100
"الغرب قاتلٌ، كاذبٌ، سارقٌ" كما يقول المفكر واللاهوتي الكبير الأب الياس زحلاوي.
هو قاتلٌ لأن تاريخه حافل بالحروب العدوانّية. يجلد الشعوب، يُدمر المجتمعات، يُذل الأمم، يستبيح الثقافات، يتجاهل الحضارات، ولا تعرف شراهته الاكتفاء أو التوقف.
وهو كاذبٌ، لأنه يحيط عدوانيته بشعارات نبيلةٍ، مثل "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" ووقف "الجرائم بحق الإنسانية" و"محاربة الإرهاب"… إلخ… وذلك بقصد إقناع الشعوب الأوروبية بوجوب دعم الحملات الاستعماريّة. أي أن الحكام الأوربيون يخدعون شعوبهم ويوقعونهم في الأفخاخ ويختلقون أعداء وهميين لإخافتهم من "الأخطار القادمة من الخارج" فيستسلمون لسياسة الحكام وينقادون خلفهم كالقطعان.
وهو سارقٌ لأنه لا يكتفي بنهب ثروات ضحاياه، من دول وشعوب، في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مسارح تمدده الاستعماري ومجازره الرهيبة المتواصلة منذ مئات السنين والمستمرة، اليوم.
ما من عنوانٍ مستخدم بشكلٍ وسخٍ مثل عنوان "الإرهاب".
وما من كذبةٍ شائعةٍ في العالم مثل كذبة… محاربة الإرهاب.
دول حلف شمال الأطلسسي، بقيادة الولايات المتحدة، تشكل الجوقة المروّجة، على المستوى الدُولي، لهذه الكذبة التي باتت تتحكم في العديد من مفاصل العلاقات الدُوليّة.
لابد هنا من أن نتوقف للحظة، للإشارة إلى أن الحلف الأطلسي هو، بذاته، احتلال عسكري – أمني أميركي للدُول الأوروبية، بالإضافة إلى مهام رئيسيّة أخرى أبرزها تطويق روسيا والصين اليوم كما الاتحاد السوفياتي بالأمس، في زمن المعسكرين.
الحروب الصليبية جذور الإرهاب الأطلسي:
جذور هذا الإرهاب الأطلسي تتمّدد في أعماق التاريخ، وصولاً إلى نقطة انطلاقه، على المستوى الدُولي، قبل 1000 سنة مع الحروب العدوانيّة الأوروبيّة التي حمّلها البرابره عنوان "الحملات الصليبية"، بقصد إعطاء مشروعيّةٍ دينيّةٍ لاستباحة بلادنا، مهد الحضارة الإنسانية، وتدميرها ونهبها، وهو أيضاً سارقٌ للعقول الهاربة أو المهربة من بلادها بحثاً عن ملاذٍ آمن في "الفردوس الغربي"، ثم تستحيل بعض هذه العقول، يالسخرية القدر، إلى أدوات في ترسانة الفتك بأوطانها الأصليّة. والأمثلة على ذلك لاتحصى ولا تعدّ.
"الحروب العدوانية" نهج متواصل تعتمده الدول الاستعماريّة ولا تقبل بوصفه بـ"العدوان" بل تُصرّ، ومن منطلق مصلحي خبيث، على إلصاق تهمة العدوان بمن تعتبره عدوّاً، وفق الظروف والمشاريع الاستعماريّة، وتقيم فارقاً بين هذه الحروب و"الإرهاب" الملازم دائماً للأعداء على اعتبار أن دول الاستعمار هي دائماً على حقٍّ وضحاياها دائماً في قفص الإتهام.
وعليه، ترفض المنظومة الأطلسيّة إجراء أي حوار مع ضحاياها أو مشاريع ضحاياها إذا كان الغاية من الحوار إعطاء تعريف للحرب العدوانية أو للإرهاب يصلح لأن يشكل قاعدة قانونيّة واحدة تطبق على جميع الدول والتجمعات والتنظيمات والأفراد بقصد توحيد المعايير بين معاقل "الرجل الأبيض" و…"الآخرين" أو بين الشمال الغني والجنوب الفقير. وفي هذا السياق يتم التلاعب بالمقاييس، كأن يصوّر المجرم على أنه ضحيّة، والضحيّة مجرم وإرهابي. وهكذا يرفض منطق "الرجل الأبيض" التمييز ما بين المقاومة والإرهاب، وهذه قصة طويلة معروفة.
وفي سياق عدم توحيد المعايير يمكن الاكتفاء بمثلين، من آلاف الأمثلة:
محكمة "نورمبرغ":
الحرب العدوانية هي الجريمة الدُولية الأرفع
عند إجراء محاكمة "نورمبرغ" الشهيرة، لمعاقبة مجرمي الحرب النازيين، تميز الحكم الصادر عن المحكمة بسويةٍ رفيعةٍ، إنسانياً وقضائياً، على مستوى الفقه والاجتهاد. فلقد أقرّ الحكم بحق الجندي، أي جندي، في أي جيش، عصيان أوامر رؤسائه إن لم تراع الأصول الإنسانيّة في تنفيذ الأمر العسكري. ومن جهة ثانية، تضمنت الفقرة الحكميّة تحريماً لأي حربٍ عدوانيّة واعتبارها بمثابة "الجريمة الدوليّة الأرفع"، أي أعلى درجات الإجرام، وهي غير قابلة للتقادم، كجرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانيّة…إلخ…
حصلت الدول الحليفة على ما تريده من المحاكمة، خصوصاً ما له صلة بإعدام العديد من كبار القادة النازيين، ثم رفضت بعد ذلك احترام الاجتهاد القانوني، تحديداً في ما يخصّ تعريف الحرب العدوانية وحظرها. والسبب الكامن وراء هذا الموقف معروف إذ أن كافة الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة، وخلفها الدول الاستعمارية الأوربيّة، هي حروب عدوانيّة ينطبق عليها تصنيف "الجرائم الدولية الأرفع" الأمر الذي يستوجب إحالة قادة هذه الدول أمام المحاكم الجنائية الدولية. بمعنى آخر، لو جرى احترام هذا الاجتهاد القانوني لشكَّل ذلك تأطيراً سليماً للعلاقات الدوليّة، ولجرى، على سبيل المثال وليس الحصر، إحالة جورج بوش الإبن وطوني بلير، وغيرهما، أمام محكمة الجنايات الدوليّة بسبب الحرب على العراق وغير العراق، ولجرى إحالة أوباما وساركوزي وهولند وأردوغان، وغيرهم، أمام محكمة الجنايات الدوليّة بسبب الحرب العدوانية على سورية والعراق واليمن وليبيا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ترامب وماكرون وتيريزا ماي وآخرين هذا دون الحديث عما فعله جورج بوش الأب وكلينتون وغيرهما من القادة الأوروبيين في العديد من الدول الإفريقية….
لكن محكمة الجنايات الدولية وجدت لمحاكمة من يتمرّد على إرادة البيت الأبيض ليس إلاّ وبالتالي لم تنوجد أصلاً لمحاكمة أيٍّ من قادة دول الحلف الأطلسي. والحقيقة أن جرائم أصغر ديكتاتور من المستبدين بشعوبهم، في أصقاع الكرة الأرضيّة كلّها، لا توازي جرائم حكّام الدول الأطلسيّة، بيد أن عدم توحيد المعايير وقانون القوة العمياء يحمي هؤلاء وأذنابهم من المستبدين في دول "العالم الثالث" ويطارد المتمردين على عدوانيّة السياسة الأطلسية.
بعد موضوع الحرب العدوانيّة، أُمُّ الحروب، تبرز جريمة الجرائم ضد الإنسانية ومفخرة الجرائم الاستعماريّة، جريمة احتلال فلسطين واستباحتها بالمجازر والإبادة المتواصلة منذ سبعة عقودٍ من الزمن وقيام أخطر أنواع النظم العنصريّة المتوحشة.."إسرائيل"، هنا، في هذه القاعدة العسكرية التابعة للاستعمار، يوجد ويستخدم كل أنواع أسحلة الدمار الشامل، والمجازر والمظالم، بغطاءٍ ودعمٍ وحمايةٍ ورعايةٍ من دول الاستعمار آنفة الذكر. تبقى في منئى من أية ملاحقة. وجودها بحد ذاته يجسّد أخطرّ ما يمكن أن يبلغه الانحطاط البشري والتوحش. فعن أي "إرهاب" يتكلمون؟؟؟…!!!…
من ينصر هذا النظام الصهيوني، أو يجد تبريرات لسلوكه أو يحميه أو يسكت عن إرتكاباته، شريك في إرهابه. الموقف من "إسرائيل" هو المقياس في تحديد إنسانية البشر أو توحّشهم.
وأمّا المنظمات الإرهابية التي تصول وتجول، في فصل "الربيع العربي"، من داعش والنصرة وفتح الإسلام وجيش الإسلام وجند الشام والزنكي والسلطان مراد الأردوغاني وسواها فلقد اعترف العديد من قادة دول الحلف الأطلسي أنّها من صنع أيديهم ومن نتاج أجهزة دولهم. وأبرز المعترفين بهذه الحقيقة الدامغة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مراراً وتكراراً إبان حملته الانتخابية الرئاسية، ونائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في مداخلةٍ له في جامعة هارفارد بتاريخ 4 تشرين الأول 2014، حين قال بصريح لسانه:"إن حلفاءنا يسلّحون ويمولون المنظمات الإرهابيّة. إنهم المملكة السعوديّة وقطر والإمارات وتركيا"… ناهيك عن اعترافات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وغيرها وأبرزهم رجب طيب أردوغان الذي وجّه الاتهامات مباشرةً إلى العديد من دول الاتحاد الأوروبي، على غرار الاتهامات المتبادلة ما بين قطر والسعودية بمناسبة الخلافات بينهما…إلخ…
حين فبركت استديوهات "ميديا ست -" MEDIA SAT" وجه بن لادن لتسويق تهمة الإرهاب
ومن النوادر الواجب ذكرها، في سياق الحديث عن الإرهاب وتصنيعه، ما كشف عنه الرئيس الايطالي الأسبق فرانشيسكو كوسّيغا في بيان له نشرته بعض أجهزة الإعلام الإيطاليّة، مثل صحيفة "كوريري ديلا سيرا" في عددها الصادر بتاريخ 30 تشرين الثاني 2007، حين قال: "إن أجهزة الاستخبارات الغربيّة، وكذلك الحكومات تعرف جيداً أن جهازي "سي آي إي" الأميركي و"الموساد الإسرائيلي" هما اللذان نفذا حادثة برجي مركز التجارة العالمي في 11 أيلول 2001، في نيويورك". وأكثر من ذلك، لقد كشف الرئيس كوسّيغا أمراً خطيراً وهو أن رئيس الحكومة الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني حين كان على أبواب الانتخابات العامة، وتبين له أن سيخسرها، أمر مؤسسته الإعلاميّة "ميدياست" بفبركة مقابلة مع شخصيّةٍ مزورةٍ لأسامة بن لادن ضمّنتها اعتراف من الأخير بالمسؤولية عن تدمير البرجين ثم انتقل إلى التهجّم على شخص برلسكوني ممّا أكسب الأخير تعاطفاً من الناخبين، وتم إرسال التسجيل إلى شبكة "الجزيرة" التي بثته على أساس أنه مقابلة مع بن لادن!!!… هذه فكرة عن مستوى الكذب عند القادة الغربيين، المغالين بأطلسيّتهم، عند تناولهم لموضوع "الإرهاب الدولي".
لو لم يكشف رجل بمستوى الرئيس كوسّيغا عن هذين الأمرين لكانت تهمة "الهَوَسْ بنظرية المؤامرة" قد لاحقت من يجرؤ على الإعلان عن هذه الحقيقة. إن فضح عملية تزوير شخصية بن لادن كفيلة لوحدها بأن تقضي على أي صدقية لقادة الدُول الأطلسية في كل ما له علاقة من قريب أو من بعيد بموضوع "الإرهاب" وعن رغبة الغرب الأطلسي في محاربته، وأي كلامٍ أو سجال في هذا الموضوع هو مجرد مضيعةٍ للوقت، لا بل مشاركة عن قصد أو عن جهل في الترويج لهذا النوع من الأكاذيب التي باتت تتحكم، كما أسلفنا، في العديد من مفاصل العلاقات الدُولية لا سيما وأن موضوع "مكافحة الإرهاب" يُشكل رُكناً من أركان ما درج الأطلسيون على تسميته بـ"المجتمع الدُولي" الذي هو بدوره، كعنوان وجهٌ من أوجه الكذب والخداع. ولابد من التذكير هنا، بما سبق لنا ان أشرنا إليه مراراً وتكراراً عن هذا المصطلح المخادع وذلك عبر إشارتنا للتحديد الذي أعطاه الأميركيون لهذا المصطلح الذي يُردده الناس، من حكامٍ ودبلوماسيين وخصوصاً من إعلاميين، كالببغاء.
غباء "النُخب"
فالتحديد صدر عن جون بولتون، مستشار الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي، منذ أن كان مندوباً دائماً لواشنطن في الأمم المتحدة بعد حادثة 11 أيلول 2001 إذ قال بالحرف: "إن الأمم المتحدة لم تعد موجودة بل يوجد مجتمع دُولي. والمجتمع الدُولي هو التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمواجهة أي أزمة من الأزمات". هذا هو ما يُسمى بالمجتمع الدُولي. فالتحديد شرط الوضوح والشيطان يسكن في المصطلحات التي غالباً ما تنطلي على قوم الخفة وما أكثر عدد قوم الخفة خصوصاً في صفوف من دُرج على تسميتهم بـ"النُخب". نعم إن التحديد، والتحديد وحده، شرط الوضوح. إن العالم يعيش، بسبب هذا المعسكر الأطلسي اللعين تحت رحمة أسوء أنواع الأيديولوجيات ألا وهي أيديولوجيا الكذب… وفي صدارة ذلك ما يُسمى بالحرب على الإرهاب.