دخلت المنطقة في مرحلة تاريخية جديدة خاصة بعد التحولات المصيرية التي تمثلت في إخفاق "الربيع العربي"، والتداعيات المتوقعة لما بعد "الاتفاق النووي"، إضافة إلى انتشار الحركات الإرهابية الإلغائية التي تهدد الكيانات السياسية ووحدة المجتمعات.
لقد كسرت "الدولة الإسلامية" حدود سايكس – بيكو و"الستاتيكو" القائم منذ مئة عام. فالاستعمار الغربي زرع الفوضى والتبعية والهيمنة، ودمرت الرجعية العربية ما تبقى من مفهموم العروبة، واغتالت الجامعة العربية التي أصبحت رهينة إرادات بعض الحكومات أو حتى أفراداً من هذه الحكومات. كما إنه لا يخفى على أحد مأزومية القوى القومية والتقدمية التي تُعاني من حالة تفكك وشرذمة، ناهيك عن أن بعضها غارق في سُبَاتٍ عميق.
ذلك كله خلق تحديات وجودية ومصيرية باتت تهدد مستقبل المقاومة بالرغم من صمودها وإنجازاتها. والسؤال اليوم، أين نحن من هذه التحديات؟
يبدو أن مجموعة من المتغيرات المستجدة قد فرضت نفسها على أرض الواقع، وبات على دعاة المشروع الوطني والوحدوي مسؤولية كبرى تكمن في التعامل معها في هذا الوقت بالتحديد.
وتتجلى أبرز هذه المتغيرات بما يلي:
– مسائل وقضايا متشابكة ومترابطة أضحت تعصف بالعالم العربي وخاصة في المشرق، ما يفرض على قوى المواجهة امتلاك رؤية شاملة و مترابطة أيضا.
– المقاومة لم تعد محصورة في لبنان بل أصبحت تشمل المشرق أولاً والعالم العربي امتداداً. إن تجربة المقاومة والجيش والشعب في لبنان أصبحت نموذجاً يُحتذى به في المنطقة مما يفتح الباب أمام تجربة جديدة قد تغير موازين القوى والمعادلات الاستراتجية خاصة إذا نجحت المقاومة بالتحول من حالة الردع والدفاع إلى إمكانية التحرير، وهي فرصة متاحة إذا ما تمكنت في تطوير جبهة مقاومة مشرقية مستفيدة من الواقع المتغير في التوازنات الاقليمية والدولية.
– تجري محاولات عديدة ومتكررة لعزل المقاومة عن القوى الشعبية ومحاصرتها بالفتنة، بينما التحديات تتطلب أن تكون المقاومة شاملة، تجمع بين النضال المسلح ضد العدو المحتل، يترافق مع عمل دؤوب من أجل تغيير وطني اجتماعي حقيقي ضمن حرب تحرير شاملة، وحمل مشروع استراتيجي هدفه بناء نظام جديد يحقق المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية لكل مواطن على أساس الانتماء للوطني وليس الطائفي أو الإثني أو الفئوي.
لمحاولة الإضاءة على هذه الإشكاليات، تضمن هذا العدد من "تحولات" ملفاً متخصصاً يرصد "المقاومة: من لبنان إلى المشرق ". فإما أن تنجح المقاومة في مسيرتها وإما أن تنجح الفوضى والفتنة في تقسيم المقسم.
"تحولات"….من جديد
تعود "تحولات" إلى قرائها بعد انقطاع مؤقت، استمرت فيه من خلال مجلة "تحولات مشرقية" وهي مجلة فصلية تُعنى بشؤون المشرق، والتي باشرت أيضاً بطبعة خاصة تصدر من فلسطين المحتلة، مع تعزيز الموقع الإلكتروني وإصدار "تحولات" أدب وفن إلكترونياً، على أن تستمر بطبعتها الشهرية عبر ملفات خاصة وحلّة جديدة إخراجياً وتحريرياً.