عامان من الصدام بين ايران ودول ال5+ 1 اثمرا اتفاق .إيران باتت بموجبه قوة إقليمية نووية باعتراف مذيل بتوقيع الخمسة الكبار والاتحاد الأوروبي. الطريق الطويلة والشاقة وصبر ايران عبر سنوات الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية، أوصلت الإيرانيين إلى انتزاع الاعتراف الدولي بحقهم في تخصيب اليورانيوم بنسبة لاتقل عن5 % وهي النسبة التي تحتاجها ايران لاغراضها السلمية, وتكريس اتفاق اعتبره الكبار من المحللين بانه« زلزال جيوسياسي» وانقلاباً في الواقع «الجيوستراتيجي» من آسيا الوسطى حتى ضفاف المتوسط، مروراً بدول الخليج. إذ أصبح من الصعب على أي قوة في المنطقة تجاهل إيران النووية، أو الاستمرار في الاستناد إلى عدائها مع الولايات المتحدة لمواجهتها على مختلف الجبهات الإقليمية من أفغانستان الى العراق الى سوريا الى لبنان الى امن الطاقة ومساراتها وحتى الى منظومة الامن الاقليمي للشرق الاوسط. وأصبح صعباً على إسرائيل ادّعاء خطر البرنامج النووي الإيراني لمهاجمتها عسكرياً، من دون أن يصبح ذلك عدواناً على برنامج مدني مشرع دوليا. والاهم ان الاتفاق بلور محاور جديدة في المنطقة، قوامها بروز محور المقاومة (من لبنان الى ايران) كنواة صلبة يصعب تجاوزها في اي ترتيبات سياسية مقبلة, والتحالف الإيراني الروسي القوي، وخصوصاً أن الروسي يرعى للمرة الثانية بعد الكيميائي السوري، سحب صواعق التفجير، والحروب الإقليمية، برعايته مع الأميركيين، تسهيل الاتفاق وتعطيل الجزء العسكري من البرنامج النووي الإيراني.
فما هي ابرز بنود هذا الاتفاق ؟
وما هي العوامل التي ادت الى انضاج الاتفاق ؟ولماذا ما كان صعب في الماضي اصبح متوفر الان؟
وما هي تداعياته الدولية والاقليمية ؟
يتضمن الاتفاق «مرحلة أولى من ستة أشهر قابلة للتجديد باتفاق مشترك». وهو ينص على أن إيران «ستتخذ الاجراءات التالية بشكل طوعي» للحد من التخصيب وهي :
ــ «حول مخزون اليورانيوم الموجود حالياً والمخصّب بنسبة 20%، تحتفظ إيران بنصفه على شكل أوكسيد يورانيوم لصنع الوقود الخاص بمفاعل البحث المدني الإيراني. أما النصف الثاني فتتم معالجته ليصبح تخصيبه أقل من 5 %».
ــ تعلن إيران أنها لن تخصّب اليورانيوم الى ما فوق 5% خلال ستة أشهر .
ــ تعلن إيران أنها لن تواصل نشاطاتها في مصنع ناتنز وفوردو ومفاعل اراك.
ــ لن تكون هناك مواقع تخصيب جديدة.
ــ لن يكون هناك بناء لمنشآت قادرة على المعالجة.
ــ «رقابة مشددة»: «على إيران أن تسلم معلومات مفصلة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتضمن تصاميم المنشآت النووية ووصفاً لكل مبنى في كل موقع نووي ».
ــ يستفيد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية من حق الدخول بشكل يومي، ومن دون إعلان مسبق الى موقعي فوردو وناتنز.
ــ تقدم إيران معلومات يتم تحديثها عن عمل مفاعل اراك.
في المقابل، تلتزم «5+1» بتخفيف العقوبات على الشكل الآتي:
ــ «تعليق الجهود لفرض مزيد من الخفض على مبيعات إيران من النفط الخام، ما يتيح للزبائن الحاليين لإيران مواصلة شرائه بالمعدلات نفسها. والسماح بتحويل 4.2 مليار دولار من عائدات تلك المبيعات إلى إيران على أقساط بالتزامن مع التزام طهران بتعهداتها في الاتفاق.
ــ تعليق عقوبات الولايات المتحدة حول صناعة السيارات في إيران وحول الخدمات المرتبطة بها.
ــ لا عقوبات جديدة من مجلس الأمن مرتبطة بالنووي.
ــ لا عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي مرتبطة بالنووي.
ــ تمتنع الادارة الأميركية عن اتخاذ عقوبات جديدة مرتبطة بالنووي.
ــ إقامة نظام تمويل يتيح التجارة الانسانية لتلبية حاجات إيران.مما يسمح لها بتحويل 400 مليون دولار من أصول إيران المجمدة لتغطية نفقات دراسة الطلاب الإيرانيين في الخارج.
وستستفيد إيران بنحو 7 مليارات دولار لكن القدر الأكبر من احتياطاتها الأجنبية (نحو 100 مليار دولار) ستظل مقيدة بالعقوبات، وستبقى العقوبات مفروضة على مبيعات الطاقة الإيرانية (ولن يسمح بزيادة الصادرات) وكذلك على البنك المركزي الإيراني وعدد من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى .
ــ تعليق عقوبات الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حول الذهب والمعادن الثمينة والخدمات المرتبطة بهما، وحول الصادرات البتروكيميائية الايرانية والخدمات المرتبطة بها بما يوفر لها 1.5 مليار دولار من العائدات.
ما هي العوامل التي ادت الى انضاج الاتفاق ؟ولماذا ما كان صعب في الماضي اصبح متوفر الان؟
العامل الاول: وضع اميركا والاطلسي.
اولا- اعلن اوباما بعد انتخابه للمرة الثانية ان اولويات استراتيجية الولايات المتحدة الاميركية ترتكز على مسألتين : الاولى: التصدي للعجز في الميزان التجاري والدين العام الذي بلغ16.7 تريليون دولار , وللمشاكل بين الجمهوريين والديمقراطيين حول رفع سقف الدين الاميركي وتمويل العجز وتسديد مستحقاته.والثانية: الانسحاب من الشرق الاوسط نحوى محيط الباسيفيك وجنوب اسيا للتصدي للعملاق الاقتصادي الصيني الذي سيتجاوز الاميركي عام 2020 في التربع على قمة الاقتصاد العالمي.وبعد الفشل الكبيرلمشروع الاسلام السياسي في الحكم ,والذي اوكلته اميركا رعاية مصالحها في الشرق الاوسط ,من ليبيا الى تونس الى مصر الى سوريا رغم عشرات المليارات الخليجية التي صرفت عليه لم يستطع هذا الاسلام البقاء في الحكم لاكثر من عام وتحول الى حالة تكفيرية ارهابية حولت سوريا والشرق الاوسط الى ساحة حرب باتت تهدد السلم والاستقرار العالميين .وبعد عجز التحالف الغربي ـ الإسرائيلي ـ السعودي عن كسر محور المقاومة الذي تشكل إيران قاعدته المركزية، لا سيما عقب فشل عدوان تموز لعام 2006، وحرب غزة 2008 ـ 2009، والفشل الحالي في سوريا باتت اميركا بامس الحاجة الى اي حل يطفيء الحرب المتفاقمة للتفرغ لاولوياتها.
ثانيا- اثبتت اميركا والاطلسي (بعد تلقفهما حبل النجاة الروسي الذي قدمه بوتين لحل ملف السلاح الكيميائي السوري، وبعد استعمال الفيتو ثلاثة مرات في مجلس الامن من قبل روسيا والصين لحماية سوريا من التدخل العسكري الاطلسي) عجزهما عن حل ملفات المنطقة المعقدة منفردتين ,وعبر الحلول العسكرية كما حصل في ليبيا.وان عصر العربدة الاميركية الاطلسية وحروبهما للانقضاض على الدول لتغييرها واستلاب خيراتها تحت مسميات التدخل الانساني لحماية المدنيين ونشرالديمقراطية قد ولىَ الى غير رجعة . هذه الحالة من التراجع الاستراتيجي جعلت الولايات المتحدة الاميركية غير قادرة على تصريف قدراتها العسكرية في حروب جديدة، وانحكامها بالتالي للخيارات الدبلوماسية .
ثالثا- أكد أوباما، في تعليقه على الاتفاق , الالتزامات الأميركية «حيال أصدقائنا وحلفائنا، وخصوصاً إسرائيل وشركاءنا في الخليج الذين لديهم أسباب كافية للتشكيك في نيات إيران». وشدّد على أنه «في نهاية المطاف، وحدها الدبلوماسية يمكنها أن تؤدي الى حل دائم للتحدي الذي يمثله البرنامج النووي الايراني (…)وأن هناك فرصة حقيقية اليوم للتوصل الى اتفاق شامل وسلمي».مما دل على تغير منهج الولايات المتحدة الاميركية في مقاربة المشاكل العالقة من اعتماد القوة المغطاة بتفويض من للامم المتحدة او مجلس الامن, نحوى اعتماد الحوار لحل الازمات الدولية . وبرز هذا التغير بعد انكشاف عمق الازمة الاقتصادية الاميركية, وبالتالي ظهر عجز اميركا عن الحروب وتغطية نفقاتها امام اخصامها وحلفائها, مما حدى بأخصامها بتقديم مبادرات حلول يدركون مسبقا ان اميركا لا تستطيع رفضها لانتفاء البديل لديها,ودفع بحلفائها الى الانفكاك عنها والاتجاه نحو روسيا والصين بدءا من مصر الى السعودية الى تركية واسرائيل.
رابعا- ادراك المقربون من دوائر القرار في العالم أن الملف النووي الإيراني لم يكن سوى حجة أمريكية في صراعها مع إيران, حيث أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تعلن نيتها بناء سلاح نووي ولم تحاول حتى السير في مشروع نووي عسكري منذ البدء , وكان بوسع اميركا والغرب قبل سنوات الحصول على شروط أفضل بكثير مما حصلوا عليه في الاتفاق النووي الاخير .حيث كانت ايران تمتلك 164 طاردا مركزيا عند بدء التفاوض اما الان فهي تمتلك بحدود ال 20 الف طاردا مركزيا وتخصب اليورانيوم بنسبة 20% داخل حدودها. ولكن الغرب فوت كل فرص تفاوضه مع إيران لأن السبب الحقيقي ليس الملف النووي الإيراني بل هو صراع جيوسياسي متعلق بالطاقة والمطامع الأمريكية للوصول الى ثروات بحر قزوين ووسط آسيا, واثبت ذلك تصريح السفير الأمريكي في باكستان قبل بضعه شهور (بأن الولايات المتحدة تدعم خط غاز من تركمانستان غبر أفغانستان الى باكستان وتعارض خط الغاز الإيراني الى باكستان فالهند), حيث أن الخط الذي تدعمه واشنطن تفاوضت لأجله أكثر من خمس سنوات وقاتلت لأجله أكثر من عشر سنوات وبقي حبراً على ورق, وعجزت واشنطن عن ان تلزم حليفتها باكستان وقف الشراكة مع إيران, وبالتالي منذ بدء مد خط الغاز الإيراني الى باكستان أصبح المطلوب أمريكيا طي الملف النووي الإيراني لأن قيام باكستان ببدء تنفيذ خط غازها الى إيران كان له قراءة واحدة وهي أن الناتو هزم في أفغانستان ولم يستطع التحكم بمسارات انابيب الطاقة لتطويق الصين ,ولم يعد لوجوده هناك اي جدوى, وتبددت احلام واشنطن بمد خط غاز عبر أفغانستان بعد كل تلك السنوات التي هدرت في الحروب والتفاوض.وبالتالى اصبح من المتوقع أن يجنح الأمريكي الى التفاوض مع إيران والقبول بمندرجات الحل النووي الايراني المدعوم من روسيا (رغم ادراكه أن إيران أعطت ما لا تحتاجه بالفعل، وأخذت ما هي بحاجة إليه بالفعل),وذلك لحاجة الولايات المتحدة إلى إيران لترتيب أكثر من ملف حساس وشائك في الشرق الأوسط بدءا من أفغانستان لتامين انسحاب آمن لقواتها العام المقبل, إلى العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وصولاً إلى أفريقيا.
العامل الثاني:استفاقة روسيا.
تزامنت الازمة السورية والنووية الايرانية مع استفاقة روسيا عبر قيادة فلاديمير بوتين لها وبعد تعافيها اقتصاديا اثر ارتفاع اسعار الطاقة. وعودتها الى حلبة الصراع الدولية مع الصين حيث شكلا عقبة كأداء بوجه التفرد الاميركي والاطلسي للتحكم بالكون..لقد بسط بوتين مظلته السياسية والامنية فوق سوريا والمنطقة كونها منطقة تصادم جيوبوليتيكي بين الاوراسية والغرب. وفي المذهب الاوراسي الذي يعتنقه ويسعى لتحقيقه بوتين تسمي منطقتنا الريف القاري او حافة اليابسة ,التي من يسيطر عليها يسيطر على قلب العالم اي روسيا. وباتت منطقة الشرق الاوسط منطقة نفوذ روسي , والبحر المتوسط (بعد تمركز الاساطيل والغوصات الروسية امام الساحل السوري) بات بحيرة روسية ايضا. لقد نجح الرئيس الروسي في فرض ايقاعه السياسي على الاميركي والاطلسي عبر تعطيل استهدف سوريا في مجلس الامن بثلاثة فيتوات روسية صينية .وبالتالى كسر التحالف الروسي الصيني نظام الاحادية القطبية التي حولت العالم مسرحا للارهاب والحروب والكوارث,وبتنا نشهد ولادة عالم جديد متعدد الاقطاب تتبلور ملامحه في منطقتنا التي كانت ولا تزال الحاضنة لولادته . لقد اعلن الوزير الروسي سيرغي لافروف (أن الإتفاق مع إيران جرى حسب رؤية الرئاسة الروسية), وبالتالي هو تبنّي أمريكي للموقف الروسي في الملف النووي الإيراني بعد تبني الأمريكي سابقا الموقف الروسي تجاه الملف الكيميائي السوري الذي اعتبر سلم نجاة قدمه بوتين لاوباما للنزول من اعلى الشجرة(المأزق) التى وضع نفسه فيها . لقد نجحت الدبلوماسية الروسية في استغلال ازمات الشرق الأوسط كمقدمة لعودتها لاعبا اساسيا ممنوع تجاوزه على المسرح الدولي ,ولإصلاح المنظومة الدولية والإعلان عن إنتهاء القطبية الأحادية للعالم,ونجحت في تشكيل حلف قوي من منطمة شتقهاي للتعاون الى مجموعه دول البريكس التي لم تكن قوة إقتصادية فحسب بل كذلك قوة عسكرية وسياسية وشعبية. ونجحت روسيا ايضا في تطوير ترسانتها العسكرية بالتوازي مع تطوير الترسانة العسكرية الصينية ايضا . فضلاً عن تشكل محور المقاومة (المدعوم من موسكو) وصموده الذي كان العامل الأساسي في إعادة التوازن للعالم وفي إنجاح الدبلوماسية الروسية وتعطيل المشاريع الاميركية .
العامل الثالث :ايران ومحور المقاومة .
1-ان مجرد النظر الى الصورة التذكارية للدول الست وايران بعد توقيع الاتفاق,(ايران من جانب والدول الست تواجهها من الجانب الاخر ) يؤكد ان ايران باتت دول اقليمية عظمى يصعب تجاوزها وعدم اخذ مصالحها في الحسبان في اي ترتيبات اقليمية مستقبلية. وهذا الاتفاق(الانجاز) ما كان هذا ليكون لولا مجموعة أمور نوجزها بالاتي:
2-الموقع الجيواستراتيجي لايران واهميته في التوازنات الحيواستراتيجية في وسط اسيا والشرق الاوسط والخليج العربي والمحيط الهادي. تعززت اهمية هذا الموقع بعد انتقال مركز الثقل الاقتصادي والسياسي من الغرب الى الشرق ,اضافة الى غنى ايران بالطاقة وخاصة بالغاز الذي تحتل هي الموقع الثاني بعد روسيا كأكبر احتياط غازي في العالم. ولا بد من إشارة خاصة هنا وهي أن التحالف الموضوعي الذي يضم إيران وروسيا والصين، والموقع الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الذي ينظم علاقاتهم، يعني بدوره أن إيران باتت ليس فقط قوة ضرورية في عملية التوازن الدولي مع الحلف الغربي, بل في موقع القلب في التحولات التي يشهدها العالم على صعيد التوزع الجديد لموازين القوى في الشرق الاوسط ووسط اسيا على أكثر من صعيد،وايضا في اي توازن دولي مستقبلي.
3-نجاح ايران في بناء ترسانتها العسكرية وتطوير انظمتها الصاروخية وقواها البحرية والجوية التي بات يحسب لها الف حساب, والتقدم العلمي تحت الحصار والتهديد. ونجاحها إيضا في امتلاك التكنولوجيا النووية، وهو أمر بات من المستحيل عكسه ,ونجاحها كذلك في إدارة معركتها النووية بالاستناد إلى قاعدة شعبية صلبة وقيادية عملاقة تتمتع بالحكمة والصمود والثبات والاستعداد للتضحية في مقابل التمسك بالحقوق .
4-نجاح ايران في مقارعة الولايات المتحدة الاميركية وتهديد مصالحها في المنطقة رغم الحصار الغربي الكبير الذي تعرضت له.فمن افغانستان الى العراق الى مضيق هرمز الى سوريا الى لبنان الى فلسطين المحتلة نجحت ايران في تقويض المشاريع الاميركية وتهديد العالم باقفال الخليج الفارسي ان تعرضت هي ام سوريا ام اي فريق من محور المقاومة (التي تعتبر هي حجر الزاوية فيه ),لاي خطر خارجي.
فالتسويات التي بدأت في العالم كان سببها الرئيسي صمود محور المقاومة بالتوازي مع تغير الموازين العسكرية في العالم الذي جرى في الوقت المستقطع لصمود إيران وسورية وحزب الله منذ أكثر من عقد من الزمن, ومن المسلمات بأن التوازن العسكري تغير كليا ما بين مطلع أزمة الملف النووي الإيراني حتى إتفاق الدول الست مع إيران, وخلال هذه الفترة ظهرت أسماء عشرات الانواع من الأسلحة الحديثة التي طورتها ايران وقلبت الموازين العسكرية في الكثير من المجالات.
وما هي تداعيات الاتفاق النووي الدولية والاقليمية ؟
هو« زلزال جيوسياسي» سمّاه توماس فريدمان في مقال له في «ذي نيويورك تايمز»،الذي رأى أن تأثيرات اتفاق أميركي ــ دولي ــ ايراني على المنطقة «قد تفوق وقع كامب ديفيد والثورة الإيرانية معاً في إعادة ترتيب
.«الشرق الاوسط
بات واضحا ان الاتفاق النووي بين الدول الست وإيران ليس سوى ملف من ملفات أنجزت في دوائر القرار العالمية.
سيليه على المستوي الدولي تخفيف الاحتقان بين روسيا واميركا الذي كاد ان ينفجر بسبب الازمة السورية .وتسهيل الانسحاب الاميركي من افغانستان عام 2014 وهوحاجة اميركية ملحة ,وتفكيك الدرع الصاروخي الذي نصب في تركيا بذريعة النووي الايراني ,حيث رحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاحد بالاتفاق قائلا «ليس هناك من خاسر، الكل رابحون. إذا تم تنفيذ الاتفاقية النووية مع إيران ستنعدم أسباب نشر الدرع الصاروخي ».
– ومن تداعيات الاتفاق تسريع الحل في سوريا ,اذ ان الرئيس الاسد هو من اكبر الرابحين من هذا الاتفاق ومن الاتفاق الكيميائي ,حيث ان صمود التحالف السوري الايراني ساهم في انجاز هذا الاتفاق. اذ ليس صدفة تحديد موعد جنبف 2 بعد اعلان الاتفاق النووي مباشرة.وكذلك الدعوة لاجتماع المعارضة في روسيا لتحديد ممثليها الى جنيف2، وليس صدفة زيارة وزيرا خارجية تركيا والامارات العربية الى ايران للاستلحاق بركوب قطار التسوية.واخيرا ليس صدفة اعادة الاتصالات الامنية بين سوريا والغرب للتعاون في ملف مكافحة الارهاب.لقد انقلب المشهد السياسي برمته, فلم تعد ازاحة الرئيس الاسد المطلب الاساسي لولوج الحل عند اميركا والغرب بل بات تشكيل الجبهة العالمية لمكافحة الارهاب هوالمطلب الملح اقليميا وعالميا ,ومن يدري هل سيكون الرئيس الاسد هوقائد هذا المحور في المستقبل القريب ؟.
– سعت الولايات المتحدة إلى إعادة هندسة المنطقة وفق توازنات جديدة تضمن عدم انزلاق الأمور إلى حروب كبيرة، وبما يوفر مصالحها الاستراتيجية المتعلقة بالنفط وأمن الكيان الإسرائيلي.يبدو ان هذه الهندسة وكما هو ملاحظ من مجمل أزمات المنطقة المفتوحة لها ممر الزامي يتمثل بإعادة هندسة التوازنات الداخلية في الدول المركزية لهذه المنطقة: مصر ـ سوريا ـ العراق ـ لبنان ـ السعودية واليمن .لقد طرحت اميركا على ايران قبل توقيع الاتفاق النووي ان يتم الاتفاق على هذه الملفات الست الى جانب الملف النووي ,فكان الرد الايراني ان يتم الاتفاق على الملف النووي اولا لاختبار النيات, وبعدها نبحث في الملفات الاخرى .اما وقد وقع الاتفاق النووي, ستكون ايران هي الممر الالزامي لحل هذه الملفات . وسيعاد تشكيل الشرق الاوسط الجديد وفق موازين القوى الجديدة, لا كما ارادته كونداليزا رايس عام 2006 والذي دفنته المقاومة في لبنان, بل شرق اوسط مقاوم, لروسيا وايران وسوريا دور بارز في رسم معالمه وتشكيله.
– ان عودة روسيا بقوة الى منطقة الشرق الاوسط واعادة التوازن الى النظام العالمي ,وبروز الدور الايراني القوي الداعم للمقاومة بعد تعليق العقوبات عليها بموجب الاتفاق النووي, سيكون لهما تأثيرات كبيرة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني . وعلى القيادة الفلسطينية ان تحسن قراءة هذه المتغيرات والتطورات والاستفادة منها لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته المحقة وحقوقه المشروعة ,وتعيد تموقعها مجددا مع محور المقاومة بعد مغادرته بسبب رهانها الكارثي على ما سمي بالربيع العربي, وتعيد رسم استراتيجية مقاومة جديدة بعد تقييم مسيرتها التي اوصلتها الى المأزق والطريق المسدود. وتوقف المفاوضات العبثية والعقيمة المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً،والتي إستغلها ويستغلها الكيان الصهيوني الغاصب من اجل فرض حقائق ووقائع جديدة عبر توسيع الاستيطان ومصادرة الارض. نحن الان امام فرصة تاريخية لتحرير ملف المفاوضات من الرعاية المنفردة للولايات المتحدة،والتي ترى الأمور فقط بعيون اسرائيلية، وتمارس ضغوطها على الطرف الفلسطيني للاستجابة للشروط والإملاءات الإسرائيلية .ان الرهان على الولايات المتحدة الاميركية الافلة من المنطقة هو رهان مدمر يجب الاقلاع عنه. يجب الإستفادة من هذه التطورات والمتغيرات، لنقل ملف القضية الفلسطينية الى هيئة الأمم المتحدة من أجل تطبيق قرارتها بشأن القضية الفلسطينية،بدل الدوران في الحلقة المفرغة في مفاوضات عبثية لن تصل الى اي نتيجة.
– سيكون لهذا الاتفاق ايضا التأثير البالغ على الكيان الصهيوني الذي كان يتطلع دوماً إلى أن يحتل موقع القلب من الشرق الأوسط، وأن يكون الوكيل المركزي للمشروع الاستعماري الغربي فيه، فبعد هزيمته في حرب تموز تحديداً، وبعد الإقرار الدولي بموقع ودور ونفوذ إيران الاقليمي الان,وصمود محور المقاومة في سوريا لاكثر من عامين , وبدء عملية الحسم من قبل الجيش العربي السوري, ومع دخول العامل الروسي بقوة إلى الساحة الدولية وهو الداعم اصلا لمحور المفاومة، بات يشعر الكيان الاسرائيلي الغاصب أن دوره الوظيفي سائر إلى التقلص والانتهاء.
يشعر النظام السعودي الوهابي أن رياح التغيير ستصل اليه عاجلاً أم آجلاً، وهو اذ يخوض صراعاً حتمياً في سوريا بطلب من اميركا ,لا يخوضه إلا لمنع هذه الرياح أو على الأقل تأخير وصولها إليه. وهو لا يستطيع أن يفصل بين معركة الملف النووي والملف السوري ومعه أيضاً الملفات الأخرى الأساسية في العراق والبحرين ولبنان وحتى مصر التي يعمل على استرجاعها لتشكل أحد أعمدة وجوده في المنطقة. وبناءً عليه، يدرك السعودي أن أي إراحة لإيران في الموضوع النووي والعقوبات يساعدها بأن تحسم معاركها في المنطقة لا سيما في سوريا، فإن أي انتصار إضافي ستحققه ايران في المشرق العربي، سيؤدي لاحقاً إلى أن تحصد السعودية تداعياته في عقر دارها.
يفسر ما تقدم تحالف المتضررين الإسرائيلي والسعودي. وإذا كان الاتفاق أمامه ستة أشهر اختبارية، وإذا كنّا في 22 كانون الثاني على موعد مع جنيف ـ 2 سورية، فإن هذه الشهور ستكون الأصعب لأنها ستشهد محاولات خفية من حلف المتضررين لقطع الطريق أمام أن تأخذ هذه التسويات كامل أبعادها. لكن ما يبشر بالخير هو ذاك التصميم الدولي غير المسبوق لإنجاح المفاوضات، وهو تصميم سيجعل الحلف السعودي ـ الإسرائيلي أمام تحديات كبيرة وصعبة، وخيارات أصعب خصوصاً إذا ما فشل في إحداث تغير يذكر، فإما أن يماشي التحولات الجديدة، أو أن يتحمل كلفة الصدام مع الواقع والمصالح الدولية ـ الإقليمية الجديدة التي ستكون كارثية عليه .وشاهدي على ما اقول هي المكالمة الهاتفية الشهيرة بين قيصر روسيا والملك عبد الله والتي قال فيها الاول للثاني: من يكلمك ليس قيصر روسيا لوحده بل اكلمك باسم اجماع اللاعبين الكبار، بان، اعترف بجنيف والا خسرت كل شيء! ..
الاتفاق النووي الايراني مع الدول الست وانعكاساته الاقليمية.
110
المقالة السابقة