كنا ثلة من إعلاميين وشعراء، تعرفت إليه وأخذنا أطراف الحديث. لفتني أن يتكلم سعودي بلغتنا، وإن تديّن فيقرب من علمانيتنا ويرى أننا نحتاج لفكر ديني عصري يواكب العصر ويواجه التحدي ويتخطاه. اقترحتُ التسجيل فوافق مرحّباً بحديث لـ"تحولات" و"حرمون" الرديفين، فانتحينا جانباً على وقع ماكينة أكسبرس محاذية نناقش في الشعر والنقد والدين والثقافة والتربية..
متى نكون أمة تقرأ حاضرها وتهندس غدها؟
هو الناشر والشاعر السعودي، العربي الأسمر، إبراهيم الجريفاني يعرض بداياته وأبجدية كتابته الشعرية في مواقف لافتة في النقد والدين والثقافة، في حوار هنا نصه.
ماذا عن البدايات، وكيف تعرفنا إليها؟
أنا مواطن عربي أحمل هويتي العربية وانتمائي العربي وفكري العربي، هذه هي الهوية الحقيقية؛ أما بطاقة الهوية الخاصة بالدول فهي وثيقة تنقل وتحرك، ولكن الهوية الفكرية أهم وأشرف
أما ديواني الأخير "بنات ألبي" فهو الثامن ويمضي بالرسالة نفسها التي أحاول أن أقدمها لإعادة تمثيل فكر المرأة الشرقية خلال السنوات التي عشتها فأحسست أن الموروثات الشعبية في دولنا العربية في معظمها تعيق التقدم وحركة المرأة التي هي نصف المجتمع بل أكثر. وللأسف المرأة في الوطن العربي عنصر معطّل وغير فاعل في مجتمعاتنا والسبب هو الموروثات التي تلبّست الرجل وحافظ عليها ولن يتنازل عنها.
كيف بدأت صداقتك ورفقة عمرك مع الكلمة؟
هذه الصداقة والرفقة بدأت العام 1975 مع جريدة اليوم واستمرت عبر الصحافة لمدة 25 عاماً وفي التلفزيون من خلال إعداد البرامج وتقديمها. وهذه أتاحت لي فرصة الالتقاء بمجموعة كبيرة من الأدباء والسياسيين والفاعلين، وهي تجربة في الحياة لمعرفة ماذا يدور حولنا وقد أحسست بعد مضي 45 سنة من العمر أن هناك تجربة حياتية ونضجاً فكرياً فأردت أن أبدأ بالنشر فبدأته في العام 45 والآن أنا في عمر 57 ولي 9 كتب صادرة.
علامَ ركزت في كتبك التسعة؟
ركزت على دور المرأة في المجتمع وبناء ثقافتها وفكرها وأيضاً التركيز على الهموم والقضايا والجروح العربية الموجودة في وطننا العربي بعضها لقصور في فكرنا فأسلط الضوء عليها واحاول أن أعالجها من منظور شخصي، لكن طرح المشكلة يضعها أمام الجميع والجميع مسؤول عن الحوار وإيجاد الحلول الأنسب.
كيف تكتب قصيدتك؟
في الوقت الذي أظن أنني أكتب القصيدة، أراها تكتبني. دائماً تتلبّس الشاعر حالة القصيدة، وبالتالي هي تعيش معه طقوسها وفي الوقت الذي يستثار بها تأخذ القصيدة أحياناً يوماً وأحياناً شهراً وأحياناً شهرين. وهناك بعض القصائد موجودة من 4 سنوات وأكثر ولم تنشر لأنه لم يحن الوقت لنزولها، فالكتابة حالة مخاض فكري متى حان الوقت للسماح بولادتها فتولد، هكذا تكتبني القصيدة فأكتبها.
مَن يلتقط الآخر في لحظة الإبداع؟
المفكر دائماً والكاتب والشاعر يجب أن يعيش حالة من التحدي الداخلي بينه وبين ما يكتب حتى يتخطى مخاض النشر. يجب أن يكون لديه إصرار على الإبداع والحالة الإبداعية فيرتقي المستوى بين قصيدة وقصيدة. ويجب أن يكون الشاعر ناقداً نفسه قبل أن ينتظر نقداً من أحد وألا لا يتوقف عن تطوير نفسه بملكات وخبرات منها تجويد القرآن وفهم اللغة العربية بشكل صحيح فيثري تحصيله الثقافي واللغوي ما يمكنه بما وهب من الموهبة كتابة قصيدة يتداولها القراء بنفس بسيط جداً.
مادامت اللحظة الإبداعية هي التي تأتي وتقدم نفسها في وقت تريده هي كيف تنبث شخصيتك في القصيدة.. أين انت في ما تكتب؟
لكل شاعر طقوس وحالات خاصة في كتابة القصيدة أنا ممن يعيش حالة قلق وتوتر وعادة يقرأ قصيدتي أكثر من 6 أشخاص أثق برأيهم قبل أن أحدد أنها نجحت أم لا، بالنسبة إليّ مهم جداً أن أعيش الحالة بصدق حتى يصل الإحساس الصادق للمتلقي.
هل تتأثر باللغة المحكية فقد يتكلم اللسان السعودي أو الكويتي ما لا نفهمه نحن في لبنان. كيف تعالج المحكية؟
هي ليست مشكلة بالنسبة للمثقف لأن هناك شعراء بالمحكية لأنهم أيضاً يحافظون على التراث المحكي والشعر الشعبي النبطي أو الزجل هو منحى من الآداب المحلية وله فرسانه. يجب على المثقف الرجوع للغة العربية لأنها لغة توحد بيننا، عندما تذهب لليمن تفأجأ أن الطفل الصغير يتحدث اللغة العربية بفصاحة، حين تذهب لموريتانيا تجد الشعراء الموريتانيين أقوياء باللغة العربية بينما نحن أضعنا مثل الغراب الذي أضاع مشيته، لسنا مجيدين للعربية ولسنا مجيدين للمحكية.
برأيك سيستمر الشعر؟
ما دام الإنسان يعاني فلن يتوقف الشعر، لأن ثمرة معاناة نحن في رحم المعاناة فالشعر باق طالما هناك نزف وجرح دائم.
عندما تسمع أن الرجال قوامون على النساء، كيف تفهم القوامة؟
القوامة هي الفروسية والإحساس بالمسؤولية، للأسف أن نحن حتى فهمنا للقرآن هو فهم خاطئ، فالكثير فهموا القوامة إنها التبعية فتكون المرأة تابعة للرجل، القوامة هي أخلاقيات المسلم فيجب أن تغار على المرأة وتحرص خلال مسؤولياتك فيما هو متاح لك وغير متاح لها.
قبل إن تنظيم "داعش" أنزل تطبيقاَ إلكترونياً محرفاَ، ما رأيك؟
وكيف تميز بين القرآن المحرف والقرأن الأصلي كقارئ؟
هذا دليل راسخ أن داعش صناعة أميركية لأن قبل 10 سنوات صدر في أميركا قرآن محرف وقصد منه محاولة عدم التشدد في بعض الآيات التي نزلت، بينما يتم التشدد في ما لا داعي له. وعن التمييز بينهما هناك آية تقول "إنّا أنزلنا القرآن وإنّا له لحافظون". فالقرأن هو كلام الله والله سبحانه وتعالى هو الحافظ فيُلهم من عباده من يكتشف الأخطاء.
كيف ترى إلى الحراك العنفي باسم الإسلام في البلاد العربية؟
المجتمع السعودي لا يعاني بالحقيقة من التطرف الإسلامي بل يعاني من الحفاظ الديني غير القابل للتطور وهذا سبب صراعاً. نحن محتاجون لخطاب ديني عصري يتماشى مع العصر الجديد، نحن بحاجة لرأي مختلف وتجديد، فالرسول محمد (ص) جاء في وقت كان هناك جاهلية كبيرة، فجدّد الدين، بحاجة الى منظور للدين يرسخ أصالة الدين بشكل صحيح أخلاقياً كما بدأ منذ نزوله.
من ابراهيم الجريفاني الناشر وما دار النشر التي أسستها؟
قبل 5 سنوات تقريباً أسست داراً للنشر أسميتها "الرمك" وتعني الحصان العربي الأصيل الذي لم يدخله اختلاط غريب فحافظ على النسل لتحقق رغبتي في محاكاة العصر الجديد وتلبي حاجة الكتاب الناشئين أو الشباب في وسائل النشر الإلكتروني واحياناً ترفضهم دور النشر لأنهم مغمورين مثلاً، والواقع أثبت العكس أن هؤلاء الشباب يسوقون ويبيعون أكثر من كتاب مشهورين.
أحمد الله أني اتجهت للكتاب الجدد وأدعمهم من أجل أن يتفاهموا بلغة العصر ولديهم وسيلة للانتشار أكثر بكثير من الكتاب القدماء ويتحدثون بلغة العصر، وبالنسبة لنا نقف عند المعلقات ونقول هذا الشعر العربي، يجب أن نحاكي الشعر العربي الحديث بلغة الأجيال، وإلا سنكون مع الجيل الجديد متخلفين وأميين وهذا ما يحصل أننا نتعلم من أولادنا العبور إلى التقنية.
أين دار الرمك في الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني؟
نحن نراقب ما يجري في الساحة الإلكترونية بالنسبة للإلكترونيات مازال الكتاب الإلكتروني ناشئاً، ولم يحقق أي موقع الكتروني النجاح المأمول منه، يعني لا يوجد كتاب الكتروني باع 100 نسخة بينما في المواقع الأجنبية تجد أرقاماً تجاوزت مئات الآلاف من النسخ. الإشكالية والسر يكمنان في طريقة تسويقنا للكتاب الإلكتروني. فالجيل الذي عمره تحت 25 سنة له قراؤه ولها لغته وأسلوبه، بينما معظم من يؤلفون أكبر من 35 سنة فهؤلاء لا يحاكون الجيل الجديد فلما دخلوا سوق الكتب الإلكترونية كانوا غرباء عنها، لا بد أن ننتظر نجاح الكتاب الإلكتروني جيلاً جديداً من الزمن ليفوق الورقي ويشكل مصدر ثقافته الأساس. وحالياً أعتقد لا نجاح للنشر الورقي ولا للنشر الإلكتروني.
هناك مشكلة في العلاقة مع الآخر الذي لا يتبع دينك ولا يحمل هويتك فهل تلغيه.. في زمن التكفير والذبح العربي؟
إذا اقتنعنا أن الأديان السماوية نزلت من السماء فيجب أن نحترم كل مؤمن بها. فجميع الأديان نزلت بالأخلاق وبالمحبة ونحن نشوّه الأديان ونقدمها بصورة سيئة، يجب أن تتصالح الأجيال مع الأديان لتكون أجيالا مؤمنة. فقبولنا بالآخر أساسه أن نقبل أنفسنا أولاً فلدينا مشكلة كبيرة تبدأ من فقدان الثقة في ذاتنا قبل الثقة بالآخر.