الحركة الثقافية وريادة الكلمة
بشير حسن بدور *
لا بد للحركة الثقافية ان تستمر في رسالتها من خلال ثقافة الكلمة، ثقافة المعرفة، ثقافة الحوار ، ثقافة الفن والانتماء، وثقافة الحرية والمواقف الوطنية. تؤمن بالكتاب طريقاً الى تحديات الجهل وسبيلاً الى التقدم، تؤمن باللحن والنغم غاية تساعد النفس على امتطاء المواقف الانسانية ونكران أنا الانانية وترحل عن سمائه غربان الجهل، وثقافة التفكك والتبعية وترفض قيود الواقع لتعود وتبني واقعاً جديداً يليق بإنسان الثقافة والمعرفة. أحرف وكلمات دوّنت على أمواج تلك الصفحات البيضاء التي جمعت وتلاحمت مع بعضها لتكوّن البيت المعرفي والعلمي في كتاب يبتسم لصاحبه كلما تداوله وقلبه بين يديه.
لقد نسي الكثيرون مساحة التفاعل الإنساني عبر مكوناته كافة في إطار الديموقراطية، وحقوق الإنسان وقبول الآخر. هؤلاء الذين انجرفوا في محاور القوى المذهبية المتحاربة تحت عناوين مختلفة، من الشواطئ الشرقية للمتوسط إلى شواطئ الخليج العربي، والتي أطاحت بالمفاهيم الوطنية والقومية واسقطت أحلام النخب العربية بالوحدة والحرية. وآمال الحرية والديمقراطية في سوريا، تحولت الى حرب مذهبية مهما حاولت هذه القوى وضع عناوين لها وتبريرات، فنتيجتها واحدة هي المزيد من الدمار والدماء والحقد المتراكم على مدى أربعة عشر قرنا، بالإضافة إلى تفكيك المنطقة وتفتيتها إمارات أو دويلات مذهبية خدمة للدولة اليهودية.
وكانت أبرز النتائج التي حققها هذا الانجراف الفكري هو ظهور جيلٍ مجردٍ من حسّه الثقافي، فلا يتقن استخدام لغته، ولا يتقن التعبير بها، ولا يتقن تطويرها وتطويعها، بل ولا يؤمن بقدراتها وإمكاناتها العلمية، وبذلك بدأت صلته الروحية والعاطفية بها تتآكل، في مقابل تقوية صلته باللغات الغازية أو بِلغات المستعمرين، ثم تساقطت على إثر ذلك المنتجات التقليدية للثقافة، فانزوى الكتاب العربي إلى هامش الصراع، وتضاءلت تأثيرات القيم والعبادات الدينية والأعمال العلمية والأدبية والشعر والأهازيج والأمثال والقصص الشعبي والأزياء والأطعمة والهوايات والأدوات والفنون، وربما كانت الفنون هي أكثر المنتجات الثقافية تأثرًا، فتم استيراد العمل السينمائي والمتلفز والموسيقى والغناء والرقصات، وتأثر الفن عمومًا بالمدارس الثقافية الأجنبية، حتى لم يعد للفن العربي الإسلامي الحديث مدرسة تميزه وتنشره وتعولمه.
ومن منطق الوعي والادراك وفهم مخاطر الواقع ومدى امكانية الاصلاح والنهوض اكد الدكتور لؤي زيتوني في دعوة صريحة من أجل حركة ثقافية جديدة للتغير والنهضة قدم من خلالها مشروعا نهضويا يوضح قائلا: فهجمة العولمة التي تبتلع الأمم وتمتصّ خيراتها وإمكاناتها باثّةً فيها مفاهيم وأفكاراً تضليليّة وانهزاميّة استطاعت أن تُغرق فئاتٍ واسعةً من شعبنا في عمليّة التّخلّي عن روحيّتنا وقيمنا وتراثنا، لا بل والتّسليم لأعدائنا بالكثير من حقوقنا. إضافةً إلى الغزو الهمجيّ للأفكار السّلفيّة التّكفيريّة التي عملت على تشويه ما في نفسيّتنا من حقٍّ وخيرٍ وجمال، والتي سعت إلى تشتيت مجتمعنا وتقسيمه أفقيّاً وعموديّاً. وذلك في ظلّ غيابٍ تامٍّ لمشروعٍ ثقافيٍّ نهضويٍّ يهدف إلى الوقوف سدّاً منيعاً في مواجهة تلك الهجمات.
على أن هذا يترافق مع حضور إمكاناتٍ ثقافيّةٍ مشتّتة، تحتاج إلى أنّ تصبّ جهودها مجتمعةً في سبيل نهضةٍ ثقافيّةٍ عامّةٍ تستهدف قيامة المجتمع وإخراجه من وحول الانحطاط. (تحولات العدد 89 )
إن ّللحركة الثقافية دور الريادة في تفعيل النشاطات الثقافية وتسليط الضوء على بواكير الأعمال الفكرية، وتجييش الطاقات البشرية لتغذية القدرات الإبداعية .
إن تغيير الوجه الديمغرافي لمجتمعنا خطورة أقرت منذ العام 1980 وبتكليف من وزارة الدفاع الأميركية، بدأ المؤرخ الصهيوني برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية، وتفتيت كل منها إلى دويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية. وفي العام 1983 وافق الكونغرس الأميركي، بالإجماع، في جلسة سرية على مشروع الدكتور برنارد لويس. وفي العام 2007 نشر رالف بيترز، في مجلة القوات المسلحة الأميركية، مقالا عنوانه “حدود الدم” يطرح تقسيم العالم العربي، وكذلك اعترف قائد القوات الأميركية ويسلي كلارك بوجود تلك المخططات. من الواضح أن ثمة إرادة صهيونية بتفكيك المنطقة، والسؤال: إلى أي حد يستطيع النسيج العربي أن يصمد في مواجهة تلك الإرادة؟ وإلى أي حد تنفذ السياسات الدولية الفاعلة، أو تعارض تلك المخططات الخطيرة في أبعادها ونتائجها؟
ويبقى السؤال دائماً من السائل: هل للحركة الثقافية أثر في مجابهة هذه المشاريع التوسعية التخريبية؟ نقول: نعم إن الحركة الثقافية ومنذ البداية قد مارست حراكها الثقافي دفاعا عن المصالح الوطنية العليا للشعب والوطن، دفاعا عن الحرية بما يضمن توسيع خيارات الناس وحماية جوهر التنمية.
دفاعا عن العدالة الاجتماعية وحق كل مواطن في الصحة والتعليم والسكن والعمل والغذاء والدواء ضمن بيئة نظيفة وجميلة ومنظمة. واكدت ادانة الارهاب والتفجير والعنف الأعمى الذي يقتل الاطفال والنساء وتدين الخطف والاعتقال والتعذيب للأبرياء.
في مواجهة هذا الواقع نجد أن من واجب النخب الثقافية السعي إلى تطوير خطاب بناء غير اقصائي. وأن تجتهد في ايجاد الجوامع المشتركة بين جميع القوى للخروج من حالة الانهيار والتراجع والتخلف وإقصاء الآخر الى مرحلة متكاملة القواسم الأيديولوجية البناءة والتحفيز المستمر من النخب الثقافية على تنشيط العقول وراء مجتمع يفتخر ابناؤه بثقافتهم وحضارتهم والمطلوب أيضا ان تسعى النخب الثقافية إلى الضغط من اجل مواجهة كل انواع الاستبداد والقمع والفساد والاستهتار بالحريات وحقوق الإنسان.
في ضوء حركة ثقافية جديدة"
د. نادين طربيه حشّاش
قرأتُ مقالاً كتبه د. لؤي زيتوني في مجلة "تحوّلات"، عنوانه "نحو حركة ثقافيّة جديدة للتغيير والنّهضة"، فتزاحمت الأسئلة على الفور في ذهني بعد أن راودني العطش عينه، عطش أهل القلم إلى طوفان نوحيّ يقلب معادلة الواقع من السّخافة إلى الرّؤيا. نعم نحن في أمسّ الحاجة والحنين إلى ذاكرتنا وإلى غدنا، علينا أن نشتاق لجرأة الذين سبقونا وأن نتمسّك ببناء الغد لأجيال بات بينها وبين الثقافة والأدب والفنون جفاءٌ ملطّخ بالجهل.
ولكنّ الأسئلة تنمو وتتكاثر… كيف لنا أن نعيد اللّحمة بين انسان اليوم والرّقي الفنّي الثّقافيّ؟ كيف لنا أن نقنع جيل السّرعة والإنترنت والأفلام الثّلاثيّة الأبعاد إلى حاجته إلى مطالعة كتاب أو حمل قلم؟ هل تكفي الأمسيات الشعريّة الّتي انتشرت عبر المناطق لجذب الأجيال نحو آفاق جديدة؟ قد أُسأل: "وما دخل الأجيال الصّاعدة في بناء نهضة أبرز ما تحتاج إليه رجالات فكر ومعرفة لتوجيه الفكر الحضاريّ وبنائه؟".
مخطئ من يظنّ لوهلة أنّنا نقدر أن نسير في هذا العصر في مخطّط ثقافيّ يحمل سمات الثّورة البنّاءة، ونصل به إلى برّ الأمان، إذا لم نتشارك الحلم والتنفيذ مع الطّاقات الشّبابيّة أوّلاً! من أين نبدأ؟ سأجيبكم: "من المدارس!" علّموا أطفالكم تذوّق الشعر والفنون منذ الصّغر… وتابعوهم في المدارس والجامعات.. بعدها سنقدر كأهل فكر وأصحاب قلم على إنشاء نهضة: جيشها أدمغةٌ شابّة، وعتادّها تعلّق الثقافة والرّقيّ، وحلمها الإنسان الذي لا يكلّ من البحث عن ذاته العظمى.
نريد حضارة تشبهنا فلنبنِ من القعر نحو السّماء وإلّا ستبقى أحلامنا مسطّحة وتذوي تحت عجلات عصر السّرعة وتدفن معها حضارة كانت تستحقّ ان تُحيا…
يمكنكم قراءة مقال الدكتور لؤي زيتوني" نحو حركة ثقافية جديدة للتغيير والإصلاح"، خلال الضغط على الرابط التالي:
http://tahawolat.net/MagazineArticleDetails.aspx?Id=745&Magazine=1