كانت «تحولات مشرقية» قد عرضت، في افتتاحية العدد الثاني منها، لبعض المصطلحات المتداولة على كل شفة ولسان، مثل مصطلح «العقوبات الاقتصادية»، مصطلح «الضربة العسكرية» و«الخروقات».
فدعت إلى أن هناك حاجة إلى وجوب تصحيحها، إذ إن المصطلح كما الشعار، كما المثل الشائع، يؤثر في عقل الانسان، فيوجهه. ومن هنا خطورة استخدام، أو المضي باستخدام، مصطلحات خاطئة تقود مباشرة إلى توليد قناعات خاطئة واستنتاجات خاطئة، وهنا الطامة الكبرى فيضيع الانسان ويُضيع غيره.
في العدد الحالي سوف نتناول مصطلحين، الأول موجود ومستخدم بشكل مفرط، والثاني غير مستخدم ولكن لابد من إدخاله إلى دائرة الضوء والتركيز عليه.
مصطلح «الحرب على الإرهاب». هذا المصطلح يجب أن يُسحب من التداول فهو وفي الصيغة التي يستخدم فيها، مصطلح ينضح بالكذب والنفاق لكون الولايات المتحدة الامريكية هي التي أطلقته، وهي التي تديره وهي التي توجه مسيرته وتحدد هدفه.
فالولايات المتحدة كدولة سلوكها كله إرهاب، فهي دولة في حالة حروب مستمرة وكلها حروب عدوانية. والاعلام التابع للولايات المتحدة، سواء كان داخل أراضي هذه الولايات أم خارجها، والذي يُروج لمصطلح «الحرب على الإرهاب»، هو في واقع الحال إعلام دعائي – حربي، يقلب الحقائق رأساً على عقب. وهو إعلام يسير في خطٍ موازٍ لخط الاعلام الدعائي – التجاري القائم على تفريغ عقول البشر وتحويل الفرد من مواطن – مسؤول إلى مستهلك مُوجَّه.
هكذا تتم شيطنة «الخصم» وتزيين وجه «الذات». والاسلوب المعتمد في هذا السياق يقضي في جزء منه، بأن تُوصم الولايات المتحدة خصومها بالصفات السيئة التي يتصف بها سلوكها هي. وموضوع الارهاب هو المثال الأبرز على هذه الخديعة الفظيعة.
فالولايات المتحدة تقود أوسع تحالف داعم للإرهاب الدولي وتشن بواسطته هجوماً مفتوحاً في المدى الزمني، لتدمير «سورية المقدسة». دائماً باسم الحرب على داعش والحرب على الإرهاب. والأخطر من كل ذلك أن الحدث بذاته، يُضاف إليه «اعترافات جو بايدن»، لم يُثيرا ردود الفعل الملائمة من قبل القوى الرافضة لهذه الحرب، الأمر الذي يُشجع الولايات المتحدة على المضي قُدماً في نهج الاستباحة والارهاب، بتشكيله المنظم والعشوائي، مما يعكس درجة احتقار واشنطن للعالم أجمع.
لذا، لايجوز للأحرار أن يستخدموا مصطلح «الحرب على الإرهاب» لأنه مصطلحٌ كاذب بالمطلق، ناهيك عن كونه مصطلحاً «أورولي»، نسبة لـ «جورج أورويل» الذي كان قد توقع منذ عشرات السنين ظهور الخطابات السياسية الكاذبة كالتي نحن في صددها الآن، نعاني منها… فنختنق في المصطلح.
لايوجد شيء اسمه «الحرب على الإرهاب»، فهذا المصطلح – الشعار تلجأ إليه الولايات المتحدة كلما أرادت تنفيذ عدوان على شعب آمن. إن مجرد وجودها في أي تحالفٍ يفقد هذا التحالف أي بُعدٍ اخلاقي أو حقوقي، ويجعله حالةً معادية للانسانية وللسلام الدولي.
فتدمير الشعوب يتم باسم «الحرب على الإرهاب»، وتلويث البيئة، إلخ… فأي نقاش لهذا الموضوع هو بمثابة مضيعة للوقت وتبديد غبيٍّ للطاقة العقلية.
فـ «الحرب على الإرهاب» كما تطرحها واشنطن هي في واقع الحال، حربٌ عدوانيةٌ في مكان ما.
مصطلح «حروب تدمير المجتمعات». إن هذا المصطلح، بقدر ماهو واقعي وحقيقي وملموس ومحسوس، بقدر ما هو مجهول أو في أحسن الأحوال، مهمل. والأداة التي تستخدمها واشنطن لتدمير المجتمعات كما يحصل في «سورية المقدسة»، بل وفي «سوراقيا» عموماً، وفي ليبيا، هذه الأداة تتمثل بزرع التوحش في البلد المطلوب تدميره.
هذه حقيقة دامغة نعيشها بألمٍ شديد ليس كمثله ألم. إن الولايات المتحدة ومن خلفها حلف شمال الأطلسي وكيانات أخرى تابعة، تصنع وتنتج وتصدر وتمول المنظمات الارهابية المتوحشة، وتقوم بإيهام الأغبياء في العالم بأنها – أي واشنطن- ودول أوروبا، تخاف من هؤلا الوحوش. فبواسطة منظمات التوحش يصار إلى تدمير بلادنا من دون حاجة إلى نزول جيوش الأطلسي إلى البر.
و «حروب تدمير المجتمعات» هي من نوع الحروب الجديدة التي لاتتوقف بهزيمة أو استسلام أحد المتحاربين الأساسيين، كقوات الدولة التي تتعرض للعدوان، أو كبرى التنظيمات المقاتلة لها.
ففي الماضي كانت الحروب تتوقف بهزيمة الجيوش، والدول، أما حروب تدمير المجتمعات فتستمر. إلى متى تستمر؟… والجواب: تستمر إلى ما شاء الله. وهنا بالذات نقطة في غاية الأهمية إذ إن من خصائص حروب تدمير المجتمعات أنها مفتوحة زمنياً، أي يُفترض بها أن تستمر إلى ما لانهاية بحيث لايتوقف التدمير.
المفكر المرموق الأستاذ «يوسف الأشقر» كان هو أول من استشرف هذا النوع من الحروب، وحذر منها ومن التداعيات التي يحملها زرع التوحش في بلادنا. لكن، وكالعادة لم يشأ أحد الاستماع إلى هذا التحذير.
واليوم إن مصطلح «تدمير المجتمعات» ملازمٌ لإلغاء مصطلح «الحرب على الارهاب». فلنتأمل بعمق كيف تجري عملية زرع التوحش في بلادنا. وهذا نتاج مشترك غربي- شرقي. والبطون التي أولدت هذه الوحوش مازالت خصبة.