ما لا يمكن أن أنساه من الأمين الحبيب منصور عازار، تلك الابتسامة الطيبة، الكريمة، تزيّن وجهَ الشهامةِ، وجههُ….كلّما تقابلنا.
مرهفُ الذوق، صادق العلاقة، عميق التفكير، صافي الوجدان، بعيدُ النظرِ، متّقدُ الهِمّةِ، رقيق الاحساسِ، صلبُ القناعه….
اليوم، أشعرُ بالندم… كم فاتني من حِكَمهِ… من حديثهِ… من بريقِ شخصيتّهِ المحبّةِ، والمحبّبة.
أشعرُ بالندم… كم من مرةٍ بلغني سلامٌ منه، مع هاديا تارةً، ومع سركيس تارة، لنلتقي ونتباحث.
معه… تنعدمُ الفوارقُ بين أعمارنا، كأننا أبناءُ جيلٍ واحدٍ، طلاّب عِلمٍ ومعرفة…
فيأتي النصح منه وليد الحرصِ. من رحمِ الخبراتِ يأتي النصح، وما أكثر الخبرات في حياةِ الأمين منصور.
كنت أطمعُ بمجبّتهِ، أثق بمحبتهِ، أتكلُ على محبتهِ وعلمي يقينٌ بأنه لن يزعلَ مني. فالعتابُ… لحظة اللقاءِ يتلاشى، مُعذَّرٌ برقيقٍ من حيائِهِ ولُطفه.
قلبه الكبير مُفعمٌ بالمحبة. عقلهُ النيّر مسكونٌ بالهمومِ الكبرى وأوّلها همُّ الأمّة. فلا مجال عنده لإضاعة الوقتِ بالجزئيات.
الأمين الحبيب منصور ظاهرة لها فرادتها. لا ينظرُ إلا إلى الأمام، وهو يدرك كل الإدراك أن معظمَ الخلافات الحاصلة داخل البيت السوري القومي الاجتماعي، وأشدّد على عبارةِ "البيت"، ناجمة عن التلهيّ بالقشور، ناجمة عن قصرِ النظر
كان يعي تماماً أن إصلاح شؤون البيت السوري القومي الاجتماعي لا يتم إلا بطريقة واحدة:
أن يتصالح َأهلُ البيتِ مع مبادىء بيتهم السامية. ويفترض أن يكون ذلك من أولى البديهيات. فلماذا لا يتصالحوا. وبأيّ حقٍّ لا يتصالحوا.
كان ينظرُ إلى القلاقلِ داخل البيت من مرتفعٍ شاهقٍ إرتفاع المسؤولية التي لم تفارق أداءه يوماً. فالبيت الذي يحوي هذا القدر الضخم من الثرواتِ، المبادىء السامية التي لا تنضب، لا يجوز له أن يفتقر إلى الحكمةِ وبعدِ النظر، لا يجوز لأهلهِ أن يستحيلوا شتاتاً في وقت.. يسقط فيه شعبنا إلى ما دون الشكل الاجتماعي… فيشتبكون مع مبادئهم كما يشتبك المذهبيون مع دياناتهم.
الأمين منصور لم يتوقف عن العمل وفق المبادىء إذ وحده العمل يضمن الخلاص للبيتِ وأهله. ومتى استقام وضعُ البيت ولملم شتاته يمكن آنذاك إصلاح المجتمع… أو بالأحرى إعادة الحياة إلى المجتمع… وبالتالي إنقاذ الأمّة. لذا، اختصر حياته بالعمل الدؤوب، من دون كللٍ أو مللٍ أو يأسٍ إذ لا يعقل أبداً…أبداً أن يفقد أهل البيت بوصلتهم فيبتعدوا عن ربّ البيت كما يبتعدُ أتباعُ المذاهب عن نهج أنبيائهم والمصلحين.
هذا، بكل اختصار، مسلكُ الأمين الحبيب منصور الذي لم يأبه يوماً بردود الفعل الغبيّة، إذ: "سواء أفهمونا أم أساؤوا فهمنا، فإننا نعملُ للحياة، ولن نتخلى عنها".