لماذا تدعم إيران نظام السوري والرئيس بشار الأسد؟
هذه الدراسة تركز على الدور التاريخي لإيران كصلة وصل بين شرق آسيا وشرق المتوسط، وأن إيران لطالما ازدهرت عندما كانت تلعب هذا الدور، بينما كانت تتعرض للعزلة والهيمنة عليها من قبل قوى خارجية عندما تعجز عن لعب هذا الدور. هذا يفسر لماذا كانت إيران دائماً تسعى للوصول إلى شرق المتوسط عبر إقامة تحالفات مع قوى خاصة في شمال بلاد الشام وشرق الأناضول. وهذا ما يفسر العلاقات القوية التي ربطت إيران بالجمهورية العربية السورية منذ العام 1980 ودعم طهران لدمشق ضد المحاولات الجارية للإطاحة بالنظام القائم فيها.
في تشرين أول/ أكتوبر تم تسجيل مقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني في القتال الدائر في سورية. وكان سبق ذلك استهداف طائرات إسرائيلية في 18 كانون ثاني يناير 2015 لموكب لقادة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله أدى إلى مقتل الجنرال في الحرس الثوري علي الله دادي وجهاد مغنية ابن القيادي السابق في حزب الله عماد مغنية وعدد من القادة في حزب الله. كان هذا دليلاً قوياً على التزام إيران ومعها حزب الله في دعم دمشق في الحرب الدائرة ضدها. كما كان دليلاً قوياً على عزم إيران للإبقاء على نافذتها المفتوحة عبر دمشق على شرق المتوسط. وكان هذا النزوع الإيراني إلى شرق المتوسط أحد المواضيع المحورية في المناظرات بين المرشحين للرئاسة الأميركية في العام 2008 ومنها إعلان المرشح الجمهوري ميت رومني في مناظرة له مع المرشح الديمقراطي باراك أوباما بأن على الولايات المتحدة منع إيران من الوصول إلى شرق المتوسط. والجدير ذكره أن إيران ومنذ أيام الأخمينيين في القرن السابع قبل الميلاد وحتى يومنا هذا، سعت دائماً لأن يكون لها موطئ قدم على شرق المتوسط.
العولمة الأولى
حتى القرن السادس قبل الميلاد كانت الإمبراطوريات التي قامت حتى ذلك الزمان جميعها تعتمد على طرق التجارة البحرية أو النهرية، لأن النقل عبر السفن والقوارب كان أقل كلفة وأكثر فاعلية في نقل أحمال كبيرة . إلا أن تطوراً جرى في أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد كان سيؤدي إلى ثورة في النقل البري. ففي أوائل الألف الأول قبل الميلاد كان قد تم تطوير سرج الجمل بما سمح باستعماله في عملية نقل البضائع عبر الصحارى، ما أدى إلى ثورة في النقل البري وإلى توسيع التجارة البرية بما جعلها في القرن السابع قبل الميلاد تنافس طرق التجارة النهرية والبحرية من حيث الفاعلية الاقتصادية . هذا أدى إلى تفعيل طرق التجارة البرية مع كل من الهند والصين لتصبح الهضبة الإيرانية حلقة الوصل الأساسية لهذه الطرق المتوجهة أيضاً إلى شرق المتوسط. والجدير ذكره أن الهضبة الإيرانية كنطاق جيوسياسي تتجاوز الحدود السياسية لإيران المعاصرة لتشمل أفغانستان وأجزاء من آسيا الوسطى شرقاً متصلة بالتالي بصحراء كزينج جيانغ التي تشكل الجزء الأكبر من الصين المعاصرة. وتمتد غرباً إلى مرتفعات جبال زاغروس على طول الحدود مع بلاد ما بين النهرين لتتصل شمالاً بجبال طوروس فيشكل شرق الأناضول جزءاً لا يتجزأ من هذا النطاق الجيوسياسي . ازدهار التجارة البرية في ظل ضمور خطوط التجارة النهرية والبحرية الذي تلا انهيار الدولة الآشورية أدى إلى صعود قوة جديدة على المسرح الدولي هي الإمبراطورية الفارسية. فمع حلول منتصف القرن السادس قبل الميلاد كان قورش الكبير قد فرض هيمنته على مجمل الهضبة الإيرانية، ما سمح لخلفه قمبيز أن ينطلق ليفرض سيطرته على بلاد ما بين النهرين ثم الأناضول فبرّ الشام ومصر، ولتعبر الجيوش الفارسية البوسفور وتبسط سيطرتها على تراقيا وأقسام من مقدونيا. وبالتالي فقد تمكن الفرس مع قمبيز في إعادة توحيد طرق التجارة الدولية البرية والبحرية للمرة الثانية في التاريخ بعد الآشوريين ويقيمون بالتالي عولمة ثانية تجلت في اتساع امبراطوريتهم التي قاربت مساحتها ثمانية ملايين كيلومتر مربع وتشمل نحو خمسين مليون نسمة شكلت في وقتها 44 بالمئة من سكان العالم آنذاك. وقد تجلت العولمة الجديدة بنقل أرتحششتا (465 ق.م-424 ق.م.) لعاصمته من برسيبوليس إلى بابل وباعتماد السريانية، لغة الآشوريين، كاللغة الرسمية للدولة الفارسية . وقد عكس نقل العاصمة إلى بلاد ما بين النهرين وعياً من قبل الأخمينيين لأهمية هذه المنطقة بسبب قربها من سوريا، وهي المنطقة التي تفصل بين بلاد ما بين النهرين وشرق المتوسط ولها أهمية خاصة في تمكين التجارة البرية المارة من الصين إلى وسط آسيا فبلاد فارس من الاتصال بتجارة المتوسط. وكان الملفت سعي حكام فارس منذ الأخمينيين وحتى الساسانيين إلى مد نفوذهم إلى منطقة شمال الفرات وتحديداً مدينة حران لأهميتها الاستراتيجية. فهذه المدينة التي تقع على ضفاف الفرات في منطقة غير بعيدة عن مدينة حلب، تشكل صلة الوصل بين بلاد ما بين النهرين ومنطقة الساحل السوري. وبالتالي فإن من يسيطر عليها يمكنه من وصل طرق التجارة البرية الآتية من الهند والصين بمنطقة شرق المتوسط في منطقة غير بعيدة عن اسكندرون وأنطاكية . وفي عهد أرتحششتا جرت محاولة تدعيم وحدة الدولة المترامية الأطراف والمتعددة الشعوب والثقافات باعتماد ديانة جامعة هي الزردشتية كدين رسمي للدولة.
كان الفرس قوة برية بالدرجة الأولى، ولذلك فلقد اتخذوا من الفينيقيين على الساحل السوري شركاء يتولون التجارة البحرية في المتوسط، خصوصاً أنه كان لهؤلاء الأخيرين باع طويل في هذا المجال منذ مئات السنين. وكان الفينيقيون (كنعانيو السواحل في سوريا) قد نموا مهاراتهم التجارية منذ الألف الثالث قبل الميلاد، وكانوا هم وكلاء التجارة المصرية في شرق المتوسط، وبعد تحررهم من الهيكسوس وجد المصريون أنه من الضروري لأمنهم بسط الهيمنة السياسية على المدن الفينيقية على الساحل السوري . وفي الألف الأول قبل الميلاد كانت زعامة المدن الفينيقية قد انتقلت من جبيل إلى صور . وكان الفينيقيون قد أنشؤوا مستعمرات في أنحاء مختلفة من المتوسط كان أهمها قادش على السواحل الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة الإيبرية. لكن مع حلول القرن السابع قبل الميلاد، ومع احتلال الآشوريين لمصر، وبروز اليونانيين في بحر إيجه، والإتروسكيين في إيطاليا، لم يعد المتوسط حكراً على الفينيقيين، بل باتت خطوط إمدادهم الطويلة عبر المتوسط مهددة من قبل القوتين الصاعدتين. لذلك قام الصوريون بإنشاء مدينة قرطاجة كمحطة وسيطة بين شرق المتوسط وغربه . وقد انقسمت التجارة في المتوسط بين خط جنوبي ينطلق من صور في موازاة السواحل المصرية إلى قرطاج فالسواحل الجزائرية إلى قادش في إسبانيا، في مقابل خط شمالي ينطلق من منطقة مرسين في شمال سوريا إلى قبرص فالسواحل اليونانية وبحر إيجه والأدرياتيك في اتجاه السواحل الشمالية الغربية للمتوسط . ومع الشراكة مع الفينيقيين فقد نال الفرس الفرس عداوة اليونانيين الذين كانوا ينافسونهم على تجارة المتوسط. وكانت السيطرة على المتوسط عبر الوكلاء الفينيقيين مهمة جداً لفارس لتدعيم أحاديتها القطبية في مواجهة بروز متحدين لهذه الأحادية. فمنذ الألفية الثالثة قبل الميلاد كان المتوسط قد تحول إلى محور رئيسي في طرق المواصلات والتجارة العالمية، ما جعل القوى العظمى تسعى للسيطرة عليه بغية فرض هيمنتها العالمية . وبما أن اليونانيين كانوا ينافسون الفينيقيين على تجارة المتوسط، وهم حلفاء الفرس، فقد وجد داريوس (550 ق.م.-486 ق.م.) نفسه مضطراً لتوجيه جيشه لاجتياح اليونان إلا أنه هزم في معركة ماراتون في العام 490 ق.م. بعد وفاة داريوس خلفه ابنه أرتحششتا (486 ق.م.- 465 ق.م.) الذي تمكن من هزم اليونانيين في معركة ترموبيلاي واجتياح أقسام من اليونان وفرض سيطرة مؤقتة على التجارة في بحر إيجه، إلا أن أسطوله هزم في معركة سلاميس البحرية في العام 480 ق.م تلتها هزيمتان بريتان أنهتا الآمال الفارسية في السيطرة على اليونان . وقد دامت الهيمنة الفارسية على العالم القديم حتى القرن الرابع قبل الميلاد. حين وقعت في الفوضى.
حال الفوضى هذه في بنية السلطة الفارسية سمحت لمقدونيا أن تتفلت من الهيمنة الفارسية وأن تبسط سيطرتها على كل المدن اليونانية في ظل حكم فيليب المقدوني. وبعد اغتياله تولى ابنه الإسكندر الحكم من بعده ومن توّه وجّه أنظاره نحو غزو الإمبراطورية الفارسية فتمكن في العام 334 ق.م. من الانتصار على جيش فارسي كبير في معركة غرانيكوس، ما أتاح له السيطرة على هضبة الأناضول. وبعدها بعام واحد تمكن الإسكندر من الانتصار على جيش فارسي آخر في معركة إيسوس، ما أتاح له السيطرة على بلاد الشام ومصر. وكان من أبرز ما قام به في هذه الفترة هو تدمير مدينة صور بعد حصار دام ستة أشهر، وبذلك تمت له الإطاحة بالمنافس الأكبر لليونان على تجارة شرق المتوسط. وقد أدى هذا إلى توجيه ضربة قاسية لقرطاجة، الشريكة التجارية لصور والتي كانت تواجه ضغوطاً متزايدة من قبل اليونان والأتروسكيين منذ هزيمة الفرس والصوريين في معركة سلاميس . كما أدى هذا إلى صعود قوة روما في غرب المتوسط على حساب قرطاجة والتي انتهت بتدميرها الكامل في العام 146 ق.م. بعد ثلاثة حروب كبرى بين القوتين . وبتدمير صور واحتلال سوريا براً وساحلاً بالإضافة إلى مصر تم للإسكندر عزل الإمبراطورية الفارسية عن شرق المتوسط، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي تصل فيها فارس إلى شواطئ المتوسط باستثناء فترة قصيرة في بدايات القرن السابع قبل عقدين من صعود الإسلام. وبعد "خنق" فارس كان قد بقي على الإسكندر توجيه الضربة القاضية لفارس وهو ما تم له في معركة كواغيميلا في العام 331 ق.م .
بعد وفاة الإسكندر اقتسم قادة جيشه مملكته الواسعة. وبرز على أنقاض هذه الإمبراطورية ثلاث دول. فقد استقل صديق الاسكندر بطليموس بحكم مصر وجنوب سوريا، فيما استقلت الأجزاء الأوروبية عن باقي المناطق لتعاود المدن اليونانية سيرتها في الاقتتال فيما بينها. وكان اعتماد الدولة السلوقية على طرق التجارة البرية وخصوصاً الآتية من الهند في اتجاه بلاد ما بين النهرين في طريقها إلى منتهاها في شرق المتوسط. وكان على هذا المرفأ أن يكون قريباً من مدينة حران فكان إنشاء مدينة أنطاكية لتكون العاصمة الإدارية لسوريا السلوقية . وكان هذا الطريق يشهد منافسة من طريق بحري ينطلق من الهند في اتجاه البحر الأحمر نحو مصر فشرق المتوسط. ولأن البطالسة كانوا قريبين من المدن الواقعة جنوب شرق المتوسط، فقد شكل موقع أنطاكية البعيد نسبياً عن التهديد المصري المباشر سبباً آخر لاعتماد هذا الموقع.
البارثيون والساسانيون
حكم الإسكندر وخلفائه السلوقيين لبلاد فارس لم يدم أكثر من قرن ونصف من الزمن، إذ إنه كان ليواجه تحدياً من قوة صاعدة في وسط آسيا هي البارثيون. ففي النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد تمكن زعيم قبيلة بارني أرساسيس الأول من السيطرة على ولاية باكتريا في وسط آسيا من واليها السلوقي ليحكم قبضته بالتالي على قسم رئيسي من طريق الحرير بين الصين شرقاً والشرق الأدنى غرباً. ووفقاً للجغرافي الروماني سترابو فإن البارثيين هم من القبائل السكيثية وقد نزحوا بعد الاحتلال اليوناني لفارس من السهوب الروسية إلى ولاية بكتيريا في وسط آسيا . ولم تنجح محاولات السلوقيين من استعادة هذا الجزء المهم. ومع تبوئ متريداتيس الأول (171 ق.م.- 138 ق.م.) للحكم توسع نطاق السيطرة البارثية إلى ميديا وبلاد ما بين النهرين لتحكم قبضتها على تقاطع الطرق البرية الواصل ما بين كل من الهند والصين شرقاً وشرق المتوسط غرباً وتفرض نفسها في وقت لاحق وسيطاً تجارياً لا يمكن "التخلص" منه بين إمبراطورية الهان والإمبراطورية الرومانية. وكما أسلافهم الأخمينيين فقد نقل البارثيون عاصمتهم إلى بلاد ما بين النهرين في المدائن، في محاولة منهم للاقتراب من سوريا الذي كان منتهى ما يطمحون إليه ليكون لهم منفذ إلى التجارة في البحر المتوسط ولا يكونون تحت رحمة من يسيطر على الساحل السوري.
ورغم أن البارثيين كانوا يعتبرون أنفسهم امتداداً للأخمينيين إلا أنهم لم ينجحوا في مد نفوذهم إلى سوريا والأناضول، حيث كان لهم في المرصاد السلوقيون ثم الرومان. وكذلك الأمر بالنسبة للساسانيين الذين خلفوا البارثيين، إذ إنهم لم يستطيعوا توطيد أقدامهم على شاطئ المتوسط. وفي العام 634 م. بدأ العرب، الذين كانوا قد توحدوا سياسياً للمرة الأولى في تاريخهم في ظل الإسلام، بتوجيه جيوشهم لفتح سوريا والعراق. وفي غضون سنوات قليلة تمكن العرب من احتلال سوريا والعراق ومصر. ولثلاثة قرون حكمت فارس من عاصمة الدولة إن في دمشق حتى العام 750 ميلادية أو من بغداد حتى القرن العاشر. وخلال القرن الحادي عشر والثاني عشر فإن السلاجقة شكلوا مرحلة سابقة للعصر المغولي الذي سيكون لإيران خلاله دور كبير.
العولمة المغولية
كان العصر السلجوقي في جانب منه تفعيلاً للدور الجيوسياسي لإيران ومنحاها التاريخي في الاندفاع نحو المتوسط ولعب صلة الوصل بين الصين والهند من ناحية وشرق المتوسط من ناحية أخرى. أما في الجانب الآخر، فقد كان محاولة متعثرة من الصين للخروج إلى العالم. وقد شكل هذا تمهيداً لاستعادة إيران لدورها الجيوسياسي بعد قرن ونصف القرن من الزمن في ظل خروج الصين إلى العالم بعد سقوطها تحت حكم المغول. وقد كان المغول من الشعوب التي تعيش في المنطقة الواقعة اليوم في جمهورية منغوليا وجنوب روسيا وغرب الصين، أي على طريق التجارة البرية التي تربط الصين بالشرق الأدنى مروراً بوسط آسيا وشمال إيران. ونتيجة هذه الطريق تعرّف المغول على المذهب المسيحي النسطوري منذ القرون المسيحية المبكرة واعتمدوا الحرف السرياني لكتابة لغتهم. ومنذ القرن العاشر بات المغول على اتصال وثيق بشمال الصين. وخلال القرن الثاني عشر كانت الصين مقسمة إلى مملكتين، شمالية وجنوبية. وخلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر تمكن تيموجين أو جنكيز خان من توحيد المغول تحت إمرته، وقد دخل في خدمة أباطرة الصين الشماليين وأسدى لهم خدمات جليلة في محاربة القبائل التتارية. لكن مع الوقت كان مقدراً له توسيع رقعة نطاق هيمنته، خصوصاً أن سيطرته على جزء مهم من طريق الحرير كان قد وفر له موارد كبيرة تتيح له تمويل جيش ضخم، فالتفت للتوسع شرقاً ليسيطر على المملكة الصينة الشمالية ويحتل بكين في العام 1215. ومن هناك وجّه أنظاره غرباً إلى وسط آسيا ليهزم محمد خوارزمشاه ويسيطر على مملكته، موسعاً نطاق هيمنته إلى ضفاف بحر قزوين الشرقية وإلى خراسان في شمال شرق إيران، ومن سيبريا شمالاً إلى التيبيت جنوباً.
وقد واصل المغول توسعهم شرقاً ليدمروا أسرة سونغ التي كانت تحكم المملكة الصينية الجنوبية ويعيدوا في العام 1268 توحيد الصين تحت حكمهم. أما غرباً فقد وصل المغول إلى وسط أوروبا عند السهول الألمانية والروسية، وفي العام 1258 دمروا بغداد بقيادة هولاكو واحتلوا حلب ودمشق وباتوا في طريقهم إلى مصر التي كادت على وشك السقوط في أيديهم لولا وفاة الخان الأكبر موغكي وتصدي المماليك في مصر للغزاة في معركة عين جالوت بالقرب من غزة في العام 1260. ومع توقف التوسع في هذا العام كان المغول قد تمكنوا من السيطرة على طرق التجارة البرية الواصلة بين الصين شرقاً وشرق المتوسط غرباً. ونتيجة ذلك بات على المناطق التي لم تقع حتى تحت السيطرة المباشرة للمغول أن تتعامل معهم تجارياً . وبالتالي فقد تمكن المغول من إقامة عولمة كانت الرابعة في التاريخ بعد العولمة الأولى السريانية، والثانية الفارسية، والثالثة العربية. وكانت البضائع تنتقل من دون عائق عبر الطرق البرية المارة عبر شمال الصين ووسط آسيا وشمال إيران في اتجاه شرق الأناضول وكيليكيا لتصب في موانئ مرسين على الشاطئ الشرقي للمتوسط. وقد أدى هذا إلى تحالف وثيق بين مملكة أرمينيا الصغرى في كيليكيا وشرق الأناضول وبين الخانة المغول التي أقيمت في إيران. وقد شكلت الهضبة الإيرانية في ظل الخانة المغول حلقة الوصل بين الصين ومملكة أرمينيا الصغرى.
بين الصين وسوريا
بعد أن استقرت الفتوحات المغولية، كان على الفاتحين أن يركنوا إلى شبكة من المصالح المحلية في البلدان التي فتحوها تم التعبير عنها في الركون إلى البيروقراطية التي ورثوها عن السلالات التي هزموها في إدارة شؤون المقاطعات التي ظفروا بها. وبطبيعة الحال كان لهذه البيروقراطية التي شكلت نخب البلاد المختلفة مصلحتها الخاصة والتي أثرت على علاقات النخب المغولية فيما بينها. فما لبث الخان الأكبر مونغكي أن توفي في العام 1259 حتى انتخب أخوه أريك بوقي خاناً أكبر ومقره في كراكوروم في منغوليا. وقد أيده حاكم خانة القرن الذهبي في جنوب غرب السهوب الروسية وشرق أوروبا بيرك. إلا أن حاكم الصين قوبلاي خان رفض الاعتراف بسلطة أخيه وطالب بمنصب الخان الأكبر لنفسه. وقد دعمه في مسعاه هذا أخوه هولاكو حاكم إيران المغولية. وقد كانت الغلبة لقوبلاي خان الذي تمكن من تحييد أخيه في كراكوروم. وبذلك انتقل مركز الثقل المغولي إلى الصين وتم تحييد منغوليا ووسط آسيا. واختار هولاكو القبول بسلطة أخيه قوبلاي فاتخذ لنفسه لقب إيل خان أو نائب الملك فيما أعلن بيرك العداء له مفضلاً الانحياز لأعدائه. وبينما اعتنق هولاكو المذهب البوذي كعلامة لتبعيته لخان الصين الذي تحول إلى البوذية، اعتنق بيرك الإسلام وارتضى بتبعية اسمية للخليفة العباسي الذي اتخذ من القاهرة مقراً له تحت حماية المماليك. وقد أرسل بيرك قوات لتقاتل في عين جالوت إلى جانب المماليك ضد قوات صهر أخيه كاتبوقا وانتهت المعركة في العام 1260 بهزيمة المغول للمرة الأولى بعد انتصارات دامت لستة عقود متتالية.
كان الصراع الذي نشب بين قوبلاي خان وأخيه أريك بوقي في جانب منه تنافساً بين طريقي تجارة بريين، الأول ينطلق من شمال الصين مروراً بمنغوليا ووسط آسيا فالسهوب الروسية لينتهي في شرق أوروبا، أما الثاني فينطلق من شمال الصين لينحرف قليلاً إلى الجنوب مروراً بصحراء كسينج جيانغ فشمال أفغانستان وإيران إلى شرق الأناضول لينتهي في الآخر عند منطقة مرسين واسكندرون. هذا ما يفسر دعم مملكة القرن الذهبي في جنوب غرب روسيا لأريك بوقي بحكم الشراكة التجارية التي جمعتهما، في حين فضل هولاكو حاكم الإيل خانة في إيران دعم قوبلاي خان بحكم الشراكة التجارية والاقتصادية التي جمعت بينهما. ولنحو قرن من الزمن كان الخط الممتد من الصين مروراً بإيران إلى شرق المتوسط هو الطريق التجاري الأساسي. لكن هذا الخط كان مهدداً من مملكة وراء النهر التي كان باستطاعتها ممارسة نوع من العرقلة المتقطعة عليه. وكان التحدي الأبرز قد برز من قبل الجحافل الذهبية التي وجدت نفسها مهمشة في العولمة الاقتصادية المغولية، فاتجهت في أنظارها نحو طرق التجارة البحرية عبر البحر الأسود في اتجاه شرق المتوسط. وقد رأت من مصلحتها إقامة شراكة اقتصادية وبالتالي سياسية واستراتيجية مع مماليك مصر. وكان المماليك قد وجهوا أنظارهم لتفعيل التجارة البحرية مع الهند وجزيرة جافا في جنوب شرق آسيا. فبات هنالك خط تجارة بحري ينطلق من جافا إلى الهند وسيلان فالبحر الأحمر ومصر في اتجاه شرق المتوسط، ليتجه بعدها نحو البحر الأسود ملتفاً على الطرق البرية للقلعة الأوراسية. في المقابل كان هنالك طريق تجارة بري ينطلق من الصين شرقاً ليمر عبر صحراء كسينغ جيانغ فأفغانستان وإيران وشرق الأناضول لينتهي في كيليكيا ومرسين. وكان قطبا الصراع في الشرق الأدنى في تلك المرحلة هما مصر المملوكية المرتبطة عضوياً بطرق التجارة البحرية، وإيران المغولية المرتبطة عضوياً بطرق التجارة البرية، وقد كان محور الصراع هو سوريا أو بر الشام ما يفسر المحاولات المتكررة من قبل حكام الإيلخانة لمد نفوذهم إلى سوريا، وتصدي المماليك لإفشال هذه المحاولات.
إيران بين شقي رحى
لخمسين عاماً بعد إقامة الإيلخانة، وقعت إيران تحت النفوذ المباشر للصين. كان اللقب بحد ذاته يعكس هذه التبعية، وكانت العلاقات الخارجية تدار من قبل الخان الأكبر في الصين، وكان هنالك مندوب صيني مقيم دائماً في إيران يشرف ويوجه شؤون الحكم في البلاد. وكانت إحدى علائم الولاء السياسي للصين هي اعتناق هولاكو وخلفائه للدين البوذي ومحاولة رعايتهم ونشرهم لهذا الدين في إيران. وكانت إيران مهمة جداً بالنسبة للصين نتيجة ربطها لطرق التجارة الآتية منها بشرق المتوسط. لكن كان هنالك قوتان تهددان سلامة هذه الطرق، الأولى من وسط آسيا مهددة بقطع التواصل بين الصين والهند والمماليك الذين كانوا يحاولون التمدد شمالاً لقطع تواصل طرق التجارة الإيرانية مع شرق المتوسط. وكانت الإيلخانة تعي خطورة المماليك على تجارتها مع شرق المتوسط لذلك حاولت بسط سيطرتها على سوريا لتأمين التجارة مع شرق المتوسط. فبعد الهزيمة أمام المماليك في عين جالوت في العام 1260، جرت محاولة مغولية ثانية لمد النفوذ على سوريا في العام 1271 وتمكنوا من احتلال حلب إلا أنهم اضطروا للانسحاب حين أتتهم أنباء تحرك السلطان المملوكي الظاهر بيبرس لمواجهتهم. وكانت المحاولة الثالثة لاجتياح سوريا قد جرت في العام 1281، وتمكن المغول وحلفاؤهم الأرمن من احتلال حلب والوصول إلى حمص، إلا أنهم هزموا على يد المماليك مرة أخرى في معركة حمص الثانية. وكانت أخطر المحاولات تلك التي شنها محمود غازان في العام 1299 حين توجه على رأس جيش من ستين ألف جندي مدعمين بأربعين ألفاً من الجنود الجورجيين والأرمن وتمكن من هزيمة قوة مصرية من نحو ثلاثين ألف جندي في معركة وادي الخزندر بالقرب من حمص. بعد ذلك تمكن محمود غازان من احتلال دمشق لمدة وجيزة قبل أن يضطر للانسحاب نتيجة مهاجمة مغول الشغاتاي في وسط آسيا لشرق إيران.
وقد استمرت التوغلات المغولية في بر الشام وتهديدهم لدمشق حتى العام 1303 حين هزموا في معركة مرج الصفار بالقرب من دمشق. وبعد هزيمة غازان خان توقفت التوغلات المغولية حتى توقيع اتفاقية حلب بين المماليك والإيلخانة أنهت بموحبها ثمانية عقود من التهديد المغولي لبر الشام. في الوقت الذي كان مغول إيران يواجهون خطر المماليك في الغرب كانت خانة الشاغاتاي تهدد حدودهم من الشرق ومعها مواصلاتهم مع الصين. وكان شاغاتاي، الابن الثاني لجنكيز خان قد منح الأراضي في وسط آسيا وبلاد ما وراء النهر. وقد توفي شاغاتي في العام 1242 لتصبح بعد ذلك ولمدة عشرين عاماً ولاية مغولية ذات دور هامشي ربما كان عائداً بالدرجة الأولى لتحول طرق التجارة البرية جنوباً بعيداً عن أراضيها. كان هذا هو السبب الذي دفع بألغو، حفيد شاغاتي الذي حكم وسط آسيا بين عامي 1260 و1266، إلى دعم الخان الأكبر أريغ بوكي في كراكوروم في مواجهة حاكم الصين قوبلاي خان. وقد انضمت خانية شاغاتي بعد ذلك إلى خانية القرن الذهبي ومماليك مصر في تحالف ضد الصين والإيلخانية الإيرانية. وقد شكل هذا التحالف مكسباً استراتيجياً كبيراً لمصر، إذ إنه أتاح لها ضرب الإيلخانة من الخلف وتهديد طرق مواصلاتها مع الصين.
الصين داخل القمقم
كانت الصين في ظل المغول تعي حراجة موقفها عقب انسلاخ خانيتي شاغاتاي والقرن الذهبي عنها وتحالفهما مع مماليك مصر، وتعي التهديد الذي كان يتهدد طرق مواصلاتها البرية. كذلك كانت تعي أن طرق التجارة البحرية كانت تهدد تفوقها الاقتصادي، لذلك وعى قوبلاي خان أهمية خروج الصين إلى البحار الواسعة. وكان خروج الصين إلى البحار الواسعة دونه مجموعة من الجزر الممتدة من الشمال إلى الجنوب بدءاً بالجزر اليابانية، وتايوان، والفليبين وماليزيا وإندونيسيا. وكان التجار العرب هم من يمسك بزمام التجارة البحرية في المحيط الهندي وكانت جزيرة جافا في جنوب شرق آسيا هي إحدى أهم قواعدهم. لذلك وجد قوبلاي خان أن وسيلته الوحيدة هي في تحقيق اختراق شمالاً بعيداً عن نفوذ التجار العرب في نقطة ظنها إمبراطور الصين ضعيفة وهي اليابان. وقد جهز قوبلاي خان أسطولاً من تسعمئة سفينة لاجتياح اليابان في العام 1274 إلا أن عدد الجنود لم يكن كافياً للتغلب على القراصنة اليابانيين واجتياح جزيرتهم. لذلك فقد حشد قوبلاي خان في العام 1281 أسطولين من نحو أربعة آلاف وخمسمئة سفينة تحمل مئة وأربعين ألف جندي لاجتياح اليابان. إلا أن ريحاً عاتية هبت لتدمر الأسطول وتغرق معظم الجنود. وكان أحد أسباب عدم مقاومة السفن الصينية "للكاميكازي" هو أنها كانت في معظمها مهيئة للإبحار في الأنهر وليس في المحيطات. وهذا دليل على أن المغول الذين كانوا أقوى قوة برية، عجزوا عن التحول إلى قوة بحرية.
بعد وفاة قوبلاي خان اتجهت الصين نحو العزلة وانعكس ذلك تراجعاً في نفوذها في الإيلخانة في إيران. وفي عهد الخان محمود غازان (1295- 1304) استقلت الإيلخانة بالكامل عن الخان الأكبر في الصين، وكان أبلغ دليل على هذا الاستقلال تحول خانات إيران من البوذية إلى الإسلام واتجاههم بعد آخر حملة لهم على سوريا في العام 1304 إلى مهادنة المماليك في مصر وخانتي الشاغاتاي في آسيا الوسطى والقرن الذهبي في جنوب روسيا. ونتيجة هذه التحولات بدأ وضع المغول بالانحدار حتى انتهى إلى فوضى كاملة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر. ففي العام 1368 تمت الإطاحة بآخر أباطرة المغول على يد ثورة فلاحية جاءت بأسرة مينغ إلى سدة الحكم في الصين. أما في إيران وآسيا الوسطى وجنوب روسيا فقد انحدرت الأوضاع في الممالك المغولية إلى الفوضى التامة وانقسام الولايات بين عدد كبير من الحكام والأمراء المحليين. كان عهد تيمورلنك (1370-1405) آخر محاولة لإنقاذ الإرث المغولي. فقد انطلق هذا الرجل المتحدر من أصل متواضع من وسط آسيا ليعيد توحيد قبائل الشاغاتاي ويبدأ بغزوات امتدت من حدود منغوليا وصحراء كسينغ جيانغ شرقاً إلى ضفاف الفولغا والقوقاز فالأناضول وسوريا شرقاً، ومن السهوب السيبيرية شمالاً إلى دلهي والسند وفارس جنوباً. وفي عهده استعيد الإرث المغولي بتدمير المدن وإقامة تلال من الجماجم في المدن المنهوبة، لكن كل ذلك لم يتم في إطار بناء دولة كما كان الأمر في عهد جنكيز خان قبل نحو قرنين من الزمن. وقد توفي تيمورلنك وهو في طريقه لغزو الصين واستعادتها من أسرة مينغ التي أطاحت بالحكم المغولي، فأدى ذلك إلى تضعضع دولته وانقسام أجزاء منها ووقوعها في حالة من الفوضى ميزت إيران ووسط آسيا وجنوب روسيا خلال القرن الخامس عشر.
قدر لأوائل القرن السادس عشر أن تشكل مرحلة جديدة حاسمة في تاريخ إيران، مرحلة ستكون مقدمة للتأسيس لإيران الحديثة. فمن أردبيل في شمال غرب إيران، انطلق الشاه اسماعيل الصفوي ليجتاح إيران ويؤسس الدولة الصفوية. كان اسماعيل شيخاً لطريقة صوفية تأسست قبل قرنين من الزمن في أردبيل على يد الشيخ صفي الدين (1253-1334) ليتحولوا بعد نحو مئة عام من المذهب السني إلى المذهب الشيعي. وفي تموز 1501 تمكن الشاه اسماعيل من انتزاع تبريز من قبائل آكقيونلو (الخرفا البيضاء)، ليستولي في العام التالي على طهران ويعلن شاهاً على إيران. وكان للاستيلاء على تبريز أهمية كبيرة في منح الشاه ذي الأربعة عشر ربيعاً قاعدة اقتصادية لحكمه، بحكم أنها كانت محطة رئيسية على طريق الحرير الآتي من الصين في اتجاه شرق المتوسط. وقد أمضى الشاه الصفوي سنوات عدة للاستيلاء على المقاطعات الإيرانية المتفرقة والتي كانت تحت حكم ولاة مستقلين. ما إن استتب الوضع للشاه اسماعيل في معظم الهضبة الإيرانية حتى عاد إلى العهد السابق للحكام الإيرانيين بالتوجه غرباً للوصول إلى المتوسط. فإذا به يجتاح بغداد ووسط العراق لتأمين مسيرته كمقدمة لاجتياح شرق الأناضول وصولاً إلى شمال سوريا. لكن طموحات اسماعيل كانت ستصطدم بصخرة صلبة هي سليم الأول، السلطان العثماني الذي وصل إلى عرش الدولة العثمانية في العام 1512. ففي آب من العام 1514 التقى الجيش العثماني بقيادة سليم الأول والجيش الصفوي بقيادة الشاه اسماعيل في تشالديران ليحقق العثمانيون نصراً ساحقاً أدى لخسارتهم منطقة شرق الأناضول وأجزاء من أذربيجان، ونتيجة الكارثة التي وقعت بالصفويين كان عليهم نقل عاصمتهم مؤقتاً إلى أصفهان. وقد دخلت إيران بعد ذلك في حال من الضعف والفوضى حتى صعود نجم الشاه عباس الأول الذي تمكن من استعادة خراسان في الشرق وتبريز وأذربيجان في الشرق وتوغل في شرق الأناضول واحتل العراق.
وفي العام 1603 تمكن الشاه عباس من الانتصار على العثمانيين واستعادة تبريز وأذربيجان وأجزاء من شرق الأناضول وبغداد ليحقق وعده باستعادة جميع الأراضي التي وطأتها خيل جده الشاه اسماعيل. كان الشاه اسماعيل يأمل في أن يواصل اندفاعه غرباً للوصول إلى شواطئ المتوسط. وهو كان يأمل في إقناع الإسبان في شن حرب على العثمانيين يحتلون بموجبها قبرص والسواحل السورية، حتى تتصل طرق تجارته البرية بطرق التجارة البحرية في المتوسط بعد أن يسيطر عليها الإسبان. إلا أن هؤلاء الأخيرين لم يكونوا في وارد الانغماس مجدداً في حرب مع العثمانيين، خصوصاً أنهم كانوا قد بدؤوا يواجهون تصاعد التحدي من قبل الفرنسيين والإنكليز والهولنديين في غرب أوروبا والمتوسط.
هذا دفع بالشاه عباس إلى الشعور بالإحباط، فهو كان يراهن على تعزيز وضع إيران كصلة وصل للتجارة البرية بين الهند والصين من جهة، وشرق المتوسط من جهة أخرى. بعد عصر الشاه عباس ضمرت إيران وصولاً إلى انهيار الحكم الصفاوي في أواسط القرن الثامن عشر. بعد ذلك عاشت إيران في ظل فوضى دامت لعقود عدة. وقد تأثرت إيران بتحويل طريق التجارة البري إلى أواسط آسيا والسهوب الروسية، ما أفقدها تجارتها بين شرق آسيا وشرق المتوسط. لذلك فقد عانت إيران من ركود طويل خلال القرن التاسع عشر خلال فترة الحكم القاجاري.
آذن القرن التاسع عشر ببداية عصر التفوق الأوروبي المطلق في السياسة الدولية. طوال القرن التاسع عشر كان على إيران القاجارية أن تعيش في أزمة، نتيجة اختلاط مساعيها في الإصلاح مع تنافس روسيا وبريطانيا على النفوذ فيها معرقلتين مساعي الإصلاح هذه. فبعد عشر سنوات من الحرب الروسية الفارسية الأولى، وقعت حرب ثانية أدت إلى سيطرة الروس حتى على تبريز. وقد ترافقت الحروب الوسعية الروسية مع تزايد نفوذهم داخل إيران. فقد وقع حفيد الشاه فاتح علي تحت تأثيرهم. وفي العام 1834 خلف محمد شاه جده وحكم لأربعة عشر عاماً، وهي فترة شهدت وقوع إيران تحت النفوذ الروسي. وكانت فترة حكم الشاه ناصر الدين أطول فترة حكم لشاه قاجاري إذ استمرت حتى اغتياله في العام 1896. خلال هذه الفترة حاول الشاه والنخب الفارسية اللعب على تناقض المصالح بين الروس والبريطانيين للحد من تدخلهما في شؤون إيران وإضرارهما بمصالحها الوطنية. وكانت هذه المعادلة هي نفسها التي لجأ إليها العثمانيون والأفغان، ما جنّب القوى الثلاثة الوقوع تحت الاستعمار الأوروبي المباشر كما كان حال معظم أقطار العالم. وإن كانت هذه المعادلة قد سمحت لإيران بالحفاظ على كيانها كدولة "مستقلة"، إلا أن المعادلة نفسها هي التي منعتها في كثير من الأحيان من النجاح في مساعيها للإصلاح واكتساب عناصر القوة اللازمة لمواجهة الأطماع الدولية. وكان التوسع الروسي في آسيا الوسطى قد أكمل عقده في العام 1881 مع احتلال توركمانستان وأوزبكستان. وقد سبق هذا التوسع بعام احتلال مصر من قبل البريطانيين وتونس من قبل الفرنسيين. وبهذا التوسع باتت روسيا مسيطرة تماماً على طرق التجارة التقليدية التي كانت تمر بوسط آسيا وتربط بين إيران والصين. وكانت هذه الطرق قد ضمرت منذ القرن الخامس عشر نتيجة اختيار أسرة مينغ لعزل الصين خلف حدودها. ومع بداية القرن العشرين كانت إيران قد أصبحت فريسة لمطامع الروس في شمال البلاد والبريطانيين في جنوبها.
وقد قام قائد قوات القوزاق الفارسية رضا خان بانقلاب في شباط 1921 أوصله إلى السلطة.
ورغم تمتعه بسلطات واسعة خولت له القيام بإصلاحاته، إلا أن رضا شاه كان يعاني من عدم تمتعه بقاعدة داخلية تجعله يتحدى سلطة رجال الدين والإقطاع الزراعي، كما أنه لم يكن يتمتع بقوة عسكرية تجعله يتحدى البريطانيين كما كان حال أتاتورك الذي استطاع أن يواجه الفرنسيين والبريطانيين واليونانيين وأن يحقق الاستقلال لبلاده. وكانت إيران قد وقعت بشكل شبه كامل تحت النفوذ البريطاني بعد تراجع الاتحاد السوفياتي خلف حدوده بعد الثورة البولشفية. وبغية مواجهة البريطانيين لجأ رضا شاه لتحسين علاقاته بالألمان. وفي العام 1931 رفض الشاه إعطاء امتياز لطائرات الخطوط الجوية البريطانية للتحليق في الأجواء الإيرانية مفضلاً عليها اللوفتهانزا الألمانية. وفي العام التالي بادر إلى إلغاء الامتياز النفطي الممنوح للبريطانيين. كذلك لجأ الشاه إلى خبرات الأميركي أرثور ميلسبو لإصلاح مالية الدولة. وقد وظف الشاه خبراء ألماناً في مختلف المجالات، ما أثار حفيظة البريطانيين. وكان مقدراً لهذا التوجه أين يطيح برضا شاه. فقد اندلعت الحرب العالمية الثانية في أيلول من العام 1939. وبعدها بعامين هاجمت القوات الألمانية الاتحاد السوفياتي وبرزت الحاجة لاستخدام الأراضي الإيرانية لإيصال الدعم العسكري إلى السوفيات. إلا أن رضا شاه أراد إعلان إيران دولة محايدة، فقامت القوات البريطانية في آب 1941 باجتياح إيران من الجنوب والقوات الروسية باجتياحها من الشمال، وفرض على رضا شاه التخلي عن العرش لصالح ابنه محمد رضا بهلوي ومغادرة البلاد.
نحو الثورة الإسلامية
في العام 1951 انتخب الدكتور محمد مصدق رئيساً للوزراء في إيران. وكانت معظم الموارد النفطية الإيرانية تقع في المنطقة المحاذية لمنطقة الخليج العربي- الفارسي وكانت الشركات البريطانية هي التي تحتكر إنتاجه مقابل حصة ضئيلة لإيران. وكان الموظفون البريطانيون هم الذين يديرون الشركة في مقابل رواتب عالية جداً، بينما كان الإيرانيون وغيرهم من العمالة الآسيوية وخصوصاً الهندية يحتلون أسفل سلم الوظائف في الشركة ويحصلون على رواتب متدنية جداً. في العام 1950 وقعت المملكة العربية السعودية وشركة أرامكو التي كانت تملك احتكار إنتاج النفط في المملكة، اتفاقاً جديداً تم بموجبه رفع الحصة السعودية من عائدات النفط إلى خمسين بالمئة. هذا شجع الإيرانيين على المطالبة بالمثل، وهو ما لم تكن بريطانيا مستعدة للاستجابة له. فقد كانت هذه الأخيرة بحاجة للنفط الإيراني وغيره من موارد مستعمراتها حول العالم، لإعادة بناء اقتصادها الذي دمرته الحرب العالمية الثانية. في آذار من العام 1951 قام أحد أعضاء جمعية فدائيي الإسلام باغتيال رئيس الوزراء حاج علي رازمارا الذي عينه الشاه قبل ذلك بعام، لأنه رفض النزول عند مطالب نواب البرلمان بتأميم النفط الإيراني. بعد ذلك بأيام، في الـ15 من آذار 1951، صوت البرلمان الإيراني على تأميم النفط الإيراني وكان محمد مصدق الشخصية الرئيسية التي قادت عملية التأميم. وقد كافأه المجلس في 28 أبريل 1951 بانتخابه رئيساً للوزراء بغالبية 79 صوتاً ومعارضة 12 فقط، في تحد كبير لرغبة الشاه. بعد ثلاثة أيام على تبوئه سدة الرئاسة صادق مصدق على قرار التأميم في سابقة كان سيكون لها الأثر الكبير على مسار الأحداث في إيران والشرق الأوسط.
أدى وصول دوايت أيزنهاور إلى سدة الرئاسة في العام 1953 إلى تغيير في السياسة الأميركية تجاه إيران. فقد تم تعيين جون فوستر دالاس وزيراً للخارجية في الإدارة الجديدة، وكان معروفاً بعدائه الشديد للشيوعية. وقد تمكن البريطانيون من اللعب على هذا الوتر لإثارة حفيظة الأميركيين ضد مصدق، متذرعين بدعم حزب تودة الشيوعي له. هذا أهّل إيران لتكون جزءاً من الحرب الصليبية على الشيوعية التي أعلنها دالاس. فقام بتوكيل أخيه آلان دالاس، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، بالإطاحة بالزعيم الإيراني، وتم صرف مبلغ مليون دولار أميركي لهذا الغرض. بعد ذلك بدأ أعضاء مكتب الـ"سي أي إيه" والـ"إم آي 6" في إيران، بعقد اجتماعات في بيروت للتنسيق للإطاحة بمصدق، وقد تولى قيادة العملية التي سميت بأجاكس، كيرميت روزفيلت وهو حفيد الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفيلت (1900-1908). وكانت العملية تقوم على تنكر عملاء للأميركيين والبريطانيين بالادعاء بأنهم عناصر قومية وشيوعية مؤيدة لمصدق وبتهديد قيادات إسلامية خصوصاً بعد الخلاف بين كاشاني ورئيس الوزراء. إضافة إلى ذلك استندت العملية إلى تمويل تظاهرات وقلاقل ضد مصدق لتبرير تدخل الجيش ضد مصدق والإتاحة للشاه بإقالته. وفي محاولة لمواجهة المؤامرة ضده علق مصدق أعمال المجلس في آب 1953 ومدد حالة الطوارئ ما سمح للأميركيين باستهدافه على أنه ديكتاتور. وبناء على ضغط كيرميت روزفيلت على الشاه، أصدر هذا الأخير مرسوماً بإقالة مصدق وتعيين الجنرال فضل الله زاهدي رئيساً للوزراء. بعد ذلك قامت مظاهرات وقلاقل في المدن ممولة من السي آي إيه. وفي النهاية تم توقيف مصدق والحكم عليه بالسجن ثم الإقامة الجبرية في منزله حتى وفاته في العام 1967.
شكل الانقلاب على مصدق ضربة قوية لليبراليين الإيرانيين، بعد الضربة التي كان قد تلقاها اليسار الإيراني في العام 1947 والتي استكملت مع القضاء على مصدق في العام 1953. وبالتالي فإن الحياة السياسية الإيرانية باتت مقتصرة على حكم ديكتاتوري لطاغية هو الشاه، في مواجهة مؤسسة دينية كان نفوذها سيتصاعد نتيجة الفراغ الذي تركه الليبراليون واليساريون خلفهم. كان ارتفاع عائدات إيران من النفط خصوصاً بعد تأسيس منظمة الدول المنتجة للنفط أوبيك، قد أعطى الشاه قدرات اقتصادية لتدعيم الدور الإقليمي الذي كان يزمع لعبه في الشرق الأوسط. في العام 1971 انسحبت بريطانيا من منطقة الخليج العربي بعد مئة وخمسين عاماً على فرضها لهيمنتها. كان المخطط الغربي هو في إيكال أمن المنطقة إلى الشاه وبناء عليه فقد منح ثلاث جزر على بوابة مضيق هرمز هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. في المقابل فقد ارتضى الشاه التنازل عن مطالب القوميين الإيرانيين بضم البحرين إلى إيران.
مع حلول العام 1977 كانت التقديرات الأميركية تتوقع بقاء الشاه على العرش لعشر سنوات مقبلة على أدنى تقدير. كانت أموال النفط تتدفق والمؤشرات الاقتصادية تشير إلى أرقام نمو عالية. وكانت إيران قد أصبحت شرطي منطقة الخليج، وإحدى القوى الإقليمية العظمى في منطقة الشرق الأوسط. كل هذه المؤشرات كانت تستبعد قيام ثورة ضد الشاه. إلا أن ما فات المراقبين هو أن النمو الاقتصادي لم يتوزع بشكل متساو على جميع الإيرانيين، بل بقي معظمه حكراً على نخبة قليلة محيطة بالشاه. وكان مال النفط قد سبب تضخماً عالياً في إيران أثر سلباً على الطبقات الريفية والمدينية الفقيرة، ما أدى إلى تصاعد الشعور بالإحباط عندها. وبما أن التيارين اليساري والليبرالي كانا قد تلقيا ضربة قاسية في الأربعينيات والخمسينيات، فقد التف الإيرانيون الساخطون على النظام منذ العام 1963 حول المرجعيات الدينية. في ذلك العام برز نجم الإمام آية الله روح الله الخميني حين قاد المعارضة ضد "ثورة الشاه البيضاء". في تشرين أول 1977 وجد نجل الإمام الخميني البكر مصطفى متوفياً في منزله، وقد سارع أنصار الإمام إلى اتهام جهاز الشاباك بتسميم مصطفى. بعد ذلك بدأت الاحتجاجات بالتصاعد بشكل كبير وصولاً إلى الإطاحة بالشاه في شباط 1979. ومع انتصار الثورة الإسلامية كان الإمام روح الله موسوي الخميني سيبدأ حكمه في إيران بعمر السابعة والسبعين بعد مسيرة طويلة من الكفاح.
صعود إيران كقوة إقليمية
قد يكون الجزء غير المعلن عنه في صعود نجم إيران كقوة إقليمية هو صعود نجم الصين كقوة دولية بدءاً من العام 1980. ففي ذلك العام كان دينغ كسياو بينغ قد أمسك بزمام الأمور في الصين وبدأ يحدث تحولاً نحو إخراج الصين من عزلتها إلى العالم. وقد ترافق ذلك مع تحولات اقتصادية كان من المقرر لها أن تجعل الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم مع حلول العام 2013 على أن تصبح القوة الأولى في العالم مع حلول العام 2025. ولأن إيران كانت تاريخياً تلعب دور صلة الوصل بين شرق آسيا وشرق المتوسط، فقد استفادت من صعود الصين لتعزيز دورها الإقليمي. والملفت للنظر أنه في نفس ذلك العام أرسى الإمام الخميني والرئيس السوري حافظ الأسد أسس علاقة متينة بين بلديهما. لقد كانت سورية مهمة جداً بالنسبة لإيران لأنها كانت بوابة إيران إلى شرق المتوسط. بغية احتواء هذه التحولات الإقليمية أوعز الأميركيون إلى صدام حسين بالانقلاب على أحمد حسن البكر ثم بقطع العلاقات بين العراق وسورية ثم شن حرب ضد إيران بغية احتواء الثورة الإسلامية. وانتهت الحرب الإيرانية العراقية في العام 1988 مع فوز نسبي للعراق، وانتهت بعدها الحرب الباردة بانتصار الولايات المتحدة. وكان على إيران أن تبني قوتها في ذلك الوقت دون الاصطدام بالولايات المتحدة. وقد لعبت القيادة الإيرانية على عامل الوقت من أجل تجاوز خطر التعرض لضربة أميركية. في أيلول 2001 اتخذت الولايات المتحدة من هجمات القاعدة في نيويورك ذريعة لاحتلال أفغانستان ومن ثم العراق. كان الهدف الحقيقي هو السيطرة على الشرق الأوسط الممتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى حدود الصين شرقاً. كان من شأن هذا أن يحكم قبضة الولايات المتحدة على طرق المواصلات التقليدية تحسباً لصعود نجم قوى منافسة لها على الصعيد الدولي مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا.
وقد تمكنت الولايات المتحدة في العام 2004 من تطويع أوروبا ووضعها تحت جناحها عبر قبول فرنسا– جاك شيراك بالدخول في فلك الهمينة الأميركية المطلقة. وفي نفس الوقت بدأ الأميركيون بتأهيل تركيا للعب دور الوكيل في المنطقة العربية الإسلامية. كان الهدف بالدرجة الأولى محاصرة الصين وروسيا (قلب أوراسيا) ومنعهما من الوصول إلى طرق المواصلات البحرية. وفي شرق آسيا تمكن الأميركيون من تحقيق مبتغاهم عبر إقامة حزام عازل من جزر معادية للصين (اليابان– كوريا الجنوبية– تايوان– الفليبين– إندونيسيا– ماليزيا) وبالتالي منع الصين وروسيا من الخروج بحرية إلى المحيط الهادئ. وبالتالي ازدادت أهمية إيران بالنسبة للصين وروسيا بحكم أنها حلقة الوصل مع شرق المتوسط والمحيط الهندي. رد الأميركيون بإقامة سلسلة قواعد عسكرية في الكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان ودبي، ما بات يشكل حزاماً عازلاً بين إيران والمحيط الهندي. لكن إيران تمكنت من تعزيز نفوذها في العراق وأحدثت اختراقات في جبهة المتوسط– البحر الأحمر. فعبر علاقة مع سورية كانت إيران تطل على شرق المتوسط، وعبر علاقة مع حزب الله كانت إيران تهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وعبر علاقة مع حماس كانت إيران تطل على قناة السويس والأمن القومي المصري، وعبر علاقة مع حوثيي اليمن كانت إيران تطل على باب المندب، بوابة البحر الأحمر إلى المحيط الهندي.
حاول الأميركيون مواجهة هذا التمدد الإيراني بالاعتماد على دول "الاعتدال العربي" (السعودية ومصر) لكنهما كانتا أضعف بكثير من تحقيق هذا الهدف، خصوصاً في ظل الدور السوري المؤثر. من هنا كان إدخال تركيا إلى المعادلة العربية من بوابة العثمانية الجديدة بغية إقامة مثلث من ثلاث عواصم "سنية" هي أنقرة والرياض والقاهرة لمواجهة التمدد الإيراني وبالتالي محاصرة الصين وروسيا. لكن كانت سورية تشكل اختراقاً لهذا المثلث، وكان لزاماً بالتالي إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد من ضمن روزنامة ما يسمى بالربيع العربي. لكن النظام في سورية لم يسقط وفشلت المقاربات الأميركية للمنطقة وبات على إدارة أوباما إعادة تقييم سياساتها عبر عدد من العناصر، منها الاعتراف بالدور الإقليمي المؤثر لإيران. في أواخر العام 2010 وأوائل العام 2011 اندلعت تظاهرات في كل من تونس ومصر، تلتها تظاهرات في ليبيا واليمن وسورية. ومنذ بداية الأزمة في سورية أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها، المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، مواقف ضد الرئيس السوري بشار الأسد. في المقابل أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن ما يجري هو جزء من "مؤامرة غربية لزعزعة الحكومة السورية التي تدعم المقاومة ضد إسرائيل". وما لبثت الحكومة الإيرانية أن أعلنت معارضتها للتدخل الأجنبي في الشؤون السورية وذلك رداً على التهديدات الغربية بالتدخل ضد الرئيس الأسد. وقد عارض مسؤولوها الاتهامات الغربية بوجود قوات إيرانية تساعد قوات الأمن السورية في قمع المتظاهرين السوريين. وقد ساهم الموقف الإيراني في تشجيع روسيا والصين على دعم سورية. وقد تمثل ذلك في استعمالهما الفيتو مرات عدة ضد مشاريع قرارات دولية ضد سورية مقدمة من الغرب.
خلاصة
في تشرين أول/ أكتوبر 2015 عقد اتفاق فيينا حول الأزمة السورية بحضور الولايات المتحدة و13 دولة حليفة لها في مقابل حضور روسيا وإيران. وقد كان حضور هذه الأخيرة اعترافاً بدورها الإقليمي لأول مرة بعد أربعة عقود من الثورة الإسلامية ومحاولات الولايات المتحدة لعزلها. وقد جاء ذلك بعد توقيع إيران لاتفاق نووي مع الغرب وعدم تمكن الولايات المتحدة وحلفائها من إقناع طهران بوقف دعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن، إضافة إلى دعمها لسورية. وتعتبر الولايات المتحدة أن هدفها الاستراتيجي الأعلى هو في منع أوراسيا من الوصول إلى شرق المتوسط وخصوصاً إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر عبر سورية وإيران. قد يكون هذا هو الذي دفع الغرب إلى توقيع اتفاق مع إيران عسى أن يؤدي ذلك إلى إبعادها عن روسيا والصين. لكن الوصول إلى شرق المتوسط كان دائماً هو الهدف الاستراتيجي لأي قوة تحكم الهضبة الإيرانية. فمن دون الوصول إلى شرق المتوسط فإن الغرب سيصبح بإمكانه عزل إيران، ما قد يؤدي إلى انهيار النظام فيها عبر عملية تفجر داخلي لا عبر هجوم غربي خارجي. لقد كان هذا هو أحد أهداف الغزو الأميركي لأفغانستان ثم للعراق. لكن الدعم الإيراني يبقى ثابتاً حتى الآن لسورية كما أن علاقاتها مع الصين لا تزال وثيقة.
المراجع
No Author، Israel Strikes in Syria kills Mughnyeh’s son، 6 others، the Daily Star، Jan. 18، 2015 at
http://www.dailystar.com.lb/News/Lebanon-News/2015/Jan-18/284494-israeli-strike-on-golan-heights-targeted-hezbollah-vehicle-kills-4-source.ashx
(accessed on January 25، 2015)
Saeed Kamali Dehghan، During Monday night’s presidential debate، Mitt Romney repeated a gaffe he has already made at least five times before، the Guardian October 23، 2012 at http://www.theguardian.com/world/iran-blog/2012/oct/23/romney-gaffe-syria-iran-route-to-sea (accessed on January 25، 2015)
William McNell، History Handbook of Western civilization، (Chicago: Chicago university Press، 1953)
Fernand braudel، Memory and The Mediterranean، (New York: vintage books، 2002)
Pirohz Mojtahed’Zadeh، Iran: An Old Civilization and a New Nation State، Focus on Geography، Volunif 49، Number 4.
PATRICK HENRY REARDON، Haran Junction، TOUCHSTONE | OCTOBER 2OO8
William Reitzel، The Importance of the Mediterranean، in Ernest jackh، background of the Middle East، New York: Cornell University Press، 1952
-عبد الله الحلو، صراع الممالك في التاريخ السوري القديم ما بين العصر السومري وسقوط المملكة التدمرية، بيروت: بيسان، 1999،.
John Sheldon، The Ethnic and Linguistic Identity of the Parthians: A Review of the Evidence from Central Asia، Asian Ethnicity، Volume 7، Number 1، February 2006.
-كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية،
– فيليب حتي، تاريخ العرب، ص 559-560.
Bertold Spuler، The Mongol Period-History of the Muslim World، (Princeton: Markus Wiener Publishers، 2006).
The Secret History of the Mongols، edited by Urgunge Onon، (London: Routledge، 2001
roxann prazniak، Siena on the Silk Roads: Ambrogio Lorenzetti and the Mongol Global Century، 1250–1350،J ournal of World History، Vol. 21، No. 2 © 2010 by University of Hawai‘i Press.
The Travels of Marco Polo the Venetian، edited by Thomas Wright.
Justin Marozzi، Tamerlane – Sword of Islam Conqueror of the World، (London: Harper Collins، 2004)
David Blow، Shah Abbas-The Ruthless King who Became an Iranian Legend، (London: I.B. Tauris، 2009)
Kenneth M. Pollack، The Persian Puzzle: The Conflict Between Iran and America، (New York: Random House، 2004).
Richard La Beviere، Al Tahawoul Al Kabir، (Beirut: Dar Al Farabi، 2008).
-موريال ميراك فيسباخ وجمال واكيم، السياسة الخارجية التركية تجاه القوى العظمى والبلاد العربية منذ العام 2002، (بيروت: المطبوعات للتوزيع والنشر، 2014).