109
العاشرة والنصف صباح السادس والعشرين من شباط العام الحالي، وعند الزاوية الأخيرة من شارع تقسيم باتجاه الساحة الكبيرة اجتمع بعض الناس وعلى ملامحهم شيء من الاهتمام بأمرٍ ما ومن الاختلاف عن باقي الجمهور في الشارع السياحي. كانوا جميعاً من المدخنين وبدت عليهم مقاربة مشتركة لموعدٍ. دقائق لاحقة كانت سيّارة أنيقة تصل اليهم ببطء لتدعمهم بمستلزمات اللقاء الذي تكشّفت هويّته وهو حزبيّ بامتياز. إنّهم انصار حزب الشعب التركي، المنافس العنيد لحزب اردوغان الحاكم وربما المنافس الاكبر وفق تحليل بعض المراقبين للحياة السياسيّة في تركيا. اسطنبول ليست الوحيدة التي تشهد نشاط هكذا فالحملات الانتخابية واحتفالاتها تعم البلاد من حدودها مع الدول المجاورة وصولاً الى الجزر السياحية وحتّى العبّارات الكبيرة التي حملت اضافةً الى السيّاح والمسافرين شعارات وصور المرشحين واحزابهم. حزبً الـ"سي اش بي" زيّن تقسيم ليس فقط بوجوه عناصره العامرة بالفرح والحماس بل بالموسيقى ايضاً والتي تألفت من الحان طورانية تخلّلتها احياناً مقاطع من خطابات مصطفى كمال وهو ملهم حزب الشعب ومرجعه الاساس.
على الزاوية الثانية من الشارع كانت منصّة المنبر وتجهيزات الصوت في حالة التمام، كما صرخ المشرف على التنصيب والتركيب وعبر كلمة "تمام" مدوّية سمعها الجميع من حوله. الأناقة اللافتة والفرح اللافت كانا علاقة فارقة التقطها السيّاح بكاميراتهم وبكلمات التحية والابتسام بلغات عدّة تراوحت بين الانكليزية والعربية والروسية ولغات الشرق الاقصى. اللافتات العملاقة غطت أحد الابنيّة وفي غضون دقائق قليلة كانت سريعة، بحيث لم ينتبه المارّة لوجودها الا بعد تركيبها، وبعد اشارة المتحدث على المنبر اليها بغية بثّ الاثارة والحماسة في نفوس المجتمعين. الاجتماع الخاطف لم يسدّ الطريق بوجه زوّار تقسيم لا بل أضاف للمشاة الكثير من الفرح والكثير من المشاهد المغرية لكاميراتهم وفضولهم. أما اللافتات القماشية الفائقة النظافة والجدّة فهي بدورها رفعت عبر عصيّ من الكروم التي تستعمل عادة رافعات للكاميرات او كأدوات للتزيين داخل المتاجر الفاخرة
انقسم انتباه الحزبيين بين الاستماع لخطاب واحد منه كوادر حزب الشعب الذي وقف خلف المنبر المزين بالأعلام واللافتات وبين قراءة تعابير المارّة ومحاولة اختطاف الإعجاب والتأييد منهم. كان بحوزتهم الاعلام الورقية الصغيرة ودبابيس تحمل شعار الحزب تعلّق على ثياب المارّة حين يبدون بعض الرغبة او القبول لحمل الشعار الصغير.
البعض الآخر من الحضور الحزبي تطوّع لشرح مواقف الحزب بلغة أجنبيّة اتقنها وتكلم بها مع السياح من روّاد تقسيم. امّا الشؤون الإعلامية فكان لها فريق متخصص قدّم المعونة والتوجيهات لحملة كاميرات التلفزة والمذيعات المرافقات اللواتي أتين لتغطية الحدث. الموسيقى كانت من أدوات الجذب والحشد، فبالإضافة للأجهزة الصوتية العملاقة فوق المنّصة الخشبية كانت دراجة نارّية من نوع هارلي دافيدسون تتموقع بعيداً عن الحشد وتحمل ادوات صوتية فائقة الدّقة وذات نوعيّة تصلح لادارة حفل موسيقي داخل قاعة مغلقة. اتاتورك كانت الكلمة الاسهل على مسامع الناس الذين اعتادوها جواباً على سؤالهم مَن هذا الرجل في تلك الصورة او في ذلك النصب. وكان الخطيب يتحدّث عن مصطفى كمال وعن ردة فعله لو كان حاضراً الآن في تاريخ تركيا المعيش وذلك في اشارةٍ الى تقصير حكومة اردوغان وفق تحليل الخطيب وأنصاره. كان لافتاً الكلام عن ملايين الدولارات وتكراراً للتعبير عن اتهام الحزب للنظام الحاكم "مليونات" باللهجة التركية وبالتركيبة الانكليزية والصوت اللاتيني تجذب المستمع الاجنبي امّا ليسأل وامّا ليحدّث نفسه قائلاً هذا ما سمعته البارحة من سائق تاكسي معارض للنظام او من مواطن تركي تعرّفت عليه بالمقهى او ضمن نشاطٍ سياحي في اسطنبول او جوارها.
لم تكن الحملة المذكورة ولا شبيهاتها في تركيا تركزّ فقط على الانتخابات البلدّية رغم اهميّتها بل تجاوزتها للحديث او التحضير لتغييرٍ منتظر يعد به كل فريق على هواه السياحي ومنهجه الفكري والعقائدي. ولم يكن اجتماع الصباح الخاطف والمصرّح به من قبل سلطات المدينة اللقاء السياسي الوحيد في شارع تقسيم ذاك او في اي نهارٍ آخر، فلقد تزامن الاخير مع حملات أصغر ادارها متطوعون من حركة مناهضة العنف ضد المرأة واخرى كانت لمصلحة بعض المرشحين المستقلين ودائماً بتوليفةٍ انيقة راعت طبيعة الشارع وزواره.
لربّما تجاوز السائح المنشغل بغاياتٍ سياحيّة بحتة كل هذه المحطات ورغم جاذبيتها الصارخة وقدرتها على خطف الانتباه، غير انّه لن يستطيع الهروب من لحظة تأمل لتكوين رأيه عن الشعب التركي عموماً، وعمّا اذا كانت شعارات حزب الشعب (حزب الشعب الجمهوري) محقة في مضمونها المتعلق بأنّهم بنوا تركيا الحديثة وأخذوها باتجاه النظام الجمهوري. ويذكر ان بولاند اجاويد هو واحد من اهم وجوه هذا الحزب في تاريخه القديم قدم الدولة الحديثة، وهو الذي كان وراء اجتياح قبرص والحرب على اليونان.
في الخلاصة اذا كانت ممارسات الاحزاب التركية على شاكلة اجتماعاتها وحملاتها الراقية فستكون بلاد الاناضول هي اسعد الدول وارقاها، لكن للسياسة مساراتٍ اخرى وقدر آخر.
على الزاوية الثانية من الشارع كانت منصّة المنبر وتجهيزات الصوت في حالة التمام، كما صرخ المشرف على التنصيب والتركيب وعبر كلمة "تمام" مدوّية سمعها الجميع من حوله. الأناقة اللافتة والفرح اللافت كانا علاقة فارقة التقطها السيّاح بكاميراتهم وبكلمات التحية والابتسام بلغات عدّة تراوحت بين الانكليزية والعربية والروسية ولغات الشرق الاقصى. اللافتات العملاقة غطت أحد الابنيّة وفي غضون دقائق قليلة كانت سريعة، بحيث لم ينتبه المارّة لوجودها الا بعد تركيبها، وبعد اشارة المتحدث على المنبر اليها بغية بثّ الاثارة والحماسة في نفوس المجتمعين. الاجتماع الخاطف لم يسدّ الطريق بوجه زوّار تقسيم لا بل أضاف للمشاة الكثير من الفرح والكثير من المشاهد المغرية لكاميراتهم وفضولهم. أما اللافتات القماشية الفائقة النظافة والجدّة فهي بدورها رفعت عبر عصيّ من الكروم التي تستعمل عادة رافعات للكاميرات او كأدوات للتزيين داخل المتاجر الفاخرة
انقسم انتباه الحزبيين بين الاستماع لخطاب واحد منه كوادر حزب الشعب الذي وقف خلف المنبر المزين بالأعلام واللافتات وبين قراءة تعابير المارّة ومحاولة اختطاف الإعجاب والتأييد منهم. كان بحوزتهم الاعلام الورقية الصغيرة ودبابيس تحمل شعار الحزب تعلّق على ثياب المارّة حين يبدون بعض الرغبة او القبول لحمل الشعار الصغير.
البعض الآخر من الحضور الحزبي تطوّع لشرح مواقف الحزب بلغة أجنبيّة اتقنها وتكلم بها مع السياح من روّاد تقسيم. امّا الشؤون الإعلامية فكان لها فريق متخصص قدّم المعونة والتوجيهات لحملة كاميرات التلفزة والمذيعات المرافقات اللواتي أتين لتغطية الحدث. الموسيقى كانت من أدوات الجذب والحشد، فبالإضافة للأجهزة الصوتية العملاقة فوق المنّصة الخشبية كانت دراجة نارّية من نوع هارلي دافيدسون تتموقع بعيداً عن الحشد وتحمل ادوات صوتية فائقة الدّقة وذات نوعيّة تصلح لادارة حفل موسيقي داخل قاعة مغلقة. اتاتورك كانت الكلمة الاسهل على مسامع الناس الذين اعتادوها جواباً على سؤالهم مَن هذا الرجل في تلك الصورة او في ذلك النصب. وكان الخطيب يتحدّث عن مصطفى كمال وعن ردة فعله لو كان حاضراً الآن في تاريخ تركيا المعيش وذلك في اشارةٍ الى تقصير حكومة اردوغان وفق تحليل الخطيب وأنصاره. كان لافتاً الكلام عن ملايين الدولارات وتكراراً للتعبير عن اتهام الحزب للنظام الحاكم "مليونات" باللهجة التركية وبالتركيبة الانكليزية والصوت اللاتيني تجذب المستمع الاجنبي امّا ليسأل وامّا ليحدّث نفسه قائلاً هذا ما سمعته البارحة من سائق تاكسي معارض للنظام او من مواطن تركي تعرّفت عليه بالمقهى او ضمن نشاطٍ سياحي في اسطنبول او جوارها.
لم تكن الحملة المذكورة ولا شبيهاتها في تركيا تركزّ فقط على الانتخابات البلدّية رغم اهميّتها بل تجاوزتها للحديث او التحضير لتغييرٍ منتظر يعد به كل فريق على هواه السياحي ومنهجه الفكري والعقائدي. ولم يكن اجتماع الصباح الخاطف والمصرّح به من قبل سلطات المدينة اللقاء السياسي الوحيد في شارع تقسيم ذاك او في اي نهارٍ آخر، فلقد تزامن الاخير مع حملات أصغر ادارها متطوعون من حركة مناهضة العنف ضد المرأة واخرى كانت لمصلحة بعض المرشحين المستقلين ودائماً بتوليفةٍ انيقة راعت طبيعة الشارع وزواره.
لربّما تجاوز السائح المنشغل بغاياتٍ سياحيّة بحتة كل هذه المحطات ورغم جاذبيتها الصارخة وقدرتها على خطف الانتباه، غير انّه لن يستطيع الهروب من لحظة تأمل لتكوين رأيه عن الشعب التركي عموماً، وعمّا اذا كانت شعارات حزب الشعب (حزب الشعب الجمهوري) محقة في مضمونها المتعلق بأنّهم بنوا تركيا الحديثة وأخذوها باتجاه النظام الجمهوري. ويذكر ان بولاند اجاويد هو واحد من اهم وجوه هذا الحزب في تاريخه القديم قدم الدولة الحديثة، وهو الذي كان وراء اجتياح قبرص والحرب على اليونان.
في الخلاصة اذا كانت ممارسات الاحزاب التركية على شاكلة اجتماعاتها وحملاتها الراقية فستكون بلاد الاناضول هي اسعد الدول وارقاها، لكن للسياسة مساراتٍ اخرى وقدر آخر.