107
إن المعركة الدبلوماسية التي شهدتها أربعينيات وخمسينيات القرن الثالث عشر ميلادي: ما استبق منها المواجهات العسكرية، وما اختلط بها، وما ترتب عليها نتيجة المحاولات لتغيير موازين القوى، تعدّ القطبة الخفية التي تحكمت بمخارج الصراع، وقررت نهاياته بين الشرق والغرب على النحو الذي يتلاءم مع الحق الطبيعي في الأرض، كما في السماء، فبقي الشرق شرقاً، والغرب غرباً، وما تقدس من الأرض ملكاً للمؤمنين، يحجون إليه بحرية، هي القاعدة، وإن لم يخلُ الأمر من بعض التكدير والمضايقات التي تبقى من الأمور الطارئة.
ففي حمأة المواجهة بين الدينين العظيمين، يوم احتكم الإسلام والمسيحية «إلى الفيصل الأخير فيما يشجر بين الإنسان من نزاع، ونعني به محكمة الحرب العليا»(1) بعد قرون من الجدل والنقاش، وفي جدلية الادّعاء حول الأعدل والأحق والأقوى، بين الإسلام والمسيحية، في سوريا القرن الثالث عشر، زحفت جحافل من الشرق الأقصى تقول: «بل نحن»، فكان صوت المغول ادعاءً في القدرة الإلهية والحق في السيادة، لا يقبل المشاركة ولا المساومة، فازداد الصراع أجيجاً، وازدادت وسائله تنوعاً، فبرزت الدبلوماسية عاملاً جديداً في رسم معالم التطوّرات.
هذا المعطى الجديد في المواجهة، يبدو جديراً بالدراسة لفهم مسارب الحلول التي أشكلت على مؤرخي تلك الحقبة، فاختلطت لديهم حقيقة الأوضاع، وغاب عنهم، أحياناً، وجه الصواب الذي أملى المواقف وحَكَمها بمخارج جعلت أصحابها يحملون بعضاً من وزر التاريخ.
ونشير هنا إلى أن معالجة قضية كهذه تقع عند تقاطع الإتنيات وتماس المذاهب والأديان، تستلزم استعدادت موضوعية ومنهجية استثنائية، تتأتى بالحدث التاريخي عن صراع الأيديولوجيات والأحكام الجاهزة، وتخرج من جدل المواجهة التأريخية الحديثة التي لا تقلّ عن المواجهة التاريخية التي عاشها الشرق منذ سبعة قرون، لتقدم توضيحات موضوعية تضيء على مرحلة مفصلية من تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب.
شهدت السنوات العشرون التي أعقبت حملة لويس التاسع، ملك فرنسا، إلى الشرق تعرّض ممالك اللاتين في الشرق لأخطار كبيرة، كانت تهدّد باقتلاعها، فكثرت نداءات الاستغاثة لتعزيز صفوف الفرنجة، وتأكيد أسباب صمودهم، ولكن دونما نتيجة، ذلك أن النمو الطبيعي للجماعات السكانية الإفرنجية والقوى الأوروبية كان قد بدأ ينعكس علامات قصور في الأراضي المقدسة(2).
في مثل تلك الأوضاع الصعبة، بدت خيارات الفرنجة مثار تساؤلات، خصوصاً أنها تتعلق بقضايا مصيرية، تحدد مستقبل وجودهم في الشرق.
فقد شهدت المنطقة، في تلك الفترة، تطوراً ذا صفة عالمية، هدّد بقلب الموازين في الشرق، ذلك أن المدّ المغولي الذي كان قد بدأ سنة 1227، مع جنكيزخان، استؤنف مع ابنه أوكتاي: قبل حلول سنة 1244، كان المغول قد افتتحوا إيران برمتها، وأخضعوا جورجيا، كما سحقوا تركيا السلجوقية، واحتلوا روسيا وأوكرانيا، واكتسحوا هنغاريا وبولونيا وألمانيا وكرواتيا.
غير أن وفاة أوكتاي أدّت إلى توقف حركة التوسع المغولي بسبب الصعوبات الميراثية التي تخبطت فيها إمبراطورية المغول في عهدي الوصيّة نوراكينا والخان الكبير كويوك(3).
بعد موت كويوك، استؤنف تدفق الجيوش المغولية بإمرة الخان الأكبر مونكا، فاتح الصين، وكان تسلّم هولاكو، شقيق مونكا، حكم إيران، سنة 1256، مثار مخاوف المسلمين من احتمالات التوسع المغولي الجديدة، فساد شعور في الشرق الإسلامي بأن الغزو المغولي سوف يشهد دفعاً جديداً، وبأن الشرق المسلم برمّته سوف يكون هدف التوسع الجديد(4).
والواقع أن مخاوف المسلمين كانت في محلّها، فسرعان ما سقطت بغداد، في 10 شباط 1258، فانتُهكت وانتُهبت، وبات هولاكو جاهزاً لمهاجمة سوريا.
وكان عنف المدّ المغولي قد أصاب أوروبا في قلبها، فتوغل المغول في ألمانيا وكرواتيا وهنغاريا وبولندا، ثم انسحبوا تاركين الموت والدمار، ما جعل أوروبا تعيش فريسة الرعب والخوف جاهلة البواعث الخفية المحرّكة للاعتداءات الوحشية التي تلقتها لتوّها؛ وكان مجرّد التفكير باحتمال استئناف الغزو المغولي يقضّ مضاجع أوروبا، فأيّ عهد، وأي أمان يمكن إعطاؤهما لآلاف النازحين الذين فقدوا كلّ شيء؟، وكيف يمكن أن تسلك أوروبا في وجه الخطر الذي طالها، ولا يزال جاثماً، يتربص بها عند أطرافها؟
جانب من الرأي العام الأوروبي كان يعتقد أن المغول سوف يعودون، ولذلك صدرت الأوامر بإقامة الصلوات والقداديس والصوم وأعمال البرّ تكفيراً عن الخطايا، واستدراراً للعطف الإلهي، كما ارتفعت الدعوات لشحذ الهمم وتشجيع الشعوب على رفع التحصينات، وحفر الخنادق، وإقامة الاستحكامات المناسبة، في المكان والزمان، لدفع الغزوات المحتملة، وبذلت الوعود بإسهام جميع البلدان المسيحية في جهود الدفاع وتكاليفه(5).
أما أصحاب النفوس القوية، فكانوا يتندرون بهذه المساعي، ولا يخفون هزأهم عند التحدث عنها، وكان المتفائلون منهم مقتنعين أن لا فائدة من الصلاة والعمل، لأن المغول لن يعودوا أبداً، كما كان الكثيرون يعوّلون على القلاع والحصون المنيعة، ويضعون ثقتهم الكاملة بشجاعة فرسان أوروبا وبسالتهم(6).
والحقيقة أنه، غداة الغزو المغولي، كما في عشيته، لم يتغير شأن أوروبا، فكان الاهتمام بالصراعات المحلية يتقدم على الشؤون الدولية الخطيرة. في القرن الثالث عشر، كان الناس، كما هم عليه اليوم، ينسون سريعاً وقع الأخطار، باستثناء أولئك الذين ينزلون التخوم، ممن واجهوا صدمة المغول مباشرة، من ألمان وهنغاريين، وبولنديين، وروس(7).
ومهما يكن، فقد رأت القيادات المسيحية، روحية وزمنية، أنه يبقى من الحكمة الاستعلام عن المغول، والعمل على سبر نواياهم، ومحاولة فتح باب المفاوضات معهم استباقاً لكلّ غزو محتمل، واستدراكاً لمضاعفاته؛ فدعا البابا أنوسنت الرابع إلى مجمع ديني في ليون، سنة 1245، تقرّر فيه فتح باب المفاوضات مع المغول؛ وتسهيلاً لذلك، بوشر بتعليم اللغتين المغولية والعربية في جامعة باريس، وبدأت حركة علاقات دبلوماسية مع كراكوروم(8).
وكانت الأنظمة الدينية، من دومنيكان وفرنسيسكان، منذ قيامها في أوائل القرن الثالث عشر، ترتبط مباشرة بالبابوية، وتضع عناصرها في الشرق بتصرفها، فاختار البابا أنوسنت الرابع من بينها أعضاء أربع بعثات(9): اثنتان من الرهبان الدومنيكان، واثنتان من الرهبان الفرنسيسكان، زوّدها بأوامر دقيقة وجليّة: «الاتصال بجيش المغول، في أقرب مكان وأقرب فرصة، ووضع قيادته في خبر المهمة المسندة إليها، والحصول على أقصى ما يمكن من المعلومات عنهم، والاتصال أخيراً بمسيحيي الشرق»(10).
وكانت البعثة التي قادها الراهب الفرنسيسكاني، يوحنا بلان دوكاربان، أهم تلك البعثات، فاخترقت قلب آسيا، حتى وصلت إلى منغوليا(11)، وأسفرت عن نتائج كان من شأنها أن تغيّر مجرى التاريخ، لو أن القوى المعنية أخذت بمؤشراتها، متجاوزة عبارات التهديد التي كانت من بديهيات الخطاب المغولي.
وعلى مستوى القيادات الزمنية، رعى الملك الفرنسي، لويس التاسع، حملة التواصل بين الغرب والشرق؛ والواقع أن لويس هذا – ويُعرف باسم القديس لويس – لم يكن يأمل الكثير من المغول، ولكنه رجا خيراً من الوجود المسيحي في الشرق بعد أن وصل إلى أوروبا، في أواسط سنة 1252، أحد رجال الدين الأرمن، فعرّف عن نفسه بأنه كاهن سارتاك، ابن باطو، خان المغول، مؤكداً أنه تلقى أوامر سيده بإبلاغ البابا اعتناقه الدين المسيحي(12).
كان وصول الكاهن الأرمني إلى أوروبا حاسماً في تقرير بعثة الراهب الفرنسيسكاني، وليم روبروك، إلى الشرق، التي اعتُبرت من أهم البعثات الأوروبية في القرون الوسطى.
وكان القديس لويس يتوسّم خيراً في اندفاع روبروك، ورغبته في حمل كلمة المسيح إلى الشرق، ويسعى للإفادة من جهوده لتعديل الواقع السياسي في الشرق، ولذلك شجعه على الرحيل آملاً أن يؤدي مهمة الاتصال بالمغول، من دون تكليف رسميّ، لأنه كان يخشى أن يتعامل المغول باستخفاف مع أيّ وفد شخصيّ له لما اشتهر عنهم بأنهم «أكثر الناس عجرفة، ويعاملون قادة الأمم الأخرى باحتقار»(13)، فلم يكن لديه خيار، للاتصال بهم، سوى الاعتماد على مرسل لا يحمل هوية سياسية، على الرغم من المحاذير التي قد تترتب تبعاتها على روبروك نفسه. وكان القديس لويس مدركاً صعوبة مهمة الراهب الفرنسيسكاني، فحاول تعويضه بإعطائه الحرية في التحرك، والعمل وفق الظروف، شرط عدم توريط شخص الملك، كما زوّده بالأموال التي تتطلبها سفرته، وبكتاب توصية ملكية(14).
في 13 تموز 1253، بلغ روبروك معسكر سارتاك، وسلّمه رسالة تهاني وتمنيات ملك فرنسا التي ترجمها له مترجمون أرمن، عن خبث أو عن عدم كفاءة في الترجمة، وكأنها عرض تحالف بين المغول واللاتين ضد المسلمين.
اعتبر سارتاك أن المسألة تتجاوز صلاحياته، فأحال الراهب الفرنسيسكاني، الذي بات، رغماً عنه، سفيراً للملك الفرنسي، إلى باطو الذي أحاله بدوره إلى الإمبراطور مونكا.
وقد شهدت مهمة روبروك تطورات غير مُرتبقة، فاختفت الرسالة التي وجهها باطو إلى قريبه الأمبراطور، ولم يعد بوسع أحد أن يشرح كيفية مثول روبروك في بلاط مونكا، في الوقت الذي كان فيه الراهب يصّر على أنه لا يمثّل إلاّ نفسه، وبأنه لا يقوم بأية مهمّة رسميّة، ومع ذلك، فقد أصرّ المغول على اعتباره موفداً ملكياً، فلم يدَعوه يرحل إلّا بعد أن زوّده برسالة إلى ملك فرنسا تدعوه لإعلان خضوعه.
في 16 حزيران سنة 1255، بلغ روبروك نيقوسيا، حيث كان ملك فرنسا، فسلّمه تقريراً عن رحلته ورسالة من مونكا، خان المغول الكبير، وكان روبروك قد رفض عرضاً للمغول بأن يصطحب معه سفراء مغول إلى الملك الفرنسي(15).
مما لا شك فيه أن اتساع العالم قياساً إلى قدرة التواصل البشري في تلك الفترة، وعتوّ المغول، ورفضهم الاعتراف بسلطان الآخرين، واعتبارهم ملوك الأرض كافة أتباعاً لهم(16)، قد أجهض إمكانيات التوافق بين المغول والمسيحيين على عمل موحّد ضد المسلمين، ولكن ذلك لا يمنع المؤرّخ روسيه من أن يضع في رصيد الملك الفرنسي فطنة الإلمام بأهمية المسألة المغولية، متسائلاً إذا ما كان القديس لويس واعياً لما كان يمثّله المغول من قدرة عسكرية، ولما كان يمثله بالتالي وجودهم في سوريا من خطر(17).
ومما نقله روبروك، في تقريره للملك، أنه أثناء وجوده في منغوليا، سنة 1254، قَدِمَ إلى كاراكورم موفد للخليفة العباسي، أرسله سيّده للتفاوض مع إمبراطور المغول، وقد رفض مونكا كلّ كلام عن السلام مع «خليفة النبي قبل تدمير القلاع والتحصينات»، ولكن موفد الخليفة أجابه: «عندما تنتزعون حوافر خيولكم، ندمر جميع تحصيناتنا»(18)، ومنذها بات فتح بغداد أمراً منتظراً.
ويربط جاك بيرين بين احتلال بغداد وتطلع خان المغول الكبير لفرض سلطانه على العالم، فيرى أنه لم يكن بوسع الخان التسامح مع خليفة بغداد الذي يدّعي سلطاناً على كل المسلمين، حتى أولئك الذين كانوا من أتباع المغول(19).
والواقع أن تحوّل الزحف المغولي باتجاه هذه المنطقة قد رتّب تحولاً في الاهتمامات المسيحية، فبات الموقف بين المغول والمسلمين خياراً برسم الفرنجة، بعد أن كان السلام مع المغول، اتقاءً لشرهم، مطلب أوروبا.
كما أن معطيات المواجهة بين المغول والمسلمين، وما أسفرت عنه من سقوط لبغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية، ومن ثم اجتياح المغول لسائر سوريا، وتقدمهم للوقوف عند أبواب الصحراء التي تفصلهم عن مصر، كلّ ذلك، كان لا بدّ من أن يترك بصماته في رسم معالم المستقبل السياسي في المنطقة، وفي تحديد خطوط العلاقات بين القوى الموجودة فيها: الفرنجة، والمسلمون، والمغول.
فعلى المستوى الإسلامي، اعتبر المسلمون خروج المغول إلى بلادهم بأنه "نعي الإسلام والمسلمين"(20)، فتفرّد المغول بممالك المسلمين تفرّد الذئاب بالغنم، وبدأت المأساة في بغداد التي لاقت مصيرها منفردة، فسقط ادّعاء المعتصم، آخر الخلفاء العباسيين، «بأن المؤمنين، من الشرق وحتى الغرب، هم جميعاً عبيد البلاط العباسي، وبأنه يستطيع ساعة يشاء أن يوجّه إليهم أمر الاتحاد للدفاع عن الخلافة»(21).
وكانت طلائع الغزو المغولي قد أدت إلى تقارب بين المماليك والأمراء الأيوبيين في سوريا، ولكنّه لم يسفر عن أيّ عمل مشترك بين القادة المسلمين، وبالتالي لم تجبه فرسان الستبس المرعبين أيّة مقاومة إسلامية منظمة(22). الوحدة الإسلامية الوحيدة، في وجه الوحشية المغولية، كانت مشاعر الأسى والحزن والخيبة التي عمّت العالم الإسلامي أمام فداحة الخطب، فلم يسبق أن تعرّض الإسلام لمثل ما تعرض له بسقوط بغداد، فكان يوم حزن عظيم، شعر فيه المسلمون، لأول مرّة، أنهم مهدّدون في وجودهم. أملوا السلام بإعلان الخضوع، فسارع السلطان الأيوبي(23)، الناصر يوسف، إلى تقديم شعائر الولاء والتبعية، وأرسل «ولده العزيز محمد، وصحبته زين الدين الحافضي بتحف وتقادم إلى هولاكو، ملك التتر، وصانعه لعلمه بعجزه عن ملتقاه (لقاء) التتر»(24).
ولكن التطورات بددت أوهام السلطان الأيوبي، إذ أقدم أمير ميافارقين، وهو أمير أيوبي، رغم إعلانه الخضوع لهولاكو، على صلب كاهن مسيحي من اليعاقبة، كان مسافراً بموجب جواز أمان مغولي، فكان ذلك ذريعة لاحتلال سوريا.
ذلك أن المغول ما كانوا يتساهلون في الاعتداءات على من هم بحمايتهم، فجرّد هولاكو جيشاً من المغول والأرمن والجورجيين، وواصل هجومه، فسقطت حلب ودمشق، وتقدّم المغول بسرعة مذهلة عبر السامرة ونابلس حتى بلغوا مشارف الصحراء في غزة، بعد أن ساد الشعور بأنه لا أمان إلّا في الاستسلام للمغول، وفرّ السلطان الأيوبي إلى القاهرة(25).
وعلى المستوى المغولي، عزز الانتصار السهل في بغداد قناعة المغول بأنهم شعب لا يقهر، يأتيهم النصر من عند الله، فلا جدوى لأحد من خوض الصارع ضد رايتهم: نقع على مثل هذا الاعتقاد في هزء هولاكو من تهديدات الخليفة العباسي، وردّه عليه بقوله: «قوّتي تستند إلى دعم الخالق، وليس إلى الذهب والفضة، فإذا كان الإله الأزلي يحبني ويحميني، فكيف يمكن أن أخاف من الخليفة وجيشه؟"(26).
ولم يكن استسلام سوريا لهم إلّا ليعزز قناعتهم بأن العالم صائر، لا محالة، للاعتراف بالولاء لهم، وهذا أقل ما نفهمه من رسالة التهديد التي أرسلها هولاكو من غزة الى القاهرة: «لقد رفع الله عماد بيت جنكيزخان، وأسند إليهم إمبراطورية الأرض كلها»(27)، فإعلان الخضوع لهم مشيئة إلهية إذا كان المماليك يرغبون الاحتفاظ بعرشهم، لأن «كل من يطيعنا (المغول) يبقى سيد أرضه، ومائه، وميراثه…، ولكن كل من يقاومنا يزول عن سطح الأرض»(28).
وعلى المستوى المسيحي، فقد هلّل المسيحيون لسقوط بغداد «بابل الثانية»، معتبرين هذا الحدث «فجر عصر جديد»(29)، ونهض كتابهم يشيدون بهولاكو ودوكوز خاتون، مسترجعين معهما ذكريات قسطنطين والقديسة هيلانة(30)، وكان الكثير من النساطرة، إضافة إلى الأرمن والجورجيين، يقاتلون في صفوف المغول، فلعبوا دوراً كبيراً في افتتاح العراق(31)، وكانت دوكوز خاتون، زوجة هولاكو، مسيحية على المذهب النسطوري، فمنحت حمايتها للمسيحية، ومنعت إلحاق أيّ أذى أو ضرر بالرهبان والكنائس والأديرة، كما أن وجود المسيحيين في الجيش المغولي، وتدخلهم لدى قادتهم لمصلحة أبناء دينهم، كان له دوره في تجنّب هؤلاء أذى المغول، من ناحية، وفي تأجيج استعدادات العداء ضد المسلمين، من ناحية ثانية، حتى بدا هؤلاء الأخيرون وكأنهم وحدهم هدف الحملة المغولية(32)، وقد عمل الأرمن والفرنجة، الذين قاتلوا في صفوف المغول «على إعطاء أعمال المغول – على حدّ ما يقول Jean-Paul Roux – صفة الأعمال الصليبية، وعلى استدرار عطف هولاكو على المسيحية»(33).
وازداد سلوك المسيحيين خشونة وعدائية بعد سقوط دمشق، فأحيا بوهيموند السادس، أمير أنطاكية، الذي كان يقاتل في صفوف المغول، قداساً على الطقس اللاتيني، في أحد أكبر جوامع دمشق، بعد تحويله إلى كنيسة، كما عاث جنوده فساداً في دمشق، فراحوا يدنسون الجوامع، ومشت العامة من المسيحيين في ركاب هؤلاء، فاعتبرت انتصار المغول انتصارها، وعبّرت عن فرحها بدق الأجراس، كما أراقت النبيذ عند أبواب الجوامع، وألزمت المسلمين بالوقوف أمام التطوافات التي كانت تجوب شوارع المدينة بالترانيم الدينية ورفع الصلبان(34).
إن سلوك المسيحيين كان مخزياً، وبالغ الخشونة، أحياناً، كما كان مثار دهشة باستمرار، لأنه لم يشتهر عن المسيحيين تجرؤهم على المسلمين من قبل، في هذا الشرق؛ ومما يذكر في هذا المقام، أن المغول أنفسهم، بما اشتهر عنهم من البربرية والوحشية، وقفوا مشدوهين أمام مظاهر تعصّب المسيحيين، يراقبون سلوك حلفائهم من دون أن يفهموا، أو يجدوا تبريراً لما يحصل(35).
مما لا شك فيه أن المؤرخ يشغله موقف الفرنجة في حمأة هذا الانقلاب الخطير في ميزان القوى في الشرق، وهو قد لا يتردد في ترتيبهم حلفاء طبيعيين للمغول، يجمعهم بهم العدو المشترك، ووحدة الهدف المتمثلة في تخليص الأراضي المقدسة من ظلم المسلمين؛ ولكن الأمر لم يكن كذلك، ولذا كان الفرنجة في سوريا عرضة لمآخذ المؤرخين الذين سجلوا عليهم أنهم لم يقدّروا الحاجة إلى التحالف مع المغول قدرها(36).
الواقع أن اسم "المغول" كان قد أصبح، منذ عقدين من الزمان، كريهاً ومرعباً بالنسبة إلى المسيحيين، فقد شهدت بولونيا وبوهيميا وهنغاريا وكرواتيا مرور فرسان الستبس أولئك على أرضها، فأحرقوا مدنها، وذبحوا سكانها بهمجية وبرودة أعصاب، حتى صدرت، منذ سنة 1241، دعوات إلى حرب صليبية عامة ضد المغول(37)، كان أهمها الدعوة التي وجهها البابا أنوسنت الرابع، سنة 1253(38).
من هنا، نفهم معنى الرعب الذي أصاب الفرنجة، في الأراضي المقدسة، مع وصول الأخبار بتسلم هولاكو حكم إيران، وإعلانه عن عزمه غزو سوريا، فبدأت، في مواقع الفرنجة، عمليات واسعة لترميم المدن، وتحصينها، وتأهيلها لمواجهة الصدمة المغولية المرتقبة: ففي يافا لم تتوقف أعمال التحصين، بعد أن أرسل البابا مبالغ كبيرة من الأموال إلى الكونت جان دي بيلان، خلال عامي 1256 و1257، وفي 12 شباط 1257، انتقل بطريرك اللاتين إلى روما لعرض خطورة الأوضاع، ما أدى إلى توسيع دائرة اهتمام البابا ألكسندر الرابع الذي أرسل مزيداً من الأموال لترميم وتدعيم جدران سائر المدن والحصون التي كانت بحوزة الفرنجة في سوريا(39).
وكان البابا يتابع بقلق بالغ تطوّر الأوضاع في الشرق، ويعمل ما في استطاعته لوضع حدٍّ لحالة التمزق التي سببتها حرب القديس سابا، في عكا، وقد استأثرت الأراضي المقدسة، في تلك الفترة، بالجانب الأهم من الرسائل البابوية المتعلقة بالمغول(40).
وهكذا فإن حالة من الرعب كانت تثيرها ذكريات المسيحية مع المغول في أوروبا الشرقية، وكان الأمر يستلزم ذكاء سياسياً نادراً للتمييز بين جحافل التتار الذين مزقوا التخوم البولندية والهنغارية، والتتار الذين كانوا يهددون باجتياح سوريا، والذين قد يشكلون مخرجاً لأزمة الوجود الإفرنجي الذي يهدده المسلمون.
وحده ملك أرمينيا، هيثوم الأول، أدرك الفائدة التي يمكن أن يجنيها المسيحيون الشرقيون من التحالف مع المغول، فحالفهم، وأقنع صهره، بوهيموند السادس، أمير أنطاكية وطرابلس، بمحالفتهم، والاشتراك معه للقتال في صفوفهم.
وقد بقي بوهيموند السادس ظاهرة يتيمة في صفوف الفرنجة الذين أبقاهم جهلهم لنوايا المغول رهينة التردّد: بالنسبة إليهم، كما بالنسبة إلى المغول، كان التاريخ يجري بسرعة، ولم يكن باستطاعتهم أن ينسوا أن هؤلاء الغزاة الذين كانوا على وشك إزالة الإسلام، والذين تمكنوا، بسهولة، من اجتياح سوريا وبلوغ المتوسط عند غزة، وهو إنجاز عجزوا عنه هم أنفسهم طيلة قرن ونصف من النضال، ولم يكن باستطاعتهم أن ينسوا أن هؤلاء هم من غزوا أوروبا منذ حين، ولذلك عاشوا مساءلات طويلة ومريرة: أيمكن أن يكون المغول حلفاء؟ من يضمن ألّا يكونوا هم أنفسهم هدف المغول بعد القضاء على المسلمين؟ ومن ثم، ألا يقدّمون، بوقوفهم إلى جانب المغول، المساعدة لأولئك الذين يدّعون بأنهم سوف يحكمون العالم؟ وبالتالي، ألا يكونون بفعلتهم قد أسهموا في تنكيس راية المسيحية؟
في الواقع إنه لم يكن بوسع اللاتين أن ينسلخوا عن ذاكرتهم، ولم يكن بوسعهم ألا يخافوا من المغول، ألا يشعروا بالحقد عليهم والكراهية لهم. لا شك أن انتصارات المغول تنسجم مع تمنياتهم، وقد تكون انتصارات للمسيحية نفسها، مع ما يُشاع، وما يُرتقب من اعتناقهم للمسيحية؛ ولكن ألا يُضيع اللاتين ثرواتهم في انتصارات المغول؟ ألا يفقدون من حياتهم؟ ألا يُنتقص من سيادتهم؟ ثم، قد يكره اللاتين الإسلام، كدين منافس للمسيحية، ولكنهم لا يكرهون المسلمين تأكيداً، بعد أن تعلموا كيف يعرفون العرب، وكيف يقدرونهم ويصادقونهم في بعض الأحيان؟ فقد أقاموا معهم علاقات حميمة أحياناً، وأعجبوا بحضارتهم، وأخذوا عنهم أشياء كثيرة(41)، فهل باستطاعتهم أن يثقوا بملك أرمينيا وبوهيموند السادس، فينحازوا الى المغول في قتال المسلمين؟(42)
لم يكن باستطاعة اللاتين أن يقرأوا بوضوح، ولذلك كانوا يسلكون بخطى وئيدة، فهم لئن اعتبروا انخراط بوهيموند السادس في صفوف المغول خيانة للمسيحية، ورشقه أسقف بيت لحم بالحرم الكنسي(43)، ناعتاً خضوعه المخجل لأوامر المغول، وخصوصاً قبوله بتنصيب بطريرك للروم الأرثوذكس في انطاكية (44)؛ فانهم في المقابل، حرصوا على عدم استعداء المغول: منذ اللحظة الأولى التي سقطت فيها دمشق، اجتمع بارونات عكا لدراسة الأوضاع، فارتأوا، بناء على مشورة القاصد الرسولي، توماس أغني دو لانتينو، إرسال رهبان من الدومنيكان إلى هولاكو لمفاوضته واكتناه نواياه، وقد وعد هولاكو، كما يقول جان-بول رو، ويلمح جان ريشار، بإعادة أراضي مملكة القدس، التي سبق وفقدتها، إليها، وباعادة القدس خصوصاً، المدينة المقدسة، إلى الفرنجة(45).
إنه وعد كبير وعزيز، يلامس قلوب اللاتين، ويجعلهم يحلمون باستعادة عهدهم الذهبي في الأراضي المقدسة، خصوصاً وأن فعلاً بحجم هذا الوعد كان قد تحقق في إمارة أنطاكية، حيث استعاد بوهيموند السادس جميع ممتلكات الإمارة اللاتينية القديمة، بما فيها اللاذقية، التي كان المسلمون قد احتلوها(46).
كان من شأن هذه العهود والوعود أن تعالج مخاوف الفرنجة، وتخرجهم من ترددهم، حتى رأى بعض المؤرخين أنه لم يبق غير القليل القليل ليقاتل الفرنجة جنباً إلى جنب مع المغول(47).
غير أن بعض الممارسات التي طالت المسيحيين، وخصوصاً مهاجمة المغول قرى أنطاكية، وعدم تمييزهم، في اعتداءاتهم، بين القرى الإسلامية والقرى المسيحية، أيقظ هواجس الفرنجة، وزاد من ارتيابهم بنوايا المغول وصدق تعاملهم، كما أن وحشية المغول وانتهابهم للشعوب، حتى تلك التي خضعت لهم من غير مقاومة، ووصول اللاجئين المسلمين إلى أراضي الفرنجة مفضلين عبودية اللاتين على الموت المحتم على يد غزاة عتاة «لا يرحمون، ولا يميزون بين السن والجنس»، أيقظ لديهم ذكريات الرعب التي أذكتها رسالة البابا أوربانوس الرابع في وحشية الشعب المغولي، «الذي يطغى على الأرض الخاضعة لعبوديته باغتصابات لا تُغتفر، فينكّل، ويرهق الشعوب التي هي في دائرة نفوذه، إلى حدّ لا إنساني، حتى إن أولئك الذين يعيشون تحت نير هذا الاستعباد يفضلون الموت على تحمل مثل هذه العذابات»(48).
ومهما يكن، فإن اللاتين كانوا يدركون أن عليهم أن يختاروا بين الخضوع لإمبراطورية المغول، أو التعرض للتأديب الصارم، وقد حاولوا الوصول مع كتبوغا إلى مخرج يجنبهم هذا الخيار الصعب، «حملوا إليه (كتبوغا) التقادم والهدايا الكثيرة، فطلب منهم أن يخربوا الأسوار التي على مدنهم وقلاعهم، ولكنهم لم يواقفوا على ذلك…»(49). وكان من المؤسف، أن يفتقر الفرنجة، في تلك الفترة المفصلية، إلى قيادة قادرة تفاوض المغول وتصانعهم حيطة وتبصراً، فلم يكن هناك أيّ زعيم زمنيّ أو روحيّ بمستوى الأحداث: حاكم عكا، جيوفري دي سرجين، كان فارساً شجاعاً، ولكنه لم يكن سياسياً بارعاً، وبوهيموند السادس، الذي وصل إلى الأراضي المقدسة سنة 1258، لم يكن يحظى بإجماع ثقة اللاتين، كما أن كثيرين لم يكونوا قد اعترفوا به بعد، والبطريرك جاك بنتاليون دو كورباليه، كان قد رحل إلى روما عند وصول القاصد الرسولي توماس دي لانتينو، في أواخر سنة 1258، وكان القاصد الرسولي بدوره جديداً على السياسة الشرقية، لا يصلح لمهمة بمثل هذا المستوى، أما بالنسبة إلى سائر البارونات، فإنهم، وإن كانوا شهوداً على انحلال الممالك الأيوبية في سوريا، كانوا لا يعرفون إلى أين يمكنهم أن يذهبوا في مفاوضاتهم مع المغول، وقد كتبوا رسالة إلى شارل أنجو، في 22 نيسان 1260، تعبّر عن ذهولهم وخوفهم، ذهبوا فيها إلى حد الحزن على أعدائهم التقليديين، في الممالك المسلمة(50).
لقد كان اللاتين يحتاجون إلى متغيّر ما يخرجهم من تردّدهم: انتصار على القوة الإسلامية المتبقية المتمثلة بالمماليك في مصر، أو قرار صريح مريح من طرف المغول يبدّد مخاوفهم، ويجعلهم يطمئنون إلى المستقبل.
هل يتقدم هولاكو لمهاجمة مصر؟ إنها قضية لا يستبعد أن تكون قد شغلت تفكير اللاتين، كما لا يُستبعد أنهم كانوا يتحضرون للسير في ركاب المغول إذا اعتزموا اقتحام مملكة المماليك. ولكن الصيف الذي حلّ باكراً في تلك السنة، بيقظه الشديد، بدّد أوهامهم، كما أسدل ستاراً على مشاريع هولاكو التوسعية، فانثنى هذا الأخير على أعقابه عائداً إلى إيران، ومبرّراً انسحابه في رسالة إلى لويس التاسع بأن ذلك حصل «بسبب حرارة الصيف والقحط»(51).
ومهما يكن، فإن ترتيب أوضاع المغول في سوريا، مع تراجع هولاكو، حمل إشارات ذات مغزى، كان يمكن أن تبدّد مخاوف الفرنجة، وتزيد احتمالات الخروج من التردّد للتعاون مع المغول؛ فقد ترك هولاكو زمام الأمور في سوريا بيد أحد قادته، وهو كتبوغا، الذي كان مسيحياً على المذهب النسطوري، فبدا أن هذا الاختيار يمكن أن يدفع بارونات الفرنجة لحسم موقفهم والمبادرة لمساعدة المغول، غير أن تطوّر الأحداث أدى إلى تبديل جذري في الحسابات، وإلى تعديل دراماتيكي في المواقف.
ذلك أنه في الوقت الذي كان فيه خيار الفرنجة يميل باتجاه المغول متأثراً بالدلائل اليومية لصداقة كتبوغا للمسيحيين، وقعت حادثة طارئة غيرت مجرى التطورات، فقد أقدم أحد بارونات الفرنجة، جوليان الصيدوني، الذي يلقبه غوسيه بــ «البارون الثقيل ذي الرأس الخفيف» على تحدّي المغول بشكل سافر لم يكن بوسع كتبوغا تحمله: كان هذا البارون من هواة اقتناص الفرص، لم يرَ في انهيار سوريا المسلمة سوى فرصة للغزو، فقاد حملة إلى مرجعيون، عاد منها بغنيمة وفيرة، ولكن الضابط المغولي المسؤول عن أمن تلك المنطقة، هو نسيب قريب لكتبوغا، لم يتحمّل مثل هذه الجسارة في الاعتداء على الناس في الأراضي التابعة للمغول، فقام بمطاردة جوليان الصيدوني على رأس مجموعة قليلة من الفرسان، وانتهت المطاردة بمواجهة انتصر فيها جوليان الصيدوني، وسقط بنتيجتها نسيب كتبوغا قتيلاً(52).
وهكذا فإن كتبوغا، على الرغم من نواياه الطيبة إزاء المسيحيين، وعلى الرغم من تقديره لأهمية التحالف بين المغول والفرنجة، ومساعيه المستمرة من أجل قيامه(53)، لم يستطع السكوت عن هذا الاعتداء، خصوصاً وانه اصيب فيه شخصياً بمقتل نسيبه، فجرّد حملة ضد مملكة صيدا: نهبها ودمّر أسوارها، وقتل من صادف من أهلها، بعد أن نجح جوليان في الفرار منها بواسطة مركبين جنويين(54).
شكلت هذه الحادثة مفصلاً في العلاقات بين المغول والفرنجة: كتبوغا فَقَدَ كل ثقة بالفرنجة، مرتكبي هذا الاعتداء الذي طاله شخصياً، والفرنجة بدورهم لن يستطيعوا أن ينسوا اعتداء المغول على صيدا ونهبها.
جرت اتصالات سريعة بين بارونات الفرنجة لاتخاذ موقف في مواجهة التطورات، فاتفقت آراؤهم على الدفاع، في قرار لا تعوزه البطولة، وان كانت البطولة اليائسة: جرى إعداد القلاع بسرعة كبيرة، فحصّن فرسان المعبد سبع قلاع، والاسبيتاليون قلعتين، والتوتانيون قلعة واحدة، في الوقت الذي تمّ فيه تحصين مدينتي صور وعكا بشكل جماعي، وبنفقة مشتركة(55).
وعلى الرغم من صعوبة العثور على مأجورين يتولون الدفاع عن المواقع، بسبب الرعب الذي تثيره مواقعة التتار، فان استعدادات يائسة اتُخذت لمواجهة الحصار المرتقب، فاقتطعت أشجار بساتين عكا، وانتزعت حجارة المدافن والأبنية، كما استحضرت جميع الأدوات التي يمكن أن تسعف في مواجهة الحصار، فما انتصفت سنة 1260، حتى كانت مملكة عكا قد باتت متأهبة لقيادة الصراع اليائس ضد خان المغول، سيد آسيا كلها.
في تلك الظروف الحرجة، دخل المماليك في مفاوضات مع بارونات عكا، وكان السلطان المملوكي الجديد، قطز، قد رفض دعوة هولاكو للخضوع وقطَعَ روؤس موفديه(56)، وراح يعمل لتجهيز حملة، تهدف الى استعادة سوريا، مستفيداً من التطورات الأخيرة، ومن ضعف القوى التي كانت بإمرة كتبوغا. وقد سعى السلطان قطز لاستمالة الفرنجة وقطع الطريق على تحالفهم مع المغول ضده، فلقى مسعاه قبولاً لدى أعيان عكا الذين أبدوا استعدادهم لتقديم المعونات للجيش المملوكي، وكادوا أن يوقعوا اتفاقية بشأن ذلك مع المماليك(57)، لولا تدخل سيد التوتانيين الأكبر الذي نجح في إقناع بارونات عكا بخطورة مثل هذه الاتفاقية منبهاً إلى احتمال انقلاب المسلمين على الفرنجة بعد الانتصار، فكان أن اكتفى أعيان عكا باتخاذ قرار يلتزمون بموجبه حياداً مسايراً لمصلحة المماليك(58)، وصل إلى حد السماح للمماليك بعبور أراضي الفرنجة، والمرور بالقرب من عكا(59).
ومما يذكره المؤرخون أن أحد أخطر قادة المماليك، الظاهر بيبرس، وضع خطة للإغارة على مدينة عكا واحتلالها، ولكن السلطان قطز رفض موافقته على ذلك(60).
تقدم الجيش المملوكي، فاجتاح مدينة غزة، بعد أن انكفأت حاميتها المؤلفة من ألف مقاتل مغولي للانضمام إلى جيش كتبوغا، وما لبث المماليك أن زحفوا على امتداد الساحل، يمدهم الفرنجة بالمؤن اللازمة، وتمكنوا من الانتصار على المغول في موقعة عين جالوت، في 3 أيلول1260، فهلك معظم الجيش المغولي، وقتل كتبوغا، وانسحبت فلول المغول من سوريا باتجاه الأناضول.
استقام الأمر للمماليك في سوريا بعد موقعة عين جالوت، فأرسوا فيها دعائم إمبراطورية واسعة، امتدت بين الفرات وبلاد النوبة، يحميها جيش متأهب في ثكناته، وتضمن ديمومتها مؤسسات قوية وثابتة.
هذه الإمبراطورية التي قامت في سوريا على أنقاض الممالك الأيوبية لن تتأخر في الإمساك بخيوط اللعبة الدبلوماسية على حساب ممالك الفرنجة(61)، التي بدأت سريعاً تستشعر الخطأ الذي ارتكبته لتوّها، عندما فضلت استقلالها، ولربما ضعفها وعزلتها، على التحالف مع المغول.
فغداة موقعة عين جالوت، بدأ الفرنجة معركة عضّ الأصابع أمام الاعتداءات المملوكية اليومية(62)، التي بلغت حدّاً مخيفاً، "فأسقط في يدهم أمام الرعب… بعد أن كانوا اعتقدوا أنهم نجوا من التهديد المغولي الهائل"(63)، وكتبوا إلى الغرب يشكون قلقهم واضطرابهم.
وقد حاول الفرنجة البحث عن حلفاء يستعينون بهم ضد المماليك؛ وكان تحول إيجابي في الموقف إزاء المغول قد بدأ يأخذ طريقه إلى الرأي العام اللاتيني منذ الغارات الأولى التي شنّها الظاهر بيبرس(64)، إذ بدأ الفرنجة يكتشفون أن وحشية المغول ليست أسوأ من شراسة المماليك وفظاظتهم؛ فلم يطل الوقت حتى بدأت المحادثات مرّة جديدة بين المغول والمسيحيين، بهدف الوصول إلى تحالف ما، عززها هذه المرة تخلّي المغول عن ادعاءاتهم في السيادة العالمية، وإعلان البابا أوربانوس الرابع أن المغول هم انتقام العناية الإلهية من غدر المسلمين وخيانتهم(65)، فهل تنجح المفاوضات الجديدة؟ وهل يتحالف المغول والفرنجة ضد المسلمين في سوريا؟(66).
إن الاجابة عن احتمالات نجاح المفاوضات، القديمة المتجددة، بين المغول والفرنجة يقودنا إلى استخلاص العبرة من المعطيات التاريخية التي فصّلناها أعلاه، فالذهنية النفعية، وادعائية الأحقية، ونضال الأثرة الذاتية والدولية بين الدونية والفوقية، كل ذلك أجهض محادثات التحالف والائتلاف بين المغول والفرنجة، وأسهم في إنتاج حَدَثيّة تاريخية مماثلة لتلك التي كانت عشية أربعينيات القرن الثالث عشر، إذا لم نقل أشد قتاماً بالنسبة إلى الفرنجة، برزت معالمها في أعقاب معركة عين جالوت: فالمغول سقطت أسطورتهم، وانثنوا على أعقابهم يترقبون ظروفاً أمثل لإشباع رغباتهم الجامحة في الفتح والتوسع، والمسلمون عادوا أسياد الموقف وبمساعدة الفرنجة الذين وجدوا أنفسهم في المأزق مرّة أخرى، وفي معطيات ليست أفضل من تلك التي كانت في الأربعينيات، فهم مهدّدون في وجودهم من جانب المسلمين، والخلاص قد يكون على يد المغول؛ ولكن المغول شعب لا يؤمن جانبه، ولذلك كان لا بدّ أن يتكرر سيناريو التطورات التاريخية الذي سينتهي باقتلاع الفرنجة من الشرق.
المراجع:
1-وول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، الجزء الخامس عشر، الطبعة الثانية، القاهرة 1965، ص.11.
1-فليب فارج، يوسف كرباج، المسيحيون واليهود في التاريخ الاسلامي العربي والتركي، ترجمة بشير السباعي، الطبعة الأولى، القاهرة 1994، ص.84.
2-Jean Richard, Le Royaume latin de Jérusalem, Paris 1953, P. 303.
3-René Grousset, Histoire des croisades et du royaume franc de Jérusalem, Paris 1934-1936, T. 3, P.563.
4-Jean-Paul Roux, Histoire de L’Empire mongol, Lille 1993, P.312.
5-Ibid, P.312.
6-Ibid, P.312.
7-Jaques Pirenne, Les grands courants de l’histoire universelle, Paris 1959,t.2, P.153.
ويشار هنا إلى أن تعليم اللغة المغولية، لم يكن فقط لجعل المفاوضات ميسورة، بل أيضاً للتبشير والهداية إلى الإيمان المسيحي.
–Régine Pernoud, Les homes de la croisade, Paris 1977, P.329.
1-يلاحظ أن البعثات التي تم تشكيلها لمفاوضة المغول، كانت تتشكل من الرهبان، وذلك لسببين:
–الأول: تجنيب القيادات الروحية والزمنية ما يمكن أن يطالها من أذى نتيجة احتقار المغول لمبعوثيها.
–الثاني: الرغبة في التبشير وحمل راية المسيح إلى جانب المهمة الدبلوماسية، أو العكس، خصوصاً أن بعض رجال الدين كانوا يرون أن الانتصار على المغول لا يمكن أن يتم إلّا بالمحبة والتبشير والهداية إلى المسيحية.
وكان الخوف من أن يعتنق المغول ديناً آخر غير المسيحية يقلق الكثيرين، ويقض مضاجعهم، ويدفعهم إلى العمل على نشر المسيحية في الشرق الأقصى بأي ثمن، ويتساءل ريموند لول، في مؤلفه التتار والمسيحية، «كم سيكون الأمر رهيباً إذا اعتنق الترتار الإسلام أو اليهود؟».
–Régine Pernoud, op. cit. P.332.
1-Jean-Paul Roux, op.cit. P.312.
2-Chantal Lemercier –Quelquejay, La pais mongole, flammarion, Paris, 1970, P.37.
–Jean-Paul Roux, op.cit. P.313.
1-Jean-Paul Roux, op.cit. P.333.
2-Chantal Lemercier –Quelquejay, op. cit. P.88.
14- Jean-Paul Roux, op.cit. P.333.
15- Ibid, P. 334-…
16- جاء في الرسالة التي حملها روبروك من مونكا، الخان الكبير، إلى شارل التاسع ملك فرنسا: «… إن وصية الله الأزلي، هي أن لا يكون إلّا إله واحد في السماء، وسيّد على الأرض، هو جنكيزخان، ابن الله… »، «… إننا نرسل إليكم مع كهنتكم أوامر الله الأزلي ووصاياه، فعندما تبلغكم وتسمعونها، ترسلون إلينا سفراءكم ليخبرونا إذا كنتم تريدون السلام معنا أم الحرب. فإذا كنتم تحتقرون وصايا الله، وفي اعتقادكم أن بلادكم بعيدة، وأن الجبال العالية تحميكم، والبحار الواسعة والعميقة تحول دون الوصول إليكم، فإن من يسهل الأمور العصية، ويقرّب ما هو بعيد، يعلم جيداً ما يمكننا فعله».
–Lettre du Grand khan Mongka a louis IX.
–Chantal Lemercier –Quelquejay,op. cit. P.74.
ولا يغيب عنّا أن لهجة الخان الكبير مونكا، في هذه الرسالة، هي أقرب إلى إعلان الحرب منها إلى الخطاب الدبلوماسي.
17- Paul Rousset, Histoire des croisades, Paris 1978, P.253, 255.
18- Jean-Paul Roux, op.cit. P.338.
19- Jaques Pirenne, op. cit. t.2, P. 154.
20- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت 1979، المجلد رقم 12، ط. 358.
21- كان الخليفة العباسي قد أجاب بمثل هذا الكلام على تهديدات هولاكو. Jean-Paul Roux, op.cit. P. 339.
22- Jean Richard, op. cit., P. 305.
23- اعتباراً من أواسط القرن الثالث عشر، انتفض المماليك ضد أسيادهم الأيوبيين، فاغتصبوا سلطانهم في مصر وبقيت سوريا بيد الأيوبيين.
24- حمزة بن أحمد بن أسباط، مخطوط لا يحمل عنواناً، ورد في خاتمته ما يلي: «كان الفراغ من نساخته نهار الجمعة في أحد عشر يوماً مضت من شهر نيسان سنة ألف وستماية وثمانين مسيحية الذي يقابل سنة اثنتين وتسعين وألف للهجرة، ومصنّف هذا التاريخ حمزة ابن أحمد ابن اسباط…» ص. 69.
25- راجع تفاصيل سيطرة المغول على سوريا في: Jean-Paul Roux, op.cit. P. 345.
26- Jean-Paul Roux, op.cit. P. 339.
27- Ibid, P. 347.
28- Chantal Lemercier –Quelquejay, op. cit., P. 73. جاء ذلك في رسالة بادجو، حاكم أذربيجان إلى البابا، في 20/7/1247.
29- Jaques Pirenne, op. cit. t.2, P. 154.
30- السيد ألباز العريني، المغول، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1986، ص. 221.
31- حسن ابراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1981، الجزء الرابع، ص. 264.
32- Jean-Paul Roux, op.cit. P.342.
33- Ibid, P.345.
«إن هولاكو نفسه، وتحت تأثير زوجته دوكوز خاتون، وفي موقف معاد للإسلام، ترك السبيل مفتوحاً أمام جميع العناصر المعادية للمذهب السني الذي كان مسيطراً في ذلك التاريخ. فالمسيحيون، كما الشيعة، لم يطالهم الأذى الذي لحق بالمسلمين السنّة عند غزو بغداد، وقد حصلوا على إذن بإعادة بناء كنائسهم وجوامعهم، وبالاحتفال بأعيادهم الدينية». Bertold Spuler, Les Mongols dans L’histoire, Paris 1961, P.38.
وقد يستطيع المؤرخ أن يربط بين سياسة هولاكو المعادية للمذهب السنّي، وبين ما جاء في مخطوط حمزة بن أحمد بن أسباط، حول الأسباب المباشرة التي أدت إلى مهاجمة بغداد، إذ ورد في المخطوط ما حرفيته: «وكان سبب قصد التتر العراق أن وزير الخليفة ابن العلقم كان رافضياً وكان أهل الكرج أيضاً روافض فجرت فتنة بين السنّة والشيعة ببغداد فأمر أبو بكر ابن الخليفة وركن الدين العسكر فنهبوا الكرج وهتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش فعظم ذلك على الوزير العلقم وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد…» حمزة بن أحمد بن أسباط، مصدر سابق، ص. 68.
34- الباز العريني، مرجع سابق، ص. 249. أيضاً، حسن ابراهيم حسن، مرجع سابق، ص. 264. Jean-Paul Roux, op.cit. P.346.
35- Jean-Paul Roux, op.cit. P.346.
36- Cécile Morrisson, Les Croisades, Presses Univ. de France, 4ème édition, Paris1984, P.72.
–Jean Richard, op. cit., P. 303 – 304.
يروي بول روسيه أن البابوات والأمراء المسيحيين لم يحسنوا التعامل مع المغول للحصول على كل الإفادة الممكنة من وجود هؤلاء عند أبواب أوروبا، كما لم يحسنوا الإفادة من الاستعدادات الطيبة لدى المسيحيين الآسيويين، من نساطرة وسواهم، الذين كانوا يقاتلون في جيش المغول.
كما يرى أن مزيداً من الفطنة الدبلوماسية والحنكة لدى المبعوثين كان يمكن أن يغيير تغييراً كاملاً الأوضاع السياسية في الغرب والشرق على السواء.
– Paul Rousset, op. cit., P. 239.
37- ملك هنغاريا، بيلا الرابع، هو أول من أطلق نداء الاستغاثة والدعوة إلى حرب صليبية، عندما دعا، في 11 نيسان 1241، الإمبراطور فريديريك الثاني والبابا غريغوار التاسع لنجدة بلاده، وتحمّل المؤرخة شانتال لومرسييه، البابا والإمبراطور مسؤولية عدم تلبية نداءات ملك هنغاريا، لأن كلاً منهما، كان، في ذلك الوقت، منشغلاً بالتفاوض خفية مع المغول. Chantal Lemercier –Quelquejay, op. cit., P. 32.
38- Paul Rousset, op. cit., P. 238.
39- Jean Richard, op. cit., P. 305.
40-Ibid, P. 305.
41- راجع صفحة من العلاقات بين العرب والفرنجة في: خير المرّ، العلاقات الأيوبية-الصليبية حتى صلح الرملة، في المنطلق، العددان المائة والمائة وواحد، أيار 1993، ص. 36-93.
42- كان الفرنجة يرتابون دائماً بالمسيحيين الشرقيين، فيقول أحد الصليبين: «لقد طردنا الأتراك والوثنيين، ولكننا لم نتمكن من طرد الهراطقة اليونانيين والأرمن والسوريين واليعاقبة». فيليب فارج، يوسف كرباج، مرجع سابق، ص. 84.
43- عاد البابا، وعلّق قرار الحرمان، في 26 أيار 1263. Jean Richard, op. cit., P. 304.
–يذكر ألباز العريني، خلاف ذلك، بأن قرار الحرمان صدر عن البابا بالذات. الباز العريني، مرجع سابق، ص. 246.
44- Jean Richard, op. cit., P. 304.
45- Ibid, P.305. Jean-Paul Roux, op.cit. P.347.
46- Jean Richard, op. cit., P. 305. الباز العريني، مرجع سابق، ص246 .
47- Jean-Paul Roux, op.cit. P.347.
48- Jean Richard, op. cit., P. 306.
49- حمزه بن أحمد بن أسباط، مصدر سابق، ص. 72.
50- Jean Richard, op. cit., P. 306. الباز العريني، مرجع سابق، ص.254.
51- Jean-Paul Roux, op.cit. P.348.
لسنا هنا بصدد مناقشة الأسباب التي دعت هولاكو إلى الانسحاب من سوريا، فقد تكون على ما ذكر هو نفسه، كما قد تكون مرتبطة ببعض التطورات في الصين على مستوى العائلة الحاكمة.
52- راجع بشأن ذلك الدراسة الجيدة التي أعدها غروسيه. René Grousset,op. cit. P. 594-597.
53- الباز العريني، مرجع سابق، ص.254.
54- René Grousset,op. cit. P. 594-597.
55- Jean Richard, op. cit., P. 306.
56- Jean-Paul Roux, op.cit. P.347.
57- René Grousset,op. cit. P. 601-603.
58- يصر جاك بيرين على لفظة التحالف، ويقول إن الفرنجة «لم يتردّدوا في محالفة مماليك مصر سنة 1260، بسبب عدائهم لملك أرمينيا وأمير انطاكية حليفي المغول» متجاوزاً كل معطى آخر في تحديد المواقف وتقرير الأحداث. Jaques Pirenne, op. cit. t.2, P. 155.
59- Amin Maalouf, Les croisades vues par les arabes, Paris 1983, P. 263.
يذكر الباز العريني، أن السلطان قطز هو من سهّل هذا المخرج، عندما شكر استعدادات الفرنجة الطيبة وأعلن أنه يكفيه منهم أن يكونوا «لا له ولا عليه». ص. 259.
60- Jean Richard, op. cit., P. 307.
61- كان الفرنجة يستفيدون، في السابق، من التوازن المزعزع بين المماليك والأيوبيين، ليبقوا أسياد اللعبة الدبلوماسية في الشرق.
Cécile Morrisson, op. cit. P.72.
62- يبرر عوني فرسخ ممارسات المماليك بقوله: «إن النخبة المسلمة القائدة، المماليك، كانت تمارس دوراً أبرز سماته الرد على عدوان خارجي ومواجهة انعكاساته في الساحة الداخلية، وكل قيادة تتصدى للعدوان الخارجي، تتأثر ممارساتها وسلوكياتها – بلا وعي منها- بسلوكيات وممارسات العدو الخارجي، وبنوعية استجابة الجماعات الاجتماعية في الساحة الداخلية لذلك العدوان». عوني فرسخ، الأقليات في التاريخ العربي، بيروت 1994، ط.1، ص. 127.
63- Jean Richard, op. cit., P. 310.
يُروى أنه بعد أن استرجع المماليك مدينة دمشق «ثار العوام على النصارى بدمشق فقتلوا منهم جماعة كثيرة، ونهبوا دورهم وأموالهم وكذلك دخايرهم وقُلعت الأخشاب وخرّبوا الجدران ثم خرّبوا الكنيسة المعروفة بكنيسة مريم وأحرقوها وأخذوا جميع ما فيها وشعتوا (هكذا) بقية الكنائس».
–حمزه بن أحمد بن أسباط، مصدر سابق، ص. 73-74.
64- قتل الظاهر بيبرس السلطان قطز، وحلّ مكانه سلطاناً.
65- Jean Richard, op. cit., P. 315.
66- يتطلب ذلك دراسة مستقبلية.