77
مقدّمة:
تسطّر الشعوب تاريخها وتنسج مصيرها، وتعبر ممرات الحروب الإلزامية من أجل تحقيق السلام. تحمل خصائص وسمات، تترجم أيديولوجيا الزمان والمكان، تتعايش حينًا وتتناحر أحيانًا كثيرة. أقلّيات وإثنيّات، وأصوليات في ظل أشكال مختلفة من الأنظمة. ينقل التاريخ المدوَّن ما خطّته أيدي الباحثين والعلماء وأهل الحكم وقادة الثورات والحروب، إضافة لما تنقله الشعوب شفهيًا، لتبرز لنا صورة النظم الاجتماعية، وطرق ممارسة المواطنة وعمل السلطات وثقافتها، وشكل الديمقراطية والعدالة ونظرة الحكام والزعامات وتطلعاتها إلى مستقبل الشعوب.
ومن ثَمّ، يمكننا اليوم مع قراءة التاريخ والحاضر المعاش أن نستنتج كيفية إدارة الأنظمة، وطبيعة العدالة من مدخل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
والنظرة الأخرى كاستنتاج لقراءة وتحليل واقع حياة الشعوب، وإدارة أنظمتها من أواخر القرن العشرين حتى الألفية الثالثة – القرن الواحد والعشرين -، كيف أصبحت جماعات غير متناغمة في التطلّعات إلى المستقبل، وحجم الوطن وأهمية حمايته. وكيف انقسمت هذه المجتمعات إلى أطراف نزاع تحكمها قيادات متعددة متمثلة بزعامات وطوائف وأحزاب بعضها ينظر إلى الشعوب على أنها أعداد أقل شأنًا منهم يُستخدمون كأرقام انتخابية، وقد لا يحصلون على أدنى متطلبات الحياة.
حقوقهم مجتزأة، مرتهنون، يتجاهل الساسة مطالبهم وقضاياهم، وبالمقابل وفي الأنظمة المتقدمة، نرى القادة والحكام يعززون شعوبهم، يقدّمون الخدمات والحماية الاجتماعية كالصحة والتعليم، والاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع. والشعب يثبت الولاء والانتماء الوطني للدولة، ما يؤكد لنا أهمية الأنظمة التي تقوم على التخطيط الاستراتيجي وتفعيل المواطنة.
كان من الصعب حصر مفاعيل وتداعيات سوء إدارة الأنظمة، ومن ثمّ يمكن أن تضمحلّ مفاهيم المواطنة معالم الأوطان بظلّ الأزمات وتعسّف الحكام وعدم قدرتهم على احتواء مشروع الدولة الذي يعتبر تنازع تنازل حول المصالح وتعارضها، والتي تجاوزت حدود التناقض الذي كان مدخلًا لانقسام الأوطان التي لم تتضح فيها شروط المواطنة والديمقراطية والتنمية بحيث تبقى المواطنة مفهومًا غامضًا وإشكالية لدى العديد من الأنظمة، خاصة في الدول التي أعيد تركيبها في سياق أنواع من العلاقات التي استمرّت على مخلّفات استعمارية، وتبعية في التفكير والنهج والنتائج التي ترتبت على الشعوب والأجيال وعلى مؤسسات الدولة.
ومن ثمّ، قادت الأنظمة عبر التاريخ شرائح واسعة في المجتمع كانت معرضة بشكل دائم للانهيار، تعيش هذه الشرائح حالة ازدواجية في الشخصية الثقافية، ولاءاتها متعددة، تبعيتها موزعة في الداخل المحلي والخارج الإقليمي.
بقيت عملية الارتقاء إلى الوعي بالمفاهيم المدنية والوطنية، والمواطنة، رهينة السياسات والتجاذبات في داخل الوطني الذي أنتج انغلاقًا وحصارًا واستعمارًا ذهنيًا في المجتمعات.
من جهة كانت الأقلّيات والإثنيّات والنخبة من الشرائح الاجتماعية في لبنان والمجتمع العربي تلعب دورًا مهمًا في إثراء الثقافة والتراث العربي، وتراجعها أحدث خللًا في العلاقات داخل الدولة التي تنتمي إليها، الأمر الذي ساهم في استثمار تلك الشرائح من قوى طارئة على الأنظمة، في الداخل الوطني والخارج الإقليمي والعربي والدولي، لتنفصل عن المجتمع الأمّ وتأخذ اتجاهًا معاكسًا لمفاهيم الانتماء الوطني.
في معرض بحثنا هذا، ثمّة محاور سنتناولها في فصول حول المواطنة والديمقراطية والتنمية والسلام العالمي، بدءًا بالانتماء والهوية الوطنية.
ينخرط المواطن اللبناني والمواطن العربي في صفوف بعض التنظيمات، ملتزمًا بعقائد حزبية ودينية، وآخرون ينخرطون في صفوف بعض التنظيمات التي صبغت نفسها بالإرهاب وما ينفق على عملياته وعناصره من أموال وسلاح وجرائم مأجورة، بعض هذه الولاءات نتاج لتفكيك الأنظمة بما يخدم التنظيمات والحركات الأصولية المتطرفة بأهدافها القريبة والبعيدة، وبعض الولاءات تخدم الأحزاب والطوائف. وبالتالي، انحصرت الولاءات للوطن وتراجعت حتى أصبح الفساد سيّد المواقف والأحكام، ما يعني غياب مفهوم الوطن الدولة الموحدة، والمواطنة والهوية الوطنية، كما هو حاصل في لبنان والدول التي أُسقطت أنظمتها ومنها: ليبيا، مصر، العراق، سوريا، السودان، واليمن المرحلة القادمة والآتي أعظم.
لعبت هذه المتغيرات وسواها، دورًا مهمًا في التأثير على الأوضاع الاجتماعية ومستوى تحولات الغنى والبطالة والفقر والفوارق بين طبقات المجتمع، وفي اتجاهات وتوجهات الشعوب، منها الشعب اللبناني، خاصة بغياب أدنى درجات العيش والخدمات التي يجب أن توفرها الدولة.
غابت المواطنة عن السلطة والسياسيين، كما غابت عن الكثير من المواطنين، كنتاج لسوء إدارة مرافق الدولة ومؤسساتها، وتسلطن القادة السياسيين على شعب ضاق ذرعًا بطوائفهم وأحزابهم وخدمة مصالحهم وغياب المسؤولية الوطنية من حساباتهم، والعدالة الاجتماعية عن مجتمعهم السياسي الخاص، بعيدًا عن مصالح المؤسسات والاكتفاء الاقتصادي والاجتماعي، ما يؤكد للشعب غياب المواطنة والديمقراطية في إدارة شؤون الدولة اللبنانية، وكذلك لدى بعض القادة والحكام العرب.
ساهم هذا التراخي في إدارة السلطة لإدارات ومؤسسات الدولة وقطاعاتها في بروز مشروع إعادة تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية والأمنية للبنان والوطن العربي، وخارطة الشرق الأوسط الجديد.
إزاء هذه الأوضاع والمتغيرات، برزت سايكس- بيكو الألفية الثالثة ودخول القوات الفرنسية، والروسية، والبريطانية، والأميركية وسواها للساحات العربية، ولبنان الساحة المفتوحة لجميع الأنظمة والجيوش، إضافة إلى المشروع الصهيوني الدائم الذي غيَّب مشروع الوحدة العربية، فحضرت التحديات الكبرى والمصيرية للدول العربية وتفكّكت أنظمتها، وكان الشرق الأوسط الجديد.
تفاقمت الأخطار والأزمات التي حصلت وتحصل في لبنان والمجتمعات العربية التي خرقتها التنظيمات الإرهابية، وتراجع محتوى الدولة الوطني حتى فرغ من مضمونه، ولم ترَ الحكومات تجارب الغرب في المواطنة من حماية النظام إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والتي سنرى تفسيرها وترجمتها في فصول الكتاب.
زادت الولاءات وتعددت أنواعها، واختلف وجه المواطنة الذي فسّره كل فريق في خطابه السياسي وفق تطلعاته وأهدافه، كما تراجع محتوى ومستوى الدفاع كتعبير عن الذات الوطنية، والمعرفة العلمية، تقلص حجم ومفهوم السياسة والحقوق والواجبات والعدالة التي فرغت من مضمونها الديمقراطي وبُعدها الإنساني والقانوني، فتقلص مفهوم الديمقراطية والانصهار الداخلي اللبناني والعربي وثقافة اللغة والمصير المشترك.
إن ترسيخ الوحدة الوطنية يحتاج إلى تثبيت مفهوم المواطنة في المجتمع، حيث تتحقق المساواة والعدالة مثلًا من جهة الوظيفة الوطنية للفرد، والكفاءة والقدرات العلمية والثقافية وتعزيز المؤسسات بالقدرات البشرية والعلمية والتقنية وحماية الحقوق والحريات والوصول إلى تجديد وتطوير منهجي في الفكر السياسي الوطني، وبإعادة إحياء الحضارة الوطنية للتاريخ الإنساني.
السؤال يطرح نفسه بعد هذا التعليل:
ما هي المواطنة؟ عناصرها ومكوناتها في المجتمع والدولة؟ هل المواطنة نفسها تؤطر الوفاق الداخلي المحلي والعربي؟
ماذا نعني بالانتماء؟
ما هي مفاهيم الديمقراطية؟
ما هي الأطر الوطنية في الدولة؟
مفهوم الانتماء والهوية الوطنية:
يرمز الانتماء إلى الانتساب لكيان يكون الفرد مندمجًا فيه، يشعر بالأمان بين جماعة هذا الكيان الذي يعبر فيه عن مشاعره. وقد صنّف العالم ماسلو Maslow الانتماء بالدافعية واعتبره أريك فروم From حاجة للإنسان من أجل قهر عزلته، واعتبر ليون فستنجر Leon Festinger أن الانتماء هو تماسك أفراد الجماعة، ومن ثم يُجمع الباحثون على أن الانتماء حاجة ضرورية للإنسان في مجتمعه الكبير مع الجماعة في المحيط الاجتماعي الذي يقدم التعاون والصداقة والقرارات ليستمد حصانة الانتماء.
تعتبر الهوية Identity المرتكز للانتماء والوجود الفردي، وتكون السلوكيات مؤشرات للتعبير عن الهوية التي تؤكد الروابط في النظام القرابي، والانتمائي، والتفاعل الاجتماعي المتبادل، والشعور في عملية التضامن نحو الأهداف العامة، كما يعتبر مستوى الانتماء والولاء جوهر الالتزام بالهوية، والتمسك بالمعايير والقيم الاجتماعية والروابط الاجتماعية، والتعاطف والتعاون الوجداني بين الجماعات بالانتماء مفهوم ذهني نفسي واجتماعي وهو نتاج لتبادل الجماعة المعايير والقيم الوطنية والثقافية.
من هنا يلعب الانتماء الدور الرئيسي في تشكيلة القوى والأيديولوجيا والعلاقات الاجتماعية والثقافية والعقائدية، كالأحزاب التي تأخذ الطابع الديني أحيانًا، والتي تصبح ممارساتها مناوئة لمبدأ المواطنة، وهي الدائرة الأوسع لمختلف الانتماءات في المجتمع، فهي تضع المعايير التي تلزم الأفراد والجماعة بالواجبات لتحقيق الاندماج في سبيل مصلحة الوطن، والمسؤوليات العامة والأهداف الوطنية من كل الهيئات الرسمية والمدنية، ومن ثم تبقى المواطنة والهوية الوطنية صمام الأمان للوطن والشعب والمؤسسات.
تؤثر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والمحيط على أنماط السلوك الاجتماعي للأفراد، وضروب التفكير التي قد تتأثر أيضًا بالإحساس بالعزلة مثلًا والاغتراب بسبب تراجع أو ضعف الانتماء والارتباط بالوطن والاعتزاز به والانتساب إليه والمشاركة في بنائه والدفاع عن قضاياه ومصالحه وثرواته.
•الهوية الوطنية:
تعتبر الهوية في الفلسفة العلمية والوطنية بأنها الحقيقة المطلقة التي تشتمل على الصفات والسمات الوطنية الجوهرية التي تنطلق منها المعايير النموذجية، والتي تسمح بمعرفة وفهم عناصر تشكُّل وحدة الهوية، وخصوصيتها ومميزاتها وقيمها ومقوماتها، لأن الهوية الوطنية تترجم روح الانتماء لدى أفرادها وأبنائها ولها دورها في رفع شأن المجتمعات وتقدمها وازدهارها. ومن دونها تفقد الجماعات كل معاني وجودها واستقرارها.
تعبّر السمات الوطنية في المجتمع عن كيان ينحصر فيه أفراد وجماعات منسجمون ومتشابهون بالخصائص وبتأثيراتها، تجمع بينهم من منطلق الشعور الوطني، حيث يستمد الفرد إحساسه بالانتماء والهوية، ويشترك مع أفراد المجتمع في الكثير من المعطيات والمكونات والأهداف، والثقافة الممتزجة بجملة من المعايير الوطنية ورموز الوطن.
تتشكل عناصر الهوية الوطنية من الموقع الجغرافي إلى التاريخ المشترك والأحداث التي عاشها الشعب على أرضه، النموذج الثقافي والأيديولوجي لشرائح المجتمع، ويكوّن الاقتصاد والنظام المالي، مؤشرات العلاقة التي تجمع أبناء الشعب الواحد إضافة للحقوق المشتركة نفسها، كحق التعبير والتعليم والملكية والعمل والحقوق والواجبات.
تقدم المؤسسات الخدمات التربوية والتعليمية، منها خدمات الأمن الاجتماعي الشامل من خلال عمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومسؤولياتها ومسمياتها الوطنية التي تتضمن روح العمل الجماعي لخدمة الوطن والموطن. ويُعتبر هذا الالتزام تعبيرًا عن الهوية الوطنية وعن أهمية الوعي بالهوية الوطنية والالتزام بها، ينعكس الأمن الاجتماعي على استقرار الفرد والمجتمع والوطن إيجابيًا، لاسيما بالمسؤولية الاجتماعية لتتكون قوة النسيج الوطني الاجتماعي، فتشكّل عناصر الهوية قوة بناء الوطن.
تقتضي عملية تحديد هوية مجتمع وجود جملة من العناصر التي يمكن تصنيفها بعناصر مادية وتاريخية، وثقافية ونفسية واجتماعية، في إطار تنظيمي متكامل، لأن الهوية تمثل وحدة كلّية متقاربة ومتكاملة، وحقيقة اجتماعية تنطوي على عناصر متعددة كالبيئة الحيوية والتاريخ، والديمغرافيا، والاقتصاد بكل أنشطته.
تتحدد مقومات الهوية باللغة والثقافة والانتماء والولاء للوطن، ومواجهة التحديات والتعايش المشترك، ما يعني أن هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر في بناء الهوية عند الأفراد أوّلها المجتمع، وثانيها الانتماء الذي يجسّد الارتباط بالمكان ودور الهوية في تعزيز مفهومه عند الأفراد والجماعات.
في الحالة اللبنانية، يفتقد المجتمع اللبناني مقومات عناصر الهوية حسبما وصف الكاتب من شروط وطنية لقيام الدولة وتكوين الهوية.
في لبنان هناك هويات قاتلة متعددة الأوجه والأقنعة التزمت الدمار الاجتماعي والسياسي الشامل، فالدويلات القائمة والمجتمعات الأمنية في الجغرافيا اللبنانية، وفي عمق السلطات المحتلة من الطوائف والأحزاب وبعض الزعامات التي أثقلت كاهل الدولة بسبب التعنت على اقتسام الدولة بمؤسساتها وشعبها. إضافة إلى الوصاية الدائمة والضغوط الخارجية والنمو الهزيل جدًا للاقتصاد، الأمر الذي أنتج أزمات حالت دون حماية الدولة، والولاء للوطن والثقافة والانتماء، وكلها عناصر في سبات غير منظور اليقظة.
تغير مفهوم الهوية الثقافية، أي الارتباط بين الهوية والثقافة، لأنه في العادة الهوية الثقافية تكون مقرونة بالثقافة التي تؤسس لها، وهي من مكونات الشخصية الفردية والجماعية، ما يفسر لنا أنه لكل جماعة هوية تتميز بها، ولها ثقافة معلومة وسمة تعرف بها. أي إن الهوية الثقافية هي الثابت المشترك في السمات الحضارية في المجتمع.
من هنا، يقترن مفهوم الهوية الثقافية مع سياسة الهوية التي تجسد ذات الفرد وتحمل القيم والمعايير ونبذ التعصب والتطرف الطائفي والعرقي. فالهوية هي الموروث الثقافي والذكريات والإبداعات، والتعبيرات والتراث بكمال مفاهيمه.
تعني الهوية الثقافية الخصوصية التاريخية للجماعة والدولة ونظرتها للحياة والموت، ونظرتها الخاصة للإنسان وقدراته وأفكاره وإدراكاته، ومجموع التراكمات الثقافية والأدبية والمعرفية، وذلك الصرح من العادات والتقاليد ضمن الوحدة العائلية والمجتمع والمحيط الوطني والقومي للدولة.
شرح الكاتب إبراهيم العبيدي حول تطور مفهوم الهوية جاء كالآتي:
تتشكل الهويات وتكتسب صلاحياتها من خلال سلسلة متواصلة من التفاعلات، ينطوي اكتسابها على عملية البناء، واكتشاف سمات دائمة السيرورة على امتداد حياة الأفراد والجماعات ومستقبلها، التي تتغذى بالتاريخ في استجابة مرنة قد تتحول مع الأوضاع التاريخية والاجتماعية، ما يعني أن الهوية نسجية متغيرة مع حركة التاريخ والانعطافات التي يتعرض لها. وتتأثر بالصراعات والثقافات الأخرى والمؤثرات الخارجية والتوازنات والتداول العلمي للثقافات والأفكار.
نستخلص مما سبق، أن الهوية هي كيان يمكن أن يتطور ولا يمكن تحديدها كمعطى نهائي. تمتاز الهوية بغناها الناتج عن تجارب أصحابها والنضالات والمعاناة والنجاحات والانتصارات والتطلعات والعلاقات والاحتكاك الثقافي والاقتصادي الإيجابي والسلبي بالهويات الأخرى، التي تتداخل معها بشكل أو بآخر.
الهوية الوطنية قضية ولاء وانتماء عميق يعني شعبًا في الحاضر أو في المستقبل. الهوية هي قضية ومسؤولية مشتركة تقع على عاتق الشعب أفرادًا وجماعات على المؤسسات والسلطات والأجهزة، المحافظة عليها كموروث وطني قيمي حضاري للأجيال القادمة.
الهوية الثقافية منظومة أخلاقية أدبية اجتماعية، ترتبط بحياة الشعب في الماضي والحاضر والمستقبل بوعي كامل للهوية الوطنية وعظمتها، وذلك بقوة النسيج الاجتماعي، والنهضة العلمية الفكرية والمعرفية وقوّة الإنتاج والاقتصاد وإدارة الموارد البشرية والطبيعية ومواكبة الحضارة والعصر.
•الهوية والعولمة:
على الرغم من أن اتجاهات العولمة تسير نحو التأثير السلبي على الهوية والسيادة معًا، فإنها تولد إحساسًا يؤدي إلى مزيد من الوعي بالخصوصية الثقافية والحضارية.
ومن تعريفات الهوية الثقافية، نستنتج أنه يستحيل وقوعها تحت مقولة العولمة، وذلك لتعدد الثقافات حول العالم، حيث إنه لا توجد هناك ثقافة عالمية واحدة، وما هو قائم اليوم أشكال من الثقافات المتعددة والمتنوعة، على مستوى الأفراد والجماعات والأمم، وتعمل كل ثقافة من هذه الثقافات بصورة عفوية وتلقائية، أو عن طريق تدخل من أصحاب هذه الثقافة، بهدف الحفاظ على مقوماتها وكياناتها الخاصة.
وفي دراسة للمفكر الأميركي صمويل هنتجنتون، صاحب كتاب (صراع الحضارات)، نشرها في مجلة (شؤون خارجية) تحت عنوان (الغرب: متفردًا وليس عالميًا)، يقول: إن روح أي حضارة هي اللغة والدين والقيم والعادات والتقاليد، وإن التغريب الثقافي في المجتمعات غير الغربية يؤدي إلى مزيد من تمسك تلك المجتمعات بثقافاتها الأصيلة، ولذلك على الغرب أن يتخلى عن وهم العولمة.
ونخلص إلى القول بأن الهوية الثقافية والحضارية لجماعة ما، تجعل للشخصية الوطنية أو القومية طابعًا تتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى.
•الهوية والديمقراطية:
تُعتبر الهوية، وهي الشعور بالانتماء، ظاهرة إنسانية أصيلة، وأي جماعة حينما تمر بحالة من التمزق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تعبّر عن هذا التجاوز بالهوية الثقافية. لكن هذه الهوية لا تنتصر الانتصار الكلّي، لأنّ الهويات الدينية والإثنيّة تظلّ حاضرة بهذا الشكل أو ذاك، بسبب غياب دولة المواطنة والديمقراطية، ولأنّ السلطة السائدة لم تُعِر الهويات، في حق التعبير عن نفسها، أي شأن.
إن الديمقراطية هي الشرط الأول لانتصار الهوية الكلّية من خلال حق الهويات في التعبير عن نفسها ثقافيًا وسياسيًا، وقمع الهويات هو الشرط الأساسي لظهور الهويات المتعصبة، سواء كانت دينية أو إثنية أو ما شابه ذلك، والتعصب يدمّر الصيغة السياسية- الثقافية ذات المنحى التعددي.
وبالعكس، في النظام الديمقراطي يتاح للجميع التعبير عن الهوية، ومن ثَمّ تتحول الهوية إلى هوية هي الأخرى ديمقراطية، وتصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية الكلّية، وشكلًا من الثراء الثقافي للمجتمع.
إن الهوية الديمقراطية لجماعة ما تعني: فصل الأيديولوجيات (دينية أو غير دينية) عن الدولة، وسيادة القانون، والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، والمجتمع المدني، والمؤسسات النيابية، والحرية والفردية.
•مفهوم السلطة في الدولة:
عرّف المفكر الفرنسي ريمون آرون أن السلطة هي المقدرة على الفعل أو التدبير، واعتبر برتراند راسل السلطة هي عبارة عن القوة والمقدرة. وهي عبارة عن إيجاد التأثيرات المنشودة، فهي مفهوم كمّي أو ظاهرة كمّية، المراد فيها الأدوات والوسائل المتوفرة لدى الفرد أو المؤسسة السياسية أو الدولة.
السلطة هي العلاقة التي يسعى من خلالها الفرد أو المؤسسة إلى تسخير الأفراد والمؤسسات للعمل طبقًا لإرادتهم. قال ماكس فيبر: إن السلطة هي الفرصة المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لتنفيذ مطالبهم في مجتمع ما في مواجهة من يقفون حائلًا أمام تحقيقها.
تعتبر السلطة تجمّعًا سياسيًا يؤسس كيانًا ذا اختصاص سياديّ من نطاق إقليمي محدد، ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، ومن ثَمّ فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم والسيادة، والاعتراف بهذه الدولة بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما الخارجية.
تتعدد الآراء والتحليلات حول مفهوم السلطة وتتعارض في الكثير من مفاصلها، فيما يشير كثيرون من رجال السياسة والاقتصاد بأن السلطة إدارة للأمن والاقتصاد والتربية والمؤسسات. وبذلك تتنوع الأسباب والدوافع للوصول إلى الموقع الأكثر دقة في عمل الدولة، ألا وهو السلطة الأمنية وإدارة التربية.
تختلف الأنظمة والتوجهات بين الجماعات السياسية في الدولة من جماعات الطوائف والأحزاب والتنظيمات، وتزداد الأمور خطورة وتعقيدًا حتى تصبو الجماعة لتبوّء السلطة، فيقع الشرخ السياسي والطائفي والحزبي في المجتمع، لأنّ لكلّ من هذه الجماعات مفهومه الخاص للسلطة، وله أدبياته في معرفتها وتطبيقها، والأهداف التي تصبو إليها.
تتحول بعض المجتمعات إلى تكتّلات طائفية أو حزبية أو عسكرية أو إلى جماعات إرهابية تنامت في ظلّ النزاعات والصراعات حول السلطة، فتختلف أوضاعها وظروفها التي قد تكون غير متوقعة أحيانًا كثيرة، تدخل عليها بالطائفية، تبرز حالات الهيمنة من سلطة الأمر الواقع على السلطة الرسمية مما يعوق عملها وبذلك يختلف مفهوم السلطة وتعريفها بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد.
إن السلطة في أي دولة يمكن تفسيرها بأنها القدرة على التأثير في أفراد المجتمع، والتأثير بمجريات الأحداث وتغيير مسارها وفق الأهداف فيما تتراوح الأساليب والوسائل بين الامتناع أو الإكراه إذا ما أثّرت على النظام.
يمكن أن نستنتج أن السلطة واقع اجتماعي قد يفرض نفسه، كما يفرض المتغير الأمني أو السياسي أو الاقتصادي أو التربوي أو أطماع الفئة دون أخرى بمقدرات معينة حيث الغاية تبرر الوسيلة، ويفرض الأسلوب الذي تقوم به السلطة من أجل حصانتها.
ويعرّف المعجم الفلسفي السوفياتي السلطة للتنظيم الاجتماعي للمجتمع، إنها القوة الآمرة التي في حوزتها الإمكانية الفعلية لتسيير أنشطة الناس بتنسيق المصالح المتعارضة للأفراد أو الجماعات وبإلحاق تلك المصالح بإدارة واحدة عن طريق الإقناع.
وفي مقاربة عامة حول مفهوم السلطة ورد في المعجم الفلسفي للكاتب جميل صليبا أن السلطة في اللغة هي القدرة والقوة على الشيء والسلطان الذي يكون قدره للإنسان على غيره وجمع السلطة هي السلطات، وهي الأجهزة الاجتماعية التي تمارس كالسلطات السياسية والسلطات التربوية وغيرها.
لا تقوم السلطة على الأفراد إنما على الجماعة، مهما كانت سياسية أو غير سياسية، مما يؤكد أن السلطة هي ظاهرة اجتماعية. فإن تبادل الخدمات من خلال العلاقات القائمة في المجتمع تبرز مصادر السلطة الاجتماعية المتعددة كالمركز الاجتماعي الذي يحتله شخص ما، ناتجًا على مركز حكومي مثلًا أو حزبي أو طائفي أو سياسي، وقد يكون مصدر السلطة هو العلم والثقافة ما يجعل هؤلاء الأشخاص يتمتعون بقدرة عالية يمكنهم بواسطتها التأثير على سلوك الآخرين وأفكارهم ومواقفهم، خاصة إذا ما لعب الثراء المادي دوره في إدارة السلطة.
في علم السياسة يترجم مفهوم السلطة بأنها ممارسة على سلوك الناس يعني هناك قدرة تأثير في السلوك وتوجيهه نحو الغايات والأهداف التي يحددها من له القدرة في إدارة السلوك وفي فرض إرادته. فإما أن يكون سلوك يقتدى به وفيه نموذج اجتماعي إيجابي أو العكس. السلطة علاقة ديمقراطية في المجتمع وليست قوة ضاغطة، وهي علاقة تبادل تخضع لقواعد ومبادئ دقيقة للعناصر التي تشكل المجتمع.
يعتبر عالم الاجتماع ماكس فيبر العنف هو الوسيلة الطبيعية للسلطة من حيث احتكارها وشرعيتها، إلا أن تأكيد ماكس فيبر احتكار السلطة للعنف يبرره هاجس البحث عنده مما يجعل هذا الاحتكار مشروعًا أو شرعيًا.
يعمل أو يعمد أصحاب النفوذ لتحقيق السلطة عن طريق تثمير الأعراف والمعتقدات والطقوس الاحتفائية لتأمين استمرارها وتجددها في المجتمع بطرق ووسائل مختلفة تدعو مثلًا إلى الوحدة الداخلية المذهبية أو الحزبية السياسية أو سواها، ومن خلال العمل على أنماط التفكير والمشاعر والوجدان وحماية الجماعة. تؤمن هذه السلطة الاستقرار والحماية من الجماعة نفسها، حيث تقف حاجزًا أمام التحولات التي تؤدي إلى الفوضى المحتملة ويلعب الموقع الاجتماعي وصفة شخصيات السلطة دوره في ضبط المحيط ونسج علاقات اجتماعية مهيمنة وتابعة.
سعى علماء الاجتماع مثل فيبر إلى تأكيد أهمية البحث للاعتراف بالسلطة وتجسيدها بالممارسة والتطبيق بتوازنها واختلالها، بمرونتها وعنفيتها وبتجلّيها في صلب العلاقات الاجتماعية، لذا يدفعنا ماكس فيبر في فهم السلطة كعلاقة، وهذا ما يربطه بجورج بالاندييه، القول إن سوسيولوجيا في جملة الملاحظات المتعلقة بفعالية السلطة بوسائلها وخصائصها.
ومن ثَمّ، تحكم السلطة المجتمع، ويعمد الفرد إلى التحرر الفعلي منها، أما الديمقراطية والمساواة، وهنا تنتفي القوة والعنف أو بالخضوع للقوة من أجل امتلاك السلطة من قبل السياسة أوقف من قبل الجماعة السياسية أو الحزبية أو الطائفية وخطورة استثمارها، وبذلك قد تتنوع بين قوة الفعل والانفعال بين الرافض والموالي.
•السلطة واستراتيجية الصراع والممارسة الديمقراطية:
يعتبر نيتشه من أوائل الذين حاولوا تفكيك مفهوم السلطة مرتكزًا على العنصر التفاضلي لتحديد وتوليد القيم مهما اختلفت، وأيًا كانت، الأمر الذي يؤدي إلى تقسيم الشرائح البشرية والمجتمعات.
تتولد السلطة من العلاقات التي تحكمها مجموعة أطر ومفاهيم وقواعد ومفاصل، فهي تتفاعل في كل لحظة لأن الكائن أو الفرد يقع تحت ظل سلطة مكونة من علاقات ومن مجموعة سلطات متفاعلة فيما بينها بشكل دائم ومستمر، كالسلطة الأمنية والاقتصادية والقضائية والتشريعية والتنفيذية.
يخضع الفرد لسلطة الإدارة التي يعمل بها وبسلطة العقائد التي ينتمي إليها ويؤمن بها، وسلطة العادات والتقاليد والأعراف التي يعيش بظلها ويمارسها وبسلطة الأسرة التي قد ولد فيها، وسلطة القانون والدولة عامة، يعني أن هناك سلطة لا متناهية محيطة به بشكل دائم ومستمر ومتفاعل ومركب ومولد في آن واحد ضمن واقعه الاجتماعي المعاش. ويشكل المجتمع من مجموعة العلاقات القائمة بين قوى متنوعة ومتعددة تتكون من أجهزة الإنتاج وتعمل من خلالها. كما تشكل بعض المؤسسات مصدر الانقسامات والصراعات والرابط الفارق بينها. السلطة ليست إلا حركة بواسطتها تحول القوى فتخفف من حدة قوى أخرى أو تزيد من حدة قوى أو تعمل على قلب موازين بفعل الصراعات التي تتوقف.
•السلطة استراتيجية الصراع:
السلطة هي الاستراتيجيات التي تؤثر في القوى وتجسد أهدافها، وتتبلور من خلال الدولة ومؤسساتها وأجهزتها وقوانينها، وأشكال الهيمنة المجتمعية الأخرى.
في لبنان تعتبر السلطة منصبًا يحتكره الشخص من موقعه، يتصارع عليه الساسة والطوائف والأحزاب والمنظمات. السلطة بمعناها الديمقراطي هي ممارسة تنطلق من نقاط لا تنحصر في الشخص ضمن الموقع ولا في العلاقات المتحركة، وغير المتكافئة، مهمتها إنتاج الواقع في مختلف قطاعاته ومستوياته وتعدده وتعقيداته. إن علاقات القوى الاجتماعية قادرة على إنتاج السلطة وإرادة الحقيقة، تعمل على الفصل ما بين الحقيقة والخطأ والوهم والضلال والصدق والحق. فهناك ماهية تميز كل واحد في ذاته بمجرد معرفة ما هو حق، وما هو خطأ، وأحيانًا ما نعتبره حقيقة يمكن أن ينقلب وينتقل إلى ما يناقضه في الحراك الاجتماعي، حيث نلاحظ أن حقيقة ما لا تبقى ثابتة ولا أزلية.
الحقيقة والسلطة متعددة في تاريخ المجتمعات، وذلك تبعًا لتعدد القوى المشكلة له، ولنمط العلاقات التي تقوم بين قوى المجتمع، ويبدو أن المعاني المتقدمة ستتخذ أشكال السياسة والسلطة والحقيقة والمعرفة، وأن مفهوم الحقيقة والسلطة قد تصبح عبارة عن مجموع الاستراتيجيات والعمليات وتداولها والجهات التي تنتمي إليها السلطة والوصول إلى الحقيقة والبحث في القيم وتحديد نظام الخطاب وسياسة السلطة.
ما هي الأطر أو الطرق التي يمكن أن يعتمدها الفرد للالتفاف على السلطة التي قد تواجهه في كل مكان؟ هل تعمد السلطة إلى ضبط ومراقبة سلوك الفرد وتصرفاته؟
•المواطنة والسلطة (نماذج من العالم؛ وضعت من أجل المقارنة حول مفهوم المواطنة في الأنظمة):
تشدد البحرين والإمارات العربية المتحدة على البعد الوطني لهوية المواطنين، ويبرز الأردن البعد العربي دون إغفال البعد الوطني وفق المادة الأولى من دستوره، فإن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية.
في الجزائر، يتم التشديد على إثبات الشخصية الجزائرية من خلال مجموعة القيم والفضائل ذات العلاقة بالإسلام والعروبة والأمازيغية أي الثقافة البربرية. فقد تم التأكيد على البعد الإسلامي في أحد أهداف التعليم من خلال إعداد جيل مشبع بمبادئ الإسلام وقيمه الروحية الأخلاقية والثقافة والحضارية.
تبرز المغرب وتونس ومصر بُعدي العروبة والإسلام في هويات مواطنيها: فالشعب المصري وفق دستوره الجديد عام 2012 هو جزء من الأمّتين العربية والإسلامية. الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها، بيد أن المكوّن الإسلامي يحمل وزنًا في المكوّن العربي في الكتب المدرسية الجديدة والتي تكثر فيها المفاهيم الإسلامية، وهذا ما يشكل انعكاسًا للرسالة العالمية للإسلام في أيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين.
أكد تعديل دستوري في المغرب عام 2001 أن الدولة الإسلامية تتألف من عناصر عدة في الهوية الوطنية، وهي الثقافة العربية والإسلامية والأمازيغية البربرية والحسانية الصحراوية "الصحراء الغربية". وتبرز القيم الإسلامية في المناهج الدراسية المغربية في مرحلة التعليم الابتدائي. كما ورد في الميثاق التونسي "مادة بعنوان الهوية" ينص على أن هوية شعبنا عربية إسلامية.
وفي المغرب أيضًا يحتل الملك المنصب المدني والإسلامي الأعلى بوصفه أمير المؤمنين، وهو يتوقع الطاعة التامة من جميع الرعايا وفق المادة المعدلة "لصفة أمير المؤمنين" وأنه الممثل للأمة ورمز وحدتها وهو ضامن لدوام الدولة واستمرارها، وبوصفه المدافع عن العقيدة فهو يضمن احترام الدستور وهو حامي حقوق وحريات المواطنين والفئات والمنظمات الاجتماعية.
وقد تم إنشاء جهاز مدرسي لرصد الحقوق والواجبات، ونادٍ خاص يشرح الأهداف الإرشادية للنادي ومفاهيم ميادين التعليم المعينة بحقوق الإنسان وجهاز تربوي لرصد الحقوق والواجبات المعنية بالمواطنة وتطوير خبرات ومهارات المواطنة ودعم الديمقراطية، وهذا الأمر مفقود في المناهج التربوية وممارسات التدريس لا تشجع المهارات والمشاركة اللازمة للمواطنة والتربية المواطنية المصرية التي تواجهها مجموعة من التحديات. وتسلط مصر في الكتب المدرسية الجديدة الضوء على السمات الدينية التي يجب أن يتمتع بها المواطن الصالح وفقًا لمضمون كتاب التربية الوطنية، وفي هذه السمات:
1- الإيمان بالله عزّ وجل.
2- الالتزام بتعاليم الدين واحترام عقائد الآخرين.
3- الوعي الكامل للمواطن بحقوقه المدنية والسياسية وواجباته في المجتمع.
4- أهمية العمل التطوعي والاقتراع والمشاركة السياسية.
5- التسامح والاعتدال في الفكر والسلوك وقبول الآخر.
6- احترام الدستور والاعتزاز بالأمة وتاريخها وحضارتها.
7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة في محيطه الاجتماعي وهو العمل الذي تشتهر به الشرطة الدينية في السعودية مثلًا.
ينفرد العراق بكتب التربية الوطنية والاجتماعية في مراحل التعليم في الكشف عن القوميات والأديان والطوائف المتعددة الموجودة في الدستور، كما توضح بعض الكتب أن الإسلام هو دين الأغلبية. بالإضافة إلى الإقرار اسميًا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ونجد في كتب أخرى فصل حول حقوق الإنسان في البحرين جزءًا من التزامها بمبادئ الشريعة الإسلامية والمعاهدات والمواثيق الدولية، وجزءًا من التنمية المستدامة التي وصفها الملك أمام مجلس التعاون الخليجي عام 2004 بأنها من بين أهم الحقوق الإنسانية.
يعبر كتاب الإسلام والقضايا المعاصرة، عن دعمه القوي للرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان. من هنا وطّد الإسلام حقوق الإنسان قبل أن يطالب بها الناس من خلال انتفاضة أو ثورة، وأنه وضع نظامًا متكاملًا لحقوق الإنسان.
هذا بالإضافة إلى توصيف العمليات الاقتصادية في التربية العراقية في المناهج مفاهيم اقتصادية منها: أن عملية الادّخار وترشيد الإنفاق من أهم أشكال المواطنة الصالحة ودور المدّخرات بالنسبة للأسرة والدولة، ودور المصارف والبنوك في نمو المدّخرات ودورها في التنمية الاقتصادية.
في لبنان، عُرفت المواطنة بأنها الانتماء إلى الوطن. المواطن الصالح عليه أن يقوم للصالح العام، في الشؤون العامة، كالتعبير عن الرأي في القضايا العامة، بدفع الضرائب، تقوم بالانخراط في الخدمة العسكرية خدمة العلم، والدفاع عن الوطن، يلتزم بالقوانين والأنظمة.
في تونس، المواطن الصالح يشارك في وضع القوانين، وضع القرار ويساهم في الوظائف العامة وهو المسؤول عن حسن سير المؤسسات، .
إن مجمل التعريفات للمواطن الصالح تؤكد سمات حب الوطن ودعم أيديولوجيا النظام وبرنامجه السياسي. في لبنان وتونس يوصف المواطن الصالح بأنه مشارك نشط في العملية السياسية، وأن المسؤولين منتخبون مسؤولون أمام القانون، ولكن جميع الطلبة يدركون أنه لا علاقة لهذه التعابير بتجاربهم اليومية في السياسة والمجتمع، وأنا ما هو موجود في الكتب والممارسات الحياتية اليومية لا يخدم العمل الاجتماعي ولا يخدم المجتمع، بل هو بعيد عن الرعاية والحماية للصحة والبيئة والموارد الطبيعية والمرافق العامة.
إن المشاركة في الأنشطة والخدمة الاجتماعية هي القضايا التي تهدف إلى التأثير على السياسات والانتخابات والتظاهرات السلمية وعمل الهيئات المدنية، وهذا غير موجود في الكتب، ويقتصر على الخطاب السياسي المنبري.
•الثقافة الفكرية ومفهوم المواطنية في السلطة- الانتماء الثقافي:
إذا أردنا السير في طرق الإصلاح الثقافي، وتعزيز مفهوم السلطة والمواطنية، فلا بد من الإمساك بالقيم والأفكار والرؤى التي ساهمت بتراجع مستوى الثقافة المحلية العربية، وتعطيل دورها الريادي في إصلاح الإنسان أولًا، لأن التطور قد سبقه وأصلح مقلدًا أكثر مما هو مبدع، وخاضعًا أكثر مما هو حر ومفكر، وتابعًا أكثر مما هو مستقل بقراره وأفكاره وحتى عقائده الفكرية والسياسية، وحتى الدينية منها، وقد اختزل المنطق الديمقراطي بالمنطق الضيق، أي القبلي والعائلي والمذهبي، وأصبح لا يتحرك أو ينتج إلا في المساحات التي تلامس عواطفه أكثر من عقلانيته وتفاعله مع قضاياه المحورية وهمومه الرئيسية.
أي نوع من السلطة يمكن لهذا المواطن أن ينتج؟
لعلّ أهم المسائل التي عصفت بالثقافة اللبنانية والعربية وأسهمت في إنتاج هذا الواقع السياسي والاجتماعي المرير، هي مسألة السلطة، وما نتج عنها من الممارسات ومن العلاقات التبعية والتسلطن بين مكونات المجتمع. عندما نتابع الأحداث لما يجري في الدول العربية، خاصة المجازر التي تحصل في ليبيا اليوم في الألفية الثالثة عام 2011، يطرح السؤال نفسه حول الفساد، والقوة، وبهرجة التسلطن التي يمارسها الحاكم من أجل البقاء في السلطة، مع رفض الشعب للنظام، بغض النظر عن ماهية هذا النظام وكيف كانت تطبق الديمقراطية فيه. نحن نشدد على المجازر المرتكبة بحق الشعب من أجل السلطة، ومن ثَمّ سوف تنهار الدولة ويفنى الكثير من أبناء الشعب، ويبقى الحاكم متمسكًا بالسلطة حتى ولو أدّى ذلك إلى التضحية بالشعب والوطن وثرواته وكيانه وسيادته. وهذا خير دليل على ما ينكشف لنا من خلل عميق في ثقافتنا العربية التي أنتجت مثل هذا النوع من التسلطن في مجمل الحياة السياسية والعلاقات الاجتماعية، لذا وجب إعادة النظر بمفهوم السلطة وعناصرها، كما وجب اقتلاع المفهوم البدائي للسلطة والتسلطن من ذهنيتنا الثقافية، والمراجعة لتصحيح مكانتها وتهذيبها وإعادة ترتيبها، بما ينتج تفاهمًا وتفاعلًا وتكاملًا واحترامَ الإنسان كإنسان ويلغي التسلطن.
إن الكثير من علاقاتنا الأفقية والعامودية في المجتمعات العربية عامة، واللبنانية خاصة، مشوهة بفعل المفهوم الخاطئ للسلطة. فالعمل على المواطنية وبناء الأوطان من أهم أسس قيام الدولة الديمقراطية والسلطة العادلة.
تعتبر المواطنة الأساس المتين لبناء الدولة الحديثة، فمن دونها يبقى الوطن مشروعًا غير قابل للتحقيق على أرض الواقع، وإذا ما استخدم المفهوم الثقافي للسلطة التي تنسج الديمقراطية فإنها تؤدي إلى التسلطن أي النزوع للاستبداد والقهر والإكراه وإخضاع الآخرين بالقوة. والمواطنة هي المشاركة في إدارة شؤون الحياة والدولة، وهي حالة تدفع الإنسان إلى المغالاة في تحمّل المسؤولية في إدارة شؤون الحياة العامة والخاصة. وهي تعني أيضًا أن للإنسان حقوقًا يجب المحافظة عليها، وعليه واجبات يجب القيام بها وإتمامها من أجل بسط سلطة العدالة والقانون. في حالة التسلطن يغيب مفهوم المواطنة وتتراجع الديمقراطية، فلا يتمكن المواطن من صياغة وتشكيل حياته، لأن استباحة حقوق الإنسان والتعدي على كرامته هي حالة منافية وطاردة للعدالة الاجتماعية، ولا ننتظر من ثقافة تكرس التسلطن في المجتمع أن تكون ملائمة لتثبيت العدالة الاجتماعية التي تعتبر الحصن الواقي لاستقرار المجتمع، حيث تخلق الأزمات والنزاعات والصراعات على المستويات كافة، عندها يجلب التسلطن الخلل الاجتماعي وتصبح السلطة موقع يُستجلب من خلاله الفساد.
إن الثقافة في السلطة تساهم في تطوير الإنسان والمجتمع من خلال حكمة الحكام وثقافتهم الوطنية، فالمثقف هو من امتلك وعيًا ومعرفة وسياسة ومهارات إبداعية خلاقة من الناحية المنهجية والوظيفية، وله القدرة على توظيف هذه الثقافة في المجتمع وحلّ قضاياه وفقًا لمصلحة الوطن أولًا والمواطن.
قد يفاجأ المواطن عندما يرى في المجتمع نماذج من المثقفين في السلطة وخارجه يحملون صفات ثقافية مختلفة، منها ما هو إيجابي يمثل العدالة بجوانبها والديمقراطية بمفاهيمها وملتزم بتنمية المجتمع وتطويره. إن المثقف الباحث والمفكر في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والفكر المجرد، هو تربية سلطة رسمية واعية، ونتاج ثقافتها الوطنية الملتزمة.
يقول غرامشي: إن مفهوم المثقف أوسع بكثير مما يمكن وصفه، لأنه إنسان يمتلك رؤية معينة تجاه المحيط وما يحويه، لأن الثقافة في تعريفه ليست مهنة، ولا معيارًا يقسّم المثقفين إلى طبقات وظيفية، بل هو أساس في مداميك ومعايير البناء الاجتماعي والاقتصادي وسيادة الدولة. عند غياب الدولة بمفهومها الديمقراطي، وغياب مبدأ العدالة وتغليب الدين والعرق والطائفية عليها، وغياب الدولة المؤسساتية المدنية، واستشراء الفساد الإداري والمالي، وعدم استقلالية القضاء والجيش والأجهزة الأمنية، ووجود الخلل الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات العربية، بسبب المتغيرات الأمنية والحروب أو سوى ذلك، فإن المثقف الوطني قد يتمكن من إعادة بناء ما تهدم.
المراجع:
– الكاتب إبراهيم العبيدي- مفهوم وتطور الهوية، 18/4/2018.
– المفكر المغربي محمد عايد الجابري.
– محمد الياسري، من دراسة: هل السلطة لخدمة الناس، أم وسيلة للنفوذ والاستبداد.
– جميل صليبا، المعجم الفلسفي- دار الكتاب اللبناني، صور عام 1978- ص 670.
– ماكس فيبر رجل العلم والسياسة، ترجمة نادر ذكرى، دار الحقيقة بيروت- 1982، ص 47-48.
– جورج بالوندييه، الإنتروبولوجيا السياسية، ترجمة جورج أبي صالح، مركز الإنماء القومي، بيروت صدر عام 1980 ص 46.
– مروة كريدية، مقالة بعنوان السلطة والتاريخ، إستراتيجية صراع وغدارة هيمنة، 14 آذار 2007
– وزارة التربية الجزائرية، القانون التوجيهي للتربية الوطنية، ص 10.
– مصر الدستور الجديد المادة الأولى- www.egyptindependent.com/new/Egypt-S- draft
– منهج التربية المدنية، ووارد تحت عنوان "دور المواطن في مؤسسات المجتمع"، تونس "المرحلة المتوسطة والثانوية".
– وزارة التربية والتعليم البحرينية – الإسلام والقضايا المعاصرة وكتاب التربية المواطنة.
– وزارة التربية العراقية – التربية الوطنية والاجتماعية "الصف السادس والسابع"، 2011-2012.
– وزارة التربية والتعليم العالي المغربية، الأكاديمية الجهوية للتربية في سوس ماس درعة التربية المدرسية حقوق الإنسان http://carngie_mec.org/publications/?fa=51864#
Dictionnaire philosophique Ed. Du progress, Moscou 1985 p:409.-