71
للأديب السوري فؤاد الشايب مجموعة قصصية مشهورة عنوانها "تاريخ جرح" (بيروت: دار المكشوف، 1944). ومع أن لا وشيجة بين قصص هذه المجموعة وجروح العرب، إلا أنه في الإمكان أن نخترع وشيجة لغوية للقول: ما أكثر جروح العرب وندوبهم في التاريخ المعاصر، من فلسطين حتى الإسكندرون. وها نحن بعد ثمانين سنة بالتمام على احتلال الاسكندرون وضمه إلى الدولة التركية الأتاتوركية، وبعد سبعين سنة على سقوط فلسطين في أيدي الحركة الصهيونية، وبعد ثلاثة وتسعين عاماً على اقتطاع الأحواز من الجسد العراقي وإلحاقها بالدولة البهلوية الإيرانية، مازلنا نبحث عن أدواء لجروحنا، وعن مخارج من هواننا، ولا نجد في هذا العماء المدلهم إلا الأملاح الكاوية. والعبرة هنا هي أن قضية الإسكندرون انطفأت قبل أن تطوي نصف قرن من عمرها، وباتت في مستودع الأشياء القديمة، أو في مخزن القضايا المهملة. أما قضية فلسطين فما فتئت حية على الرغم من الويلات والمحن. والفارق هنا جدير بالتأمل حقاً؛ التأمل في اختلاف البدايات والجذور والمآلات، مع أن الجروح كلها متشابهة كالبقرات السوداء في الليل الأسود
من أكثر المشاهد مدعاة للنفور تلك الخرائط التي تنشرها الصحف العربية، أو تعرضها محطات التلفزة في برامجها الإخبارية، والتي تُظهر لواء الاسكندرون ضمن الأراضي التركية، فلا تظلله، على الأقل، بخطوط مائلة، كما هي العادة عند رسم الخرائط، للإشارة إلى أن لهذه المنطقة مصيراً خاصاً، أو وضعاً مختلفاً عليه. والأغرب أن المذيعات والمذيعين لا يتورعون، جراء جهلهم، عن السقوط في أغلاط شنيعة، كالكلام على إقليم "هاتاي" وهي التسمية التركية للاسكندرون، أو يلفظون اسم مدينة "كِلِّس" هكذا: كيليس؛ فهم لا يعرفون شيئاً عن التاريخ القريب لهذه المدينة التي كانت مركز زعامة علي باشا جانبولاد الكردي، وهو الجد الأعلى لآل جنبلاط. والأمر نفسه يتكرر حين تعرض بعض المحطات التلفزيونية خريطة فلسطين وعليها اسم "اسرائيل". والأنكى أن بعض معدي نشرات الأخبار يستعملون كلمة "أشكلون" بدلاً من عسقلان، و "أورشليم" بدلاً من القدس، و "حبرون" بدلاً من الخليل. وعلى هذا الغرار تجري عملية جهولة تطمس، في نهاية المطاف، الحقائق الجغرافية والتاريخية التي لا جدال فيها، بيننا على الأقل، ومنها قضية لواء الاسكندرون المنسية. على أن قضية الاسكندرون ليست وحدها العالقة بيننا وبين الأتراك… لنتذكر أن تركيا القومية ضمت إليها قبل ذلك كيليكيا أيضاً البالغة مساحتها نحو 80 ألف كلم2. وكانت كيليكيا تضم مرسين وأضنة وطرسوس وميناء جيحان والمصيصة، وهي كلها سورية خالصة، ومازالت حتى اليوم ذات أغلبية سورية، واللغة العربية فيها ظاهرة على الرغم من التتريك الذي لم يتوقف منذ ثمانين عاماً. لنتذكر أيضاً منطقة الجزيرة العليا ومدنها التاريخية مثل ماردين وعينتاب ومرعش وأورفة (الرها) وبيره جيك وسعرت وديار بكر، وهي جميعها مدن سورية كان لها شأن مهم في التاريخ السوري الوسيط، خصوصاً مدينة الرها العظيمة. وكان إقليم الاسكندرون جزءاً من ولاية حلب قبل أن يخون الانتداب الفرنسي ما انتدبته إليه عصبة الأمم، ويسلِّم، تسليم اللصوص، لواء الاسكندرون إلى تركيا الكمالية. وفي هذا اللواء تقع أنطاكيا التاريخية عاصمة سوريا القديمة؛ المدينة التي عُرف المسيحيون فيها بهذا الإسم أول مرة في تاريخهم، وهي مركز كراسي بطاركة المشرق. وفضلاً عن أنطاكيا سلب الأتراك مدناً كثيرة مثل الاسكندرون وبيلان وقرقخان والريحانية والسويدية وبتياس. والمعروف أن ولاية حلب كانت تمتد من مدينة ملاطية في قلب جبال طوروس إلى حماة.
من مفارقات تاريخنا الحديث، بل ربما من مصادفاته وتوافقاته الزمنية، أن العَلَم السوري أُنزل بالقوة من سماء لواء الاسكندرون في 29/11/1937، أي في التاريخ نفسه الذي صدر فيه، بعد عشر سنوات كاملة، قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين (القرار 181)، وكأن مصير هذه الأمة أن تُحتل وتُقسَّم، وأن تشهد، في كل مرحلة، مقاومة عظيمة للاحتلال والتقسيم ومحاولات إفناء هذه الأمة، وفشلاً كبيراً في منع التقسيم والاحتلال.
شيء من التاريخ
يقع لواء الاسكندرون في أقصى الشمال الغربي من سوريا. وتبلغ مساحته 18 ألف كلم2. كان يسكنه في عام 1939 نحو 220 ألفاً من السكان، بينهم 87 ألفاً فقط من الأتراك. والبداية كانت في معاهدة سيفر (10/8/1920)، أي معاهدة الصلح التي وقعتها تركيا مع الحلفاء، والتي تنازلت فيها عن منطقتي الاسكندرون وكيليكيا لتعودا إلى سوريا. ورفض مصطفى كمال (أتاتورك) ومعه عدد من البرلمانيين والقادة الأتراك هذه المعاهدة، وقاد حركة مناهضة لمعاهدة سيفر في شرقي الأناضول، وأقام علاقات مباشرة مع الاتحاد السوفياتي ومع فرنسا الدولة المنتدبة على سوريا، ثم وقع معها معاهدة أنقرة، التي مُنحت فرنسا بموجبها بعض الامتيازات في الاسكندرون. وفي 24/7/1923 عقد الحلفاء معاهدة الصلح مع حكومة تركيا الجديدة (معاهدة لوزان) التي اعترفت بمعاهدة أنقرة. ومنذ ذلك الوقت راحت تركيا تتذرع بذلك للمطالبة باللواء. وقد هيأ عقد المعاهدة السورية- الفرنسية لجلاء قوات الانتداب الفرنسي عن سورية (9/9/1936) لتركيا التذرع بذلك للمطالبة بتعديل وضع لواء الاسكندرون، وبحجة أن منح سورية الاستقلال يلزم فرنسا أن تعيد النظر في وضع اللواء وتمنح سكانه الأتراك الاستقلال أيضاً. وحاولت الحكومة السورية تحت الانتداب، وكانت حكومة ضعيفة وعاجزة، أن تتفاوض مع تركيا على تقسيم اللواء بحيث تكون مدينة الاسكندرونة في القسم التركي، ومدينة أنطاكيا في القسم السوري مع تبادل السكان، إلا أن أتاتورك القومي الطوراني رفض ذلك العرض، وأصرّ على إلحاق أنطاكيا بتركيا. وعند ذلك تركت حكومة "الكتلة الوطنية" السورية بقيادة سعدالله الجابري وجميل مردم السوريين في اللواء إلى مصيرهم. ويمكن إيجاز الوقائع السوداء التي عصفت بلواء الاسكندرون وأهله بالمحطات التالية: في 29/5/1937 أقرَّ مجلس عصبة الأمم خطة لحل مشكلة اللواء على أن يبدأ تنفيذها في 29/11/1937. وعرفت هذه الخطة باتفاقية جنيف التي نصت على فصل اللواء عن سورية، وتأليف حكومة مستقلة له، وانتخاب مجلس نيابي، وتعيين رئيس للواء ورئيس حكومة، مع بقاء الشؤون الخارجية والعملة والبريد مرتبطين بسورية.
رفض مجلس النواب السوري هذه الاتفاقية، واندلعت تظاهرات في مدن اللواء تطالب بالانضمام إلى سورية. وعند هذا الحد أعلن الفرنسيون الأحكام العرفية بصفتهم سلطة انتداب، وأنزلوا وحدات عسكرية إلى المدن، وشرعوا في حملة اعتقالات واسعة للقوميين العرب والأرمن، وعطلوا الصحف العربية في أنطاكيا والاسكندرون، وأغلقوا النوادي العربية كنادي العروبة ونادي المثنى وغيرهما. وفي 15/7/1938، أي منذ ثمانين عاماً بالتمام، اجتازت وحدات من الجيش التركي حدود لواء الاسكندرون بالتواطؤ مع الانتداب الفرنسي، واحتلت أرسوز وأنطاكيا والسويدية وبيلان، وهي مدن ذات أغلبية عربية ساحقة، وطردت محافظ اللواء السوري حسني البرازي، وعينت بدلاً منه التركي عبد الرحمن ملك، ثم أعلنت الأحكام العرفية، وبدأت عمليات طرد الموظفين العرب وتعيين أتراك من حزب "خلق أوي" (بيت الشعب) في مكانهم، ونظمت انتخابات نيابية مزورة، فاز الأتراك بغالبية 22 مقعداً مقابل 18 للسوريين. وفي 2/9/1938 افتتح المجلس النيابي دورته برئاسة عبد الغني تركمان، وألغى اسم "لواء الاسكندرون"وصار يدعى "إقليم هاتاي"، وعُين طيفور سوكمان رئيساً لحكومة اللواء. وعلى الفور بدأت إزالة المعالم العربية في مدن اللواء وتغيير الأسماء العربية بعدما غادرته إلى سورية والعراق خيرة أبناء النخبة العربية المتنورة وكثير من الأرمن والمسيحيين وغيرهم أمثال زكي الأرسوزي رئيس عصبة العمل القومي في اللواء، والروائي الكبير حنا مينة، والأديب صدقي اسماعيل الذي أصدر في دمشق مجلة "الكلب" المشهورة، وسليمان العيسى وهو واحد من أبرز الشعراء العرب في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته وستينياته، والفنان أدهم اسماعيل ووهيب الغانم، وهو طبيب وسياسي وأحد مؤسسي حزب البعث العربي، واسكندر لوقا (كاتب) وإدوارد نون (صحافي) ونخلة ورد (شاعر)، وغيرهم كثيرون جداً.
* * *
كان اقتطاع الاسكندرون من الجسد السوري جزءاً من مسار طويل لتقسيم سورية. وقد عمدت فرنسا إلى اقتطاع اللواء وتسليمه إلى تركيا استرضاء لها عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية. ففي 23/6/1939 وقع في باريس سفير تركيا في فرنسا ووزير خارجية فرنسا معاهدة بالأحرف الأولى للتعاون الحربي بين البلدين. وفي الوقت ذاته كان سفير فرنسا في تركيا يوقع في أنقرة مع وزير خارجية تركيا معاهدة نهائية تسلم فرنسا بموجبها لواء الاسكندرون السوري إلى تركيا. وهكذا صارت تلك الاتفاقية في منزلة اتفاقية الضم التي أُدخل اللواء بموجبها ضمن الأراضي التركية. وفي 23/7/1939 تسلمت تركيا نهائياً لواء الاسكندرون، وصار يُعرَف لدى السوريين بعبارة "اللواء السليب"، بينما أطلق الأتراك عليه اسم "إقليم هاتاي".
وثائق
ستون سنة على احتلال الإسكندرون
ثلاث وثائق عن اللواء لم تُنشر من قبل
لكل من فوزي القاوقجي وزكي الأرسوزي ومحمد الزرقا
في أثناء التنقيب عن مطموراتنا التاريخية والثقافية عثرنا بين أوراق المجاهد فوزي القاوقجي على ثلاث وثائق شديدة الأهمية تتعلق بالإسكندرون وتتحدث، بالتفصيل، عن الأحداث التي سبقت ضم اللواء إلى تركيا، وعن السياسة الفرنسية إزاء هذه القضية، وعن أنصار تركيا في حلب وحتى في حمص وحماه ودمشق. وهذه الوثائق الثلاث لا تحتاج إلى شرح أو تقديم، فهي تتناول قضية الإسكندرونة بوضوح ساطع. ولم نتدخل في مضمون هذه الوثائق إلا في مواضع قليلة جداً وجدنا أن من الضروري حذف بعض الفقرات لعدم الأهمية، وقد أشرنا إلى ذلك في موضعه. وفي ما يلي نصوص الوثائق.
الوثيقة الأولى
كركوك في 21/2/1937
من فوزي القاوقجي إلى فخري البارودي
جواباً عن استفتائه بشأن قضية إسكندرونة
الأخ السيد فخري البارودي المحترم
لا أرى لزوماً لشرح أهمية إسكندرونة وخطورتها بالنسبة إلى حياة الدولة السورية والأمة العربية، فضياعها خسارة لا تعوض وتتعدى حدود ما تتصور، إذ يضيع معها استقلال سورية ويقضي على الوحدة العربية. لأن بضياع إسكندرونة تصبح حلب ودير الزور والجزيرة الشمالية تحت النفوذ التركي، بل الخطر يتعدى ذلك إلى شمال العراق. وبعد هذا لا تبقى سورية، وبدون سورية لا عرب ولا عروبة. وهذا ما ترمي إليه تركيا من اغتصابها للإسكندرونة. إن رضوخنا يشجع الأتراك وبقية الدول على اغتصاب البقية الباقية من بلادنا ويزيد من طمع الطامعين فينا، لذلك يجب أن ندافع عن الإسكندرونة دفاع المستميت عن حياته. وعندما تعزم هذه الأمة على الدفاع فالعقدة تنحل، وباستطاعتنا الدفاع. ولقد أثبت الشعب السوري قابليته في الدفاع أمام جيوش فرنسا وأمام إنكلترا الحديثة الميكانيكية وصمد لها طويلاً، وهي أعظم وأقوى من تركيا وجنودنا أشجع وأبسل من جنود الأتراك وأن النقص الوحيد لدينا هو القيادة والزعامة.
وعندما تقدم الأمة بأجمعها على الدفاع بإخلاص يتيسر لها كل شيء. إن فرنسا ملزمة شرفاً أن تقدم لنا السلاح فقط، وإلا فتداركه من جهة أخرى ليس بالمستحيل. إن دفاعنا عن إسكندرونة يجر الأتراك إلى حرب يطول أمدها ولا تعرف عاقبتها، ويجر من طرف آخر العرب طوعاً أو كرهاً للانخراط في هذه الحرب.
وهذا ما لا تُقدم عليه تركيا لأنه ليس من مصلحتها ويفتح عليها أبواباً لتصفية حسابات الكثيرين من مختلف الشعوب المحلية والأوروبية. وهذا ما تعرفه تركيا حق المعرفة وتحسب له كل حساب، فهي تريد إسكندرون عن طريق البلف والتهديد وعند الجد تتراجع وتقع في الطامة الكبرى.
إنكم وحدكم المسؤولون عن ضياع إسكندرونة، فبيدكم الحكم وبيدكم قوة الشعب الذي سلم مقدراته إليكم ووضع دمه تحت تصرفكم. وأنتم أول حكومة وطنية وجدت بقوة الشعب لتصون حقوقه وتدافع عن حدود بلاده. فضياع الإسكندرونة ضياع شرفنا وحياتنا وفي الدفاع فقط حياة لبلادنا ولحريتنا.
إذاً، الاستماتة في الدفاع هي الحل الوحيد.
فوزي القاوقجي
الوثيقة الثانية
اللاذقية في 12/9/1938
من محمد الزرقا إلى زكي الأرسوزي
حضرة سيدي الأستاذ الكريم السيد زكي الأرسوزي المحترم
لقد أخذت الدعايات الأجنبية تتوسع يوماً بعد يوم، فمن الجزيرة إلى حلب إلى منطقة العلويين تتجاذب الشعب أصناف من الرجعية والدعايات الأجنبية، كلها مصدرها واحد وترمي لغاية واحدة، وأخصها بالذكر الدعايات التركية التي يقوم بها أناس لا أخلاق لهم من عموم العناصر الشعبية من الآغوات الإقطاعيين إلى الشباب المثقف إلى العمال السذج، تغذيها أموال طائلة تصرف بمعرفة القنصليات الرسمية عدا عن البؤر التي خلفتها هذه الأموال في كل مدينة بل وفي كل قرية لنفث السموم وخدع أكبر عدد ممكن من السذج.
إن هذا الاهتمام الكلي من جانب تركيا بتوسيع دعايتها في سورية لا سيما الشمالية منها وتشجيع الفرنسيين بصورة ظاهرة ورسمية لهذه الدعاية يضطرنا للاعتقاد بأن تركيا عازمة على القيام بحركة عسكرية واسعة في أول فرصة تسنح مستندة على الأوضاع العالمية وعلى بلبلة الشعب السوري وانهياره وتأييد فرنسا لها في مطامعها.
ففي مدينة حلب معقل الشمال لا تقتصر الدعاية التركية على جماعة جاهلة معينة كما تدعي الحكومة، بل إنها حركة واسعة خطرها كبير يقودها رجال إقطاعيون ذوو نفوذ شعبي ووطني وشباب مثقف، منهم الدكتور والمحامي والأستاذ والطالب وكتلة كبيرة من سواد الشعب الذي أصبح يعيش في جحيم من الأزمة الاقتصادية الخانقة، والذي أصبح يعتقد أن مجرد اتصال حلب بتركيا يفتح أمامه سبل الأناضول. أضف إلى ذلك الحركة الرجعية واسعة النطاق التي تغذيها مصادر معلومة لدى الجميع وهي الحركة الطائفية الممقوتة التي أخذت تتوسع وتخلق من أتفه الأسباب مشاكل جديدة لتزيد الطين بلة وتقود الشعب إلى شر ما يمكن أن يُقاد إليه.
وإلى جانب هذه وتلك توجد فكرة الانفصال عن دمشق، هذه الفكرة التي يؤيدها حتى موظفو الحكومة ونواب الأمة من أبناء حلب. ابتدأت بصورة استياء بسيط من احتكار أبناء الشامل للوظائف وانتهت بشكل مطاليب شعبية، حتى أصبحت أخيراً صورة مصغرة لمطاليب (…) أكثر غموضاً أو بالأحرى حركة تبرير ضمني للحركات الانفصالية الواسعة في سوريا التي أخذ يتردد صداها من جميع أطراف البلاد السورية. وفي اللاذقية حركات لا تختلف عما تقدم في شيء ولكنها أكبر خطراً وأقرب تبعاً لنفوذ ضباط الاستخبارات بين طبقات الشعب وتبعاً لمدى ارتباط ذوي النفوذ الإقطاعي بدوائر المندوبية.
فقد استغل الفرنسيون جهل المنطقة والنعرات الطائفية (…) وغذوها بما لهم من نفوذ وقوة، حتى استفحل أمرها وتعرضت المنطقة والبلاد السورية في مناسبات عديدة إلى خطر مريع. وقد وجدوا اليوم وقتاً مناسباً لإثارة الفتن من جديد لخلق الجو الملائم وإتمام مشروعهم، فذرت النعرات الطائفية قرنها وتمكن الفرنسيون من سوق بعض الإقطاعيين (…) من الذين يمثلون نفوذ الحكومة إلى القيام بأعمال غير مشروعة، ما أدى إلى غضب الشعب (…) وانصياعهم لإرادة الفرنسيين الذين سيّروهم ضد الحكومة الحاضرة، وزيّنوا لهم التسلح (…) ضد الحكومة السورية. وقد بدأ هؤلاء حركاتهم العدائية بطرد الجباة والدرك من مناطقهم وقراهم والاستهتار بأوامر الحكومة منذ شهر ونصف تقريباً. وقد أصبحت هذه الأمور أشياء اعتيادية وشبه عصيان مدني (…). أضف إلى ذلك الدعاية التركية الواسعة جداً في نفس مدينة اللاذقية، ففي كل قرية أو محلة يوجد دعاة مخصوصون لا عمل لهم غير ما تقدم، توزع عليهم النقود بصورة (مطّردة) تحت سمع الحكومة ودوائر الشرطة دون أن تتخذ هذه الدوائر الرسمية أبسط الإجراءات بصدد ذلك.
وقد حدثت عدة حوادث ظاهرة دون أن يهتم لها أحد. منها أنه (…) تقدم في منطقة الباير المتاخمة لحدود اللواء شمالي اللاذقية 400 رجل إلى دوائر الاقتراع في اللواء أيام التسجيل، وتسجلوا في القائمة التركية ثم رجعوا إلى بيوتهم آمنين. وقد وصلت إلى الحكومة تقارير رسمية توضح ذلك فطرحتها في سلة المهملات، مع أن المفروض في هؤلاء أنهم ارتكبوا الخيانة العظمى لوطنهم ومن الواجب على الأقل سؤالهم عن الدوافع لعملهم الشاذ، ولكن أحداً لم يسأل.
وفي أقضية حلب حركات واسعة لا تختلف بجوهرها عن حركات اللاذقية. ففي قضاء جرابلس المتاخم للحدود التركية موظفو الدولة يقومون بالدعاية لتركيا. فقد اجتاز الحدود عدد لا يقل عن المئة رجل من جرابلس يوم عيد الظفر التركي فاشتركوا في العيد ثم رجعوا، ولما أراد القائمقام استجوابهم ومحاسبتهم هبط الوحي الفرنسي وأخلى سبيلهم جميعاً، مع أن القانون ينص بوجوب سجن مخترق الحدود دون جواز سفر ستة أيام هذا إذا لم تكن هناك فكرة سياسية. وكان من اللياقة أن تقوم الحكومة حفظاً لهيبتها على الأقل بتطبيق أبسط قواعد القانون ولكنها لم تفعل. وفي الأسبوع الماضي أقام أحد الآغوات الإقطاعيين المشتركين حفلة تمثيلية دعا إليها عموم موظفي القضاء فلبّى الجميع هذه الحفلة ولم يتخلف أحد.
وبدأت الرواية باللغة التركية في تمجيد تركيا وشتم وإهانة العرب وسوريا فلم يغضب أحد ولم ينسحب موظف واحد من الحفلة انتصاراً لسوريته أو عروبته أو انتصاراً على الأقل لوظيفته. وطويت هذه القضية بهمة دوائر الاستخبارات الفرنسية كما طوي ويُطوى يومياً أمثالها.
وفي قضاء عفرين المتاخم لحدود اللواء اجتازت الدعاية التركية طورها الأول وتغلغلت تغلغلاً عميقاً أصبح من الصعب كفاحها. فقد دخل اللواء من هذه المنطقة السورية أيام التسجيل عشيرة كردية بكاملها يقودها الرجل الكردي محمد آغا وتسجلت في القائمة التركية تحت سمع الحكومة وبصرها ثم عادت أدراجها. وفي منبج وإعزاز والجزيرة حتى وحمص وحماه ودمشق نفسها دعايات تتوسع مع الزمن وتقوى وتشتد ويمكن منها خطر داهم تغذيها أموال طائلة وإهمال طائل من جانب الحكومة.
فعلى المسؤولين، من الأزمة العربية، أن ينتبهوا إلى ما يجري في هذا القطر العربي من المؤامرات والدسائس لشل حركة الأمة العربية وتأخير تقدمها.
محمد الزرقا
الوثيقة الثالثة
18/9/1938
من زكي الأرسوزي إلى إبراهيم الخضيري
سعادة قنصل المملكة العراقية السيد إبراهيم الخضيري المحترم
إجابة لطلبكم أُقدم فيما يلي تقريراً عن تطور قضية لواء الإسكندرونة بصورة موجزة:
عندما دخل الجيش التركي لواء الإسكندرونة حضر الوالي التركي عبد الرحمن ملك وقابلني في السجن بأنطاكية حيث بلّغني خبر إطلاقهم سراحي، وقال بالحرف إن حكومتي فرنسا وتركيا قد اتفقتا على القضاء على كل ما هو عربي في اللواء، كما أن «المسيو غارو» مندوب فرنسا السابق في اللواء قد صرح لي بحضور الكولونيل دي كورسان الملحق العسكري الفرنسي في سفارة أنقرة والقومندان بونو رئيس الاستخبارات العام في سوريا وضابط استخبارات أنطاكيا وفريق من رجال العرب البارزين أن فرنسا وتركيا متفقتان منذ زمن بعيد على تتريك المنطقة وتأمين الأكثرية الانتخابية للأتراك، وكنا نحن الفرنسيين نعتقد أن إطلاق حرية العمل للأتراك مع بذل الأموال من جهتهم يكفيان لتأمين هذه النتيجة، ولكنكم ألهبتم الشعور القومي عند الجمهور العربي فاضطررتمونا بذلك أن نكشف عن سياستنا ونطلب منكم أن تستنكفوا عن التسجيل ليتسنى للأتراك الحصول على النتيجة، وإلا نستعين عند الإيجاب بالجيش التركي لتنفيذ اتفاقيتنا.
ولما خلف الكولونيل «كوله» المندوب «غارو» في حاكمية اللواء صرح أيضاً لجميع الوفود العربية التي استدعاها إليه: إن فرنسا مستعدة أن تضحي بكل شيء في سبيل الاتفاق الفرنسي- التركي، فالعهود المقطوعة والمثل العليا والفضيلة والشرف والعدل لا قيمة لها عند مصلحة الدولة، ومصلحة فرنسا هي الاتفاق مع تركيا. وأضاف على ذلك بأن الحكومة السورية موافقة على هذا الاتفاق، وأن رجال الحكومتين الفرنسية والسورية لم يكونوا صريحين معكم.
والحقيقة أن هذا الاتفاق قديم العهد يرجع تاريخه إلى الوقت الذي تخلت فيه فرنسا دون سبب عن كيليكيا إلى تركيا وحرمت سورية وبلاد العرب من حدودها الطبيعية (جبال طوروس)، في وقت كان الجيش اليوناني يتقدم إلى أبواب أنقرة، فعقدت معها اتفاقية أنقرة عام 1921 وتمشت على سياسة تتريك اللواء لغاية اتخاذه قاعدة للتعاون الفرنسي التركي على العرب.
فالعنصر التركي الذي يشكل 25 بالمئة من عدد سكان اللواء كان بدافع الدين مرتبطاً بسوريا، غير أن السلطة الفرنسية تمكنت عن طريق المدارس والنوادي والصحف من نشر الدعاية الكمالية بين أتراك اللواء فوجهت على الأقل سكان المدن نحو أنقرة وظلت أكثر القرى التركية حتى اليوم محافظة على تقاليدها وبيعتها للحكومة الفيصلية في سوريا.
ففرنسا أكثرت من عدد المدارس التركية وزودتها بالأساتذة الكماليين وعممت تدريس كتب الجمهورية التركية وسهلت لأكثر من خمسمئة طالب تركي من لواء الإسكندرونة الدراسة في مدارس تركيا على نفقة الحكومة التركية وكانت تمنح المساعدات المالية للنوادي والصحف التركية، كما أن مستشار المعارف الفرنسي كان بالاتفاق مع القنصل التركي في حلب يضع برامج التعليم والمستشار نفسه كان يشجع الطلاب الأتراك للاشتراك بأعياد الجمهورية التركية ويقدم لهم الزهور. وكان جميع المندوبين الفرنسيين في اللواء يحملون أعيان الطوائف على المطالبة بفصل اللواء عن سوريا، كما أنهم كانوا يكافحون كل ما هو عربي، فلم تبقَ أية مدرسة للعرب السنيين الذين يبلغ عددهم 45 ألفاً، وأنزلوا عدد المدارس عند العلويين إلى ثُمن ما كانت عليه في العهد العثماني. وجميع الأساليب كانت مباحة لإبعاد العرب ولاسيما العلويين عن التجهيز، ولم يكن مسموحاً للعرب تأسيس النوادي ولا عقد الاجتماعات العامة حتى ولا الألعاب الرياضية. وكانت دوائر الحكومة تعامل الناس معاملة خاصة حسب طوائفهم، فالطائفة التركية كانت تتمتع دائماً بامتيازات خاصة على عكس العرب، كل هذا كان يجري قبل الشروع بالمفاوضات الفرنسية- السورية سنة 1936.
أثيرت قضية اللواء حالما دخل الوفد السوري بالمفاوضة في بيروت مع المفوض السامي. وعند عودة الوفد من بيروت إلى دمشق ذهبت إلى منزل السيد هاشم الأتاسي وسألت عن قضية اللواء فأجابني السيد فارس الخوري بحضور مجلس كبير: «إن المفوض السامي قد اشترط علينا الموافقة على جميع ما يطلبه الأتراك في لواء الإسكندرونة وقد قبلنا دخول المفاوضات على هذا الأساس».
وبينما كان الوفد السوري المفاوض في طريقه إلى فرنسا، بعث المندوب المسيو «دريو» في اللواء الدكتور عبد الرحمن ملك على نفقة الحكومة الفرنسية إلى تركيا لإثارة الرأي العام التركي، فنظم الحملات الصحفية واشترك بتأسيس جمعية هاتاي هناك، وفي الوقت نفسه استقدم المندوب السيد صبحي بركات من دمشق إلى أنطاكيا حيث أقنعه بضرورة تعاونه مع الحزب الكمالي، وكان المندوب ذاته يدفع قيمة القبعات التي كان يوزعها الحزب التركي مجاناً على الأهلين. وبدأت قوافل الدعاة ترد من تركيا وتسير بتدريب الفرنسيين، وقد كلفني حينذاك الكومندان «بونو» ذاته أن أعمل مع الأتراك والشيخ معروف الجلي (…) الذي وافق على السير حينذاك وفق هذه الخطة وأرسل أحد أبنائه إلى أنقرة. وغب عودته إلى أنطاكيا استصدر المندوب عفواً خاصاً من رئيس الجمهورية السورية السيد هاشم الأتاسي عن أبناء الشيخ معروف الجلي المحكومين بجناية قتل.
كما أن الكومندان «ثريا قاسم» قائد درك «نيكده» في الأناضول الموفد من قبل أتاتورك لمقابلتي صرح لي بأنه يتلقى طرق العمل من الموظفين الفرنسيين، وأن فرنسا وتركيا على اتفاق تام. أما الحكومة السورية المتحالفة مع فرنسا فقد كانت تتبنى السياسة الفرنسية في اللواء. فالسيد سعدالله الجابري اتفق في إسكندرونة مع المندوب الفرنسي على ترشيح قائمة نيابية كان أفرادها قد طالبوا بمضبطة فصل السنجق عن سوريا، وهم أنفسهم اليوم قد أعلنوا عن تركيتهم.
وقد احتج عرب اللواء على هذه السياسة وقاطعوا الانتخابات. ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم لا تزال الحكومة السورية تؤيد «عمال» فرنسا في اللواء، حتى إن مدير الداخلية السورية السيد عادل العظمة أبلغ رجال الصحافة بدمشق أن «جمعية الاتحاد الوطني» في اللواء هي حزب الحكومة السورية، مع أن هذا الحزب عدا عن كون رجاله صنائع فرنسا يعترف في برنامجه باتفاقية جنيف ويدعو لفصل اللواء عن سوريا. وبينما كان الأتراك يفتحون النوادي حتى في القرى ويعلّمون الأميين من رجال ونساء ويكثرون من عدد الصحف باللغتين التركية والعربية ويسجلون المكتومين من الأتراك ويقومون بالتنظيمات الشعبية ويبذلون الدراهم بسخاء، إذ أنفقوا أكثر من مليون ونصف (مليون) ليرة سورية على حد قول الفرنسيين، كانت الحكومتان الفرنسية والسورية تمنعان كل عمل من شأنه تقوية الحركة العربية. فالحكومة السورية منعت جميع الإعانات لعرب اللواء، وقد قال لي السيد فؤاد الجابري رئيس مكتب الكتلة الوطنية بحلب إن المفوض السامي هدد الوزارة بالإقالة إذا جمعت إعانات باسم اللواء، وأن الحكومة السورية عاهدت المفوض السامي بأن تمنع المساعدة سراً وجهاراً عن عرب اللواء. وقد دفع لي السيد إحسان الجابري في العام الماضي خمسين ليرة سورية وحلّفني أن لا أصرف منها شيئاً للحركة العربية. ولما جمع فرع عصبة العمل القومي بحمص 91 ليرة سورية أنذرت الحكومة القائمين بالعمل وعممت الإنذار على المدن السورية.
وكانت السلطة الفرنسية تمنع عن العرب تأسيس النوادي وإصدار الصحف والقيام بالتنظيمات الشعبية وتسجيل المكتومين، ولم يخجل السيد شكري القوتلي رئيس الوزارة بالوكالة من إصدار بلاغ إلى الدرك بمنع تعليم الأميين أسوة بالأتراك في اللواء. وكانت هذه التدابير كما صرح المندوب «غارو» مؤخراً بأنها كافية للحصول على النتيجة بحضور اللجنة الدولية. وعلى الخصوص كانت الحكومة السورية متفقة مع السلطة الفرنسية على إبقائي في دمشق أثناء التسجيل حتى إنني لما اغتنمت فرصة ذهاب المندوب «غارو» إلى باريس أثناء قدوم اللجنة الدولية إلى أنطاكيا وعزمت على السفر إلى أنطاكيا، استقال السيد نبيه العظمة من وظيفة مندوب الحكومة السورية في اللواء. وقد صرح أن ذهابي إلى اللواء جرم. وقد خلفه في وظيفته السيد فؤاد مفرج الذي اضطر العرب بسلوكه إلى محاولة طرده من المنطقة، واضطرني أن أبرق إلى السيد مردم بك محملاً الحكومة السورية مسؤولية سلوك مندوبها.
عندما قدمت اللجنة الدولية إلى اللواء وأوحت إلى الشعب حرية تعيين مصيره وألهبت الشعور القومي وانتصر العرب في نيلهم الأكثرية في المناطق التي كان يؤمل الأتراك الفوز فيها، فاضطر هذا الفوز المندوب «غارو» للعودة بسرعة من باريس والسفر إلى أنقرة لدرء خطر فشل السياسة الفرنسية- التركية. وفي عودته من أنقرة أخذت السياسة الفرنسية ترفع عنها القناع، فأدخل الجيش الفرنسي، وستة آلاف جندي منه طوقوا اللواء، وأقيل بعض كبار الموظفين العرب واستعيض عنهم بأتراك وتسلم الأتراك الأمن. فدعانا المندوب «غارو» وأبلغنا ما بيّناه في صدر الكلام، ولما رفضنا مطاليب «غارو» استقال من منصبه وخلفه الكولونيل «كوله» وراح الدرك التركي ينزل بالعرب أنواع التفظيع من نهب وحرق وقتل وسبي أعراض واعتقال المئات منهم بقصد الإرهاب وإقصاء العرب عن التسجيل، وكل هذا على مرأى من اللجنة الدولية. وقد أذاعت اللجنة بياناً تستنكر فيه أعمال السلطة الفرنسية والأتراك. ولما ظل العرب مثابرين على التسجيل اشتد الضغط عليهم إلى أن اضطرت اللجنة الدولية أن توقف التسجيل نهائياً وتترك اللواء إلى جنيف حاملة عواطف الاحترام والإعجاب بهم. وقد قال رئيس اللجنة المسيو «راسيرس» إن أعضاء اللجنة ينحنون أمام وطنية عرب لواء الإسكندرونة، ودخلت بعد ذلك هيئة عسكرية تركية إلى اللواء للمفاوضة مع الجنرال «هنتزجر» وأركان حربه وتم بينهما اتفاق عسكري، ونحن إن جهلنا تفاصيل هذا الاتفاق فالغاية منه تظهر في أعمال السلطتين التركية والفرنسية
ونذكر هنا أن شكري قايا وكيل الداخلية التركية حين زيارته لكيليكيا في العام الماضي قد أسس جمعية الصداقة التركية، فقررت هذه الجمعية اتخاذ ثلاثة مراكز للدعاية التركية في سوريا الشمالية: لواء الإسكندرونة وحلب وأراضي العلويين. ويستدل أيضاً من برامج التعليم في مدارس تركيا، وتصريحات رجال السياسة فيها ترى أن تركيا لن تقف عند حدود اللواء. ويتبين من التقرير الملحق بهذه المذكرة الذي وردني من أحد الشباب العاملين في سوريا الشمالية على توسع الدعاية التركية في سوريا الشمالية.
فالحالة الآن في اللواء وإن كان العرب فيه ظلوا أكثر تضامناً وأشد حماساً من قبل، إنما السلطة الفرنسية التركية اتخذت كل التدابير الممكنة لطبع اللواء بالطابع التركي، فعينت أعضاء المجلس النيابي وهيئة الحكومة من رجال الحكومة التركية واتخذت علم تركيا مع بعض التعديل علماً للواء وأطلقت على اللواء اسم «هاتاي»، وفرضت تعليم اللغة التركية على العرب وأغلقت المدارس العربية ومنعت استعمال اللغة العربية في دوائر الحكومة، وما تزال السجون حتى اليوم غاصة بالمئات من العرب. إلا أن عرب منطقة العمق الذي ينيف عددهم على العشرين ألفاً قد نزحوا إلى خارج حدود اللواء.
ونحن نعتقد في الظرف التاريخي الحاضر أن الحكومة العراقية المستقلة والوحيدة بين الحكومات العربية في اتجاه عصري تستطيع أن تنقذ الموقف بالإبقاء على معنويات العرب في اللواء وذلك بتخصيص كراسٍ مجانية لطلاب عرب اللواء في معاهد العراق، حيث تتوجه أماني وآمال الشعب العربي، فيحتفظ بكيانه ويشكل بذلك حصناً ضد النفوذ التركي في اللواء.
قدمت في 18 أيلول 1938
زكي الأرسوزي