لم تتم معالجة منهجية ونقدية لتاريخ سوريا الكبرى في المراحل الأخيرة من الحكم الاستعماري العثماني. كما ولم تتم معالجة تاريخية ونقدية لتطور فكرة الدولة الحاجزة والدولة اليهودية الحاجزة في السياق الامبريالي البريطاني. ما جرى هو معالجة سردية وغير عميقة لفكرة اقامة الدولة اليهودية في فلسطين. وعادة تبدأ هذه المعالجة بكتاب هرتسل "دولة اليهود" ثم بالمؤتمر الصهيوني الاول في العام 1897، وبعدها بوعد بلفور، ثم بالانتداب البريطاني، ثم بحرب 1948. وسوف نرى في هذه الدراسة ان تداول فكرة انشاء دولة يهودية في فلسطين جاء من قبل الأوروبيين المسيحيين وقبل 57 سنة من ولادة الحركة الصهيونية. بمعنى آخر، فإن من بدأ بتداول فكرة الدولة اليهودية كان الأوروبيين لا الصهاينة او اليهود الأوروبيين.
ما يلي هو تحليل سياسي – اقتصادي للظروف والبيئات والسياقات التي تطورت داخلها فكرة الدولة الحاجزة والدولة اليهودية الحاجزة التي سعى الاستعمار البريطاني لإقامتها في فلسطين. وتبدأ هذه الدراسة بالعلاقات التجارية التي تمّ نسجها بين مجموعة من الدول الأوروبية الغربية والدولة العثمانية، وما جاء في إثرها من تطورات وتبدلات عميقة الأثر داخل الدولة العثمانية.
1. أهمية أسواق المشرق العربي
أدت مكننة الصناعة واكتشاف الآلة البخارية في أوروبا الى تحسين وتطوير المواصلات البحرية وإقامة خطوط السكك الحديدية في أوروبا وبالتالي الى التوسع في التجارة. فبعد إشباع السوق المحلية، فإن فائض البضائع المصنعة أنتج حاجة، لدى عدد من الدول الأوروبية الغربية، الى اسواق خارجية جديدة وتوسيع الاسواق القديمة. وأدت هذه الحاجة بدورها الى مرحلة من البحث والتنافس الاستعماري الشديد على الأسواق ومناطق النفوذ. إحدى هذه الأسواق التي جرى التنافس عليها كانت سوق الامبراطورية العثمانية، خاصة المناطق العربية منها.
وكانت التجارة بين أوروبا الرأسمالية والامبراطورية العثمانية محدودة المجال في نهاية القرن الثامن عشر. وتقاسمت التجارة مع الامبراطورية العثمانية كل من بريطانيا وفرنسا ودول أوروبية صناعية اخرى. ووصلت الصادرات البريطانية في العام 1783 الى 88065 جنيهاً استرلينياً ؛ ولكن بعد انتهاء حروب نابليون، تنامت العلاقات التجارية البريطانية – العثمانية واستطاعت بريطانيا أن تحل محل فرنسا لتصبح الدولة الأوروبية الاولى في التجارة مع الدولة العثمانية.
وازداد حجم الصادرات البريطانية للدولة العثمانية ليصل في العام 1825 الى 1079671 جنيهاً استرلينياً وليقفز في العام 1845 الى 7620140 جنيهاً استرلينياً . وفي العام 1876 اصبحت بريطانيا الدولة الاولى من ناحية حجم التجارة مع الدولة العثمانية، حيث وصلت حصتها من مجموع واردات الامبراطورية العثمانية الى 49 بالمئة من التجارة مع دول الغرب وتلقت 50 بالمئة من مجموع صادرات الامبراطورية للغرب. وجاءت بعد بريطانيا كل من فرنسا، فالنمسا، فروسيا، فالولايات المتحدة.
2. سياسة بريطانيا تجاه الإمبراطورية العثمانية
ارتكزت سياسة بريطانيا تجاه الامبراطورية العثمانية، وخلال القرن التاسع عشر، على المحافظة على الوحدة الإقليمية للدولة العثمانية ومنع أي دولة (أوروبية او غيرها) من تهديد استقرار او وحدة اراضي الامبراطورية العثمانية. وتمّت المحافظة على هذين الهدفين بواسطة ميزان قوى أوروبي حافظت على استمراره القوة العسكرية البحرية للاسطول البريطاني المنتشر في البحر الابيض المتوسط. اما السياسة الخارجية العثمانية فقد قامت بالمناورة وتخطيط طريقها تحت كنف هذه المظلة الواقية، وعند الحاجة تنازلت الدولة العثمانية للدول الأوروبية القوية.
ونتيجة لهذه الحماية وللعلاقات التجارية المشتركة، فإن السياسة الخارجية العثمانية مالت لبريطانيا. ولكن الأمر تبدّل في نهاية القرن التاسع عشر حيث مالت هذه السياسة نحو المانيا. واثر ذلك على التبادل التجاري، فازدادت الواردات العثمانية من المانيا من 6 ملايين مارك الماني في العام 1882 لتصل الى 35 مليون مارك الماني في العام 1895 . وبالاضافة لذلك، حظيت المانيا على مناقصة لإقامة خط سكة حديد يربط مضيق البوسفور بمدينة أنقرة، وكان ذلك مؤشراً واضحاً على النيات الاستعمارية لالمانيا في الشرق الاوسط.
وجاء التحدي الآخر للهيمنة البريطانية على التجارة مع الدولة العثمانية من فرنسا والتي بدأت في نسج علاقات تجارية مع الدولة العثمانية، خاصة مع سوريا، لبنان وفلسطين. وقامت فرنسا، في بداية القرن العشرين، بشراء ثلث (33 بالمئة) من الصادرات السورية مثل الحرير والتبغ والقطن وغيرها من المنتوجات الزراعية. كما وقام الفرنسيون بإنشاء ميناء بيروت وعدد من خطوط السكك الحديدية مثل خط يافا – القدس وبيروت – دمشق. وبالإضافة لذلك، تم فتح فروع لبنوك فرنسية في مدن فلسطين وسوريا.
3. الاختراق الرأسمالي للدولة العثمانية
وبالإضافة الى العلاقات التجارية مع أوروبا، حصل اختراق رأسمالي للاقتصاد العثماني تمثل في تصدير الرأسمال الأوروبي كاستثمارات وكقروض ذات فوائد عالية. ففي الفترة 1853- 1874 زودت البنوك البريطانية والفرنسية الدولة العثمانية بقروض وصلت الى 5300 مليون فرنك فرنسي. وشكلت الخصومات (فوائد وعمولة) ما يساوي43,2 بالمئة من مجمل القروض. وتم صرف هذه القروض الضخمة لتغطية الإنفاق العسكري وتكاليف انشاء خطوط السكك الحديدية . وتفاقم الوضع المالي للخزينة العثمانية في العام 1875 عندما بلغ مجموع مداخيل الدولة العثمانية 380 مليون فرنك وكان يتحتم عليها دفع 300 مليون فرانك لتسديد اقساط القروض المستعجلة. وأدى هذا الوضع المالي المتردي الى قيام الحكومة العثمانية بإعلان افلاسها في العام ذاته.
ومن خلال الاختراق الرأسمالي، والاتفاقيات التجارية، والاستثمارات، والقروض المجحفة استطاع الرأسمال الأوروبي استعباد الدولة العثمانية الاقطاعية. بعدها، وببطء، تم إدماج الامبراطورية العثمانية في النظام الرأسمالي العالمي. عملية الادماج أدت الى إضعاف السيطرة العثمانية على مستعمراتها والتي بدأت، الواحدة بعد الاخرى، في التحول الى مناطق نفوذ لإحدى الدول الأوروبية الرأسمالية. وأصبحت الجزائر وسوريا ولبنان مناطق نفوذ فرنسية بينما اصبحت العراق وفلسطين وامارات الخليج العربي وجنوب اليمن مناطق نفوذ بريطانية.
وأدى التحول الرأسمالي المتراكم للاقتصاد العثماني الى تفكك الامبراطورية. وبدأت الطبقات البرجوازية المحلية والصاعدة بتأكيد ذاتها ورغبتها في الاستقلال الوطني من خلال الانتفاضات الوطنية التي اندلعت في اليونان، وصربيا، وبلغاريا، ورومانيا. اما المناطق العربية فبدأت بعضها في ممارسة شبه الاستقلال مثل مصر، والجزائر، وتونس، ولبنان والجزيرة العربية.
4. خطوط تجارة ومواصلات غير آمنة وعابرة للعالم العربي
في اواخر القرن الثامن عشر كان يربط أوروبا الغربية والشرق طريق بحري – بري -بحري يمر في مصر. واستعمل المسافرون الانكليز ميناء الاسكندرية كمحطة للنزول. بعدها تم نقل المسافرين والبريد والبضائع بواسطة قوافل الجمال الى القاهرة فالسويس على البحر الأحمر. وبعدها قامت السفن البريطانية بنقلهم جميعاً الى مستعمرة الهند. وكان هذا اقصر الطرق التي ربطت بريطانيا بالهند وذلك بالمقارنة مع طريق رأس الرجاء الصالح حول القارة الافريقية.
وفي العام 1798 غزت الجيوش الفرنسية، بقيادة نابليون بونبارت، مصر ليحولها مؤقتا لمستعمرة فرنسية. وأدى الغزو الفرنسي الى توقف مؤقت لحركة التنقل في هذا الممر كما وأظهر عدم حصانته وسهولة تعرضه للهجوم. وفي العام 1799 انطلقت الجيوش الفرنسية لغزو فلسطين وبدأ نابليون بتهديد استقرار الامبراطورية العثمانية، كما وأفقدها وحدتها الإقليمية بشطرها الى قسمين، شرقي وغربي.
وأظهر، كل من التنافس الفرنسي البريطاني في البحر المتوسط وغزو نابليون لمصر وجزء من سوريا، للمستعمرين الانكليز مدى عدم حصانة الامبراطورية العثمانية وطريق التجارة العابر في مصر باتجاه الهند. وتمّ تأكيد عدم حصانة الإمبراطورية العثمانية والممر البحري ـ البري ـ البحري مرة أخرى عندما قام محمد علي باشا، والي مصر بغزو الجزيرة العربية في العام 1811، والسودان في العام 1820، وفلسطين في العام 1831.
5. محمد علي باشا وفلسطين وفكرة المملكة العربية المتحدة
احتلت القوات المصرية بقيادة ابراهيم باشا و في العام 1831، مدن فلسطين الساحلية غزة، يافا، حيفا وعكا. وبعدها احتلت حمص، وحلب، وحماة ودمشق، ومن ثم احتل ابراهيم باشا قسما من الاناضول وكاد يصل استانبول عاصمة الامبراطورية العثمانية لولا تدخل روسيا، وفرنسا وبريطانيا واستمر حكم محمد علي لسوريا وفلسطين حتى العام 1840.
ومن أجل تبرير حملته العسكرية، استخدم محمد علي كذريعة لغزو فلسطين حقيقة هرب ستة آلاف فلاح مصري الى فلسطين لتجنب التجنيد القسري. مع ذلك كان وراء الحملة المصرية على سوريا مصالح اقتصادية لدولة صناعية صاعدة تبحث عن مصدر للخامات وسوق قريبة لتصريف بضائعها. وشكلت سوريا "واحدة من أغنى اقاليم الامبراطورية العثمانية تنتج خامات الحرير والقمح والصوف وزيت الزيتون والفواكه الثمينة وبمقدورها ان تصبح سوقا ملائمة للصناعة المصرية النامية".
وبعد استتباب حكمه في فلسطين، شرع ابراهيم باشا بإجراء بعض الاصلاحات الادارية والاقتصادية، ففرض ضرائب ورسوماً جديدة مثل ضريبة الفردة، وضرائب غير مباشرة مثل الجمارك ورسوم الدخان والمواشي والقطن والزواج والحمامات والصابون والطواحين وغيرها . كما وادخل اصلاحات ضريبية في صالح الفلاحين وضد ابتزاز الاقطاعيين المحليين. كما ألغى وظيفة جباة الضرائب التعسفيين من تجار وحرفيين الامر الذي حفزهم الى الاستثمار والتطور فانتعشت التجارة والصناعة. اما في حقل الزراعة، فقام ابراهيم باشا باستصلاح اراضي زراعية وزيادة المساحة المزروعة. واستطاع في غضون السنتين الاوليين من الحكم المصري أن يزيد مساحة الارض المزروعة من ألفين الى سبعة آلاف فدان في سهول حوران . أدت جميع هذه الاصلاحات الى تصفية التعسف الإقطاعي والتمهيد لتطوير العلاقات الرأسمالية داخل المناطق المتطورة من الامبراطورية العثمانية.
بالإضافة لذلك، ادخل ابراهيم باشا إصلاحات في حقل التعليم، وحوله الى نظام تربوي متطور يشبه نظام التعليم في مصر. وفي العام 1834 انشأ ابراهيم باشا دار طباعة في لبنان، كما وانشئت المدارس الابتدائية في جميع انحاء سوريا والمدارس الثانوية في دمشق وحلب وانطاكية حيث استخدمت، ولأول مرة، اللغة العربية كأداة للتعليم .
ان التوسع الاقليمي الي قام به محمد علي باشا في الفترة 1811 – 1831 أدى الى توسيع مناطق نفوذه لتشمل الشاطئ الغربي للجزيرة العربية، والسودان، وسوريا. واثناء الحكم المصري لهذه الامبراطورية النامية، بدأت الاستراتيجية المصرية في الافصاح عن طموحاتها الاقليمية. عبر محمد علي وابنه ابراهيم باشا عن طموحهما في إقامة مملكة عربية موحدة مكوّنة من المناطق العربية الواقعة تحت الحكم العثماني. وفي لقاء مع الممثل الفرنسي لدى ابراهيم ظهر ان ابراهيم باشا "لا يخفي مقاصده، فهو يرمي الى بعث الوعي القومي العربي واحياء الامة العربية وغرس شعور وطني اصيل عند العرب والتعاون معهم الى اقصى حد في ادارة الامبراطورية القادمة. وبث ابراهيم بنشاط فكرة البعث القومي وفي نداءاته كان غالبا ما يذكر بمجد الشعب العربي قي التاريخ القديم. وأثر بحماسة على قواته، وأحاط نفسه بأناس يشاطرونه افكاره ويعملون من اجل بثها".
ان طرح فكرة توحيد الامة العربية في مملكة واحدة جاء سابقاً لأوانه فاوضاع العرب في حينه لم تكن بعد قد تطورت في هذا الاتجاه، فلا الشعور الوطني كان موجوداً ولا الرغبة في الاستقلال والتحرر الوطني كانت قد بدأت. كما أن البرجوازية العربية في المناطق العربية، والتي كانت من الممكن ان تطور الفكر القومي والوعي الوطني، كانت ضعيفة جدا كونها تمر في مراحل تكوينها الأولى. وبالرغم من الحرب العنيفة التي خاضها ابراهيم باشا ضد الاقطاعيين السوريين، ولكنه لم يتمكن من القضاء على اسلوب الإنتاج الاقطاعي واستبداله بالاسلوب الرأسمالي. ولذلك، حاول ابراهيم باشا استباق الامور بالإسراع في تحقيق طموحاته الوطنية الوحدوية فجاءت متقدمة على عصره.
ان سيطرة جيوش محمد علي على السودان والشاطئ الغربي للجزيرة العربية حتى حدود اليمن وسوريا، أدى الى السيطرة على خطوط التجارة والمواصلات المارة من أوروبا الغربية الى الشرق وحتى قطعها. كما ان الطموحات الوطنية لابراهيم باشا بإنشاء مملكة عربية موحدة في المشرق والمغرب العربي، أدت الى استنفار الاستعمار البريطاني الذي عبر عن انزعاجه من خطط محمد علي باشا.
6. انتفاضات سورية ضد التجنيد والضرائب
أدرك ابراهيم باشا ان السلطان العثماني لن يسلّم بضياع سوريا إلا مؤقتاً وانه سيحاول استرجاعها بالقوة. واستباقا لهذه المعركة المقبلة، قام ابراهيم باشا بعدد من الاستعدادات العسكرية فامر ببناء القلاع وتحصين الممرات الجبلية، واقتنى المدافع ووسع صفوف الجيش. وتم بناء التحصينات بفضل العمل الإجباري لجماهير الفلاحين السوريين كما أن المدافع اقتنيت على حسابهم من خلال فرض ضرائب عالية. وأخيراً، تم تجنيد الفلاحين السوريين من اجل توسيع صفوف الجيش المصري.
أدت هذه الخطوات الى إثارة حفيظة الإقطاعيين والفلاحين وإنهاكهم اقتصادياً، الامر الذي دفعهم الى القيام بانتفاضة في العام 1834 ضد الوجود العسكري المصري، بدأت في نابلس وانتشرت في بقية ارجاء فلسطين وسوريا. وفي العام 1837 قامت في حوران انتفاضة الفلاحين الدروز ضد التجنيد. لم يتمكن ابراهيم باشا القضاء بسهولة على هذه الانتفاضة، واضطر محمد علي الى ارسال جيش لإخماد الانتفاضة في فلسطين. وفي العام 1840 اندلعت انتفاضة اخرى في منطقة لبنان. وبالرغم من كونها اكبر هذه الانتفاضات، ولكن الجيش المصري استطاع إخمادها، وذلك بسبب كونها محصورة بالمناطق المسيحية وكونها سيئة التنظيم.
7. هزيمة محمد علي وفشل مشاريعه التوسعية
قرر عدد من الدول الغربية وهي بريطانيا، والنمسا وروسيا وبروسيا التدخل عسكريا خاصة بعد فشل الانتفاضة اللبنانية، وشاركتهم الدولة العثمانية التي رأت في ذلك فرصة لاستعادة سوريا وتحجيم محمد علي. وكانت اكثر هذه الدول حماسة للحرب ضد الجيش المصري هي بريطانيا، والتي "اعتبرت مصر عقبة كأداء في طريق فرض السيادة الانكليزية في شرق البحر الابيض المتوسط. ورأت في سطوة مصر تهديداً لمركز بريطانيا في الخليج العربي. وكان محمد علي بالنسبة للانكليز المانع الاساسي الذي اعاق تطور المواصلات والتجارة الامبراطورية بصورة ناجحة".
وكانت نتيجة الحرب هزيمة الجيش المصري وانسحابه من سوريا ومن ثم التوقيع على اتفاقية لندن المهينة في العام 1840. وأدت هزيمة الجيش والاسطول الحربي المصري الى فشل برنامج الاستقلال والتنمية الذاتية المصرية. كما ان الهزيمة العسكرية وشروط اتفاقية لندن أدت الى سقوط مصر تحت نفوذ بريطانيا الأمر الذي مهد، في ما بعد، الى تحويلها مستعمرة انكليزية. كما ان نتائج الحرب ادت الى تحويل الدولة العثمانية الى مصدر تابع للدول الغربية يزودها بالمواد الاولية الزراعية وببعض الخامات.
كما ان التدخل الأوروبي واستسلام محمد علي في العام 1840 دفع بالمناطق العربية، في الدولة العثمانية، الى تغلغل الرأسمال الأوروبي المتزايد بها والاندماج اكثر في النظام الرأسمالي الأوروبي" … [و]يمكن اعتبار هذا العهد فاتحة الاستعباد الاستعماري للبلدان العربية وعهد تبعيتها الاقتصادية. وكانت النتيجة المنطقية لهذا العهد، تحويل البلدان العربية الى مستعمرات…".
8. تطور خطوط المواصلات
نتيجة لتحويل مصر الى منطقة نفوذ بريطانية، تمكن البريطانيون، وفي الفترة 1853-1857، من مدّ خط سكة حديد يربط بين الاسكندرية والقاهرة والسويس وذلك لتقصير المدة الزمنية ولتحسين خط التجارة بين بريطانيا ومستعمراتها في الشرق وأهمها الهند. وبرزت قيمة الخط الاستراتيجية في العام 1857 اثناء تمرد السباهيين . واستطاع البريطانيون نقل قوات عسكرية في العام 1858 عبر هذا الطريق ونجحوا في قمع انتفاضة السباهيين واستعادة سيطرتهم على الهند.
وفي الفترة 1861-1864 سببت الحرب الاهلية الاميركية نقصا حادا في القطن الخام الامر الذي ادى الى حدوث بطالة بين عمال النسيج في بريطانيا. وكحل لذلك، قامت بريطانيا بحث مصر ودفعها على زراعة القطن، كما ان سوريا وفلسطين بدأتا في زراعة القطن.
في العام 1869 قام العمال المصريون تحت اشراف المهندسين الفرنسيين بشق قناة السويس. وفي وصفه للمجهود الذي وضعه العمال المصريون، كتب المستشرق الروسي فلاديمير لوتسكي ما يلي:
عمل في شق القنال وفي موضع البناء دائماً ما بين 25-40 الف فلاح مصري. وعمل هؤلاء بالسخرة وحفروا القنال بالعمل اليدوي. وكان عملهم يبدأ مع شروق الشمس وينتهي مع غروبها. ولم يكن في طاقة كثرة منهم احتمال شروط العمل المضنية اذ قضى نحبه في تشييد القناة حوالي 20 الف عامل. وبفضل العمل الإجباري الشبيه بعمل العبيد الذي كان يقوم به الفلاحون المصريون المستعبدون وعلى جماجمهم شيد أضخم صرح للمدنية الرأسمالية في القرن التاسع عشر.
ادى هذا الامر الى حدوث تحول جذري في خط التجارة بين أوروبا وآسيا الذي انتقل من طريق رأس الرجاء الصالح الى البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر. واصبح طريق قناة السويس الطريق الاكثر اهمية للدول الأوروبية، خاصة بريطانيا. استعملت القناة في العام 1870 من قبل 486 سفينة ولكن في العام 1882 ارتفع عدد السفن التي عبرت قناة السويس الى 3000 سفينة، سافرت 80 بالمئة منها تحت العلم البريطاني. ويظهر هذا مدى اهمية قناة السويس بالنسبة للمصالح البريطانية، التجارية منها والاستعمارية.
وفي العام 1875 قام رئيس الوزراء البريطاني دزرئيلي بشراء 45 بالمئة من اسهم شركة قناة السويس واستدان من اجل ذلك الاموال من مالك البنوك الانكليزي اليهودي جيمس روتشيلد . واصبحت قناة السويس مصلحة بريطانية استراتيجية ولكن خط التجارة والمواصلات العابر بها بقي غير حصين ويتطلب حماية عسكرية مباشرة. ومن اجل حماية خط التجارة هذا قامت بريطانيا باحتلال عدد من المناطق فاحتلت جزيرة قبرص في العام 1878، ثم مصر (1882)، فالصومال (1884)، فبيتشوانالاند (1885)، فكينيا (1888)، فالسودان (1889). وهكذا "فإن الاطماع الاقليمية في اوغندا، الساحل الشرقي، ودلتا النيل، لم يكن ورائها البحث عن اسواق وتجارة، بل كان بالاحرى البحث عن امن اكبر لخطوط المواصلات التي ربطت بريطانيا بالامبراطورية الهندية".
9. المصالح الاستعمارية في فلسطين
بحث الاستعمار البريطاني عن إقامة المستعمرات لاسباب مختلفة: كاسواق، كمصادر للخامات والمواد الغذائية، كمحطات للتجارة، كمحطات للسفن البخارية للتزود بالفحم الحجري ولصيانة السفن، او بسبب مواقع المستعمرات الاستراتيجية.
كان سوق فلسطين صغيراً في بداية القرن التاسع عشر وكانت فلسطين فقيرة بالمواد الخام وكان اقتصادها زراعياً وأراضيها الزراعية محدودة المساحة. ولكن الاهتمام الأوروبي بفلسطين بدأ فعلياً يتكوّن بعد احتلال محمد علي باشا لسوريا وفلسطين في العام 1831. وخلال فترة حكمه لفلسطين سمح محمد علي للدول الأوروبية بفتح قنصليات لها في القدس كانت أولها القنصلية البريطانية في العام 1839، وتبعتها قنصليات لالمانيا وفرنسا وروسيا وغيرها من الدول.
لم يسيطر الانكليز على السوق الفلسطينية في بداية القرن التاسع عشر. فبالإضافة لهم، كان لفرنسا والمانيا والنمسا – هنغاريا مصالح في السوق الفلسطينية. ولكن فلسطين تم تسليط الأنظار عليها بسبب موقعها الاستراتيجي. وكان موقع فلسطين على البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر، بين سوريا ومصر وبين افريقيا وآسيا، قد زوّدها بأهمية استراتيجية. بالاضافة لذلك، فان موقعها الاستراتيجي اكتسب اهمية متزايدة لأنه كان على طريق التجارة الآخذ في التطور بين أوروبا وشرق افريقيا وآسيا واستراليا ونيوزلندا، اي بين بريطانيا ومستعمراتها ومناطق نفوذها في الشرق. وتكونت المستعمرات البريطانية في حينه من الهند، سيلان، بورما، الملايو، استراليا، نيوزيلاندا. وتكونت مناطق نفوذها من: (مصر، السودان، الصومال، اوغندا، العراق، ايران، ودول الخليج العربي، جنوب الجزيرة العربية والصين. شكلت جميع هذه المستعمرات ومناطق النفوذ مع بعضها سوقا ضخمة وحيوية للرأسمالية البريطانية. وازداد هذا السوق اهمية بعد ان خسر الاستعمار البريطاني 15 مستعمرة في شمال امريكا وذلك في العام .1783
تمثلت السياسة البريطانية تجاه الامبراطورية العثمانية في بداية القرن التاسع عشر بانها ارتكزت على المحافظة على حليف عثماني ضعيف وسوق عثمانية متنامية للمنتوجات البريطانية. كما ان الاستراتيجية البريطانية للمحافظة على ذلك تطلبت اقامة ميزان قوى أوروبي وإزالة متواصلة لأية تهديدات عسكرية تسعى الى المس بالوحدة الاقليمية للدولة العثمانية. ولكن الضعف البنيوي الداخلي للامبراطورية العثمانية أدى الى كشف عدم حصانة هذه الامبراطورية وبالتالي عدم حصانة طريق المواصلات والتجارة المار داخلها. وتم إثبات عدم الحصانة هذه مرتين خلال 32 عاماً، في العام 1799 عندما احتل نابليون مصر وفلسطين، وفي العام 1831 عندما احتل محمد علي فلسطين وسوريا.
وبدأ التفكير الاستراتيجي البريطاني يميل الى إقامة دولة استيطانية حاجزة تشكل قاعدة عسكرية ثابتة من أجل حماية هذه المصالح الاستعمارية. وجاء هذا التطور بعد ان ظهر ان كافة القواعد التي تم احتلالها في شرق افريقيا لم تكن كافية لحماية طريق المواصلات والتجارة والامبراطورية العثمانية. بالاضافة لذلك، انتبه المستعمرون البريطانيون للطاقة الكامنة للوعي القومي الذي من الممكن أن ينشأ في المناطق العربية وعليه تجب اقامة دولة حاجزة اصطناعية Buffer State لتكون حاجزة وفاصلة بين مصر والامبراطورية العثمانية وبين منطقة النفوذ الفرنسية ومنطقة النفوذ البريطانية داخل الدولة العثمانية، ولتفصل بين آسيا وافريقيا ولتمنع اقامة وحدة اقليمية قومية بين المشرق والمغرب العربيين. وأيضا لتكون حامية لخطوط المواصلات والتجارة بين أوروبا ومستعمراتها وشريكاتها في التجارة في جهة الشرق. وكان الموقع الاكثر اهمية استراتيجية لهذه الدولة الحاجزة هو اقليم فلسطين.
10. ولادة فكرة الدولة اليهودية الحاجزة
كان اول سياسي أوروبي اقترح انشاء دولة يهودية في فلسطين هو نابليون بونابارت وذلك في العام 1799 وكانت هذه الدعوة قد سبقت دعوة مماثلة اطلقها ثيودور هرتزل لاقامة الدولة اليهودية بـ 97 عاما وجاءت قبل ولادة هرتزل بـ 61 عاماً. كما ان هذه الدعوة من قبل نابليون لم تكن الدعوة الوحيدة، بل تبعتها دعوات أوروبية مختلفة.
وفي العام 1838 اندلعت انتفاضة فلاحية في سوريا الكبرى ضد ابراهيم باشا والحكم المصري وذلك احتجاجاً على التجنيد الاجباري للفلاحين والذي قام به ابراهيم باشا . وفي العام ذاته، قدم اللورد شافتسبري Shaftesbury Lord مشروعا لوزير الخارجية البريطاني اللورد بالمارستون Lord Palmerston يدعو الى اعادة واسكان اليهود في فلسطين وانشاء دولة يهودية فيها تحت الحماية البريطانية. وحظي هذا المشروع على عطف بالمرستون الذي رأى فيه ضماناً لأمن مواصلات الامبراطورية البريطانية.
وفي العام 1840 اقترح رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية السابق اللورد بالمرستون على السلطان العثماني تشجيع اليهود الاثرياء على الاستيطان في فلسطين. وكان المنطق البريطاني وراء هذا الاقتراح يرتبط بفائدتين كانتا ستخدمان المصالح البريطانية بشكل مباشر. الفائدة المباشرة كانت في وجود مجموعة مؤيدة لبريطانيا في منطقة لم يكن لبريطانيا موالون فيها والتي اصبحت حيوية بشكل متزايد لمصالح بريطانيا الاستعمارية. اما الفائدة غير المباشرة فقد كانت في تدفق رأس المال اليهودي للاقتصاد العثماني الامر الذي سيجعل من السهل على النظام العثماني المحافظة على الوحدة الاقليمية لأراضي الامبراطورية.
وفي هذه المرحلة التاريخية، بدأت السياسة البريطانية المتمثلة في المحافظة على وحدة الاراضي العثمانية تتغير. وتحت وطأة الحروب، والتنافس الأوروبي الشديد على الاسواق ومناطق النفوذ، والمصالح الاستعمارية المتنامية، فان الفكر الاستراتيجي البريطاني بدأ يميل الى اقامة دولة حاجزة اصطناعية في فلسطين لتكون حاجزة بين مصر والامبراطورية العثمانية ولتشكل دولة حاجزة في المستقبل بين منطقة النفوذ الفرنسية (سوريا ولبنان) ومنطقة النفوذ البريطانية (مصر، والسودان وجنوب الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي والعراق). كما ان الدولة الحاجزة ستمنع قيام دولة عربية موحدة تتكون من المشرق والمغرب العربيين والتي كان يخطط لها محمد علي باشا.
كما ان فكرة الدولة الحاجزة نادى بها المستعمرون الالمان ايضا. ففي العام 1841، اقترح مبعوث الماني زار الامبراطورية العثمانية تحويل فلسطين الى دولة حاجزة بين الدولة العثمانية ومصر. وانه من المفضل ان تكون هذه الدولة تحت السيطرة الالمانية.
وفي العام 1841 بعث الكولونيل تشارلز هنري تشرتشل برسالة الى مونتفيوري دعاه فيها ان يقوم اليهود باستعادة وجودهم كشعب من خلال مبادرة ذاتية وان القوى الأوروبية ستدعم ذلك.
وفي العام 1845 دعا ميلفورد E.L.Milford وهو صديق بالمرستون، الحكومة البريطانية على العمل على اعادة اقامة الشعب اليهودي في فلسطين داخل دولة محمية تحت وصاية بريطانيا العظمى. وأضاف ميلفورد بأن الدولة اليهودية سوف "تضع ادارة خطوط المواصلات التجارية كليا في ايدينا وسوف تضعنا في موقع قيادي في الشرق الاوسط لوضع حد للاعتداءات على اراضي وحقوق الآخرين، وللتغلب على الاعداء واذا تطلبت الحاجة، لصد تقدمهم".
كما ان عددا من السياسيين والعسكريين البريطانيين راودتهم فكرة اقامة دولة يهودية في فلسطين. ففي العام 1853 ألقى الكولونيل جورج جولر، الحاكم السابق لمنطقة جنوب استراليا خطاباً تحدث فيه عن السمات الاستراتيجية لموقع فلسطين وضرورة السيطرة البريطانية على هذا الموقع. وجاء في خطابه التبرير التالي.
لقد وضع الله سوريا ومصر في الفجوة الموجودة بين بريطانيا واهم المناطق المستعمرة والتجارة الخارجية مثل الهند، الصين، وجزر الهند الشرقية واستراليا … وتحتاج بريطانيا الى اقصر وأئمن خطوط مواصلات لهذه المناطق. وتقع مصر وسوريا داخل خطوط المواصلات. واذا سيطرت قوة كبيرة على اي منها، فان هذا الامر سيشكل خطراً على التجارة البريطانية وخطوط المواصلات العابرة داخل الموقع الآخر. ولذلك، ينادينا الله ان تقوم بريطانيا بالعمل جدياً لتغيير شروط كلتا المنطقتين … وأضاف جولر بأن اليهود سيصبحون أحسن خدامين للمصالح البريطانية في المنطقة.
في الفترة 1863-1876 اظهر مؤسس الصليب الاحمر جان هنري دونانت Jean Henry Dunant اهتماماً في ايجاد حل انساني للمشكلة اليهودية. وحاول دونانت، عبثا، في اثارة اهتمام المنظمات اليهودية في غرب أوروبا للعمل على القيام بمشروع استيطاني يهودي في فلسطين. وأسس من اجل ذلك جمعية الاستيطان الكولونيالي في فلسطين وذلك في العام 1875.
بالاضافة لهؤلاء ومنذ العام 1840، قام عدد من البريطانيين، من صحافيين، رجال دين، سياسيين، اداريين كولونياليين، وضباط عسكريين، بالمطالبة بشكل مباشر باقامة مستعمرات يهودية او حتى دولة يهودية تحت الحماية البريطانية، تنفيذا لهدفين: "عودة اليهود" وحماية المصالح البريطانية، الاستراتيجية والتجارية، في المنطقة. كما أن هؤلاء اعتقدوا بأن اليهود في فلسطين سيشكلون حاجزاً ضد اية طموحات مستقبلية لمحمد علي الذي اراد انشاء دولة عربية من خلال ضم سوريا الكبرى لمصر.
11. هجرة يهودية غير مرغوب بها
وهنا يجب طرح سؤال مهم حول الأسباب التي وقفت وراء يهودية الدولة التي دعا لإنشائها عدد من الأوروبيين. لماذا دعا المستعمرون البريطانيون وغيرهم الى انشاء دولة استيطانية يهودية وليس دولة استيطانية انكليزية او المانية او روسية؟ إن طرح هذا السؤال المشروع يتطلب اجابة.
أدت عملية اندماج روسيا وشرق أوروبا في النظام العالمي الرأسمالي في نهاية القرن التاسع عشر الى تبلور طبقات برجوازية محلية والى تفسخ المجتمعات الإقطاعية وشبه الإقطاعية. تطور الرأسمالية في هذه المناطق كان بطيئاً ومؤلماً في الوقت ذاته وأدى الى صعود القومية والى التفسخ الاجتماعي – الاقتصادي لنسيج هذه المجتمعات.
عملية ولادة النظام الرأسمالي الجديد في تلك المناطق تزامن مع صعود اللاسامية والتي في الكثير من المواقع تطورت الى "مجازر" تم تشجيعها من قبل الانظمة الحاكمة وتم اقترافها من قبل الرعاع الغاضبين على اوضاعهم المعيشية الصعبة. لم يكن اليهود مسيحيين وكانوا يتركزون في مواقع ومجتمعات منفصلة سكنت داخل المدن والبلدات متجنبة المناطق الريفية. ولذلك كان من السهل توجيه الغضب اليهم بعد ان تحولوا في وعي الجماهير الى كبش فداء لامتصاص عواقب ومؤثرات التفسخ الاجتماعي – الاقتصادي الذي حدث في الاساس نتيجة لانهيار النظام الاقطاعي وولادة النظام الرأسمالي. وكان رد فعل يهود روسيا وشرق أوروبا هو الهجرة الكثيفة الى الجزء الأوروبي الرأسمالي الاكثر تطوراً، أي غرب أوروبا.
مع نهاية القرن التاسع عشر، فإن أعداداً كبيرة من اليهود الأوروبيين أجبروا نتيجة للتمييز وللمجازر الى ترك اوطانهم في شرق أوروبا والهجرة الى الغرب. وفي الفترة 1800-1914 هاجر ما يساوي 3250000 يهودي أوروبي، منهم 250000 في الفترة 1800-1880، ومليون في الفترة 1881-1899 ، ومليونان في الفترة 1900-1914. وتوجه معظم هؤلاء النازحين اليهود الى بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية.
ولكن الهجرة الى بريطانيا لم يكن مرحّباً بها على الصعيدين الرسمي والشعبي، واعتبرت المشكلة الداخلية الرئيسية لبريطانيا. وشن السياسيون الاستعماريون مثل اللوردات شافتسبري، وتشامبرلن وبلفور، حرباً سياسية ضد منح حريات مدنية لليهود البريطانيين وأيدوا سياسة تحديد الهجرة اليهودية الوافدة لبريطانيا.
واذا نظرنا لفلسطين، المقترح تحويلها الى كيان استيطاني استعماري، فإننا نرى انها كانت بلداً فقيراً بالموارد ولذلك سيكون من الصعب ان تجذب مستوطنين بريطانيين او أوروبيين اليها. إنها تفتقر للمعادن والمواد الخام الموجودة بوفرة في مناطق اخرى من العالم الثالث. وبالاضافة لذلك، فهي لا تحوي اراضي زراعية واسعة ومصادر مياهها محدودة جداً ولذلك لا يمكن تحويلها الى مستعمرة تعتمد على اقتصاد المزارع الضخمة وعلى الإنتاج الزراعي المعدّ للتصدير. إن فقر فلسطين بالموارد جعلها اقل جاذبية للاستيطان الكولونيالي الأوروبي.
ولهذه الاسباب مجتمعة بدأ المستعمرون البريطانيون في البحث عن مستوطنين آخرين للذهاب الى فلسطين. وتم اختيار اليهود الأوروبيين من بين اللاجئين ليصبحوا مستوطنين ويرجع ذلك لانهم كانوا موجودين عندما احتاجت بريطانيا لمستوطنين لإقامة مستعمرة استيطانية في فلسطين. بالاضافة لذلك فان عملية ارسال مستوطنين يهود الى فلسطين شكلت حلاً لثلاث مشاكل: (1) حلا لمشكلة الهجرة غير المرغوب بها لليهود الوافدين لبريطانيا، (2) تزويد بريطانيا بأعداد هائلة من المستوطنين والذين بحكم تراثهم الديني وتعاستهم كلاجئين فقراء وغير مرغوب بهم، سيكون لديهم استعداد لإرسالهم الى فلسطين، ادخال رساميل يهودية الى داخل الدولة العثمانية وذلك لدعم الاقتصاد العثماني الهزيل.
وهكذا استطاعت بريطانيا إيجاد مستوطنين مرشحين لإرسالهم لاستعمار فلسطين. ويظهر بوضوح كيف ان الحاجة لحل مشكلة الهجرة اليهودية غير المرغوب بها والوافدة لبريطانيا تزامنت مع المصالح والخطط الاستعمارية البريطانية في انشاء دولة استيطانية حاجزة في فلسطين. مع ذلك، فان عملية الاستيطان لم تبدأ لسببين: (1) معارضة النظام العثماني لدخول المستوطنين اليهود لفلسطين والمكوث فيها، (2) عدم توفر اراضٍ للبيع داخل الدولة العثمانية وذلك بسبب القوانين الاقطاعية لملكية الاراضي والتي كانت سائدة في الدولة العثمانية.
12. نشوء نظام الملكية الخاصة
أدى تطور التجارة مع الدول الأوروبية الى نمو المدن التجارية وتحسن خطوط المواصلات الداخلية والى نشوء البرجوازية التجارية – الكومبرادورية . وجاء نمو المدن العربية مغايراً لطريقة نمو المدن الأوروبية. نمت المدينة الأوروبية نتيجة لعملية بلترة الفلاحين وانتقالهم للعمل في المصانع الاولى التي أنشأت خارج القرى وعلى ضفاف الانهار مستخدمة قوة دفع المياه لادارة ماكنات المصنع. وكانت نواة المدن الأوروبية هي مساكن العمال التي انشأت حول المصانع وبفضل عملية التصنيع. اما المدن الفلسطينية فنشأت وتطورت بشكل مغاير كنتيجة لنشوء شريحة التجار والذين عملوا في التجارة الخارجية مع أوروبا، ولتدهور الصناعات الحرفية التقليدية بسبب منافسة البضائع الأوروبية وهجرة الحرفيين للعمل في المدن، ونتيجة للتحوّلات البنوية في الاقتصاد الزراعي وعلى الأخص في الملكية الزراعية. وارتبط نشوء المدن الفلسطينية بالمرحلة الأولى من نشوء الملكية الخاصة والنظام الرأسمالي، بينما ارتبط نشوء المدن الأوروبية بمرحلة الثورة الصناعية والتصنيع.
إن حالة من التبعية الاقتصادية بدأت تنشأ بين المحيط ممثلاً في الاقتصاد العثماني والمركز ممثلاً بالدول الصناعية الأوروبية الغربية. وظهرت نتائج هذه التبعية في تطور الصناعة والزراعة في الأقاليم العربية. "… وأدى الاستيراد المتزايد للبضائع الأوروبية الى انهيار المراكز الصناعية القديمة وتخريب الحرف والصنائع المنزلية، كما أعاق تطور المعامل اليدوية (المانيفاكتورة) الوطنية والإنتاج الصناعي التي لم تستطع مقاومة مزاحمة الإنتاج المصنعي الأوروبي".
أما الزراعة المحلية فبدأت تتناغم مع الحالة ذاتها من التبعية حيث اختصت في إنتاج المحاصيل الزراعية القليلة والتي كان يطلبها السوق الأوروبي. فاختصت مصر في إنتاج القطن وقصب السكر، وفلسطين وسوريا في إنتاج القطن والحبوب والصوف ولبنان في إنتاج خامات الحرير. "ومع هذا لم يكن نشوء الاقتصاد البضائعي مصحوباً هنا بتطوّر الاقتصاد الرأسمالي. اذ وقع الفلاح في حالة تبعية للسوق الرأسمالية العالمية، محافظاً في الوقت ذاته على تبعيته للإقطاعي".
يسّرت الإصلاحات العثمانية القانونية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تغلغل رأس المال الأوروبي في الاقتصاد العثماني. وحصل الرأسماليون الأوروبيون على امتيازات في البنوك والسكك الحديدية وتم تحويل الامبراطورية العثمانية، من خلال علاقة من التبعية، الى شبه مستعمرة للدول الرأسمالية الأوروبية. وكنتيجة لارتباط ثم اندماج الاقتصاد العثماني بالسوق الرأسمالية العالمية الآخذة في التوسع، بدأت العلاقات الاقتصادية الإقطاعية تتفكك تدريجياً، لتحل محلها العلاقات والمفاهيم والقيم الرأسمالية. وأثر ذلك على نظام ملكية الارض الذي تحول من ملكية الدولة ومشاعية التصرف بها الى الملكية الخاصة.
وكنتيجة للاختراق والإلحاق الرأسمالي للاقتصاد العثماني وصلت الدولة العثمانية الى مرحلة من الإفلاس والتبعية ادت بها، مع عوامل اخرى، الى القيام بتغيير نظام ملكية الاراضي في الامبراطورية العثمانية الأمر الذي اتاح لخزينة الدولة دخلاً اضافياً. وكانت معظم اراضي فلسطين، وحتى النصف الاول من القرن التاسع عشر، اراضي اميرية أي ملكا للدولة العثمانية وكان على من يستعمل الارض ان يدفع إيجاراً بشكل ضريبة على الغلة سميت "العُشر" وكانت تدفع عينا او نقداً ولم تتناقض ملكية الدولة للارض مع كونها ايضا مشاعاً لان المشاع لم يكن شكلا من ملكية الارض المشتركة بل شكل للتصرف فقط . فحق الملكية يرجع للدولة وحق المشاع يرجع للمجتمع القروي الذي كان يقوم بتقسيم الارض دورياً بين الفلاحين. وفي داخل مشاعية التصرف بالارض لم يكن للملكية الخاصة للارض وجود نسبي يذكر. وكانت "… معظم الاراضي الزراعية ملك للدولة. واما الممتلكات الفردية من الأراضي، وهي المِلك، فكانت بصورة عامة محدودة في المساحات الواقعة ضمن الحدود الجغرافية للمناطق الآهلة – أي داخل المدن والبلدات والقرى …".
وصدر، في العام 1858، قانون الأراضي العثماني "الذي ألغى بصورة شرعية نظام الإقطاعيات العسكرية وتبعية الفلاحين … ووسّع… اصناف الاراضي التي اصبحت ملكاً خاصاً، وساعد على تطوير الملكية الخاصة للأرض وجعلها بضائع متداولة…" . وفي العام 1867 صدر قانون اراضٍ جديد منح الاجانب حق حيازة وامتلاك الارض في الامبراطورية العثمانية.
تطلبت عملية تطبيق قانون الاراضي العثماني أن يقوم الفلاح الفلسطيني بتسجيل الارض التي يفلحها باسمه بعد قيامه بدفع رسوم تسجيل عالية كالطابو، وبعدها دفع ضرائب على الارض، والابنية الزراعية والحيوانات المستخدمة في الزراعة وعلى منتوج الارض كضريبة الويركو. وبسبب الجهل والفقر والتهرب من دفع الضرائب والخوف من التجنيد للجيش العثماني، قام عدد كبير من الفلاحين الفلسطينيين بتسجيل أراضيهم باسماء اشخاص آخرين من سكان المدن، بعضهم اسماء موتى وبعضهم اسماء خيالية. والبعض الآخر من الفلاحين كانوا يسجلون اراضيهم باسم ذوي النفوذ من المالكين الكبار والشيوخ والتجار من سكان المدن الفلسطينية مقابل ان يقوم هؤلاء بتحمل الاعباء المالية. ونتيجة لذلك فقد الفلاح الفلسطيني علاقته القانونية بالأرض وتحولت الى علاقة رأسمالية لمستأجر يعمل لدى المالك الجديد بموجب نظام المُحاصَصَة، ويعاني من الاستغلال والفقر ويسكن فوق أرض لا يملكها ويمكن إخلاؤه منها اذا رغب "المُلاك الجدد". ونتج عن ذلك تركيز عالٍ لملكية الارض بين مالكين قلائل. بالمقارنة مع ملكية منخفضة لأعداد كبيرة من الفلاحين. ويظهر الجدول التالي الفجوة في ملكية الارض بين المالكين الجدد والفلاحين.
نوعان مختلفان من مالكي الأرض والمساحات التي يملكونها في العام 1909
عدد المالكين (أفراد أو عائلات) عدد الدونمات التي يملكونها معدل ملكية الفرد أو العائلة الواحدة
144 فرداً 3131000 22000 دونم للفرد
16910 عائلات 785000 46 دونماً للعائلة الواحدة
مصدر الإحصاءات: A. Grannot (1952) The Land System In Palestine (London: Eyre and Spottiswoode) pp.36, 38-39
أدت عملية التحول في ملكية الأرض إلى نشوء مجموعة محدودة من مالكي الارض والذين يسكنون بمعظمهم في مدن سورية ولا يعملون في الارض بل يستأجرون الفلاحين مقابل تقاسم المنتوج الزراعي (أي نظام المحاصصة). إن إلغاء نظام الملكية القديم وتطور شريحة من مالكي الأرض الكبار ونشوء علاقة من التبعية والاستغلال بين المالكين الجدد والفلاحين ادى الى نشوء عدد من التغيرات الاجتماعية – الطبقية والتي يمكن ايجازها بالتالي:
1. نشوء قسم من الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً ويعملون بموجب نظام المحاصصة.
2. بلترة بعض الفلاحين وانتقالهم من فلاحين الى عمال.
3. نشوء الهرمية الطبقية في المجتمع الفلسطيني نتيجة للتفاوت الشديد في ملكية الاراضي بين من يملكون ومن لا يملكون.
4. فتحت القوانين الجديدة والعلاقات الدولية المجال لتسرب الارض للاستيطانين اليهودي والصهيوني. الأمر الذي مهّد السبيل لتطور ظاهرة الاستيطان الاستعماري.
13. الاستيطان اليهودي في فلسطين
بادر، احد الاثرياء من اليهود الفرنسيين ويدعى البارون ادموند دي روثتشايلد، في العام 1853، الى شراء 275000 دونم من اراضي فلسطين ومن ثم أنشأ عليها 19 مستوطنة استعمارية ومدرسة يهودية زراعية وذلك في الفترة 1882-1899. وكان اشترى هذه الأراضي من مالكي الأرض الغائبين من بيروت بعد أن قام بدفع الرشوة الى المسؤولين العثمانيين. وبعد شرائه الارض، قام روثتشايلد بطرد الفلاحين العرب الذين عملوا وعاشوا عليها ليقوم بعدها باستئجارهم للعمل فيها.
اصطدم النشاط الاستيطاني – الاستعماري للبارون روثتشايلد مع الفلسطينيين العرب حول موضوع جوهري واحد وهو ملكية الأرض لان امتلاكه آلاف الدونمات من الارض الزراعية وطرد الفلاحين العرب عنها أدى إلى إفقار الفلاحين المحاصصين ونهبهم.
وفي العام 1855 قام مستثمر يهودي انكليزي يدعى موزس مونتفيوري بشراء الاراضي في منطقة يافا. وقام مونتفيوري بوضع خطط عدة من أجل إعادة استيطان اليهود في فلسطين. ولكن نتيجة لعدم تمكّنه من الحصول على شروط مرضية من السلطات العثمانية قرر مساعدة اليهود الفلسطينيين القاطنين في فلسطين من خلال تحسين شروط حياتهم بواسطة العمل في الزراعة. وبالرغم من الجهود التي بذلها، ولكنه لم يستطع جذب المستوطنين الى فلسطين.
لم يهدف البارون روثتشايلد من وراء مشروعه الاستيطاني – الاستعماري في فلسطين إلى إقامة دولة يهودية بل أراد تحقيق هدفين: (1) تأمين مأوى للاجئين اليهود القادمين من شرق أوروبا والامبراطورية الروسية هرباً من الاضطهاد والمجازر، (2) وإقامة "حيّز نفوذ" للاستعمار الفرنسي داخل الامبراطورية العثمانية وكان كل من مونتفيوري وروثتشايلد على استعداد للقيام باستيطان يهودي في بلاد اخرى لانهما اعتبرا ذلك حلاً للمشاكل الخاصة التي اثارتها ظاهرة اللاسامية.
اصطدم النشاط الاستيطاني – الاستعماري للبارون روثتشايلد مع الفلسطينيين العرب حول موضوع جوهري واحد وهو ملكية الارض لان امتلاكه آلاف الدونمات من الارض الزراعية وطرد الفلاحين العرب عنها ادت الى افقار ونهب الفلاحين المحاصصين.
بدأ الاستيطان اليهودي الاستعماري في فلسطين قبل ظهور الايديولوجية الصهيونية في العام 1897 ولم يهدف الى اقامة دولة يهودية في فلسطين، بل سعى الى اقامة حيز نفوذ استعماري في فلسطين كخدمة للاستعمار الفرنسي. وتم تنفيذ ذلك بموجب الاستيطان الكلاسيكي الاستعماري، أي اقامة مزارع ضخمة، واستخدام قوة عمل رخيصة من بين السكان الأصليين، وزرع المستوطنين الاستعماريين. ولو استمرّ هذا النوع من الاستيطان الاستعماري في التطور لنشأ في فلسطين كيان استيطاني شبيه بالجزائر الفرنسية، جنوب افريقيا ورودوسيا. ولكن الصهيونية السياسية هي التي طوّرت في فلسطين نوعاً مغايراً من الاستيطان الاستعماري، يحمل قواسم مشتركة مع غيره من الأنظمة الاستيطانية الاستعمارية، ولكنه في الوقت ذاته يملك خصوصيات بارزة.
14. اليقظة القومية العربية
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشأت في سوريا نهضة ثقافية تمثلت في زيادة عدد المدارس والمعاهد وإنشاء الجمعيات الأدبية والعلمية والمطابع والصحف والمجلات. وساهمت هذه النهضة الثقافية في إرساء بذور اليقظة القومية العربية والتي جاءت في ما بعد. وتزامنت النهضة الثقافية مع سياسة عثمانية جديدة عكست بعض الانفراج في الحكم. وتمثل ذلك بوصول سلطان مصلح هو السلطان عبد المجيد (1839-1861) في العام 1839 والذي تبنى عدداً من الإصلاحات عرفت فيما بعد بـ "التنظيمات الخيرية" وشملت الإدارة والضرائب والتجنيد وصيانة حرمة الشخص وممتلكاته. وفي العام 1845 صدر قانون نادى بمبدأ التعليم المجاني والإجباري، وبقي هذا القانون حبراً على ورق. مع ذلك، وضعت المدارس الملحقة بالمساجد تحت مراقبة الدولة، وأنشئت المدارس الثانوية العلمانية. وتأسست في اسطنبول مدارس خاصة أعدت الأطباء والتقنيين والحقوقيين والضباط. وأنشئت وزارة المعارف العثمانية في العام 1847.
(أ) النهضة الثقافية العربية
تمثلت الغزوة الرأسمالية الأوروبية للامبراطورية العثمانية بالغزو المالي والتجاري والثقافي. وكانت الغزوة الثقافية قد سبقت الغزوات الأخرى وشكل جزء منها قدوم الارساليات التبشيرية من فرنسية وانكليزية ونمساوية والمانية وروسية وأميركية خاصة الى المناطق العربية من الامبراطورية. وبدأ هؤلاء بإنشاء الكنائس والاديرة والمدارس التبشيرية الخاصة وبعض المعاهد. اوائل المبشرين كانوا الاميركيين الذين جاؤوا الى سوريا في العام 1820، وتبعهم اليسوعيون الفرنسيون في العام 1834. ووصل عدد المدارس التبشيرية في العام 1860 الى 33 مدرسة التحق بها 1000 طالب وطالبة وشكلت الطالبات خُمس المجموع. وفي العام 1866 قام المبشرون الاميركيون بإنشاء الكلية السورية الانجيلية في بيروت والتي استخدمت فيها اللغة العربية للتدريس.
وقام الروس، من خلال "الجمعية الروسية الفلسطينية"، بإنشاء 19 مدرسة في الفترة 1882-1914 . ونتيجة لوجود نقص في كادر المعلمين والمعلمات المحليين، قامت الجمعية، وفي العام 1886، بإنشاء دار المعلمين "ألسِمينار" وفيما بعد أنشئت دار للمعلمات في قرية بيت جالا. ودرس في هذه المدارس اكثر من 1074 تلميذاً وتلميذة منهم 577 تلميذاً و497 تلميذة. ولم ينحصر النشاط الروسي التربوي في فلسطين فقط بل امتد ايضاً الى لبنان حيث انشأت الجمعية خمس مدارس في بيروت في الفترة 1887-1897 .
وكان نشاط الإرساليات الدينية طريقاً آخر للتغلغل الأجنبي في الشرق العربي، كما انهم أرادوا بسط نفوذ الدولة التي ينتمون اليها وخدمة مصالحها الاستعمارية. مع ذلك، يجب التأكيد هنا على أن هذه المدارس التبشيرية المسيحية ساهمت في انتشار ورفع مستوى التعليم، وفي بعث اللغة العربية والتي أصابها ركود عميق لأكثر من ثلاثة قرون من هيمنة النظام العثماني المتخلّف. وكان لهذه المدارس دور رئيسي في إكساب العلم والمعرفة والوعي للعديد من المثقفين العرب ولذلك كان لها مساهمة مهمة في النهضة الأدبية والثقافية العربية كما وكان لها دور رئيسي في إذكاء الوعي القومي واليقظة القومية والتي بدأت تؤثر في قطاعات مهمة من عرب المشرق.
ومما ساهم في إحياء اللغة العربية وآدابها هو انشاء عدد من المطابع باللغة العربية. أنشئت المطبعة الاولى في لبنان في دير قزحيا سنة 1601. وفي الفترة 1733-1874 تم إنشاء 6 مطابع اخرى في سوريا كما وأنشئت مطبعة باللغة العربية في اسطنبول. اما في مصر، فأنشأ الفرنسيون في العام 1798 أول مطبعة عربية ولكنها أغلقت مع انتهاء الحملة الفرنسية وظلت مصر بدون مطبعة مدة عشرين عاماً. وفي العام 1821 أنشأ محمد علي باشا "المطبعة الأهلية" في بولاق. وبعدها تم إنشاء مطبعتين في مصر وذلك في العامين 1860 و1866.
وساهمت هذه المطابع في نشر العديد من المؤلفات الحديثة لكتاب عرب وكتب مترجمة لكتاب أجانب، كما وساهمت في إحياء التراث العربي القديم من خلال طباعته وتوفيره للمثقفين وللأجيال الشابة. كما وساعدت هذه المطابع في توفير الكتب المدرسية وفي إنشاء الصحف العربية، وبذلك، ساهمت في نشر المعرفة، وتطوير التعليم وبلورة الوعي القومي العربي.
قام بعض المثقفين العرب في العام 1847، مثل ناصيف اليازجي وبطرس البستاني وبعض المبشرين الأميركيين، بتأسيس جمعية "الآداب والعلوم". وكان نشاط هذه الجمعية مقتصراً على إلقاء المحاضرات وقراءة الأبحاث العلمية على مسمع من الاعضاء. وفي العام 1850 نشأت "الجمعية الشرقية" وكان اعضاؤها من العرب المسيحيين والمبشرين الاجانب.
أصدر السلطان العثماني، وفي العام 1856، مرسوماً بقضي بمساواة الطوائف الدينية كافة في الامبراطورية العثمانية وشكلت أجواء التسامح التي نشـأت بين الطوائف تربة خصبة لنشوء جمعيات عربية أخرى. ففي العام 1857 تأسست "الجمعية العلمية السورية" والتي وصل عدد أعضائها الى 150 مشكلين من الطوائف كافة، وترأسها لسنين عدة الامير الدرزي محمد ارسلان. ومما تجدر الاشارة اليه انه لم يسمح للمبشرين الأجانب بالانتساب الى هذه الجمعية.
وكان من بين اعضائها بطرس البستاني وناصيف اليازجي وأحد اولاده ابراهيم اليازجي. وفي إحدى جلسات الجمعية تلا ابراهيم اليازجي قصيدته الشهيرة "تنبّهوا واستفيقوا أيها العرب" ودعاهم للرجوع لماضيهم العريق من أجل تلمس الإيحاء بالمستقبل. وأدان في قصيدته شر الاحتراب الطائفي وسوء الإدارة في الحكومة العثمانية ودعى العرب السوريين ان يوحدوا كلمتهم وينفضوا عنهم نير الحكم العثماني. وأصبح الشطر التالي من قصيدته "تنبهوا واستفيقوا ايها العرب" شعاراً تحريضياً للوطنيين العرب كافة.
في العام 1876 توصل الى سدة الحكم السلطان عبد الحميد الثاني والذي عرف عهده بعهد الظلم نظراً لسياسة القمع والاستبداد التي مارسها ضد رعايا الامبراطورية وتحول عبد الحميد الثاني الى حاكم مطلق ذي سلطة غير متناهية في الامبراطورية. ومن اجل المحافظة على بقائه في سدة الحكم، قام السلطان عبد الحميد بتعطيل الدستور لمدة 31 عاماً. كما وخنق حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة وقام حتى بمنع اقتناء الكتب الأجنبية. وأحاط نفسه بمجموعة من المستشارين الأتراك والأكراد والعرب والذين تمّ تجنيدهم من بين الفئات الأكثر رجعية في الامبراطورية. كما وشجّع ظاهرة التجسس والوشاية ونشر المخبرين بين الناس. "… وكانت عيون الشرطة ترعى الحياة الاجتماعية برمّتها في الامبراطورية العثمانية…" . ويقال إنه في عهد السلطان عبد الحميد كان نصف أهالي العاصمة اسطنبول يتجسّس على النصف الآخر من سكان المدينة.
أدى القمع واسلوب الوشاية والاستبداد الحميدي الى هجرة جزء من خيرة المثقفين العرب الى مصر وأوروبا واميركا الشمالية. واستطاعوا وهم في المهجر أن يتمتعوا نسبياً بحرية التعبير عن آرائهم السياسية والاجتماعية وعن الطموحات الوطنية العربية. واقاموا، وبالأخص في الولايات المتحدة الاميركية، الجمعيات والمنتديات الادبية والصحف والمجلات وحافظوا على تواصل مع الوطن وقضاياه. وعرف إنتاجهم الأدبي في ما بعد بأدب المهجر. ومع ان القمع الحميدي نجح في محاصرة وهجرة المثقفين العرب، وعرقل بدوره انتشار الأفكار الوطنية، ولكنه لم يستطع القضاء عليها كلياً اذ بقيت جذوتها حية.
(ب) نشوء الجمعيات الوطنية العربية
لم يكن الاستياء العميق من القمع الحميدي مقتصراً على شريحة المثقفين العرب فقط بل انتشر أيضاً بين طبقات وفئات الشعب كافة من برجوازية كومبرادورية، وفلاحين، وحرفيين، وبرجوازية صغيرة والطبقة العاملة الناشئة. وقد أدّى القمع الحميدي الى زيادة حدة الاستياء من الحكم العثماني وإلى تبلور الوعي الوطني للمثقفين العرب. ودفعت هذه الأوضاع الصعبة المثقفين ذوي الوعي السياسي المتقدّم إلى تأسيس الجمعيات العربية الوطنية والسرية.
تأسست أول حركة وطنية عربية في العام 1875 عندما قام خمسة من المتخرجين من الكلية الانجيلية السورية في بيروت بتأسيس جمعية سرية عربية وترأس الجمعية كل من ابراهيم اليازجي وفارس النمر. وقام مؤسسوها بإنشاء فروع لها في كل من دمشق وطرابلس وصيداء والسويداء. وضمّت بين أعضائها الطوائف العربية كافة من مسيحيين ومسلمين ودروز. وكانت أهداف الجمعية ثورية وعربية وطنية. وقام مؤسسوها، ومن خلال أدبياتهم، بإدانة الحكم الاستعماري العثماني – التركي ودعوا السكان العرب إلى التمرّد والثورة وطرد المستعمرين العثمانيين عن الوطن العربي. وكانوا ينشرون آراءهم السياسية عن طريق اللقاءات السرية وعن طريق كتابة المناشير التي كانت تكتب يدوياً وبشكل جماعي وتوضع في نصوصها الأخطاء اللغوية عمداً من اجل ابعاد الشبهات عن مؤلفيها ويتم إنتاج عدد من النسخ باليد. وكان نشطاء الجمعية يقومون بالليل بإلصاق هذه النسخ على جدران المدن في كل من بيروت ودمشق وطرابلس وصيداء والسويداء. وكان الناس يحتشدون في الصباح أمام كل منشور حيث يقوم أحدهم بقراءة فحواه على مسمع الجميع إلى أن يلاحظ ذلك "الدرك" العثماني فيداهم التجمّع ويقوم بنزع المنشور واعتقال بعض الأشخاص الأبرياء.
وظهرت اوائل المناشير في العام 1880 وتميزت بالطابع التحريضي ودعت الشعب العربي في سوريا الى اليقظة من سباته والوحدة الوطنية ونبذ الخلافات والتمرد ضد نير الاستبداد العثماني. وفي المنشور الذي ظهر في ليلة 31/12/1880، قام أعضاء الجمعية بإدانة الحكم العثماني متهمينه بخنق اللغة العربية، وباغتصاب الحقوق العربية وبتجاوز قوانين الإسلام. ولاول مرة طرح في هذا المنشور برنامجاً سياسياً دعا الى تحقيق الاهداف التالية:
1. منح الاستقلال لسوريا موحدة مع لبنان.
2. الاعتراف بالعربية كلغة رسمية في البلاد.
3. إزالة الرقابة والعوائق الأخرى عن حرية التعبير ونشر المعرفة.
4. جعل خدمة الوحدات المجندة محلياً أن تتم داخل مناطق تجنيدهم فقط.
شكل هذا البرنامج مثالاً يحتذى من قبل عرب وطنيين آخرين كما ان الجمعية كانت رائدة في مجال حركة اليقظة العربية وحركة البعث القومي العربي، وقامت من خلال نشاطاتها وبرنامجها بوضع الأسس الاولى لجمعيات سرية عدة جاءت بعدها. مع ذلك، فان فكرة الاستقلال العربي عن الدولة العثمانية لم تكن قد تبلورت بعد. وكان المثقفون العرب في حينه لا زالوا يؤمنون بفكرة البقاء داخل الامبراطورية العثمانية وبإمكانية التوفيق بين الولاء العثماني والقومية العربية. ولكن تطورات سياسية لاحقة دفعت المثقفين العرب الى نبذ فكرة العثمانية والانحياز لفكرة القومية العربية وضرورة استقلال العرب.
عقد في العام 1907 مؤتمر في باريس حضرته كافة الجمعيات التي كانت تسعى لإسقاط نظام السلطان عبد الحميد. وقام الاعضاء الاتراك لجمعية "تركيا الفتاة" وممثلو القوميات الاخرى، ومن ضمنهم القوميون العرب، بتنازلات متبادلة. ووافق اعضاء "تركيا الفتاة" على منح القوميات الأخرى حق تقرير المصير السياسي والثقافي، كما اكتفى ممثلو القوميات الأخرى بالمطالبة بالحكم الذاتي والبقاء ضمن نطاق الامبراطورية العثمانية. كما تم الاتفاق بين الجميع على انتهاج أساليب كفاحية ومن ضمنها الثورة المسلحة. وفي العام 1908 استطاعت "تركيا الفتاة"، ومن خلال الجيش العثماني، الاستيلاء على الحكم وخلع السلطان عبد الحميد ونصب السلطان محمد الخامس.
ونشأ، في ظل الأجواء الديموقراطية والتقارب بين نظام "تركيا الفتاة" وبين القوميين العرب، حزبان: "الإخاء العربي – العثماني" وحزب "اللامركزية العثماني". ولكن التقارب بين القوميين العرب والأتراك سرعان ما تبدّد عندما بدأ اعضاء تركيا الفتاة باتباع سياسة قمعية وقومية ضيقة. فبعد تسلمه السلطة، ارتدّ حزب "تركيا الفتاة" عن مبادئه ووعوده وانتهج سياسة توفيقية مع الأوساط التركية الرجعية. وبدأوا بحملة اضطهاد سافر ضد الحركات القومية والثورية، فقاموا بمواصلة المذابح ضد الأرمن كما وأغلقوا المنظمات العربية ومن ضمنها حزب "الإخاء العربي – العثماني" ومنظمات قومية أخرى. وانتهجوا سياسة التتريك القسري للشعوب غير التركية. فاغلقوا المدارس القومية وأدخلوا اللغة التركية كلغة الدولة الرسمية والوحيدة في الامبراطورية العثمانية. ونتيجة لهذه التطورات السياسية بدأ الحكم العثماني يتحوّل ويتبدّل ليظهر كنظام سياسي تركي ضيق الأفق لا يرى القوميات الأخرى في الامبراطورية كشركاء في وطن واحد بل كأعداء يجب القضاء عليهم ومنعهم، بالحديد والنار، من التعبير عن طموحاتهم الوطنية والقومية.
إن فشل التقارب والتعاون العربي – التركي بسبب رجعية القوميين الأتراك، دفع بالقوميين العرب الى تبني الفكر القومي العربي والتخلي كلياً عن فكرة التعاون العربي – التركي. وظهر ذلك بوضوح في أسماء الجمعيات التي انشئت في تلك الفترة مثل المنتدى الأدبي (1909) والجمعية القحطانية (1909)، والجمعية العربية الفتاة (1911) وحزب اللامركزية الإدارية العثماني (1912) وجمعية العهد (1913) والنهضة اللبنانية والجمعية الإصلاحية.
شارك في إنشاء هذه الجمعيات والأحزاب قوميون عرب من المشرق العربي تبنوا فكراً قومياً عربياً وشمولياً بعيداً عن الاقليمية والقومية المحلية الضيقة. ونبعت دوافعهم من الواقع القمعي والمصير والثقافة العربية والتاريخ العربي، والاهداف في الانفصال عن نير الحكم الاستعماري التركي والتحرر منه؛ وجميعها عناصر مشتركة. وكانت يقظتهم قومية عربية وليست سورية او لبنانية او فلسطينية، فهذه كانت في نظر القوميين والنهضويين العرب مناطق جغرافية وليست سياسية. واليكم ثلاثة امثلة على ذلك.
المثل الاول: ألّف القوميون العرب في القاهرة وفي العام 1912، "حزب اللامركزية الادارية العثماني" ووصل عدد اعضائه الى 10 آلاف شخص وكانت له فروع في جميع المدن السورية والفلسطينية وفي أرجاء كثيرة من العراق. وعمل على الاعتراف باللغة العربية كلغة الدولة الرسمية وتعليمها في المدارس العربية بصورة إلزامية، كما بذل الجهود في انفصال الولايات العربية وتحوّلها الى أقاليم خاصة ذات استقلال ذاتي وحكومات محلية ومجالس اقليمية خاصة بها. وشرع حزب اللامركزية في القيام بنشاطات سياسية واسعة ونشر أعضاؤه الاعلانات والمناشير ونظموا الاجتماعات والتظاهرات واشاعوا الاغاني والاشعار الوطنية.
اما المثل الثاني: فهو "الجمعية الإصلاحية". تأسست "الجمعية الاصلاحية" في بيروت في العام 1913. طالبت هذه الجمعية بأن تعطى قضايا الادارة المحلية كلها لحكومة ولاية بيروت ذات الاستقلال الذاتي، وطالبت بألا يخدم المجندون العرب في ولاية غير ولايتهم وبالاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية تستعمل في البرلمان وفي السجلات الرسمية على مستوى اللغة التركية. ونشرت الجمعية أهدافها الإصلاحية وكان لها صدى استحسان في الاجتماعات الجماهيرية التي عقدت في دمشق وحلب وعكا ونابلس وبغداد والبصرة. وكان ردّ فعل السلطات التركية حلّ "الجمعية الاصلاحية" والقاء القبض على زعمائها. وأدت هذه الاجراءات القمعية الى اندلاع موجة من الاضرابات والنشاطات الاحتجاجية في بيروت وأنحاء أخرى من سوريا. ورضخت السلطات التركية فأطلقت سراح المعتقلين واصدرت قانوناً جديداً عن الولايات وسع الحقوق السابقة، ولكنه لم يحقق المطالب التي قدمها المصلحون وحزب اللامركزية. واثار هذا القانون موجة كبيرة من التظاهرات والاجتماعات الاحتجاجية التي جرت في كثير من مدن سوريا والعراق.
المثل الثالث: هو حملة القمع التركية وإعدامات القادة القوميين العرب والتي جرت في الفترة 1915-1916 حيث أعدم النظام الاستعماري التركي ضيق الأفق 800 شخصية قيادية عربية من اعضاء الحركة الوطنية التحررية من ارجاء سوريا الكبرى كافة. وكانت التهم الموجهة إليهم هي الخيانة العظمى والاتصال بالانكليز والفرنسيين والتحريض على الثورة. كما وتم اعتقال عشرات الآلاف من الوطنيين العرب من مثقفين ورجال الدين الشيعة والمسيحيين وافراد عائلات الوطنيين القياديين. وهلك في المعتقلات الصحراوية الكثير من المعتقلين من الجوع والمرض.
عكست هذه الجمعيات والأحزاب الوضع الجديد الذي نشأ وهو فقدان الأمل والأوهام في الهوية والانتماء العثماني للعرب وتعزيز الفكر القومي العربي والطموح الى الاستقلال التام عن الامبراطورية العثمانية التي حوّلها القوميون الأتراك الى امبراطورية تركية قمعية. ونضج التيار القومي النهضوي بعد خيبة الأمل التي وصلها القوميون العرب في تحقيق الاستقلال الذاتي والديمقراطية والمساواة ضمن إطار الدولة العثمانية. كما أن حملات القمع الشديدة التي نفذها جمال باشا ضد القوميين العرب وقيامه بشنق قادة التيار القومي دفع ببعض القوميين العرب الى تبني فكرة الثورة المسلحة ضد نير الحكم الاستعماري التركي.
لا شك في أن مؤثرات إعدام 800 قائد وطني عربي سوري كانت له آثار بالغة على الحركة الوطنية التحررية ومسيرتها في سوريا الكبرى. أهم هذه الاثار هو الحالة التي نشأت بعد الإعدام وهي انعدام وجود قيادة متمرسة لتقود النضال التحرري ضد الاستعمار التركي -العثماني وبعدها ضد الاستعمار الأوروبي الذي كان يتربّص لدخول سوريا. وهذا بدوره أضعف الحركة الوطنية وأدى لنشوء فراغ قيادي سرعان ما تمت تعبئته بقيادات رجعية متعاونة مع الاستعمارين البريطاني والفرنسي. فقام المستعمرون البريطانيون برعاية وتعيين الشريف حسين، المقيم في مكة، ليقود ما سمي بالثورة العربية الكبرى، والتي تم توجيهها من قبل رجل المخابرات البريطانية لورنس وذلك لكي تخدم المصالح الاستعمارية البريطانية. وتم تعيين اولاد الشريف حسين كملوك عملاء للاستعمار البريطاني مثل ملك العراق، وسوريا. وتم إنشاء كيان سياسي جديد عرف بإمارة شرق الاردن وتم تعيين الامير عبدالله، أحد ابناء الشريف حسين، كملك على هذه الإمارة. وكان الهدف من اقامة امارة شرق الاردن هو خلق دولة حاجزة أخرى لتحمي المشروع الاستعماري الصهيوني. وتم تعيين رجل المخابرات البريطانية جلوب باشا قائداً لجيش هذه الامارة. وجدير بالذكر أن جلوب باشا قاد الجيوش العربية في حرب 1948-1949 ضد العصابات الصهيونية. وبقي جلوب باشا، ، قائداً عسكرياً للجيش العربي الأردني حتى العام 1957.
خلاصة
وهكذا نرى أن فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين ولدت كفكرة استعمارية وليست كحل لمشكلة اليهود أو للمسألة اللاسامية كما يدّعي الصهاينة والمستعمرون الأوروبيون. كما ان فكرة الدولة اليهودية في فلسطين لم تكن وليدة الحركة الصهيونية او فكرة اصيلة للزعماء الصهاينة أمثال ليو بينسكر او ثيودور هرتسل. جاء طرح فكرة إقامة دولة يهودية حاجزة في فلسطين قبل أن يتبنى الفكرة ذاتها ثيودور هرتزل بـ 97 عاماً وجاءت قبل ولادة هرتزل ذاته بـ 61 عاماً. لقد طرحت فكرة إقامة الدولة اليهودية لتكون بمثابة قاعدة استعمارية للدفاع عن خطوط التجارة غير الآمنة وللمحافظة على المصالح الاستعمارية الأوروبية في العالم العربي وفي الشرق بشكل عام. كما ان فكرة اقامة الدولة اليهودية في فلسطين جاءت لفصل المشرق العربي عن المغرب العربي ولكي تمنع وحدة العالم العربي ولكي تمنع وحدة الامة العربية. فالدولة اليهودية منذ البداية كانت ولا زالت دولة استيطانية، استعمارية، ووظائفية تقوم بخدمة الاستعمار الغربي الذي يقوم بدوره بتسليحها وبدعمها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وإعلامياً.
المراجع
المراجع العربية
• بار، غبريئيل (1971) مقدمة لتاريخ العلاقات الزراعية في الشرق الاوسط 1800-1970، المجلد الموحد، لا ذكر لمكان النشر ولا للناشر.
• لوتسكي، فلاديمير (1975) تاريخ الأقطار العربية الحديث (موسكو: دار التقدم).
• مناع، عادل (1999) تاريخ فلسطين في اواخر العهد العثماني 1700 – 1918 (بيروت . مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
• غوجانسكي، تمار (1987) تطور الرأسمالية في فلسطين، (تونس: دائرة الثقافة – منظمة التحرير الفلسطينية).
• سعد، احمد (1985) التطور الاقتصادي في فلسطين (حيفا: دار الاتحاد للطباعة والنشر).
• دوماني، بشارة (1998) إعادة اكتشاف فلسطين (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
• المحافظة، علي (1987) الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة 1798 –1914 ( بيروت: الاهلية للنشر والتوزيع).
• زيدان، جرجي (بدون تاريخ) تاريخ آداب اللغة العربية، الجزء الرابع، (القاهرة: دار الهلال).
المراجع الانكليزية
• Grannot, A. (1952) The Land System In Palestine (London: Eyre and Spottiswoode);
• Antonius, George (1965) The Arab Awakening (New York: Capricorn Books);
• Baumgart Winfried (1982) Imperialism (Oxford: Oxford University Press);
• Hayamson Albert M (1918) British Projects for the Restoration of Jews to Palestine. Philadelphia;
• ________ ______ (1939) The British Consulate in Jerusalem (1839-1914) 2 vols. London;
• Jabbour George (1970) Settler Colonialism in Southern Africa and the Middle East (Beirut: PLO Research Center);
• Leon Abram (1970) The Jewish Question (New York: Pathfinder Press);
• Major J. Russell (1966) The Western World (Philadelphia and New York: J.B. Lippincott Co.);
• Margalith Israel (1957) Le baron Edmond de Rotschild et la colonization juive en Palestine 1882-1889. Paris
• Marx-Engels (1953) On Britain (Moscow: Progress Publishers);
• Parkes James (1970) Whose Land? (Middlesex: Penguin Books);
• Sherif Regina (1983) Non-Jewish Zionism (London: Zed Press);
• Stevens Richard P. (1972) Zionism And Palestine Before The Mandate: A Phase Of Western Imperialism (Beirut: The Institute for Palestine Studies);
• Weinstock Nathan (1979) Zionism: False Messiah. Translated and edited by Alan Adler. (London: Ink Links);
• Sidebotham Herbert (1918) “British Interests in Palestine” England and Palestine: Essays Towards the Restoration of the Jewish State (London: Constable and Company Ltd.) as in Khalidi, Walid (1987) From Haven To Conquest (Washington: Institute of Palestine Studies);
• Scholch, Alexander (2006) Palestine in Transformation 1856-1882 (Washington D.C.: Institute for Palestine Studies);
• Shaw, Stanford J. and Shaw, Ezel Kural (1977) History of the Ottoman Empire and Modern Turkey (Cambridge: Cambridge Books).