94
ركز الكثير من الباحثين الجيوبوليتكيين على منطقة أوراسيا بشكل كبير، فاعتبروها الأهم على الصعيد الدولي. من هذا المنطلق، قسَّموا العالم كله الى ثلاث مناطق جيوبوليتيكية:
1. الأرض الأم: وهي تشمل القسم الاعلى من آسيا ودولاً عدة من اوروبا خاصة الملاصقة للقارة الآسيوية.
2. الهلال الداخلي: وهو نطاق من الشريط البري المحاذي للبحار (البلطيق، المتوسط، الاحمر، الخليج الفارسي) والمحيطات (المحيط المتجمد الشمالي من الاعلى والمحيطين الهادي من ناحيتي روسيا والصين والمحيط الهندي من الاسفل)، اضافة الى القسم الشمالي لأفريقيا اذ يعتبر البعض ان هذه المنطقة "مفصولة عن باقي افريقيا بواسطة الصحراء الكبرى".
3. الهلال الخارجي: هو كل ما تبقى من اراضٍ غير تلك المشار اليها اعلاه. ومن الجدير ذكره هنا، انه لم يتم إعطاء الولايات المتحدة الكثير من الاهمية، فهي لا تشكل سوى جزء من الهلال الخارجي ليس إلا.
وبالنظر الى تعريف "الاوراسية"، نجدد عدداً منها:
– المعنى الواسع: "أوراسيا هي كتلة أرضية مساحتها 54,000,000 كم2 وهي مكونة من قارتي اوروبا وآسيا… تقع أوراسيا في شمال الكرة الأرضية. اسم الكتلة مركب من كلمتي "أوروبا" و"آسيا". يحدها من أقصى الغرب جزر آيرلندا والمحيط الأطلسى الذي يمتد بذراعه الجنوبي وهو متمثل في البحر المتوسط بأحواضه المختلفة ومن الشرق مضيق بيرنج وبعض الجزر مثل كامشتكا وسخالين والمحيط الهندي ومن الشمال يحده جزر فرانس جوزيف والمحيط المتجمد الشمالي ومن الجنوب جزر تيمور والمحيط الهادي بذراعيه المتمثلين في البحر الأحمر والخليج العربي… اعتبرها العديد من الجغرافيين كقارة واحدة مثل الأميركيتين وأفريقيا، حيث أن القارتين غير منفصلتين بمحيط أو بحر كبير".
– المعنى الضيق: تشتمل أوراسيا على المناطق التي تلتقي فيها القارة الآسيوية بالقارة الاوروبية، متمثلة بالجمهوريات السوفياتية السابقة والمناطق المطلة على البحر الاسود، والشرق الاوسط من الجانب الآسيوي، ودول كـ"بلغاريا ورومانيا وكذلك دول شرق أوروبا المتوسطية كاليونان ومقدونيا فى الجانب الأوروبي".
– المعنى الجيوبوليتيكي: اما تقسيم أوراسيا حسب الكثير من المفكرين الجيوبوليتكيين فهو يعتمد على اعتبار "الأرض الأم" من اوراسيا هي تلك المنطقة التي تضم الاتحاد الروسي، والصين، واليابان، والكوريتين، نزولاً الى بعض الاجزاء العليا من الهند وباكستان وافغانستان، وغالبية إيران، والعراق، وتركيا، صعوداً الى دول البحر الاسود، ومروراً ببعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق آخذاً معه بعض الدول الاوروبية او قسماً منها، وصولاً الى الدول الاسكندينافية، ليعود ويلف روسيا مجدداً من المحيط المتجمد الشمالي وصولاً الى المحيط الهادئ.
يعطي هؤلاء الباحثون اهمية كبيرة لـــ"الأرض الأم" فهي بنظرهم العالم الحضاري والقسم الثابت في الصراع بين "قوى البر" و"قوى البحر"، ويعتبرون أن قوى البر هي الأثبت لكونها تستند إلى واقع جغرافي، بينما قوى البحر تتمدد وتنحسر بحسب المعطيات. وما بين الأرض الأم والهلال الخارجي، يتمحور لبُّ الحديث حول الهلال الداخلي، والذي يطلق عليه ايضاً "الحيّز الحضاري من التاريخ"، وبنظر هؤلاء المفكرين "أن من يسيطر على هذا الجزء يحكم العالم".
إن ما يحدث اليوم على الساحة الدولية من أحداث وتطورات بين محوري الولايات المتحدة من جهة، والاتحاد الروسي والصين الشعبية من جهة أخرى، يقودنا إلى إحداث إسقاط لهذه النظرية على الواقع الحالي، حيث يتكشف من خلال الاحداث صحة التقسيمات الواردة اعلاه، اذ ان ثقل الصراع الدولي يتمركز في هذه المنطقة او الهلال الداخلي.
1. السعي الاميركي للسيطرة على الجرف:
– الدرع الصاروخي في اوروبا: وهو مثار جدل كبير في العلاقة بين موسكو وواشنطن ومحل خلاف حقيقي، اذ تعتبره الاولى موجهاً ضدها وتريد توضيحات عنه، ويرى البعض ان "التهديد الروسى بضرب بولندا بالنووي فى حال وافقت على نشر الدرع الصاروخي على أرضها لهو تهديد على محمل الجد لحماية الأمن القومى الروسي"، فيما تعتبره الثانية ضرورة للمحافظة على وجودها والدفاع الاستباقي عنها وعن الدول الحليفة لها في اوروبا من تهديدات "الدول المارقة".
– الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق: وهدفهما السيطرة على جزء من هذا الجرف الغني بمصادر الطاقة والذي يحتوي على بعض من النقاط الاستراتيجية (خصوصاً المضائق) في هذا الجرف.
– الضغط الاميركي على إيران "النووية": من خلال فرض العقوبات عليها، علاوة على استمرار تجميدها لأموال إيرانية منذ انتهاء حكم الشاه الموالي للغرب وتسلم الخميني السلطة وبدء الحكم الاسلامي فيها. ومن الجدير ذكره هنا، أن الحرب التي اندلعت بين كل من العراق (ايام صدام حسين المدعوم أميركياً) وإيران (النامية) لسنوات عدة والتي خدمت الولايات المتحدة واتخذتها وسيلة لإضعاف طهران وإنهاكها.
– التقارب الاميركي – الإيراني: وهو ما يحدث اليوم من تقارب بينها، خصوصاً مع ما يصيب الولايات المتحدة من تراجع على صعيد التفرد بالقرار الدولي، ورغبتها في البقاء في جزء من هذا الحيِّز لأخذ دور ما وإن كان ذلك عبر السياسة وليس من خلال العسكر.
– التواجد العسكري في بعض دول الخليج: وإقامة العديد من القواعد العسكرية الاستراتيجية، والسيطرة على القرار السياسي لبعض هذه الدول وتماهي قراراتها مع السياسة العليا والمصالح الاميركية، ووجود علاقة جدلية محورية بينهما.
– إقامة علاقات مع كل من الهند وباكستان: على مدى سنوات عديدة، وهي منطقة الشمالية للحزام الأوراسي من جهة المحيط الهندي، وذلك بهدف "غلق" هذه المنطقة على التمدد الروسي – الصيني تجاه المياه المحاذية للهلال الداخلي؛
– إقامة علاقة مع دول الغرب الآسيوي: من كوريا الجنوبية الى الفليبين وصولاً الى اليابان من سياسية (مواقف متوافقة) الى عسكرية (مناورات عسكرية مشتركة)، والتمركز العسكري الأميركي في جزر استراتيجية كجزيرة غوام، وذلك بهدف السيطرة والتحكم بالجرف الاوراسي غرب المحيط الهادئ.
– المشاريع والنظريات الاميركية للإطباق على هذه المنطقة كـ نظرية "الاناكوندا" (التي تستهدف هذا الجرف) ومشروع "الشرق الاوسط الجديد" وغيرهما، والتي تهدف إلى السيطرة على هذه المنطقة الغنية والاستراتيجية من العالم.
2. السعي الروسي – الصيني للسيطرة على الجرف:
– قيام كل الاتحاد الروسي والصين (اللذين تقعان في قلب الأرض الأم) بإنشاء علاقات جيدة مع الدول التي تشكل الحزام او الجرف الاوراسي: وأبرز هذه العلاقات منظمة شنغهاي للتنمية والتي تضمّ عدداً من الدول التي تحتلّ الحيز ما بين الأرض الأم والهلال الخارجي، وذلك ليس رغبة أو طمعاً في اقتصادياتها او تطورها، بل في ضمها إلى هذا المحور بدلاً من خسارتها لكونها تقع في مناطق استراتيجية حساسة.
– تقاسم النفوذ الروسي – الصيني: فالروس تركوا المحيط الهادئ وتوجهوا الى المياه الدافئة والمتوسط، اما الصينيون فتولوا امر المحيط الهادئ والسيطرة عليه.
– السعي إلى إبعاد الولايات المتحدة: خصوصاً من المناطق التي لا تزال فيها ضمن هذا الحزام، وأبرز مثال على ذلك طلب قرقيزيا من الولايات المتحدة تسليمها لقاعدة ماناس في العام 2014، وهذه القاعدة أنشأتها واشنطن "لمحاربة الإرهاب ومن أجل الأمن والاستقرار في أفغانستان". كما تسعى روسيا إلى تمتين خاصرتها الغربية من خلال إقامة العلاقات الودية (مع اليونان مثلاً) والحزم مع بعض الدول التي لا تزال تدور في الفلك الاميركي (الازمة الجورجية 2008).
– إعادة إحياء "طريق الحرير" التجاري التاريخي بين دول آسيا وصولاً الى اوروبا، والذي كشف عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الى كوريا الجنوبية ورغبته في اعادة وصل الطريق عبر شبكة السكة الحديد والسعي الى حل الازمة في الجزيرة الكورية لما له من تأثير مباشر على سير هذه الخط. وهذا الطرح يلتقي مع "سياسات التعاون في تنفيذ الخطط الروسية لتنمية منطقة شرق سيبيريا، ودعم مشاركة الشركات الكورية الجنوبية في المشروع الثلاثي المشترك بين سيول وموسكو وبيونغ يانغ لإنشاء خط سكك حديدية يربط بين ميناء راجين الكوري الشمالي ومدينة خاسان الروسية الحدودية، ومشروع تطوير القطب الشمالي، وغيرها من المشروعات المشتركة"، ويلتقي هذا المشروع مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ حول "فكرة بناء حزام طريق الحرير الاقتصادي أثناء الجولة التي قام في أوائل شهر أيلول الماضي في دول آسيا الوسطى، وقد لقيت هذه الفكرة إجماعاً واسعاً في قمة مجموعة شانغهاي للتعاون التي عُقدت في العاصمة القرغيزية بيشكك. ويستند حزام طريق الحرير الاقتصادي على مفهوم طريق الحرير القديم، ويشكل منطقة التنمية الاقتصادية الجديدة. ويمتد من المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق، وهو جسر يربط بين دائرة اقتصادية في آسيا والمحيط الهادئ شرقياً ودائرة اقتصادية أوروبية متقدمة غربياً، ليكون أطول ممر اقتصادي رئيسي ذا إمكانات أكبر في العالم".
– إقامة علاقات متينة مع دول الجرف: من خلال التعاون العسكري (روسيا – مصر بعد الازمة مع الولايات المتحدة وعرض روسيا تسليم اسلحة للجيش المصري؛ وهو ما قد كان محور المحادثات بين كل من وزيري الدفاع والخارجية الروسيين ونظيرهما المصريين في 14 و15 تشرين الثاني الماضي، الصين – تركيا وصفقة الاسلحة التي يطالب فيها حلف شمال الاطلسي واسطنبول بالرجوع عنها، صفقة الطائرات الروسية الى العراق) والطاقة (التعاون الروسي الإيراني وإنشاء المعامل النووية فيها بهدف الحصول على الطاقة، والحديث عن قيام شركات روسية بإنشاء معامل للطاقة في الاردن، وتشغيل معمل في مصر) والاقتصاد (التدخل الروسي في قبرص بعد الأزمة المالية التي لحقت بها وانتشالها منها، احتكار شركات الغاز الروسية، خصوصاً غاز بروم كثير من عقود استخراج موارد الطاقة) والسياسة (الازمة السورية ابرز الامثلة على ذلك).
– التدخل الروسي في الأزمة السورية: حيث تعتبر سورية "شاطئ روسيا على المتوسط". ومع بدء النهوض الروسي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، تعود روسيا بقوة إلى المتوسط لتأمين استمرار وحرية حركتها من وإلى المياه الدافئة والبحر الاسود الذي يعتبر ذا اهمية استراتيجية كبرى.
ان هذه الاحداث وغيرها على الصعيد الدولي تعطي لهذه النظرية (اوراسيا بالمنعى الجيوبوليتيكي الوارد اعلاه) اهمية كبرى وتجعلها أقرب النظريات لتفسير الأحداث الدولية المعاصرة، اذ يتبين اهمية الحزام الاوراسي (او الهلال الداخلي) والمدى والبعد الاستراتيجيين لهذه المنطقة.
ان ما تمر به منطقتنا في المشرق اليوم وما تشهده من نزاعات وحروب ليس سوى جزء من هذا الصراع الدولي للسيطرة على العالم، اذ ان كل الدول الكبرى تسعى للإمساك بالقرار الدولي على حساب شعوب اختبرت الحضارة منذ قرون خلت وكانت مصدراً لحضارة العالم ككل، حيث اصبحت بؤرة للصراع بدلاً من ان تكون بقعة من التلاقي الحضاري. يرى الباحث في التاريخ الاستاذ عفيف غصن ان للمشرق "فضلاً على العالم كله عبر ثلاثة اختراعات غيرت وجه التاريخ: الرقم والحرف والدولاب (العجلة)".
* باحث في العلاقات الدولية
1. الأرض الأم: وهي تشمل القسم الاعلى من آسيا ودولاً عدة من اوروبا خاصة الملاصقة للقارة الآسيوية.
2. الهلال الداخلي: وهو نطاق من الشريط البري المحاذي للبحار (البلطيق، المتوسط، الاحمر، الخليج الفارسي) والمحيطات (المحيط المتجمد الشمالي من الاعلى والمحيطين الهادي من ناحيتي روسيا والصين والمحيط الهندي من الاسفل)، اضافة الى القسم الشمالي لأفريقيا اذ يعتبر البعض ان هذه المنطقة "مفصولة عن باقي افريقيا بواسطة الصحراء الكبرى".
3. الهلال الخارجي: هو كل ما تبقى من اراضٍ غير تلك المشار اليها اعلاه. ومن الجدير ذكره هنا، انه لم يتم إعطاء الولايات المتحدة الكثير من الاهمية، فهي لا تشكل سوى جزء من الهلال الخارجي ليس إلا.
وبالنظر الى تعريف "الاوراسية"، نجدد عدداً منها:
– المعنى الواسع: "أوراسيا هي كتلة أرضية مساحتها 54,000,000 كم2 وهي مكونة من قارتي اوروبا وآسيا… تقع أوراسيا في شمال الكرة الأرضية. اسم الكتلة مركب من كلمتي "أوروبا" و"آسيا". يحدها من أقصى الغرب جزر آيرلندا والمحيط الأطلسى الذي يمتد بذراعه الجنوبي وهو متمثل في البحر المتوسط بأحواضه المختلفة ومن الشرق مضيق بيرنج وبعض الجزر مثل كامشتكا وسخالين والمحيط الهندي ومن الشمال يحده جزر فرانس جوزيف والمحيط المتجمد الشمالي ومن الجنوب جزر تيمور والمحيط الهادي بذراعيه المتمثلين في البحر الأحمر والخليج العربي… اعتبرها العديد من الجغرافيين كقارة واحدة مثل الأميركيتين وأفريقيا، حيث أن القارتين غير منفصلتين بمحيط أو بحر كبير".
– المعنى الضيق: تشتمل أوراسيا على المناطق التي تلتقي فيها القارة الآسيوية بالقارة الاوروبية، متمثلة بالجمهوريات السوفياتية السابقة والمناطق المطلة على البحر الاسود، والشرق الاوسط من الجانب الآسيوي، ودول كـ"بلغاريا ورومانيا وكذلك دول شرق أوروبا المتوسطية كاليونان ومقدونيا فى الجانب الأوروبي".
– المعنى الجيوبوليتيكي: اما تقسيم أوراسيا حسب الكثير من المفكرين الجيوبوليتكيين فهو يعتمد على اعتبار "الأرض الأم" من اوراسيا هي تلك المنطقة التي تضم الاتحاد الروسي، والصين، واليابان، والكوريتين، نزولاً الى بعض الاجزاء العليا من الهند وباكستان وافغانستان، وغالبية إيران، والعراق، وتركيا، صعوداً الى دول البحر الاسود، ومروراً ببعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق آخذاً معه بعض الدول الاوروبية او قسماً منها، وصولاً الى الدول الاسكندينافية، ليعود ويلف روسيا مجدداً من المحيط المتجمد الشمالي وصولاً الى المحيط الهادئ.
يعطي هؤلاء الباحثون اهمية كبيرة لـــ"الأرض الأم" فهي بنظرهم العالم الحضاري والقسم الثابت في الصراع بين "قوى البر" و"قوى البحر"، ويعتبرون أن قوى البر هي الأثبت لكونها تستند إلى واقع جغرافي، بينما قوى البحر تتمدد وتنحسر بحسب المعطيات. وما بين الأرض الأم والهلال الخارجي، يتمحور لبُّ الحديث حول الهلال الداخلي، والذي يطلق عليه ايضاً "الحيّز الحضاري من التاريخ"، وبنظر هؤلاء المفكرين "أن من يسيطر على هذا الجزء يحكم العالم".
إن ما يحدث اليوم على الساحة الدولية من أحداث وتطورات بين محوري الولايات المتحدة من جهة، والاتحاد الروسي والصين الشعبية من جهة أخرى، يقودنا إلى إحداث إسقاط لهذه النظرية على الواقع الحالي، حيث يتكشف من خلال الاحداث صحة التقسيمات الواردة اعلاه، اذ ان ثقل الصراع الدولي يتمركز في هذه المنطقة او الهلال الداخلي.
1. السعي الاميركي للسيطرة على الجرف:
– الدرع الصاروخي في اوروبا: وهو مثار جدل كبير في العلاقة بين موسكو وواشنطن ومحل خلاف حقيقي، اذ تعتبره الاولى موجهاً ضدها وتريد توضيحات عنه، ويرى البعض ان "التهديد الروسى بضرب بولندا بالنووي فى حال وافقت على نشر الدرع الصاروخي على أرضها لهو تهديد على محمل الجد لحماية الأمن القومى الروسي"، فيما تعتبره الثانية ضرورة للمحافظة على وجودها والدفاع الاستباقي عنها وعن الدول الحليفة لها في اوروبا من تهديدات "الدول المارقة".
– الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق: وهدفهما السيطرة على جزء من هذا الجرف الغني بمصادر الطاقة والذي يحتوي على بعض من النقاط الاستراتيجية (خصوصاً المضائق) في هذا الجرف.
– الضغط الاميركي على إيران "النووية": من خلال فرض العقوبات عليها، علاوة على استمرار تجميدها لأموال إيرانية منذ انتهاء حكم الشاه الموالي للغرب وتسلم الخميني السلطة وبدء الحكم الاسلامي فيها. ومن الجدير ذكره هنا، أن الحرب التي اندلعت بين كل من العراق (ايام صدام حسين المدعوم أميركياً) وإيران (النامية) لسنوات عدة والتي خدمت الولايات المتحدة واتخذتها وسيلة لإضعاف طهران وإنهاكها.
– التقارب الاميركي – الإيراني: وهو ما يحدث اليوم من تقارب بينها، خصوصاً مع ما يصيب الولايات المتحدة من تراجع على صعيد التفرد بالقرار الدولي، ورغبتها في البقاء في جزء من هذا الحيِّز لأخذ دور ما وإن كان ذلك عبر السياسة وليس من خلال العسكر.
– التواجد العسكري في بعض دول الخليج: وإقامة العديد من القواعد العسكرية الاستراتيجية، والسيطرة على القرار السياسي لبعض هذه الدول وتماهي قراراتها مع السياسة العليا والمصالح الاميركية، ووجود علاقة جدلية محورية بينهما.
– إقامة علاقات مع كل من الهند وباكستان: على مدى سنوات عديدة، وهي منطقة الشمالية للحزام الأوراسي من جهة المحيط الهندي، وذلك بهدف "غلق" هذه المنطقة على التمدد الروسي – الصيني تجاه المياه المحاذية للهلال الداخلي؛
– إقامة علاقة مع دول الغرب الآسيوي: من كوريا الجنوبية الى الفليبين وصولاً الى اليابان من سياسية (مواقف متوافقة) الى عسكرية (مناورات عسكرية مشتركة)، والتمركز العسكري الأميركي في جزر استراتيجية كجزيرة غوام، وذلك بهدف السيطرة والتحكم بالجرف الاوراسي غرب المحيط الهادئ.
– المشاريع والنظريات الاميركية للإطباق على هذه المنطقة كـ نظرية "الاناكوندا" (التي تستهدف هذا الجرف) ومشروع "الشرق الاوسط الجديد" وغيرهما، والتي تهدف إلى السيطرة على هذه المنطقة الغنية والاستراتيجية من العالم.
2. السعي الروسي – الصيني للسيطرة على الجرف:
– قيام كل الاتحاد الروسي والصين (اللذين تقعان في قلب الأرض الأم) بإنشاء علاقات جيدة مع الدول التي تشكل الحزام او الجرف الاوراسي: وأبرز هذه العلاقات منظمة شنغهاي للتنمية والتي تضمّ عدداً من الدول التي تحتلّ الحيز ما بين الأرض الأم والهلال الخارجي، وذلك ليس رغبة أو طمعاً في اقتصادياتها او تطورها، بل في ضمها إلى هذا المحور بدلاً من خسارتها لكونها تقع في مناطق استراتيجية حساسة.
– تقاسم النفوذ الروسي – الصيني: فالروس تركوا المحيط الهادئ وتوجهوا الى المياه الدافئة والمتوسط، اما الصينيون فتولوا امر المحيط الهادئ والسيطرة عليه.
– السعي إلى إبعاد الولايات المتحدة: خصوصاً من المناطق التي لا تزال فيها ضمن هذا الحزام، وأبرز مثال على ذلك طلب قرقيزيا من الولايات المتحدة تسليمها لقاعدة ماناس في العام 2014، وهذه القاعدة أنشأتها واشنطن "لمحاربة الإرهاب ومن أجل الأمن والاستقرار في أفغانستان". كما تسعى روسيا إلى تمتين خاصرتها الغربية من خلال إقامة العلاقات الودية (مع اليونان مثلاً) والحزم مع بعض الدول التي لا تزال تدور في الفلك الاميركي (الازمة الجورجية 2008).
– إعادة إحياء "طريق الحرير" التجاري التاريخي بين دول آسيا وصولاً الى اوروبا، والذي كشف عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته الى كوريا الجنوبية ورغبته في اعادة وصل الطريق عبر شبكة السكة الحديد والسعي الى حل الازمة في الجزيرة الكورية لما له من تأثير مباشر على سير هذه الخط. وهذا الطرح يلتقي مع "سياسات التعاون في تنفيذ الخطط الروسية لتنمية منطقة شرق سيبيريا، ودعم مشاركة الشركات الكورية الجنوبية في المشروع الثلاثي المشترك بين سيول وموسكو وبيونغ يانغ لإنشاء خط سكك حديدية يربط بين ميناء راجين الكوري الشمالي ومدينة خاسان الروسية الحدودية، ومشروع تطوير القطب الشمالي، وغيرها من المشروعات المشتركة"، ويلتقي هذا المشروع مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ حول "فكرة بناء حزام طريق الحرير الاقتصادي أثناء الجولة التي قام في أوائل شهر أيلول الماضي في دول آسيا الوسطى، وقد لقيت هذه الفكرة إجماعاً واسعاً في قمة مجموعة شانغهاي للتعاون التي عُقدت في العاصمة القرغيزية بيشكك. ويستند حزام طريق الحرير الاقتصادي على مفهوم طريق الحرير القديم، ويشكل منطقة التنمية الاقتصادية الجديدة. ويمتد من المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق، وهو جسر يربط بين دائرة اقتصادية في آسيا والمحيط الهادئ شرقياً ودائرة اقتصادية أوروبية متقدمة غربياً، ليكون أطول ممر اقتصادي رئيسي ذا إمكانات أكبر في العالم".
– إقامة علاقات متينة مع دول الجرف: من خلال التعاون العسكري (روسيا – مصر بعد الازمة مع الولايات المتحدة وعرض روسيا تسليم اسلحة للجيش المصري؛ وهو ما قد كان محور المحادثات بين كل من وزيري الدفاع والخارجية الروسيين ونظيرهما المصريين في 14 و15 تشرين الثاني الماضي، الصين – تركيا وصفقة الاسلحة التي يطالب فيها حلف شمال الاطلسي واسطنبول بالرجوع عنها، صفقة الطائرات الروسية الى العراق) والطاقة (التعاون الروسي الإيراني وإنشاء المعامل النووية فيها بهدف الحصول على الطاقة، والحديث عن قيام شركات روسية بإنشاء معامل للطاقة في الاردن، وتشغيل معمل في مصر) والاقتصاد (التدخل الروسي في قبرص بعد الأزمة المالية التي لحقت بها وانتشالها منها، احتكار شركات الغاز الروسية، خصوصاً غاز بروم كثير من عقود استخراج موارد الطاقة) والسياسة (الازمة السورية ابرز الامثلة على ذلك).
– التدخل الروسي في الأزمة السورية: حيث تعتبر سورية "شاطئ روسيا على المتوسط". ومع بدء النهوض الروسي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، تعود روسيا بقوة إلى المتوسط لتأمين استمرار وحرية حركتها من وإلى المياه الدافئة والبحر الاسود الذي يعتبر ذا اهمية استراتيجية كبرى.
ان هذه الاحداث وغيرها على الصعيد الدولي تعطي لهذه النظرية (اوراسيا بالمنعى الجيوبوليتيكي الوارد اعلاه) اهمية كبرى وتجعلها أقرب النظريات لتفسير الأحداث الدولية المعاصرة، اذ يتبين اهمية الحزام الاوراسي (او الهلال الداخلي) والمدى والبعد الاستراتيجيين لهذه المنطقة.
ان ما تمر به منطقتنا في المشرق اليوم وما تشهده من نزاعات وحروب ليس سوى جزء من هذا الصراع الدولي للسيطرة على العالم، اذ ان كل الدول الكبرى تسعى للإمساك بالقرار الدولي على حساب شعوب اختبرت الحضارة منذ قرون خلت وكانت مصدراً لحضارة العالم ككل، حيث اصبحت بؤرة للصراع بدلاً من ان تكون بقعة من التلاقي الحضاري. يرى الباحث في التاريخ الاستاذ عفيف غصن ان للمشرق "فضلاً على العالم كله عبر ثلاثة اختراعات غيرت وجه التاريخ: الرقم والحرف والدولاب (العجلة)".
* باحث في العلاقات الدولية