارة.
أبنائي! أقسموا بأن لا تلقوا سلاحكم قبل الحصول على استقلالكم. أوروبا تضمنه لكم وتحميه"(54).
لم يلبث خبر "انتخاب الأمير الفرنساوي قائداً عاماً لجيش الثائرين" أن انتشر في أنحاء الجبل، فكان ذلك كافياً لتحريك شعب اعتاد أن يعوّل على الحماية الفرنسية، فأعطى الجبليون هذا الأمر أهمية بالغة(55)، وتألبت تجمعاتهم أمام صيدا وجبيل وطرابلس وزحلة وبعلبك، وعمت الثورة كل أنحاء الجبل(56).
هالت هذه التطورات المتسارعة الأمير بشير، فتحرّك فضوله لمعرفة الروح التي تحرّك العصاة، والنظر في امكانية اعادتهم الى الطاعة عن طريق المفاوضة وتقديم بعض العروض باسم الباشا، لكن محاولته فشلت بسبب ضعف ثقة الثوار بوعود الباشا والأمير، واشتراطهم بأن تقدم الوعود اليهم بواسطة قنصلي انكلترا وفرنسا في بيروت ضماناً لتنفيذها، ويذكر أشيل لوران، أن أحد مبعوثي الأمير الى العصاة سأل الأمير الفرنساوي اذا ما كان يريد مغادرة لبنان، مؤكداً له أنه في حال موافقته على ذلك فان الأمير بشير يكون شاكراً له ذلك ومستعداً لأن يمنحه كل ما يطلب، وقد أجاب الأمير الفرنساوي بأنه وعد الجبليين بأن يدعم حقوقهم ، وأنه لا يمكنه أن يخون عهده لهم، وطلب من المبعوث الأميري أن يدعو الأمير بشير لوضع نفسه، مع البطريرك، بصراحة على رأس الثورة، لأنه بنفوذهما يحصل الثوار على مدد من ستين ألف رجل، مؤكداً له أن ذلك سوف يكون في مصلحة الأمير بشير الذي تتضاءل شعبيته يوماً بعد يوم بسبب وقوفه الى جانب محمد علي(57).
أما الأمير حيدر الشهابي، وهو مبعوث آخر أرسله الأمير بشير لمفاوضة العصاة، فقد عاد في أواسط حزيران لينقل الى الامير مشاهداته في معسكر الثوار "نهار البارح، بعد طلوعنا من الحرش، وصل من كسروان مقدار مئة نفر مسلحين، وموضوع على رأس كل منهم شارة صليب نيشان فرنساوي وعامل لهم تعيين لكل نفر يومي غرشين ونصف، وبعده حضر الأمير الفرنساوي وترجمان قنصل الفرنساوي"(58)، فكتب الأمير لتوه الى محمد علي موضحاً أن تصلب العصاة مرده الى تحريض الأجانب؛ مؤكداً أنه تثبت بنفسه من تدخلهم في الثورة(59).
وبدوره، محمود نامي بك، محافظ بيروت، كان قد حصل على تفاصيل كافية، زوّد بها الحكومة المصرية بواسطة سليمان باشا الفرنساوي، حول هوية الأمير الفرنساوي، وأسباب تواجده في الجبل، والدور الذي يلعبه في قيادة ثورة العصاة وتزويدها بما تحتاجه من بارود ورصاص، مشيراً الى أن تورط الفرنسيين مع الثوار ليس وقفاً على الأمير الفرنساوي، فهناك، "فرنسي آخر يدعى سليمان سبق له أن استخدم في المحجر الصحي فطرد منه، ان هذا الافرنسي يتنقل بين الذوق وبين بيروت، وان خليل المدور ترجمان قنصل فرنسا في بيروت على اتصال بالعصاة يمدهم بمادة الكبسول وأن أربعة آخرين من رعايا فرنسا في الحرج مع الثوار…" وينتهي المحافظ الى ابداء خشيته من أن يكون عبدالله الافرنسي، البارون درمنياق، الذي انفصل عن الجيش وأقام في طرابلس قد اتصل بالثوار، وتعاون معهم، والى التأكيد بأن قنصل فرنسا في بيروت، السيد بوريه، بالغ الحماس "للثوار النصارى"(60)، وذلك ما يؤكد ازدواجية بوريه الذي كان دائم الشكوى من غياب تعليمات حكومته الذي يجعل مهمته بالغة الصعوبة قياساً الى دور الموفدين الروس والانكليز، فهو يجهل حقيقة نوايا حكومة الملك ازاء الاوضاع في سوريا: هل ترغب الاحتفاظ بنفوذها فيها، أم تفضل ضمها الى ممتلكات محمد علي؟، وهو، بالتالي، يرى نفسه عاجزاً عن الاجابة عن تساؤلات اللبنانيين الذين "يريدون أن يعرفوا رأي القنصل في العصيان، واذا ما كان يعتقد أن فرنسا سوف تساعدهم؟ واذا ما كانت فرنسا تعلم كم يعاني اللبنانيون؟ وهل تستطيع ان تفضل محمد علي التركي عليهم؟ وهم مسيحيون مثل شعبها وأصدقاؤها منذ قرون؟ وهل من الصحيح أن فرنسا تقف بجانب محمد علي ضد كل الأمم؟ ولماذا تفعل ذلك بدلاً من أن تمد لهم يد العون لأنها تحبهم؟"(61).
ولا يلبث بوريه أن يعود الى معزوفة "الحياد الايجابي" الذي ينتهجه بين العصاة والسلطات المصرية(62)، في تغطية لانحيازه الذي لا تماشيه فيه الادارة الفرنسية، فيشكو من تهور الفيكونت أنغروا الذي تجاوز سياسة الحياد ليعلن عن عزمه الانضمام الى الثوار إثر عروض ومقترحات مغرية من جانب العصاة، دون التفات الى ما يشكله قراره الطائش من خطر على المواطنين الفرنسيين النازلين في سوريا، ومن تشويه لسمعة فرنسا ازاء الحكم المصري(63).
وكان الأمير الفرنساوي قد تورط في ثورة اللبنانيين الى حد جعله يضرب صفحاً على نصائح القنصل الفرنسي، وينكث بالعهد الذي أعطاه له بعدم المداخلة فيها(64)، وعندما لاحظ استعدادات المصريين الحربية؛ دعا امراء العصاة ومشايخهم الى اجتماع عام في معسكر نهر الكلب للتداول في الخطوات الكفيلة بمواجهة الظروف الصعبة، فرأى أن التطورات تستلزم تحركاً يستبق استكمال الاستعدادات المصرية، وأن خيارات الثوار في تحركهم تنحصر في ثلاثة: الخيار الأول، يقضي بالمسير الى بيت الدين لاخراج الأمير بشير من دائرة النفوذ المصري وجعله ينضم الى الثورة، والحصول، بالتالي، على أربعماية حصان واثنتي عشر ألف بندقية، اضافة الى كمية من الذخائر يملكها الأمير بشير؛ والثاني، يقوم عل التضييق على بيروت والاستيلاء عليها. أما الثالث، فيقتضي توزيع قوى الجبليين في عدة قطاعات تسهل قضية تموينها من جهة، وتلزم المصريين بتوزيع قواهم المجتمعة في بيروت، من جهة أخرى.
جرت مناقشة هذه الخيارات بعناية، فسقط الأول، مع أنه حاسم بالنسبة لمستقبل الحركة العام، بسبب الاحترام الذي يكنّه العصاة للأمير، وبدا الثاني محفوفاً بالاخطار بسبب خلوّ مرفأ بيروت من أية سفينة حربية تحمي الأجانب وتجارتهم من الاسطول المصري، مع ما يشكله مرفأ بيروت من ضمان وصول المؤن والذخائر التي تحتاجها الثورة، ولذلك توقف المجتمعون عند الخيار الثالث فتبنوه وقرروا توزيع قواهم في قطاعين رئيسيين: الأول باتجاه بعلبك، والثاني باتجاه طرابلس، كما قرروا العمل على توسيع الثورة لتشمل سائر الأقضية في شرق لبنان، ووجه الأمير الفرنساوي، على الأثر، النداء التالي لتعميمه على امتداد مسيرة الثوار في أنحاء لبنان:
"أيها الابناء،
رغم انتفاضة كل الشعب والارادة الوطنية التي تجلّت بكل وضوح، فان الأمير بشير رفض الدفاع عن مصالحكم وبلادكم التي يتهددها العدو. الأمير بشير، قد تخلّى عن حمايتكم، يبحث لربما الآن لترككم طعمة لحديد ابراهيم باشا. على كل حال، محمد علي تمكن عبر الأمير من ظلمكم وتدميركم. وأخيراً، يرفض الأمير بشير المشاركة من الآن فصاعداً في كل عمل من شأنه تحريك السلطة التي فقدها بغلطته، ولذلك باتت البلاد من غير ادارة وهي مهددة بأعظم الشرور. ان قوة الأحداث وخطورتها تتطلب قراراً كبيراً.
أيها الابناء! الأمير بشير، حكم عليه جميع قادتكم بأنه لم يعد جديراً بأن يحكم، ولذلك علقت جميع صلاحياته اعتباراً من اليوم، فان أحداً لا يمكنه أن يطيعه دون أن يتهم بالخيانة ويعاقب بالقسوة التي تقتضيها الظروف.
أيها الابناء، سوف تبقون جميعاً تحت قيادة قادتكم وحمايتهم وهم سوف يسهرون عليكم وعلى مصالحكم باهتمام أبوي كامل.
كونوا طائعين موالين، والله سوف ينصركم"(65).
اثر ذلك، قام الأمير الفرنساوي على رأس الثوار، باتجاه طرابلس، تاركاً معسكر نهر الصليب بعهدة المشايخ الموارنة والدروز، يساعدهم الأب ريللّو في القضايا الدبلوماسية(66).
أما القنصل بوريه، فلم تبرئه شكواه من الفيكونت، ولم يكن تعاطفه مع العصاة ليخفى على المصريين، فاتهمه سليمان باشا، في لقاء معه، صراحة بقوله: "انتم تحمون الثوار اذن؟"، دون أن يكون بوسعه تبرير نفسه، فحمل جوابه تأكيد التهمة "فرنسا لديها هنا واجبات حماية دينية، ونفوذ تعرفه تماماً، وهو فتح سلمي تكرّس عبر الأجيال، انها لا تريد أن تزيده، ولكنني استطيع أن أوكد لك أنه طالما أن صيانته بين يدي، فهو لن يصاب بأي ضعف"(67).
ومن ناحيته، لم يخف محمد علي استياءه من مداخلات الاجانب، فاستدعى قناصل فرنسا والنمسا وانكلترا وسردينيا العامين للاجتماع به في سراي رأس التين، في 21 حزيران، حيث جعلهم يتعهدون بتوجيه أوامر الى قناصلهم وموظفيهم القنصليين في دمشق وبيروت وصيدا تحظر على مواطنيهم كل اتصال بالعصاة، وتمنع كل علاقة معهم حتى عودة السلام الى المقاطعات الثائرة(68).
واتسع الاستياء من الأجانب، فتحرّكت موجة من العداء ضد كل ما هو اوروبي، ففي بيروت، راح الجنود المصريون يتجولون في الشوارع حاملين "البرنيطة الأوروبية مرفوعة على عصا"، وهم يمطرونها بالشتائم اظهاراً لكرههم للفرنسيين غير عابئين باحتجاح القناصل الاجانب(69)، ولم يسلم الأجانب من الشتائم والاهانات ، حتى اضطر كثيرون منهم الى مغادرة بيروت، فابحر "خمسماية أجنبي الى قبرص"(70).
وفي 27 حزيران، اعتدى بعض الجنود الأرناؤوط على المواطن الفرنسي، السيد رينو، موظف في شركة Jules Rostand التجارية في بيروت، فحوّل القنصل بوريه هذا الاعتداء الى قضية، اذ أبرق الى ادارته يخطرها بأبعاد هذه الحادثة مؤكداً أن "واقع الأمور في لبنان يفرض على فرنسا اما أن تتبنى الثورة وتحميها ضد محمد علي، وأما أن تدعها، برفضها تأييدها تنفتح أمام مساعدات الغير، فتكون قد تركتها ترتمي بين أيدي الآخرين المفتوحة لاستقبالها"(71).
ولم يلبث بوريه أن قصد حاكم بيروت بجماعة من الجالية الفرنسية حيث خاطبه بجرأة نادرة: "سيدي، انها المرة الخامسة التي يتعرض خلالها فرنسيون للاعتداء دون أن تأخذ العدالة مجراها، ان مثل هذه الحالة لا يمكن أن تستمر هكذا. اذا لم تأخذ العدالة مجراها خلال أربع وعشرين ساعة سوف أنزل رايتي"(72).
وقد أنزل القنصل الراية الفرنسية فعلاً، بعد أن رفض حاكم المدينة طلبه، ودعا الجالية الفرنسية في بيروت للتداول حول القرار الواجب اتخاذه حيال هذا الأمر، فقرّ الرأي على ارسال مندوبين من الجالية الفرنسية برفقة مدير السفارة الى الاسكندرية لاطلاع قنصل فرنسا العام على تطورات الحادثة والتزوّد بتعليماته.
أبحر الوفد الى الاسكندرية في اليوم التالي على متن السفينة الفرنسية La Diligente، فوصلها في 3 تموز، ليضع، فور وصوله، القنصل العام في حقيقة التطورات(73).
وما أن علم محمد علي بهذه التطورات، وما أفضت اليه من انزال الراية الفرنسية، حتى أدرك الابعاد التي يمكن أن تترتب عن ذلك، فتزداد التعقيدات في لبنان، وتتعزز ثقة العصاة بأنفسهم لأنهم سوف يرون في انزال الراية الفرنسية مقدمة لاعلان موقف فرنسي مؤيّد للثورة(74). لذلك سارع الى اعطاء القنصل الفرنسي العام كل الترضيات والضمانات التي طلبها، وكتب لتوه الى بيروت يأمره بما يلي:
"لك أنت محمود بك،
سوف تلاحق كل أولئك الذين يهاجمون أو يهينون فرنسيين أو محميين لهذه الأمة، تحاكمهم محاكمة قانونية، وتحتفظ بهم في السجن ريثما أكون قد أبلغتك بالعقاب الذي يتوجب أن ينالوه".
"الراية الفرنسية يجب أن يعاد رفعها في احتفال رسمي، تحييها فيه ثلاث مرات متعاقبة، تحية تشترك فيها كل بطاريات حصن بيروت وكل بطاريات السفن الحربية المتواجدة في مرفأ هذه المدينة، برشقة من احدى وعشرين طلقة مدفعية، تلك هي مشيئتي"(75).
وقد وضع محمد علي المركب البخاري Le Generoso، بتصرف قنصل فرنسا العام حرصاً منه على وصول أوامره بسرعة كبيرة الى بيروت، فغادر الوفد الاسكندرية في 5 تموز ليصل بيروت بعد أربع وعشرين ساعة(76)، وفي الثامن منه، وصلت الباخرة الفرنسية، La Diligente، الى بيروت، حاملة أوامر قنصل فرنسا العام، كوشليه، باعادة رفع الراية الفرنسية؛ ارتاح بوريه وأعلن حرصه على الحياد بين محمد علي والعصاة، واعداً بأن يحاول البحث عن وسيلة تجنبه الارتباط بأي تعهد مع الجبليين، وتمكنه من حمايتهم في آن واحد، بحيث يستطيع أن يوضح للجميع "بأن تأييدنا لسياسة الحاكم المصري ليس مطلقاً الى الحدّ الذي يجعلنا نتخلى عن المسيحيين، فلا نتحسس أوضاعهم"(77).
وقد جاء هذا الموقف الذي أعلنه بوريه منسجماً مع تعليمات حكومته التي تطلب اليه أن يعمل ما باستطاعته لتهدئة النفوس "دون أن تغرب عن باله مصلحتنا الملحة في رؤية هذه التعقيدات الجديدة تستبعد من المسألة الشرقية"(78).
وهكذا فان حكومة باريس تكون قد حسمت أمرها بعد طول تردد لتقرر بذل وساطتها في الصراع الناشب بين اللبنانيين والحكومة المصرية، بعد أن تأكد لها مضي الدول لعزل فرنسا وتكبيدها هزيمة من غير معركة، فعمل تيار على استدراك الخطر ومحاولة اخراج فرنسا من عزلتها، معتمداً وسيلتين اثنتين: جعل محمد علي يطلب وساطة فرنسا وحمايتها، وتشجيعه على ترتيب أوضاعه والاستعداد للمقاومة، وذلك من أجل توفير الوسيلة والفرصة للمداخلة لمصلحة مصر(79)؛ ومن أجل ذلك أرسلت الحكومة الفرنسية الى محمد علي عدة وفود رفيعة المستوى، تدعوه لاعتماد سياسة تسامح وتوفيق(80).
كما أرسلت وفوداً أخرى الى العصاة تحذرهم من الاستمرار في عصيان خطير وغير متكافئ، وتؤكد لهم اهتمام فرنسا بقضيتهم(81).
وفي اطار هذه السياسة الجديدة، تمنى بوريه و دي ميلوييز على البطريرك الماروني استخدام نفوذه من أجل تهدئة النفوس، ودعوة العصاة لوضع حد لعصيانهم(82)، كما أرسل بوريه بعض الموفدين الفرنسيين الى أنحاء الجبل لمراقبة مساعي الانكليز في اثارة المواطنين واحباطهم(83)، وتدخل لدى سليمان باشا محاولاً تقريب وجهات النظر وانهاء الخلاف بوضع حد لانتفاضة الجبليين، ولكنه فشل في جعل الباشا يعطي الوعود والضمانات التي ترضي الجبليين فيكفّون عن عصيانهم(84).
وجال جوانين في أنحاء كسروان والشوف لدراسة الاجواء النفسية السائدة لدى السكان ودعوتهم الى الهدوء(85)، فيما قام موفدون آخرون، من أمثال دوفال، وبودان(86) وبيريتييه، بدعوة الناس في أقاليم أخرى من لبنان الى التزام الهدوء ورفض عروض الانكليز(87) وبذل الأب لوروا، رئيس كلية عينطورة، الذي يحظى باحترام الجبليين، مساعيه الحميدة لتقريب وجهات النظر وحقن الدماء(88).
وقد استطاعت كثافة الاتصالات الفرنسية بالعصاة الحدّ من جموح الثورة، فخفّ الانخراط في صفوفها، وانحصر عدد المشاركين فيها بين 15 و20 ألف مقاتل(89)، وتضاءل عدد المعسكرين في أنحاء نهر الصليب الى أربعماية ثائر ماروني بعد أن عاد كثيرون الى ضياعهم وانسحب الدروز من القتال(90)، وما لبثت الفوضى أن عمّت هذا المعسكر، فاضطر الأمير الفرنساوي للانكفاء الى بيروت، في محاولة لمعالجة الوضع، ولكنه فشل واضطر الى الفرار من وجه المصريين ليختبئ في بعض أنحاء الجبل(91)، فأعلن المصريون عن جائزة لمن يسلم رأسه مقدارها نحو مليون وخمسماية ألف قرش(92).
لكن قائد السفينة الفرنسية، La Diligente، وقد عرف بالخطر الذي يتهدد حياة الفيكونت أنغروا، أرسل ضابطاً على رأس مفرزة، أثناء الليل، للبحث عنه في الجبل، وحمله الى السفينة؛ وفي صبيحة اليوم التالي، غادر الأمير الفرنساوي الى قبرص، ومنها الى استنبول، بينما استمر أوار المعركة على أشده في لبنان(93).
قد يتساءل المؤرخ عن طبيعة الحجج والوعود التي ساقها الموفدون الفرنسيون في وساطتهم بين الحكومة المصرية والعصاة؟، ولماذا فشلوا في محاولاتهم لحصر الخلاف بين اصدقائهم وحلفائهم؟.
إن الحجج التي قدمها الموفدون الفرنسيون للموارنة في تبرير ممارسات المصريين لم تكن مقنعة. فقد قالوا لهم إن "الزيادة المطردة في الضرائب كانت مفروضة على نائب الملك بنتيجة تهديدات الحرب المتواصلة التي كان أعداؤه يواجهونه بها، وهؤلاء هم في الوقت نفسه أعداء طمأنينة اللبنانيين؛ وان اللبنانيين أنفسهم خلقوا للباشا بثورتهم صعوبات جديدة، وأحيوا آمال الروس والانكليز العدائية؛ وأنه يجب على الباشا اتخاذ تدابير حازمة استعداداً لدفع العدوان الغاشم"(94)، كما وعدوهم بتحقيق أمانيهم وجعل العزيز يستجيب لشروطهم العادلة في إلغاء السخرة، والحدّ من جور الضرائب، والتخلي عن جميع الاسلحة والتجنيد الاجباري(95)؛ وأخيراً ذكّر جوانين الكاثوليك بتعاليم الانجيل المدهشة التي تأمرهم بالصبر والشجاعة والانقياد. " لقد شرحت لهم، عناية البابا الحكيمة والحازمة الذي ينظر بعين الأسى الى أبنائه المضلّلين. وهم يعيرون اذناً صاغية لأعداء الايمان… وقلت لهم أخيراً بأن مشاعر الروس والانكليز ازاء كاثوليك الشرق معروفة تماماً بحيث أنه ليس من الضرورة تحذيرهم منهم"(96).
لم تثمر الوساطة الفرنسية باعتراف بوريه نفسه الذي أسف لاخفاق كل مساعي التهدئة التي بذلها هو وأعوانه(97)، ويعود اخفاق المنتدبين الفرنسيين في مهمتهم الى عدة أسباب أهمها:
أولاً: قصور العروض الفرنسية وعجز الحجج التي توسلوها من أجل تهدئة النفوس واعادة السلام الى البلاد؛ فقد كان من الصعب، في الواقع، كظم غيظ شعب يموت من الجوع، ويعيش في الخوف والبؤس، عرضة للهوان والاذلال، بتذكيره بكلام الانجيل حول الصبر والاعتدال، مهما كان هذا الشعب تقياً ورعاً! اذ كيف تلقى الدعوة الى الهدوء صداها في بلاد يعيث فيها رجال الارناؤوط وخيّالة الأمير فساداً، يقترفون أقبح الذنوب بحق الشعب، يدمرون وينهبون، ويحرقون الضياع والبيوت، ويقتلون كل أولئك الذين تضعهم تعاسة حظوظهم في طريقهم؟ (98)، وقد واجه بعض اللبنانيين الوساطة الفرنسية بدهشة متسائلين "هل جهلت فرنسا الأضرار التي ألحقها بنا هذا الرجل (محمد علي) وأنواع المظالم التي أرهقنا بها منذ ساعدته الأقدار على امتلاك سوريا؟ ان هذه الشرور لا تحصى، ويكفي أن نقول ان مظالمه الفظيعة وضروب استبداده وجوره دفعتنا الى اليأس وأحيت بنا الرغبة الشديدة في الرجوع الى كنف حكومة جلالة سلطاننا عبد المجيد الأبوية…"(99)، وماذا تستطيعه، من ناحية أخرى، الكلمات والوعود في بلاد كل أبنائها على سلاحهم، في بلاد عرف فيها الانكليز والعثمانيون كيف يؤججون، بحذق وخبرة لا يجاريان، الحقد والكراهية، وكيف يثيرون جموح الشهوات، وكيف يسكنون بؤسها بمزيج الذهب والفضة؟.
بهذه الوسائل استطاع الانكليز، وبسهولة، تجاوز الحاجز الديني الذي كان يحول بينهم وبين العصاة المسيحيين، ليدعوا الى الثورة في كل أنحاء لبنان، وقد رأى جوانين، بعد عودته من مهمته، أن العصاة لم يكونوا في وضع يسمح لهم برفض الاعانات التي يتقدم بها الانكليز، كما أنه لم يكن بامكانهم رفض السلاح الذي يقدمونه لهم لطرد أولئك الذين تسببوا في بلائهم ليستعيدوا سابق رخائهم ويعودوا الى طاعة السلطان، سيدهم الشرعي(100).
والواقع أن الدعاية الانكليزية حققت، لبعض الوقت، تقدماً كبيراً في بعض الاوساط الكاثوليكية التي كانت لها ارتباطاتها التقليدية بفرنسا، فمما يذكر، أنه في أعقاب الضغوطات الخانقة التي مارستها جيوش محمد علي والأمير بشير، أقفل سكان بلدة غزير في كسروان كنيستهم، وأرسلوا مفاتيحها الى البطريرك قائلين له: "انهم يرغبون بحماية ومذهب الانكليز"(101).
وقد نشر الانكليز بين المسيحيين أخباراً تقول ان فرنسا لا تقف الى جانبهم ضد محمد علي، بل هي تحمي هذا الأخير في وجه القوى الأوروبية(102)، وان الموفدين الفرنسيين الذين يبشرون بالسلام والاعتدال في الجبل يقبضون من المصريين(103)؛ لذلك بدأت الشكوك تراود النفوس وتدفعها الى مقابلة هؤلاء الموفدين بالتهجم وعدم الثقة، فكنا نسمع المسيحيين يرددون أحياناً أمام هؤلاء الفرنسيين، "ان فرنسا تحمينا، كما تقولون، وانتم مسيحيون مثلنا، فلماذا إذن لا تقفون الى جانبنا ضد محمد علي المسلم؟، في الوقت الذي يحمينا فيه الانكليز الهراطقة…"(104)، وانتم، الى ذلك، "تقولون بان فرنسا أقوى وأقدر من الأمم الأخرى… فلماذا لا تأتي لطرد الانكليز، والحصول لنا من نائب الملك على التعويضات التي نطلبها؟…"(105)، فبالنسبة للعصاة، تختصر القضية ببضع كلمات: الانكليز يعملون، إذن هم أقوياء، والفرنسيون، رغم ما يبذله معتمدوهم من وعود، لا يعملون، إذن هم خائفون وبالتالي ضعفاء.
ولذلك فان بوريه، ودي ميلويير، وبرتو، وراتيمانتون، وموفدين آخرين الى سوريا، بذلوا جهوداً جبّارة لتعديل هذه الحالة النفسية لدى العصاة، ولكنهم لم يفلحوا.
ثانياً: عدم استعداد محمد علي للتجاوب مع الوساطة الفرنسية، واصراره على تنفيذ الاجراءات التي أثارت نقمة اللبنانيين وفجرت عصيانهم؛ فقد تخوفت فرنسا من تدخل عنيف يقوم به الحلفاء في سوريا ضد محمد علي، وتصورت أن بوسع العزيز قطع الطريق على مثل هذا التدخل باصلاح ذات البين مع العصاة؛ ولذلك أرسلت رجل ثقة الى مصر هو السيد واليوسكي الذي وصل الى الاسكندرية في 29 ايلول سنة 1840، قادما من استنبول(106) مزوداً بتعليمات دقيقة ليعمل مع قنصلها العام، كوشليه، على حث الوالي لانهاء انتفاضة سوريا بأي ثمن، لأن في ذلك تفويت الفرصة على الحملة الأوروبية التي يتزعمها بلمرستون(107)، وقد جاء في هذه التعليمات: "اذا تمكن الوالي من احلال السلام في لبنان، وجعل الاسكندرية وعكا بمأمن من كل هجوم، وحشد جيوشه في سوريا ليمسك بزمامها، وفي سفوح جبال طوروس، ويكون مستعداً لصد أعداءه والتهديد بالانقضاض عليهم، لأصبح عندئذ في وضع لا ينال منه أحد، ولا مجال لاضعافه أو ارغامه على أي شيء، ولسقطت مشاريع البلاطات الأربعة، ذلك أن هذه الدول لا تملك أية وسيلة ضغط مباشرة لارغامه على أي تنازل. وعندئذ تتحقق أهدافه وأهدافنا، ولكن الأمر لن يكون كذلك اذا تبع محمد علي عواطفه العدائية، وسعى الى أكثر من ذلك، بدل أن ينتهج هذه السياسة الرزينة…"(108).
وكان الفرنسيون يأملون أن يتفهم محمد علي مطالب العصاة العادلة، فيعمل على رأب الصدوع الداخلية استعداداً لمواجهة الاستحقاقات الدولية التي كانت تلوح في الأفق، ولذلك كثّف كوشليه ومرافقه اتيان مساعيهما لدى محمد علي في الاسكندرية لجعله يوافق على تنازلات مهمة تسهم في اعادة السلام الى البلاد(109)، فكانا يأملان الحصول من محمد علي على أمر يقضي بعودة المشايخ المنفيين الى سنار، والموقوفين في سجون عكا، الى لبنان(110)، وبإلغاء السخرة والضرائب الجائرة، والموافقة على اعطاء الجبل حكماً ذاتياً مقابل أتاوة سنوية تدفع لمحمد علي تجاوز تلك التي يدفعها له الأمير بشير(111)، موضحين أن التعليمات الواردة من حكومتهم تؤكد أن ذلك يأتي في مصلحة العزيز لأنه "…اذا لم تخضع سوريا، فان الباشا سيكون في أسوأ أوضاعه، يجب اخضاعها بالسلاح والعفو، فاستناداً الى كل ما يردنا من سوريا، يستطيع النفوذ الفرنسي عمل الكثير فيها، فانظر ما يمكن القيام به، اقترح على محمد علي بأن يمنح اللبنانيين بعض الضمانات، بكفالة فرنسا. احمل هذه الضمانات بنفسك اذا لزم الأمر، وليعط محمد علي خطاً شريفاً… من الممكن أن تكون هذه الوسيلة، اضافة الى قوة السلاح، نافعة في القضاء على تدابير اللورد بلمرستون التي تستند كلها الى انتصارات الثائرين في سوريا" (112).
تلك هي الشروط العملية التي رأتها فرنسا كفيلة باعادة الهدوء الى لبنان، ولكن السلطات المصرية أساءت فهم الوساطة الفرنسية ومساعي المندوبين الفرنسيين، فاعتبرتها تدخلاً في شؤون تعنيها وحدها، ولذلك لم تقدم لها التسهيلات المطلوبة للنجاح، وكانت حريصة على عدم اعطاء العصاة أي تنازلات لاعتقادها أن اللبنانيين لن يعاودوا التحرّك اطلاقاً، وقد كتب واليوسكي في 24 آب سنة 1840، يقول: "لقد أكد لي (الباشا) بأنه بالغ الارتياح بالنسبة لمحاولات القوى في اثارة سوريا". وفيما يلي حجته "ماذا يمكهم أن يفعلوا؟، نشر الدعوات، توزيع الأموال والأسلحة والذخائر؟، كل ذلك سوف يكون من غير فائدة… وعلى كل حال جيوشي تحتل السهل، والأمير بشير مخلص لي كل الاخلاص، وهو يحتل قمة الجبل بثلاثة أو أربعة آلاف رجل زودتهم بالاسلحة. فاذا حاول الجبليون التحرك، سوف يجدون أنفسهم بين نارين، ومن الذي يقدم لهم الدعم؟، ستة آلاف ألباني سوف ينزلهم الانكليز على الساحل"(113). وهي، أي السلطات المصرية، وان قبلت بفتح باب الوعود والمفاوضات معهم أحياناً، فانها لم تفعل ذلك إلاّ تمويهاً وكسباً للوقت، فمما يذكر أن بحري باشا، كتب، عندما تأزمت الأوضاع بين العصاة والمصريين، الى البطريرك الماروني، بطرس حبيش، والأسقف أغابيوس، مطران طائفة الروم الكاثوليك، طالباً إليهما تهدئة ثورة الجبليين، ومتعهداً بإلغاء الضرائب والاعباء التي يشكو منها الثوار، والعمل للحصول على تنازلات لصالحهم.
وقد ردّ البطريرك والأسقف، بعد العودة الى الثوار، على بحري باشا، بأن الجبليين يأبون العودة الى الهدوء إلّا على أساس الشروط التالية:
1-إلغاء جميع أنواع السخرة التي تفرض عليهم من غير أجر.
2-التخلي عن استثمار منجم الفحم، حتى لا يكونوا مكرهين على العمل فيه.
3-عدم تحصيل الفردة إلّا مرة واحدة في السنة، وإلغاء أسماء المتوفين من لائحة التحصيل.
4-ترك أسلحتهم لهم، وفق التعهد الذي أعطاه لهم محمد علي، منذ عامين، أثناء ثورة حوران.
5-إلغاء التجنيد الاجباري.
6-أن تمنحهم السلطات كل الحماية، خصوصاً عند توجههم من الجبل الى المدينة في أعمال لهم.
وعندما نقل بحري باشا جواب الجبليين الى ابراهيم باشا، أجاب بأنه سوف يعلم والده بها وينتظر جوابه عليها، ولم يكن جواب الباشا سوى أوامر وجهها الى ابنه ابراهيم باشا بضرورة التشدد مع الثوار، موضحاً له بأن مفاوضات بحري باشا لم تكن إلّا كسباً للوقت من أجل ارسال التعزيزات، بالرجال والأموال والعتاد العسكري، لاستئصال الثورة والثوار(114)؛ وذلك ما يبرر انعدام ثقة العصاة بالمصريين ووعودهم(115)، فكانوا يصرّون باستمرار أن تقدم لهم الوعود والعروض بضمانة من قناصل الدول الأوروبية(116).
وهكذا فان سؤ نية محمد علي، وعدم ثقة العصاة بوعوده، تعاونا لتفشيل الوساطة الفرنسية التي لربما كان في نجاحها خير للفرنسيين والمصريين واللبنانيين على السواء.
ثالثاً: الى هذه الصعوبة السياسية والاجتماعية، يمكن اضافة عناصر أخرى أسهمت في تأجيج العصيان وعرقلت مساعي السياسة الفرنسية في تهدئة الأوضاع، ويتعلق ذلك بالدور الذي لعبه بعض المرسلين والرعايا الفرنسيين في تأليب اللبنانيين ضد الأمير بشير والمصريين، نذكر منهم خصوصاً الأب اليسوعي ريللّو الذي لعب دوراً كبيراً في اثارة مشاعر اللبنانيين وتزويد انتفاضتهم بالدعم السياسي والمادي، حتى اضطر القنصل الفرنسي، دي ميلوييز، أن يطلب من وزير الشؤون الخارجية الفرنسية استدعاءه الى خارج البلاد(117)، كما نذكر الفيكونت أنغروا، والموسيو ف.، وهو ضابط بيدمونتي مغامر، والموسيو س.، رحّالة فرنسي كان يتعلم اللغة العربية في ذوق مكايل، وسواهم ممن أسهموا في توجيه الثورة وقيادة مقاتليها(118).
رابعاً: ويمكن اضافة سبب آخر أدى الى فشل مساعي التهدئة الفرنسية، وهو يتجلّى في اقتصار هذه المساعي على المسيحيين، واهمالها الدروز والمسلمين الذين كانوا يشاركون في العصيان، فقد ركّز الموفدون الفرنسيون مداخلاتهم لدى المسيحيين، وخصوصاً الموارنة، مهملين العنصر الدرزي خصوصاً، على ما كان له من دور في تقرير خيارات السياسة اللبنانية يومذاك، فكان ذلك سبباً في احجام الدروز عن التدخل لانجاح سياسة الحكومة الفرنسية(119).
ومهما يكن، فان بوريه اعتبر، بعد هذه المداخلات الكثيفة التي بذلها الفرنسيون بين المصريين والعصاة، بانه قد استعمل كل النفوذ الذي يخوله اياه مركزه، كقنصل لفرنسا، من أجل الحدّ من الانفعالات(120)، وكأنه بذلك يستقيل من مهمة "الوساطة الايجابية" ليعود الى قناعاته الأولى في أن مصلحة فرنسا هي في الوقوف الى جانب الموارنة وتدعيم وضعهم في لبنان.
ولكن الأوضاع الدولية كانت تتألب في غير مصلحة فرنسا ومحمد علي، فرأت فرنسا أن تصون الباشا من شرّ فتنة في لبنان تضعف مقاومته أمام تحالف القوى الأوروبية الذي يستهدف مصالح فرنسا في الشرق من خلال استهداف محمد علي، وكان بعض أكابر السياسة الفرنسية يخالفون بوريه موقفه من انتفاضة اللبنانيين، ويرون فيها تعارضاً مع التحالف الفرنسي-المصري، فقد رفض الموسيو دوزاج، مدير عام وزارة الشؤون الخارجية، منذ البداية، موقف بوريه "الأخرق"، موضحاً بأن متطلبات السياسة العامة قد غابت عنه، "فبدا أكثر اهتماماً بعدالة شكاوى العصاة، وبالخطر الذي يتهدد حمايتنا، منه بضرورة وقف أو تدارك ما يمكن أن يتعارض مع الحلّ الملحّ للمسألة الكبرى بين الباب العالي ومصر"(121).
فالمسألة الشرقية الكبرى كان حضورها مكيناً في الخلاف المحلي، ومنظورها كان معياراً فاعلاً في تحديد تراتبية الأهمية، ولكن تبعية الخلاف المحلي للاهتمامات الكبرى في السياسة المتوسطية، لم تؤدّ الى طمس قضاياها وصرف النظر عنها. فالمسؤولون في باريس، لم ينسوا اطلاقاً التزامات فرنسا الدينية في حماية الموارنة، ولذلك نرى دوزاج يفنّد، في تعليماته الى كوشليه، قنصل فرنسا العام في الاسكندرية اهتمامات السياسة الفرنسية كما يلي: "سوف نحمي، اذا وجب الأمر، سكان لبنان ضد مصر، كما حميناهم من قبل ضد باشوات الباب العالي، ولكن من أجل ذلك، لا ثورات، ولا أحلام استقلال، ان بوريه يذهب بعيداً في أحلامه"(122).
وهكذا، فان استقلال جبل لبنان، الأمل الذي كان يراود العصاة، والذي رأى فيه بوريه أفضل الحلول التي تصون المصالح الفرنسية، كان بنظر باريس وهماً، فلم تكن سائر الدواوين التابعة لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية ترى له وجوداً سوى في مخيلة بوريه، حتى إن تيار نفسه، اضطر الى التدخل للحدّ من اندفاع قنصله المتهور وانحيازه الى العصاة، فكتب الى كوشليه يأمره باستدعاء بوريه من بيروت، على وجه السرعة، بعد أن مال عن جادة التعقل والحذر، واضعاً بتصرّفه أحد المركبين البخاريين الراسيين في الأسكندرية للتصرف بأقصى سرعة من أجل تعيين خلف لبوريه في بيروت، "فالاخبار التي جاءتني بها البحرية تقضي بهذا، فبقاؤه في مركزه، في منطقة مضطربة يشكل خطراً أكيداً. وعليك أن تسرع ما استطعت لأنك اذا أبقيته حيث هو فلا شك أن ألأحوال ستزداد بلبلة وتعقيداً. وقد علمت أنه تألف في بيروت هيئة من شبان فرنسيين وأوروبيين يرون أن ثوار لبنان جديرون بالعطف والتأييد. وخطأ بوريه أنه يشاطرهم أفكارهم وعواطفهم. فقد اقترح عليّ خلق امارة مسيحية في لبنان مرتبطة بفرنسا. وقد امتطى هذا الوهم، فكاد يجرّنا الى أصعب المواقف. ان كل شدة سياسية نستعملها ضد هذا القنصل تكون أقل وأخف مما يستحق. وما قيمة أوهامه بالنسبة الى ما لنا من مصلحة في أن تكون سوريا خاضعة لارادة محمد علي"(123).
ولم يلبث تيار أن وجّه أوامر شخصية تقتضي باستدعاء بوريه وتكليف دي ميلوييز مكانه، فتلقى بوريه في 29 تموز سنة 1840، البرقية التالي نصها:
"سيدي القنصل،
حكومة الملك تستدعيكم الى فرنسا، لو أردتم مغادرة بيروت فور تبلغكم هذا الأمر، على مستشار القنصلية أن يتولى أعمال القنصلية حتى وصول خلفكم. تيار"(124).
ولا يخفى ما في هذا الأمر المقتضب من ادانة لمسلك بوريه الذي كرر تيار تنديده بموقفه، في 29 أيلول 1840، "لأنه أخطأ في فهم الوضع، وليس لأنه حمى الموارنة"(125).
والواقع أن غضب تيار من سياسة عامله في بيروت يعود الى ما كانت تضعه انتفاضة اللبنانيين من عوائق في سبيل سياسة الحكومة الفرنسية الشرقية، فهي تحرم تيار من ورقة رابحة أساسية في مجابهة أوروبا المتحالفة ضدّ فرنسا، فاذا كان تيار قد فكّر فعلاً بالحرب، فقد كان يعلم تماماً أن أهبة فرنسا للحرب غير مكتملة، وقد اعترف، في رسالة له الى مستشاره واليوسكي، بتاريخ 7 أيلول 1840، بأن الفرنسيين "لن يكونوا جاهزين عسكرياً إلّا في الربيع"، ولذلك يجب "تأخير الكارثة" بــ "…اطالة صبر نائب الملك أطول مدة ممكنة"(126).
وقد اعتقد تيار أن السلام في لبنان هو المدخل الصحيح لتمكين الباشا من الصمود أمام الهجمة التي تستهدفه وتستهدف النفوذ الفرنسي في الشرق، فكتب الى واليوسكي وكوشليه يحيطهما علماً بمهمة الأب اتيان "…أرسلت لكم عوناً كبيراً لنائب الملك، انه الرئيس العام للرهبانية العازرية، الأب اتيان، الذي له، في لبنان، النفوذ الواسع الذي تتمتع به رهبانيته. سوف يذهب ، باسم فرنسا، لتهدئة الخواطر المضطربة، ولكن يجب أن لايصل خالي الوفاض، يجب أن تبتكروا بعض أعمال العفو عن الشيوخ المتهمين أو الموقوفين، وبعض الوعود بالضمانات، وبعض التنازلات… يحملها الأخ اتيان باسم فرنسا ونائب الملك… اللغة التي يتكلم بها في تلك الأقاليم هي أن فرنسا سوف تحمي المسيحيين اذا لم يكونوا عصاة… وهي لن تستطيع أن تنقذهم من السيف المصري اذا كانت لديهم حماقة الخضوع للايحاءات الغربية…(127).
ويبدو أن المهمة التي أسندت الى اللعازاريين لم تخف على الحلفاء اذ إن ميديم، قنصل روسيا في الاسكندرية، نقل الى وزيره، نسلرود، في تقريره المؤرخ في 25 أيلول، أنه "كان على نفس المركب الرئيس العام للآباء اللعازاريين، الأب اتيان، الذي تابع في صباح اليوم التالي رحلته الى بيروت، ومنها سينطلق الى الجبل للدعوة لمحمد علي بين الموارنة. وينتظر وصول عدد من الآباء اللعازاريين على باخرة البريد الفرنسية القادمة للانضمام الى رئيسهم"(128).
ولكن التطورات العسكرية كانت أسرع من الأب اتيان، فأقفلت عليه طريق الدخول الى الجبل لتأدية المهمة المناطة به، واضطرته، في أواخر أيلول، الى المغادرة الى الاسكندرية معتذراً(129).
كانت عودة الأب اتيان خاتمة المساعي الفرنسية البائسة للتوفيق بين محمد علي والثوار، انحرفت بعدها الأوضاع في سوريا باتجاه المواجهة السافرة التي أدت الى ابعاد الأمير بشير منفياً الى جزيرة مالطا، وانكفاء محمد علي الى مصر، وعزلة فرنسا التي دفعت ثمن ترددها أمام أعدائها، وتموجها بين حلفائها وأصدقائها.
وفي 10 تشرين الثاني سنة 1840، أرسل كوشليه تقريراً عن الأوضاع الداخلية في المنطقة الضائعة، جاء فيه: "… الفوضى في كل مكان، ليس هناك من سلطة تستطيع أن تفرض احترامها وطاعتها، الانكليز هم موضع حرم في لبنان الى حد أن الجبليين لا يريدون أن يقرّوا بأن البروتستانت اعطوهم البنادق. يقولون أن النمسا هي التي زودتهم بها. فرنسا هي وستبقى دائماً القوة العزيزة والمرغوبة…"(130).
إن أصدق ما في هذا التقرير هو الفوضى التي عمّت سوريا في أعقاب التطورات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة، مما أدى الى فراغ سياسي نشطت القوى الأوروبية لملئه والافادة منه، فانفتح الشرق العربي أمام حشد هائل من الوسائل السياسية والاقتصادية والمالية والدينية التي تنافست لاكتساب طوائف المنطقة وجماعاتها وتبني ذهنياتها.
ولم تتوان فرنسا، على الرغم من فشلها وانصراف الناس عنها، عن قبول التحدّي، خصوصاً في لبنان، معتمدة على ما لها من رصيد ونفوذ تاريخيين فيه، وقد أدرك ساستها أن اعادة الثقة بمصداقية السياسة الفرنسية هو المدخل الأمين لكسب الرهان في السباق المحموم، فارتأى غيزو، رئيس وزرائها، الاستعانة ببوريه، قنصل فرنسا السابق في بيروت، معولاً على ما لديه من خبرة بأمور الشرق والسياسة العثمانية، وعلى ما له من علاقات متينة مع أعيان لبنان والاكليروس الماروني(131) من أجل اعادة اعتبار فرنسا في الشرق وحماية مصالحها أمام هجمة القوى المنافسة لها.
المصادر والهوامش:
1-Sami Abi Tayeh, Structure socio-juridique du phénomène électoral au Liban ,Beyrouth 1982, T.1, P.40.
2-سميليا نسكيا، الحركات الفلاحية في لبنان ، تعريب عدنان الجاموس، دار الفارابي للنشر، بيروت 1972، ص.72.
3-مسعود ضاهر، الهجرة اللبنانية الى مصر "هجرة الشوام"، بيروت 1986، ص. 126، نقلاً عن محمد كرد علي، الحكومة المصرية في الشام، محاضرة ألقيت في القاهرة في 5 شباط 1925، نشرت في المجلد الأول من مجلة الزهراء وأصدرتها المطبعة السلفية، مصر، في 52 صفحة.
4-اميل خوري وعادل اسماعيل، السياسة الدولية في الشرق العربي، الجزء الثاني، بيروت 1960، ص. 222.
5-M. Sabry, L’empire égyptien sous Mohamed-Ali et la question d’orient 1811-1849, Paris 1930, P. 448.
6-Ibid, P. 495.
Athanaze G. Politis, Le conflit turco-égyptien de 1838-1841 et les dernières années du règne du Mohamed Ali d’apres les documents diplomatiques grecs, Le Caire 1931, P. 89.
7-Athanaze G. Politis, op. cit., 89-90.
8-Achille Laurent, Relation historique des affaires de Syrie depuis 1840- jusqu’en 1842, Paris 1846, P. 18.
9-اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ص. 222.
10-Adel Ismail, Histoire du Liban du XVIIe Siècle à nos jours, Beyrouth 1958, t IV, P. 42.
11-مسعود ضاهر، مرجع سابق، ص. 126.
12-لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديثة، ترجمة د. عفيفة بستاني، دار التقدم، موسكو، لا ت، ص. 140.
13- M. Sabry, op. cit. , P. 495.
14-طنوس الشدياق، كتاب أخبار الاعيان في في جبل لبنان، تحقيق فؤاد افرام البستاني، بيروت 1970، الجزء الثاني، ص. 460.
15- J. Hajjar, L’Europe et les destinées du Proche-Orient 1815-1848, Paris, 1970, P. 300.
16-M. Bourrée, consul de France à Beyrouth, à M. Thiers, président du conseil des ministres, ministre des affaires étrangères, Beyrouth, le 21 Mai 1840.
In A. Ismail, Documents diplomatiques et consulaires relatifs à l’histoire du Liban et des -pays du proche- orient du XVIIe siècle à nos jours, Beyrouth 1976, t.6, P. 24-30.
17- J. Hajjar, op. cit., P. 311.
18-يصفه أشيل لوران بأنه كان أحد قادة العصيان الجريئين، فكان يبشر بالحرب الصليبية، وكان مكلفاً، خصوصاً، بتموين مخيم الثوار بالبارود والرصاص، وعندما بدأت الثورة، أعطى محمود بك، حاكم بيروت، أوامر صريحة لقادة المراكز المصرية المكلفة بحراسة بوابات المدينة بعدم السماح بخروج الأسلجة والبارود والرصاص تحت طائلة الأشغال الشاقة، كما ربط خروج السلع بحيازة تذكرة ممهورة بخاتمه. وقد استطاع الأب ريللّو الحصول من محمود بك على تذكرة تخوله نقل كمية من الأرز من المدينة مدّعياً حاجته اليها في أديار الجبل؛ وضع الأرز في قفف ضخمة، حملها بغل قوي، وقد وضع الأب ريللّو، تحت الأرز، أكياساً من البارود والرصاص كان قد حصل عليها من التجار الأوروبيين في أسواق بيروت. ويفصّل المؤرخ لوران عملية تهريب الأسلحة مؤكداً على جرأة ومهارة الأب ريللّو الذي قدّم تذكرة المرور الى ضابط المركز، عند بوابة المدينة، دون أي تردد أو خوف، وكان هذا الضابط مستوياً على سجادة ممدودة على صخرة كبيرة، وهو يحاول تشغيل نارجيلته، فلم يكلف نفسه مشقة النهوض للكشف على نوعية الحمولة، بل اكتفى بمعاينة الأرز من بعيد، ليقول للأب: "طيب مع السلامة". ويؤكد لوران أن هذه المحاولة الناجحة تكررت عدة مرات حتى تم تزويد الثورة بحاجتها من البارود والرصاص.
Achille Laurent, op. cit., t.1, P.49-50.
19-J. Hajjar, op. cit., P. 311.
20-Ibid., P. 311.
21-Ibid., P. 312.
22-يوسف الدبس، من تاريخ سوريا الديني والدنيوي، المطبعة العمومية، بيروت 1905، المجلد الثامن، ص. 655.
M. Sabry, op. cit., P. 495.
23-M. Sabry, op. cit., P. 495.
24-محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية، دار الجيل، بيروت 1977، ص. 242.
25-أسد رستم، بشير بين العزيز والسلطان 1904-1840، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1966، الطبعة الثانية، ص. 178.
26-انظر على سبيل المثال تقرير الموسيو بوريه الى المسيو تيار، رئيس الحكومة الفرنسية ووزير الشؤون الخارجية، بتاريخ 21 أيار سنة 1840.
In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 24-30.
27-M. Sabry, op. cit., P. 493.
28-Ibid., P. 501.
29-J. Hajjar, op. cit., P. 312.
30-Pierre Renouvin, Histoire des relations internationals, Paris 1954, t.v, P. 312.
31-Adel Ismail, Histoire du Liban…, t. IV, p. 78.
32-M. bourrée à M. Thiers, le 30 Mai, 3 et 12 Juin, 10 Juillet, et 2 Aout. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 36-39 et 42-44 et 56-61 et 104-105 et 114-122.
33-M. bourrée à M. Soult, Ministre des affaires étrangères. le 27 février 1840 In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 17-21.
34-Ibid., P. 20-21.
35-M. bourrée à M. Thiers, le 9 Avril 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 23-24.
36-M. Sabry, op. cit., P. 480.
37-يعزو بازيلي فكرة الامارة الكاثوليكية الى المرسلين اليسوعيين الذين، على حدّ ما يلمّح، أوحوا بها للموسيو بوريه.
بازيلي، سوريا ولبنان وفلسطين تحت الحكم التركي من الناحيتين السياسية والتاريخية، ترجمة د. يسر جابر، مراجعة د. منذر جابر، الطبعة الأولى، بيروت 1988، ص. 267.
38-M. bourrée à M. Thiers, le 21 Mai 1840. In Documents diplomatiques…, op. cit., t.6, P. 24-30.
39-Dominique Chevallier, La société du Mont-Liban a L’époque de la révolution industrielle en Europe, Paris 1971, P. 161.
40-اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ج2، ص. 230.
41-Dominique Chevallier, op. cit., P. 161.
42-بازيلي، مصدر سابق، ص. 265. إن رأي بازيلي هذا لا يجسد الحقيقة كاملة، بدليل ما ورد عن مساعي الدول الأوروبية في تحريض اللبنانيين، في الصفحات القليلة السابقة.
43-المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
44-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.21.
45-هو الكونت أنغروا الذي كان قد استقر في بلدة ذوق مكايل، بالقرب من كلية عينطورة، معتزماً تعلم اللغة العربية فيها.
46-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.21-22.
47-Ibid., P. 22.
48-Ibid., P. 23.
49-Ibid., P. 23.
50-M. bourrée à M. Thiers, le 27 Mai 1840, In A. Ismail, Documents …, op. cit., t.6, P. 31-32.
51-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.29-30.
52-Ibid., t.1, P. 34-45.
ويذكر بازيلي، قنصل روسيا في بيروت، في تقريره الى الموسيو تينيف، مندوب روسيا في الآستانة، بتاريخ 11 حزيران 1840، خلاف ذلك، ان "لا رئيس للثورة حتى الآن بل تتخذ جميع القرارات جمهورياً بعد مداولات عمومية وعلنية". في فيليب وفريد الخازن، المحررات السياسية والمفاوضات الدولية عن سوريا ولبنان من سنة 1840 الى سنة 1910، مطبعة الصبر، جونيه 1910، المجلد الأول، ص. 7.
53-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.45-46.
54-Ibid., t.1, P. 46-48.
ترك بازيلي، قنصل روسيا في بيروت، صورة لمشهد اجتماع الثائرين ودور الفيكونت أنغروا فيه، لا تخلو من المبالغة، ننقل منه ما يلي: "التصق الكونت أنغروا بالمتمردين، مبرزاً نفسه محرّضاً ومشجعاً للمأثرة المسيحية، وقائداً للمعسكر المتقدم الذي ستهبّ أوروبا في أثره صفاً جديداً من الملاحم الرومنطقية التي اشتهر بها القرنان الحادي عشر والثاني عشر. كان في حوزة حفيد الصليبيين هذا عدة آلاف من الفرنكات، ادخرها نفقات لرحلته الى الأماكن المقدسة، وبدافع من رسالته الخيالية، عرض على الجبليين تشكيل ميليشيا واقترح نفسه زعيماً لها. قُبل عرضه بسرور، لأنه كان يدفع يومياً للمجند الواحد قرشين (10 كوبيك فضي) من خزينته (ولا نقول من جيبه)، وبما أن أياً من النبلاء المحليين لم يكن ليقبل أن ينصب نفسه علناً زعيماً للتمرد، فان ضيف ما وراء البحار سعد بجمع ألفين أو ثلاثة آلاف شخص تحت رايته".
"…مزّق الكونت القائد المتحمس، وفي غمرة انفعاله في احدى خطبه النارية، التي لم يكن سامعوها ليفهموها حتى مع الترجمة، معطفه نتفاً صغيرة وأقنع الجبليين أن يخيطوا منها صلباناً على ثيابهم، كأعلامه التي كانت ترتسم عليها صلبان القدس، مهزلة الخرافات الروحية هذه المآثر الملتهبة لـ "بيتر بوستينيك" والقديس برنار، وهي مآثر تابعة لقرن آخر ووطن آخر، تبدّت في قسم وشعار تلك الفترة، أما الموت والسلاح في اليدين، وأما طرد المصريين من سوريا، اتخذ الكونت لنفسه لقب قائد الجيش وعيّن آخرين غيره من المشرّدين الأوروبيين في مناصب، آمر غرفة العمليات… وفي مناصب أخرى". بازيلي، مرجع سابق، ص. 266.
55-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 48.
56-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.48.
57-Ibid., t.1, P. 52-53.
58-أسد رستم، مرجع سابق، ص. 178.
59-المرجع نفسه، ص.179.
60-المرجع نفسه، ص. 178-179.
61-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 45-49.
62-اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ج2، ص. 228.
63-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 42-44.
64-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 67-68.
65-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.70-73.
66-Ibid., t.1, P. 74.
67-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 71-76.
68-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.65.
69-Ibid., t.1, P. 69.
70-Ibid., t.1, P. 84.
71-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 79-82.
72-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.85.
73-Ibid., t.1, P. 88.
حول تفاصيل هذا الحادث، راجع أيضاً، تقرير المسيو Tossiza، القنصل اليوناني في الاسكندرية، بتاريخ 6 تموز 1840.
In Athanaze G. Politis, op. cit., P. 109-110.
74-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.88.
75-Ibid., t.1, P. 89. Athanaze G. Politis, op. cit., P. 109.
76-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.89.
77-M. bourrée à M. Thiers, le 3 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 95-96.
78-Instruction de Paris à M. bourrée du 27 Juillet 1840, In A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 80.
79-M. Sabry, op. cit., P. 506.
80-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 81.
81-Ibid, P.81.
82-M. bourrée à M. Thiers, le 18 Aout 1840. M. meloizes, Consul de France à Beyrouth à M. Thiers, 3 septembre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 142-143 et 166-168.
83-M. Jouannin, chanceller, gérant Le consul de France à Beyrouth à M. Thiers, le 21 Aout 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.148-150.
84-M. bourrée à M. Thiers, le 24 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 71-76.
85-M. meloizes, Consul de France à Beyrouth à M. Thiers, 15 septembre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.188-189.
86-قام بدوان من دمشق الى لبنان، بطلب من حكومته، ليؤكد للأمير بشير الثاني، وللبطريرك الماروني، وللآباء اللعازاريين في عينطورة، وللشيخ بطرس كرم، أن فرنسا لن تتنازل عن حماية الموارنة والدفاع عن حقوقهم المشروعة، ولكنها لا ترضى عن المشاغبة التي يقوم بها البعض ضد محمد علي.
-أسد رستم، مرجع سابق، ص. 203.
87-M. Jouannin, à M. Thiers, M. meloizes, à M. Thiers, 3 septembre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.148-150 et 166-168.
88-M. L’abbé Etienne, procureur général des Lazaristes à M. Thiers, 2 octobre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P 212-219.
89-M. bourrée à M. Thiers, le 2 Aout 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 114-121.
90-هناك روايتان يذكرهما أشيل لوران حول انسحاب الدروز: الأولى تقول أن محمد علي تمكن من شراء الدروز بالأموال التي أرسلها الى الأمير بشير مع المركب البخاري Le Generoso، الذي نقل الوفد الفرنسي الى بيروت. والثانية تؤكد أن نفوذ الأب ريللّو كان له دوره في ذلك، فقد تعاون مع الحكومة المصرية من أجل الحصول على ترخيص بناء مدرسة في بيروت لتعليم اللغة الايطالية للأطفال المسلمين والمسيحين.
-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.96.
91-يسجل بازيلي تنحي الكونت بأسلوب ساخر "أنغروا الذي تسمى بالنجنرال اللبناني الأعظم، أنفق أمواله خلال أسبوعين، فانفرط عقد عسكره وتخلى عن راياته الأخاذة". بازيلي، مرجع سابق، ص. 267-268.
92-375 ألف فرنك فرنسي. Achille Laurent, op. cit., t.1, P.98.
93-Ibid, P. 99.
94-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 83.
95-M. bourrée à M. Thiers, le 12 et 24 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 56-61 et P. 71-76.
96-M. bourrée à M. Thiers, le 6 Juin 1840. M. Jouannin, à M. meloizes, 1 octobre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 45-49 et P. 202-209.
97-M. bourrée à M. Thiers, le 2 Aout 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 114-121.
98-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 85.
99-عريضة أهالي جبل لبنان الى الكونت بونتوي، سفير فرنسا في الاستانة، تموز 1840. فليب وفريد الخازن، مرجع سابق، ج. 1، ص. 13-14.
100-M. Jouannin, à M. meloizes, 1 octobre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P. 45-49 et P. 202-209.
101-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 85.
102-M. bourrée à M. Thiers, le 27 Juin 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.97.
103-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 86.
104-M. bourrée à M. Thiers, le 2 Aout 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.114.
105-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 87.
106-Athanaze G. Politis, op. cit., 117.
107-كانت السياسة الفرنسية ترى أن الثورة اللبنانية هي الثغرة المناسبة أمام التحالف الأوروبي للتدخل في سوريا ضد محمد علي، فقد خاطب الموسيو غيزو اللورد بلمرستون، في مذكرة اليه بتاريخ 24 تموز 1840، بقوله: "لا ريب في أن ثورة بعض سكان لبنان هي الفرصة التي اعتقد فريق إمكان انتهازها لايجاد وسائل التنفيذ التي عدمها حتى الآن". اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ج. 1، ص. 15.
108-اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ص. 15.
109-M. Sabry, op. cit., P. 501-502.
110-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 84.
111-M. bourrée à M. Thiers, le 21 Mai 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.24-30.
112-J. Hajjar, op. cit., P. 518.
113-M. Sabry, op. cit., P. 501-502.
114-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.79-80.
115-M. bourrée à M. Thiers, le 30 Mai 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.36-39.
116-M. bourrée à M. Thiers, le 11 et 12 Mai 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.54-55 et P. 56-61.
117-M. meloizes, à M. Guizot, Ministre des affaires étrangères, 23 Mars 1841. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.349-351.
118-Achille Laurent, op. cit., t.1, P.95-96.
119-A. Ismail, Histoire…, op. cit., P. 88.
120-M. bourrée à M. Thiers, le 10 Juillet 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.104.
121-J. Hajjar, op. cit., P. 517.
122-Ibid., P. 517.
123-اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ج. 2، ص. 228-229.
124-M. Thiers à M. bourrée, le 29 Juillet 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P.111.
125-J. Hajjar, op. cit., P. 518.
126-Ibid., P. 518.
يؤيد محمد فريد هذا التوجه لدى السياسة الفرنسية عندما يذكر أن "فرنسا اتباعاً لرأي الموسيو تيير كانت تستعد للقتال مساعدة لمحمد علي باشا، ولكن لسؤ حظ الأمّة المصرية، كانت هذه الاستعدادات غير كافية، ولا تتمّ الا بعد ستة أشهر لعدم وجود السلاح والذخائر الكافية للحرب، لا سيما وأن فرنسا تكون في هذه الحالة مقاومة لأكبر دول أوروبا". محمد فريد بك، مرجع سابق، ص. 243.
127- J. Hajjar, op. cit., P. 518.
128-Ibid., P. 311-312.
129-M. L’abbé Etienne, procureur général des Lazaristes à M. Thiers, 2 octobre 1840. In A. Ismail, Documents…, op. cit., t.6, P 212-219.
وكان الأب اتيان قد وصل الى صيدا في 24 أيلول، على متن مركب بخاري ملكي.
M. meloizes, à M.Thiers, 25 Septembre 1840. Ibid., t.6, P.198-199.
130- J. Hajjar, op. cit., P. 520.
131-اميل خوري وعادل اسماعيل، مرجع سابق، ج. 3، ص. 12.
د. جورج سمعان