من المتعارف عليه بأن إستخدام القوة في العلاقات الدولية محظور بشكل كامل خصوصاً مع قيام منظمة "الأمم المتحدة" في 24 تشرين الاول/اكتوبر 1945، والتي عالجت مسألة إستخدام القوة في العلاقات بين الدول مستفيدة من تجربة سابقتها في التنظيم الدولي أي منظمة "عصبة الأمم" والتي كان عدم تحريمها للحرب أحد أهم أسباب سقوطها.
غير أن تحريم إستعمال القوة بين الدول لم يكن ليأتي بشكل مطلق، فلكل قاعدة إستثناءتها. وعند مراجعة قواعد القانون الدولي (المكتوبة وغير المكتوبة كالأعراف الدولية مثلاً)، نرى بأن الحق في إستخدام القوة قد أُجيز ضمن ثلاث نقاط أساسية:
1. الدفاع الشرعي: وهو حق طبيعي وجد حتى ضمن المخلوقات الكيانية، وفي داخلها أيضاً. فأهم وظائف كريات الدم البيضاء داخل جسم الانسان هي الدفاع عنه، ومقاومة المكروبات الدخيلة والقضاء عليها حتى لو كان هذا الدفاع مصيره الموت المحتم للخلية المدافعة. لقد إعترفت القواعد القانونية الوضعية بهذا الحق وأيدته؛
2. إتخاذ قرار من مجلس الأمن: تحت الفصل السابع وتحديداً المادة 41 من الميثاق التي تجيز للأمم المتحدة القيام بعمل عسكري أو تكليف غيرها (أحلاف عسكرية للدول كحلف الناتو مثلاً) القيام به تحت غطاء شرعي منها ضمن قرار أممي صريح وواضح لا يقبل اللُبس فيه (على سبيل المثال القرارين 82 الخاص بالحرب الكورية الصادر في 25 حزيران/يونيو عام 1950 – القرار رقم 678 الخاص بحرب الخليج الثانية الصادر في 29 تشرين الاول/ديسمبر 1990).
3. مقاومة الإحتلال: اكدت المواثيق الدولية الحق في مقاومة الاحتلال "بكافة الوسائل"، حتى أنها لم تذكر إذا ما كانت الوسائل مشروعة أم غير مشروعة، وهذا دليل على رفض الأمم المتحدة والمواثيق الدولية للإحتلال وإعتباره جريمة مستمرة، أي أن فعل المقاومة لا يزول طالما كان الإحتلال باقياً.
هنا لبُّ الموضوع. هل ما زالت النظرة الدولية للمقاومة كما كانت قبل وعند نشوء منظمة الأمم المتحدة وبعدها؟ وهل كان إقرار هذه المواثيق خدمة لسياسات دولية وليس لإستعادة الحقوق المشروعة والمسلوبة للشعوب؟ وهل ما زالت الدول تنظر إلى المقاومات اليوم على أنها حالة شرعية أم تمَّ الخلط بينها وبين مصطلحات مثيرة للجدل بهدف محاصرتها والقضاء عليها؟
قد يكون الجواب بسيطاً. إن نظرة بعض الدول قد إختلفت بشأن المقاومة. ازدواجية المعايير اضحت تطفو على السطح كلما اقتربت المقاومات من تحصيل حقوقها التي تتعارض مع مصالح الدول الكبرى بالأخص (المشروعة وغير المشروعة). وفي كثير من الأحيان، تمَّ المزج بين المقاومة وحركات أخرى تختلف بالشكل والغرض والمضمون والطريقة من أجل كسر صورة المقاومة.
ومن هذه الطرق، نتحدث عن إثنتين: الإرهاب والتمرد.
في كثير من الأحيان، فضلت الدول الكبرى (تحديداً) لصق صفة الإرهاب على عمل المقاومة، وأدرجت العديد من حركات المقاومة والتحرر ضمن لوائح الإرهاب لديها (الدول الكبرى بالأخص) بغية الحد من تحركاتها وتأليب الرأي العام العالمي عليها ومنعها من تحقيق أهدافها المشروعة. على سبيل المثال، تم إعتبار منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية لعقود طويلة، ولا تزال بعض الدول تعتبر المقاومة اللبنانية (حزب الله تحديداً) ارهاباً وتسعى إلى محاصرتها من كل النواحي وبكافة السُبل.
غير أنه وبمقارنة بسيطة بين فعليْ المقاومة والإرهاب، يتضح أن الفرق شاسع بين الإثنين لوجود الفوارق التالية:
1. مدى مشروعية الفعل نفسه: المقاومة هي عمل مشروع تقره القوانين الدولية كما اسلفنا أعلاه، أما الإرهاب هو عمل غير مشروع وبإعتراف جميع دول العالم؛
2. مدى واقعية الفعل: المقاومة هي ردة فعل على احتلال واقعي آني، اما الإرهاب فهو فعل غالباً ما يكون سببه حدث غير واقعي بغية تحقيق هدف مستقبلي (على سبيل المثال: اقامة دولة، فرض عقيدة معينة، تحقيق مطالب غير مشروعة… الخ)؛
3. مدى جغرافية الفعل: المقاومة ملزمة بالمدى الجغرافي التي يقع تحت الإحتلال فعلياً ولا يجوز لها تجاوزه، أما الإرهاب فلا مكان جغرافي محدد له حيث يمكن أن يضرب في أي مكان؛
4. مدى زمنية الفعل: يجب أن يتلازم فعل المقاومة مع فعل العدوان (في حال العدوان دون إحتلال) ولا يجوز للمقاومة عند وقف الفعل العدائي من أن ترد بعد إلا بالوسائل القانونية غير العسكرية، أما الإرهاب فلا مدى زمني له، وهو يضرب في الزمان المناسب له ليحقق مبتغاه؛
5. الأشخاص المستهدفون: تستهدف عمليات المقاومة، الغالبية العظمى من تحركاتها، الأهداف العسكرية وشبه العسكرية، أما الإرهاب، وفي كل تحركاته تقريباً، فهو يستهدف المدنيين الآمنين؛
6. يعامل أفراد المقاومة عند إعتقالهم كأسرى حرب وفق إتفاقيات جنيف لعام 1949 (وتحديداً الاتفاقية الثالثة)، بينما تطبيق قواعد القانون الداخلي على الإرهابيين ودون أية حماية دولية ما عدا شروط تأمين المحاكمة العادلة.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك إتجاه مستجد عند بعض الدول إلى إعتبار حركات المقاومة "تمرداً"، وهو أمر شديد الخطورة وله تبعات غير محمودة العواقب في القانون الدولي. من هنا، وجب التفريق بين التعبيرين لتبيان نقاط الإختلاف، وأهمها:
1. من حيث الجهة: المقاومة هي ردة فعل على سلطة المحتل الأجنبي أو سلطة المتعامل مع المحتل الأجنبي، أما التمرد فهو موجه، وإن كان يحمل طابعاً عسكرياً في بعض الأحيان، الى السلطة المحلية الحاكمة داخل الدولة نفسها؛
2. من حيث المضمون: عمل المقاومة هدفه تحرير الأرض ومقاومة العدوان، بينما التمرد قد يكون سببه مطالب شعبية متفرقة (انفصال، غلاء معيشة، زيادة أجور، تحقيق المساواة، ضمانات إجتماعية، … الخ)؛
3. من حيث المكان: عمل المقاومة يتوقف عند خروج المحتل من البقعة الجغرافية المحتلة، بينما التمرد ليس له مكان جغرافي محدد يعمل فيه؛
4. من حيث الأثر القانوني: إن إعتبار المقاومة تمرداً يعطي الحق للسلطة المحلية، قانوناً، بقمعها وملاحقتها وتفكيك بنيتها وهذا الأمر يعتبر من أخطر التبعات التي تترتب كون القانون الدولي لا يتدخل في شؤون الدول الداخلية (ما لم تتطور الأمر الى تهديد السلم والأمن الدوليين)، فتكون الأولوية لتطبيق قواعد القانون المحلي؛
5. بناء على البند السابق، يعامل أسرى المقاومة كأسرى حرب وهو ما تضمنه إتفاقيات جنيف لعام 1949 (وتحديداً الاتفاقية الثالثة)، بينما تطبيق قواعد القانون الداخلي على المتمردين وإن كانت بعض الدول الراقية تعتبر مثل هذه التحركات ضمن الجرائم السياسية لإبعاد شبح عقوبة الإعدام عن الفاعلين دون إلغاء المحاكمات.
في الختام، بما إن المقاومة هي من طبيعة الحياة نفسها وضمن قواعد القانون الطبيعي قبل القانون الوضعي، فلا يمكن القضاء عليها بل يجب الإعتراف بها وحمايتها في السلم أم في الحرب من أجل بناء مجتمعات تعرف حق المعرفة كيف تحافظ على حقوقها ومكتسباتها.