موسى الصدر وأنطون سعاده نموذجاً (دراسة مقارنة)
مقدمة:
يقول وجيه كوثراني: «…إن ما يحلو للبعض أن يسموه اليوم الصراع بين التيارين الديني والعلماني في عصر النهضة، كان حواراً تاريخياً مثمراً ولا علاقة له بالصراع اللاحق السلطوي الذي نشب منذ حوالي منتصف القرن العشرين بين قوميين علمانيين عقائديين، وبين إسلاميين عقائديين حول حق الاستيلاء على السلطة السياسية بطريقة التغلب… فبالنسبة للنهضويين لم تكن مسألة الهوية أو الجوهر الوجودي للعرب والمسلمين أو مسألة توليهم السلطة السياسية او عدم توليهم، لم تكن مسألة مطروحة، كانت الإشكالية تدور حول مسألة التقدم والرقي والتمدن، وحول مسألة الدستور والمواطنة والمشاركة السياسية، اي حول مسألة الديمقراطية، اي حقوق الانسان والمواطن …» (1).
هذا ما سندرسه عند كل من موسى الصدر وانطون سعاده، حيث يجمع بين الخطابين لدى كل منهما، رفض مشترك للواقع القائم، ومحاولة الى تحقيق النهضة والانبعاث للمجتمع.
فصحيح ان الصدر وسعاده لايتفقان على طرق المعالجة وكيفيتها، فموسى الصدر يجد ان المعالجة لمشاكل الامة لا تبتعد عن الدين وحدوده المطاطة، اما انطون سعاده، فإنه يجد هذه الحلول لمشاكل المجتمع من خلال القومية ومبدأ فصل الدين عن الدولة. الا ان إشكالية النهضة تبقى هي المحرك في خطاب كلا الاصلاحيين، الذي يأتي مع اختلاف ظروف الزمان متفقاً حول توصيف المشكلة، غير أن الفارق الآخر بينهما جاء حول جغرافية المكان المزمع إصلاحه، فكان المجتمع والسياسة في لبنان عند الصدر، اما عند سعاده فهي سوريا بمعناها الواسع، والتي تشمل بالاضافة الى لبنان وسوريا، العراق والاردن وفلسطين وجزيرة قبرص وهو ما اطلق عليه توصيف الهلال الخصيب.
لقد جاء خطابهما الاصلاحي ليفتح باباً على المستقبل، لم يكن بمنأى عن الماضي او انقطاعاً عن الإصلاحيين الذين سبقوهما. وقد يكون ذلك إما لتأثر الصدر وسعاده بالفكر الاصلاحي الذي عرفه عالمنا العربي من قبل، ومنذ اواخر القرن التاسع عشر، وإما لأن ظروف المنطقة تفرض كل عقود عدة رجالاً إصلاحيين يضيؤن على عوامل الضعف والتخلف لدى الحكومات والدول وانعكاسها على الشعوب. فيكون ذلك حتمية تاريخية تفرض وجود إصلاحيين في كل عصر.او لان رجال الإصلاح هم تردد دائم لصوت الحرمان المنبعث من بين الطبقات المستضعفة التي تحاول إيصال صوتها والتنديد بواقعها. ومحاولة الثورة على ظالميها، فتأتي بالتالي عناوين الإصلاح المرفوعة متوافقة مع العصر ومعطياته.
فهل جاء فكر موسى الصدر، الذي قرأ لأنطون سعاده متلائماً مع فكر الاصلاح عند هذا الأخير وبالعكس؟
ام ان نوع الاصلاح المرجو عند الصدر وسعاده، وضمن النطاق الجغرافي الواحد حيث تواجد الرجلان، وهو لبنان وسوريا، لايمكن أن يختلف للأسباب الجيوسياسية والاجتماعية؟
1- الإمام السيد موسى الصدر:
ينسب الامام الصدر نفسه قائلاً: «ولدت في إيران، جدي صدر الدين الذي تسمى عائلتي باسمه، هاجر مع أبيه صالح الذي كان عالماً في قرية شحور قضاء صور أواخر أيام الأتراك، وسكن العراق، حيث أسس عائلة ثم هاجر بعض أحفاده إلى إيران حيث أسسوا عائلات، ووجدت في أجدادنا الطابع اللبناني الذي هو الهجرة..»(2).
ولد السيد موسى الصدر في العام 1928 في مدينة قم الايرانية، والده السيد صدر الدين الصدر، كان أحد أركان الحوزة العلمية في قم، والدته السيدة صفية، كريمة المرجع الديني الشيعي السيد حسين القمي(3) وللسيد الصدر سبع أخوات وأخوان، منهم: السيدة فاطمة حرم السيد محمد باقر الصدر، والسيدة صديقة حرم آية الله السيد سلطاني الطبطبائي، احد أبرز أساتذة الحوزة الدينية في قم(4).
تلقى السيد موسى الصدر علومه الدينية في حوزة قم، وكان من أبرز أساتذته، السيد الخميني، والسيد سلطاني الطبطبائي، آية الله شريعتمداري(5).
إلا أن الدروس الدينية لم تبعده عن متابعة الدروس الأكاديمية فالتحق بجامعة طهران، وتخرج منها حاملاً إجازة في الحقوق فكان أول رجل دين يدخل الجامعة في إيران(6).
عام 1955، قدم السيد موسى الصدر إلى لبنان، للتعرف على أنسبائه في صور ومعركة وشحور، وعاد عام 1957 وحلّ ضيفاً على السيد عبد الحسين شرف الدين، ومع موت هذا الأخير عام 1957، أوصى بإمامة صور من بعده للسيد موسى الصدر، فاستدعاه أبناء السيد شرف الدين، ولبى الدعوة عام 1959، وأقام في صور، وبدأ يمارس عمله الديني منذ تلك الفترة(7).
مع وصول السيد موسى الصدر إلى لبنان، أخذ يكتشف واقع الانسان اللبناني، ويتعرف على مشاكل الأفراد والجماعات فتفاجأ باتساع الهوة بين أبناء الوطن الواحد، على أساس المنطقة والطائفة(8)، فكان المواطن في جنوب لبنان امام «مطرقة العدوان الاسرائيلي وسندان الإهمال والإجحاف في الحقوق من قبل الدولة في آن واحد»(9).
فبدأ السيد الصدر يتحرك لمعالجة مشاكل الناس في جنوب لبنان ومنطقة البقاع وضواحي بيروت، ابتداءً من الندوات والمحاضرات، فأسس جمعية البر والاحسان، التي هدف منها مساعدة كافة المحرومين من كافة الطوائف والمذاهب(10).
ثم سعى بعدها إلى تنظيم شؤون الطائفة الشيعية وأوقافها، فسعى إلى انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، من خلال تحركات ضمن شخصيات ونواب من الجنوب والبقاع وبيروت ليقوم هذا المجلس عام 1967(11).
لقد ظهر للسيد موسى الصدر، أن مظاهر التخلف التي تعاني منها مناطق محددة في لبنان، تؤدي إلى ايجاد طبقة محرومة وقد حدد هذه المناطق في جبل عامل في أقصى الجنوب وبعلبك والهرمل في أقصى الشمال، فهي المناطق الأكثر تخلفاً، وبيّن مظاهر التخلف على الشكل التالي:
1. مظاهر التخلف المادي وسببه الإهمال من قبل السلطة اللبنانية.
2. مظاهر التخلف المعنوي(12) وهو نتاج التخلف المادي.
أوضح السيد الصدر أسباب الحرمان على الشكل التالي:
1. «… ان الأساس لبقاء الأوطان العدالة وكرامة المواطن، اما في لبنان فمفهوم كرامة الانسان وحريته باق كواحة، فالاستئثار والطغيان وتجاهل حقوق الآخرين تزعزع كيان البلد وتعرض مستقبله للخطر… فلتعلموا أن المسؤولين هم الذين يهددون بسلوكهم أمن هذا الوطن وكيانه واستقراره وتعايش أبنائه، وليعلموا أننا لا نسمح لهم بذلك لكي يبقى لبنان»(13).
2. «… في ظل السكوت عن الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب هو رضى بالذل وخيانة لبنان، استمرت اعتداءات العدو الصهيوني في الجنوب اللبناني ضد السكان الآمنين العزّل المحرومين من وسائل الحماية والدفاع عن النفس»(14).
3. «… الحكومة… الجهة التي تبخل، وتتجاهل وتتمادى في التجاهل والعناد…»(15).
4. «أولئك الذين يفكرون، بأن الوطن يحفظ بالصالونات، او بالتصريحات أو بالوعود، او بالاجتماعات في القصور، اولئك الذين يفكرون أن الحدود تحفظ بالوعود والكلمات وأن الكرامات تُصان بالألقاب والاجتماعات…»(16).
5. السياسة في لبنان أصبحت هدفاً لا وسيلة، يعيش بها ومن ورائها أفراد وجماعات، زعامات وأحزاب ومفاتيح(17).
«… أن السياسة في لبنان كانت السبب في الحرمان وعدم مواجهة الحقائق وتأجيل الحلول، وفي خلق الأرضية المناسبة للأزمات..»(18).
لذا وجد السيد الصدر أن الحلول لمشكلة الحرمان ولأزمة المواطن المحروم، والوطن المحروم تكون عبر:
1. «… نحن طلاب حق، لسنا ضد أي إنسان، نطالب بحقنا ولكن لا نتنازل عنه أبداً، نستمر، ونستمر، ونستمر للنهاية…»(19).
2. «… الحرب ضد الشيطان، والشيطان له جنود وأنصار وكلُّ طاغية شيطان، كل ظالم شيطان، كل مستبد شيطان، كل متأفف شيطان، وكل ساكت عن حق شيطان أخرس، ونحن سنحارب الطغاة المستبدين… [لن] نسكت عن الظلم وعن المعذبين في الجنوب من الضربات الاسرائيلية، [لن] نسكت… عن ابتلاع أموال الناس، عن الغلاء، عن الرشوة…»(20).
3. «… إن سلامة الجندي وصيانة لبنان وعزة العرب لا تتحقق إلا بكرامة الانسان، وصيانة حقوقه، وسيطرة العدالة الاجتماعية في علاقات الناس بعضهم ببعض»(21).
4. «… نحن نريد الجنوب… أن يكون منطقة منيعة، صخرة تتحطم عليها احلام اسرائيل… نريد جنوباً متمسكاً بلبنان مرتبطاً بهذه الأمة موحداً مع العرب… لا جنوباً هزيلاً مفصولاً بل نريده جنوباً مانعاً…»(22).
5. «… لا تصنفوا الناس… كل المواطنين أكفاء … كل المواطنين يستأهلون أن يكونوا موظفين، لا تصنفوا بين المواطنين ولا تميزوا بين الطوائف، اعطوا الحقوق للطوائف جميعاً»(23).
6. «… دافعوا عن الجنوب… الشرط الأول في المسؤوليات الوطنية هو الدفاع… قدموا خطة دفاعية… هؤلاء المسلحون والمسلحون الآخرون، اجمعوهم وخذوهم وضموهم في الحرس الوطني في الميليشيا الوطنية… قدموا خدمة العلم…»(24).
وتحرك السيد الصدر على أكثر من صعيد في سبيل تحقيق المطالب:
أ- ففي 12/5/1970، وعلى أثر الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان التي تسبب بنزوح أكثر من 150 ألف مواطن من ثلاثين قرية حدودية دعا السيد الصدر الرؤساء الدينيين في الجنوب من مختلف الطوائف، وأسس معهم «هيئة نصرة الجنوب» فكان هو رئيسها، وتولى نيابة الرئاسة المطران أنطونيوس بطرس خريش، الذي أصبح بطريركاً للطائفة المارونية فيما بعد، ثم دعا إلى إضراب وطني شامل بتاريخ 26/5/1970، تجاوبت معه كل المناطق اللبنانية، واعتبر حدثاً وطنياً(25).
وفي اليوم نفسه اجتمع مجلس النواب اللبناني، وأقر مشروع قانون يقضي بإنشاء مؤسسة عامة تختص بالجنوب، وتلبي حاجات الجنوب»(26).
ب- دعا السيد الصدر إلى مهرجانات شعبية كبرى عدة طالب خلالها بحقوق المحرومين وبالعدالة الاجتماعية :
1. مهرجان بعلبك بتاريخ 17/3/1974، والذي شارك فيه حوالي خمسة وسبعين الف مواطن(27).
2. مهرجان صيدا بتاريخ 4 نيسان 1974 (28).
3. مهرجان صور بتاريخ 5/5/ 1974(29).
ج- إعلان ميثاق حركة المحرومين بتاريخ 29/3/1975 والتي قدّم السيد الصدر ميثاقها الذي نص على:
«إنها حركة جماهيرية، غير طائفية ولا فئوية، تنطلق من الايمان الحقيقي بالله، وتؤمن بالحرية الكاملة وترفض الظلم والتصنيف وتتمسك بالسيادة الوطنية وبسلامة أرض الوطن…»(30).
ويبرر السيد الصدر إنشاء هذه الحركة قائلاً:
«إلا ان الحرمان لم يُعالَج فوجدنا أنفسنا أمام التنظيم، والهدف منه حماية المقاومة والدفاع عن أرض الجنوب المستباح أمام الاعتداءات الإسرائيلية، ولدت الحركة وكانت جماهيرها من كل طائفة … وبدأت حركة المحرومين حركة فكرية سياسية اجتماعية واحدة في لبنان…»(31).
د- ولادة حركة عسكرية، اطلق عليها اسم «أفواج المقاومة اللبنانية أمل» بتاريخ 6/7/ 1975.
ويقول السيد موسى الصدر في ذلك: «ها أنا في هذه اللحظة أعلن ولادة هذه الحركة الوطنية الشريفة التي أخذت على عاتقها تقديم كل ما يملك أعضاؤها في سبيل صون كرامة الوطن ومنع إسرائيل من الاعتداءات السهلة..»(32).
ومع اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، كان للسيد موسى الصدر مواقف عدة وتحركات محلية واقليمية ودولية، حاول من خلالها وضع حد للفتن والحروب الداخلية، وكان أبرز هذه التحركات عام 1978 بعد الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان، فزار دولاً عربية عدة، منها سوريا وبلاد الخليج العربي ومصر والجزائر إلى أن كانت زيارته إلى ليبيا واختفاؤه هناك بتاريخ 31 آب من العام 1978(33).
2- أنطون سعاده:
ولد أنطون سعاده عام 1904 في ضهور الشوير ويُحكى أنه ومنذ الصغر، كانت لديه مواقف وطنية حادة، فعند زيارة الوالي العثماني إلى مدرسة برمانا، وكان سعاده لا يزال في الثالثة عشرة من عمره، طُلب منه أن يلقي كلمة ترحيب بالوالي، إلا أنه رفض بشدة، وعوقب بعدم تكريمه يوم التخرج(34).
وتكررت مواقف أنطون أثناء أحداث الحرب العالمية الأولى، عندما كان يقصد رئيس بلدية بيروت عمر الداعوق، الذي كان صلة الوصل مع والد أنطون، الدكتور خليل سعاده المهاجر إلى البرازيل، حيث كان هذا الأخير يبعث بالمال إلى عائلته عن طريق رئيس بلدية بيروت، وحدث أن دخل أنطون إلى البلدية اثناء اجتماع ضم المجلس البلدي وفعاليات وكان الحوار يدور حول من يحكم لبنان بعد خروج العثمانيين، فشارك أنطون في إبداء الرأي قائلاً أمام الحضور: «الأفضل أن نستقل بأنفسنا ولا حاجة لنا إلى أي أجنبي كي يتولى أمرنا، نحن مؤهلون لذلك ويجب أن نعمل»(35).
هذه المواقف وغيرها من الشاب انطون، كانت تظهر شخصية متحررة تسعى إلى تحقيق طموح الدولة المستقلة من منظور مختلف أو يمكن القول، بأفكار جديدة، لم يعرفها العالم العربي من قبل في العصر الحديث، طموح الدولة السورية، الذي أخذ يظهر شيئاً فشيئاً من خلال كتابات أنطون سعاده وكلماته.
مع وفاة والدة انطون بعد الحرب العالمية الأولى، انتقل إلى البرازيل، وساعد والده الدكتور خليل سعاده على إصدار مجلة «المجلة» وكانت من أبرز مجلات الاغتراب اللبناني في الخارج.
وأمن أنطون الشاب فريق العمل، وكانت هذه المجلة طريقاً له للعبور عبرها إلى الناس(36).
وأثناء وجود أنطون في البرازيل، عام 1928، تحدى بعض العادات التي كانت منتشرة حينها بين العامة، ومنها عدم ترك الرأس حاسراً عند الخروج من المنزل، إلا ان أنطون تعمدّ الخروج حاسر الرأس، فهاجمه الناس وانتقدوه، فما كان منه إلا أن أطلق لحيته(37)، وعندما سئل عن سبب قيامه بذلك الفعل قال: «… أردت أن امتحن صمودي إزاء موقف أجمع الناس على مخالفتي به ورفضه لي بالضغط واللفظ وشتى وسائل الممانعة والمقاومة»(38).
لقد لفت نبوغ سعاده المبكّر المحيطين به، فأخذوا يراقبونه ويتناولونه بالتعليق وبشكل دائم، ويبدو أن الشاب انطون كان يتعمد ذلك لاختبار قدراته على الصمود والتحدي(39).
مع عودة أنطون سعاده من سان باولو في البرازيل، عام 1930، كان يحمل معه مشروع الحزب السوري القومي الاجتماعي، فوصل إلى دمشق أولاً، حيث أخذ ينشر أفكاره بين الطلبة والمثقفين، ثم انتقل بعدها إلى بيروت، ليبدأ مرحلة التأسيس، فأقام الصلات مع طلاب الجامعة الأميركية في بيروت من خلال إعطائهم دروساً في اللغة الألمانية(40) كما وطدّ علاقته مع جريدة النهار البيروتية، وبين الأعوام 1931 و 1932، أسس اللبنة الأولى للحزب، الذين بلغ عدد افراده خمسة طلاب في البداية(41).
ونتيجة للخلافات الداخلية بين الأعضاء، سارع إلى حلّ الحزب، وأخذ يعيد تأسيسه من جديد، فاهتم بالقلة القليلة من الأعضاء الذين لاحظ فيهم الجدارة على حمل هذه العقيدة، فكانت أول مجموعة منهم في 15 تشرين2 عام 1932، واستمر عمل الحزب السوري القومي الاجتماعي، وبشكل سري، حتى 16تشرين2 1935، حيث أعلنت ولادته من قبل الانتداب الفرنسي وعملائه، من خلال حملة الاعتقالات التي طاولت انطون سعاده وعدداً من اعضاء الحزب(42) وبقي سعاده نزيل السجن ستة اشهر، ساهمت الدعاية التي حيكت حوله وحول حزبه على رفع أسهم الحزب وزعيمه، فأخذت الناس تتحدث عنه وعن مبادئه(43).
حاول سعاده مع العام 1936، وقيام الحركات الشعبية الاستقلالية في سورية بقيادة الكتلة الوطنية إقناع الكتلة وزعيمها هاشم الأتاسي بأهمية طرح مشروع الحزب السوري القومي الاجتماعي في المفاوضات مع فرنسا، إلا أن الدعاية انتشرت في انحاء سورية ولبنان، بأن سعاده وحزبه يدعون إلى «اللاعروبة»، وكانت هذه التهمة حينها كافية كي تبتعد الناس عن أنطون سعاده إلا ان هذا الأخير، كان يسارع دائماً إلى اغتنام الفرص، ويتجول بين المناطق السورية واللبنانية، ناشراً أفكاره، موضحاً مبادئه، وكان أبرز تحرك قام به عام 1937 من خلال ترشيح أحد أعضاء الحزب على المقعد النيابي في طرطوس السورية؛ صحيح أنه لم يفز إلا انه حصل على العديد من الأصوات(44). مما جعل السلطة الفرنسية تخشى من سعاده ومن ارتفاع نسبة مؤيديه، فاعتقلته من جديد، وأفرج عنه في العام نفسه، بعد سلسلة ملاحقات طالت إضافة إلى سعاده اعضاء من الحزب، ونقل أنه جرت محاولة لتسميم انطون سعاده حينها في السجن، إلا ان أحد الضباط وكان من مؤيديه سراً، فضح المؤامرة، فأعلن سعاده إضراباً عن الطعام والشراب، إلى ان أفرج عنه(45).
مع خروج سعاده من السجن انتقل إلى الأرجنتين وقد حاولت السلطة اللبنانية منعه من العودة، إلا أنه استطاع العودة عن طريق القاهرة عام 1947، بعد غياب دام تسعة اعوام(5) فأصدرت السلطة اللبنانية مذكرة جلب بحقه، وداهمت القوى الأمنية مراكز الحزب من دون جدوى، لتتراجع بعدها عن قرارها باعتقاله(46).
مع الأعوام 1946-1949 تطور العمل الحزبي، وتسارع بشكل كبير، وتحولت مدينة حمص إلى اهم مركز للقوميين السوريين وعمل سعاده على زيارة المدن السورية بين 3 تشرين2 و 10 كانون1 – 1948(47) من ضمن سلسلة تحركات متتالية، هدفت إلى التهيئة للثورة(48) التي كان يخطط لها على الدولة اللبنانية وبدعم كما يبدو من الرئيس السوري حسني الزعيم لتعلن الثورة في الرابع من تموز من العام 1949(49) إلا ان الرواية الإعلامية تقول، إن الرئيس حسني الزعيم سلم سعاده إلى السلطة اللبنانية في السابع من تموز من العام نفسه أي بعد ثلاثة ايام من إعلان الثورة ليصدر حكم الاعدام عليه وينفذ بسرعة(50).
موقف سعاده من المجتمع والإصلاح:
يعتبر أنطون سعاده أن السوريين «هذا الجيل الغريب في هذا العصر» ويشبّه هذا الجيل وواقعه بقوله: «بجماعة شذت عن سُنّة الارتقاء وصارت تمشي على أيديها بدلاً من أرجلها وتنظر إلى تحت بدلاً من الامام، ولأنها لا تقدر أن ترفع رؤوسها وتنظر إلى ما حولها لا تستطيع إدراك غرابة حالها، ولأنها لا تجد حالها غريبة تأبى التصديق أنه يجب عليها أن تمشي على أرجلها وترفع رؤوسها لتتمكن من الإحاطة بشؤون عالمها ومن تعيين أغراض أسمى من الأغراض الحقيرة التي تدب وراءها»(51).
ويذكرنا سعاده بواقعنا، عندما يضع اصبعه على حقيقة الخلل «إن أكبر عيوب جيلنا الحاضر انه جيل وقح وكثير الفوضى، وسبب الوقاحة وشدة الفوضى الرئيسي هو عدم التربية والتأديب..». وهذا بالتالي يؤدي إلى «… رفض الإصلاح ومقاومة المصلح وإلى احتقار المثل العليا وقواعد الاجتماع والاستهزاء بالتقاليد الصالحة كما بالتقاليد الفاسدة»(52).
وجد انطون سعاده أن الفوضى هي السائدة عند أبناء جيله، هذه الفوضى تحمل أسباب فشل التطور والاصلاح:
«في جيلنا فوضى غريبة، ليس فقط في الأفكار والمعتقدات السياسية، بل في الأولويات الاجتماعية والمبادئ المناقبية، وفيه غلط وقسوة وجهل ورعونة وإنكار للحق العام والحقوق الشخصية، ومن غريب أمره أنه لكثرة تفشي الاستبداد الفردي فيه يرفض الإصلاح ويُتهم المصلح بالطغيان والظلم..»(53).
إلا أن ميزات سعاده هي الإيمان بالإصلاح مهما كان الواقع: «فهنالك حقيقة أساسية، لا يمكن إنكارها ولا يحسن تجاهلها وهي: أن هذا الجيل سيذهب أما النهضة فستبقى»، ويكون ذلك من خلال: «متى انتصرت النهضة السورية القومية الاجتماعية انتصارها النهائي نشأت أجيال سورية جديدة بمناقبها وأخلاقها»(54) من خلال:
1. الأمة لا يمكن أن توجد إلا بمناقب الثقة والاخلاص والأمانة(55).
2. احسنوا بعضكم إلى بعض وحاربوا الشر حيثما لقيتموه(56).
3. يجب أن نكون مجتمعاً واعياً، مدركاً، وهذا لا يتم إلا بالدرس المنظم والوعي الصحيح(57).
كما سعى سعاده، وفي سبيل إصلاح الأمة السورية، إلى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي «هو حركة تجديدية في المناقب والأخلاق، كما في النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية»(58).
وأبرز مبادئ هذا الحزب التي ذكرها سعاده من خلال مقالاته:
1. «أننا قوم لنا وعي قومي صحيح إرادة قومية قوية وإيمان يزول الكون ولا يزول، ولنا أخلاق لا تفشل وحقيقة لا تنقلب لأي برق خالب»(59).
2. «أن قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي من أعظم القضايا القومية وأوضحها في العالم طراً، هي قضية لم يكن قبلها مثلها ولا ما يقاربها في كمال الغاية ورسوخ الأصول، لا في سورية ولا في أي قطر من أقطار العالم العربي ولا في الشرق الأدنى كله، هذه القضية الكلية لم نقل إنها «لبنانية» ولا إن غايتها إظهار شيء يسمى «استقلال لبنان» بل قالت إنها سورية أولاً وآخراً وإنها لا تعترف بأية تسوية لا تكون وليدة إرادة الأمة السورية الموحدة في مبادئ قضيتها القومية»(60).
3. «قضت النهضة السورية الاجتماعية على جميع المخاوف من فقد الحقوق السياسية وأعلنت انقضاء عهد الشك والتخوف على أنواعه فأخذت هذه الفئات المستنيرة بأنوار هذه النهضة تتغلب على عوامل الضعف ودوافع الاستكانة والخنوع… وتعمل لإحباط خطط المتآمرين على وحدة الأمة وحقوقها ومصيرها»(61).
4. «من أهم المشاكل الخطرة جداً التي سنواجهها… المشكل الصهيوني الذي صار خطراً عظيماً مداهماً يهدد بالقضاء على معظم آمالنا»(62).
5. «إن سورية تواجه خطرين الواحد في الجنوب والآخر في الشمال، الأول هو الخطر اليهودي والثاني الخطر التركي… لا إنقاذ لسورية ولا شق طريق لحياتها وارتقائها إلا بالحركة السورية القومية الاجتماعية ومبادئها ونظامها»(63).
6. «أن نلبي الواجب دائماً ونخضع للنظام دائماً، هو أن نسحق محبة ذواتنا ونحيي محبة جنسنا ووطننا»(64).
7. «أن النهضة لها مدلول واضح عندنا وهو، خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جليّة صحيحة واضحة نشعر أنها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية، إلى نظرة جليّة، قوية إلى الحياة والعالم»(65).
8. «إن هذه الحقيقة التي لأجلها نجابه كل الأخطار من كل نوع هي حقيقة أن قضيتنا فيها كل الخير وكل الحق وكل الجمال وكل الحقيقة وكل العدل للمجتمع الانساني»(66).
9. «إن حزبنا في سيره، في عمله، في نضاله، يمثل ويعمل ويصارع في سبيل أساس أفضل لحياة الانسان – المجتمع» (67).
10. «نحن حركة مهاجمة تأتي بتعاليم جديدة تهاجم بها المفاسد والفوضى»(68).
11. «نحن لم نحارب ولا نحارب من اجل أن تكون لنا ولغيرنا حرية فوضوية تخدم لذات الأفراد المرضى في نفوسهم بل حاربنا ونحارب من أجل تحقيق قضية واضحة وإقامة نظام جديد»(69).
12. «مسألة الحزب السوري القومي الاجتماعي ليست مسألة حزب سياسي بالمعنى الاعتيادي … بل إن هذا الحزب يشكل قضية خطيرة جداً وهامة هي قضية الآفاق للمجتمع الانساني الذي نحن منه والذي نكون مجموعه»(70).
13. «منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية الاجتماعية تجمع بين الأفكار والعواطف وتلم شمل قوات الشباب المعرضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسية المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها، وتكوّن من هذا الجمع وهذا اللم نظاماً جديداً ذا أساليب جديدة يستمد حياته من القومية الجديدة، هو نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي- منذ تلك الساعة انبثق الفجر من الليل وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام واصبحنا امة بعد أن كنا قطعاناً بشرية، وغدونا دولة تقوم على أربع دعائم: الحرية، الواجب، النظام، القوة، التي ترمز اليها أربعة أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية»(71).
14. الحزب السوري القومي الاجتماعي: «… إنه فكرة وحركة تتناولان حياة امة بأسرها، إنه تجدد أمة توهم المتوهمون أنها قضت إلى الأبد»(72).
15. «إن ارادتنا نحن هي التي تقرر كل شيء فنحن نقف على أرجلنا وندافع عن حقنا في الحياة بقوتنا»(73).
و «… إننا حررنا أنفسنا ضمن الحزب من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية، ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها وأن نحرر وطننا بكامله»(74).
16. «… أن نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليس نظاماً هتلرياً ولا نظاماً فاشياً، بل هو نظام قومي اجتماعي بحت، لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا»(75).
17. «… أن نظامنا لم يوضع على قواعد تراكمية تمكن من جمع عدد من الرجال يقال إنهم ذوو مكانة يقفون فوق أكوام من الرجال تمثل التضخم والتراكم بأحلى مظاهرهما بل على قواعد حيوية تأخذ الأفراد إلى النظام وتفسح أمامهم مجال التطور والنمو على حسب مواهبهم ومؤهلاتهم»(76).
18. «… إن مبدأ سورية للسوريين والسوريون أمة وتامة آخذ في تحرر نفسيتنا من قيود الخوف وفقدان الثقة بالنفس والتسليم للإرادات الخارجية»(77).
19. «… ومبدأ ان الأمة السورية مجتمع واحد هو مبدأ يجب أن يتغلغل في اعماق نفوسنا»(78).
20. «… نشوء الحزب السوري القومي الاجتماعي يقوم من أجل حقيقة ثابتة مستمرة، هي قضية حياة المجتمع واستمرار حياته وتقدمها نحو الأفضل، قضية تقدّم وانتصار وعز..»(79).
3- بين السيد موسى الصدر وأنطون سعاده:
أ- في الدين: عند السيد موسى الصدر:
العبادة هي كل عمل يصدر لأجل التقرب من الله، والعبادة هي «السلوك نحو العلم، نحو التحرر، نحو العزة، نحو الصفات الإلهية الحسنة الأخرى، التي هي بمصطلحنا نسميها الانسانية، السمو، التكامل..» وعلى هذا الأساس بإمكاننا أن نقول عبادة الله، تعني الرياضات والنشاطات مثل الصيام والصلاة والحج والزكاة وأمثال ذلك، جعلها الله تعالى خطوات ووسائل ودوافع لأجل أن تدفع الانسان نحو الكمال… وعلى هذا الأساس كل صلاة، هي فك لقيد وتحرر عن قيد، إذا كنا صلينا بالشكل الصحيح، لأن كل صلاة تبعدني خطوة عن الجهل وتقربني خطوة إلى العلم…». ويضيف الصدر: «… فكرة العبادة في الاسلام بعيدة كل البعد عن مفهوم العبودية، لا عبودية في الاسلام، عبودية الله تعني التحرر، عبودية الله تعني السلوك والتحرك نحو العلم والعدل، والقوة والرأفة، والصدق والعزيمة، وكل الكمالات . هذا مفهوم العبادة في الاسلام…»(80).
ويضيف الامام موسى الصدر حول أهمية الايمان بكتب الله ورسله: «النقطة الثالثة في سلسلة العقائد والأصول القرآنية، هي الايمان بكتب الله ورسله، والقرآن الكريم… وأن المسلم يجب أن يؤمن أيضاً بجميع الأنبياء السابقين… ومحصلة هذا الأمر، هو محاولة خلق جبهة من الأنبياء، وجبهة من خط المؤمنين، تبدأ من الأزل وتنتهي إلى الآخرة، محاولة الترابط بين نضالنا اليوم، وبين نضال الانسان في سابق الزمن، ومحاولة الترابط بين دعوة الأنبياء في سابق الزمن، ودعوة الأنبياء اليوم»(81).
«… والمقصود… جعل الانسان ضمن خط مستمر، حتى لا يشعر بالغربة، وحتى يشعر بالمواكبة الكونية، وحتى يتأكد من سلامة الخط الذي هو يسير فيه، سببه الحقيقي أن الرسالات هي واحدة في الواقع… إذاً جميع الأنبياء، رسل رب واحد، إلى إنسان واحد، يدعون إلى رسالة واحدة، هي رسالة الله، رسالة التسليم إلى الله، عقلاً وقلباً وجسداً، بهذا المفهوم نحن ننظر إلى إسلامنا، وإذا تلاحظون، هذا النفس موجود في ميثاق الحركة [حركة المحرومين]، إنه نحن هذا الشعور، يعني هذا الجانب الانساني من الرسالة، مقابل الجانب الإلهي من الرسالة، الجانب الإلهي من الرسالة يعني دعوات واحدة الجانب الانسان، إنه تحركات واحدة، من الأزل إلى الأبد، وفي جميع أقطار الأرض»(82).
وفي حديثه عن الأنبياء يقول: «الأنبياء أيضاً، رسل ربّ واحد… لا بد من ان نضيف هذه الكلمة: أن النبي هو الذي يحمل الرسالة من الله، وليس هو الذي يفهم كثيراً، والفيلسوف الكبير والمصلح الكبير، النبي لا ينطق عن الهوى، لا يقول شيئاً من نفسه، ومن مدركاته، هو ينقل ما يسمع، هو ينقل ما يوحى إليه…»(83).
وحول قانون السماء يقول: «الانسان بحاجة إلى قانون السماء، حتى يكون حكماً بين البشر بعضهم مع البعض، وإلا كيف يمكن للإنسان أن يتفق، وكلٌّ ينظر من زاويته الخاصة؟ أي صلة بين إنسان وإنسان آخر، إذا لم يكن معتمداً على امر مطلق، ما نسميه بالقيم ؟ لا يمكن. وإلا كل الوحدات في العالم تتحول إلى شركات، حتى علاقة الانسان مع اخيه تتغير، تصبح علاقة شركة، شركة مصالح. ولذلك لا يمكن للإنسانية أن تستغني عن قوانين السماء، أو المطلقات، او القيم القيم في الأخلاق والمطلقات في القانون، حتى يتمكن المجتمع البشري أن يعيش عيشاً متعاوناً». ولكنه يؤكد على امر مهم هو: «لا شك أن إعطاء القانون من السماء، لا يعني إطلاقاً، ان القانون يمنع الانسان عن التفكير…»(84).
ب- في الدين: عند انطون سعاده:
«إن الدين المسيحي والاسلامي متفقان كل الإتفاق في الأغراض الدينية الأخيرة، وأن الواجب على أتباعهما يقضي بترك محاربة بعضهم البعض ومحاولة إخضاع بعضهم بعضاً… إلى جميع الناس غير رجال الدين نوجه هذه الدعوة: «لنترك رجال الدين يتناظرون ما شاؤوا المناظرة في أي الأديان أصحها بشرط أن لا يتعدوا حدود المناظرة التي تهيج الغوغاء والسذج وغرس الأحقاد بين ابناء الوطن الواحد بإسم الدين…» إن هذه الدعوة تعني ترك العصبية الدينية واعتناق العصبية القومية التي تجعل جميع السوريين مسلميهم ومسيحييهم عصبة واحدة»(85).
«… فالمسيحية نشأت نشأة دين بحت مجرد من شؤون الدولة والحكم. فقد اختص الدين المسيحي بالأفراد ومعتقداتهم ومناقبهم.
أما الدين الاسلامي… اضطر لأخذ طبيعة البنية التي نشأ فيها بعين الاعتبار، وطبيعة البنية اقتضت إيجاد الدولة لتكون وسيلة لإقامة الدين، ولما كان غرض الدولة إقامة الدين كان لا بُدّ أن يكون أساسها، فهي وجدت بالدين لإقامة الدين… ولهذا السبب نجد مسألة الفصل بين الدين والدولة في الملة الاسلامية أصعب حالاً منها في الملة المسيحية، لأن الدولة موجودة في النصوص القرآنية كما هي موجودة في نصوص التوراة، ولكنها ليست موجودة في نصوص الانجيل»(86).
«… وبناءً على النصوص القرآنية أمكن صاحبي «العروة الوثقى» ( جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده) القول: «أن لا جنسية للمسلمين إلا في دينهم» والقول مخاطبين المسلمين «هل نسوا وعد الله لهم بأن يرثوا الأرض وهم العباد الصالحون؟» والقول: «الديانة الاسلامية وضع أساسها على طلب الغلب والشوكة والافتتاح والعزة ورفض كل قانون يخالف شريعتها ونبذ كل سلطة لا يكون القائم بها صاحب الولاية على تنفيذ أحكامها»… وكل هذه الأقوال بعيدة عن الصواب وليس فيه تدبر صحيح لنصوص الديانة الاسلامية وتاريخها… بل هي جميعها نتيجة استبداد في الاجتهاد من اجل الوصول إلى اغراض سياسية مبنية على نظرة الدولة الدينية والجنسية الدينية»(87).
«… أن نصوص الاسلام على وجهين وجه في الدين ووجه في الدولة، والقسم المكي هو الأكثر اختصاصاً بالوجهة الدينية والقسم المدني هو الأكثر اختصاصاً بالوجهة الدولية، وهذا الازدواج في اتجاه الرسالة الاسلامية لم يحصل له فيما مضى دراسة تجمع وجهته في وحدة فكرية روحية، هو الذي يسهل لأصحاب الأغراض السياسية الأخذ بأي وجه أرادوا حسبما يوافق أغراضهم، وهو ليس عيباً في القرآن، بل نقص الثقافة التاريخية الاجتماعية وعدم تدبر الرسالة الاسلامية كما يجب».
«وأصحاب الأغراض السياسية لا يريدون نشوء هذه الدراسة في الاسلام، لأنها يمكن أن تقضي على جميع محاولات استخدام الدين للأغراض السياسية والمطامع الخصوصية، فإذا ظل الاسلام بعيداً عن هذه الدراسة التكتيكية لم يخش هؤلاء الأراخنة افتضاح أمرهم بعكسهم الاتجاه الأول للإسلام. فإن محمداً استخدم الدولة لإقامة الدين وجعل الدين أساساً لتنظيم شعب باق في حالة همجية، اما هؤلاء فيريدون استخدام الدين لتنفيذ المطامع السياسية»(88).
ويضيف سعاده قائلاً : إنه يجب إيجاد «الاستقرار الروحي في الملة الاسلامية لتهتم بشؤون الارتقاء الثقافي فلا تظل معرضة لتضحية غرض الدين في سبيل غرض السياسة التي يهمها الدولة والسلطان والحكم أكثر مما يهمها الدين والارتقاء الروحي والمثل العليا والتقدم الاجتماعي»(89).
ثم يرد سعاده على فكرة الجامعة الاسلامية عند جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده قائلاً: «على هذه الطريق السلبية سارت مدرسة السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، فغررت بجماعات كثيرة من المسلمين في مصر وسوريا والهند وإيران وافغانستان وكانت نتائجها خيبة تلو خيبة، فإن مبدأ «الجنسية الدينية» للمسلمين نسف من أسسه، فالاسلام لم يكن أحسن حظاً من المسيحية في توحيد الأمم باسمه.
فالأتراك لم يقبلوا تضحية جنسيتهم الاجتماعية في سبيل «جنسيتهم الدينية»، ولم يقبل بذلك الفرس ولا اية أمة إسلامية أخرى استيقظت لوحدتها الاجتماعية – الاقتصادية الجغرافية – السلالية ولمطامحها ومثلها العليا المنبثقة من هذه الأصول والعوامل. فذهبت صيحات الكاتبين الأفغاني وعبده في سبيل الوحدة الاسلامية أدراج الرياح ولكنها تركت أثراً سيئاً بين الذين تعلقوا بها في سوريا وأقطار أخرى فغررت وطوحت بهم وراء نظرية فاسدة شغلتهم عن طلب وحدتهم القومية، فسبقتهم إليها الأمم التي لم تستسلم لهذا الإغراء حتى ان تركيا ومصر تفاهمتا على خسارة السوريين لواء الإسكندرون للأتراك»(90).
تظهر من خلال المبادئ الاصلاحية التي وضعها أنطون سعاده، للأمة السورية دعوته وبشكل واضح إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة، وقد اعتبر «إن أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي هي تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية وتشبث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض سلطاتها(91).
فالقومية عند سعاده «لا تتأسس على الدين ولا تتأسس عليه الدولة القومية» وهو يظهر أيضاً «أن أكبر جامعتين دينيتين في العالم المسيحية والمحمدية، لم تنجحا بصفة كونهما جامعتين مدنيتين سياسيتين، كما نجحتا بصفة كونهما جامعتين روحيتين ثقافيتين» فالجامعة «الدينية الروحية» عند سعاده «لا خطر منها ولا خوف عليها. أما الجامعة الدينية، المدنية والسياسية، فتجلب خطراً كبيراً على الأمم والقوميات ومصالح الشعوب»(92).
ويعود سعاده ليؤكد ضرورة «منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين»(93).
فالأحوال القومية والمدنية والحقوق العامة «لا يمكن أن تستقيم حيث القضاء متعدد أو متضارب ومقسم على المذاهب الدينية الأمر الذي يمنع وحدة الشرائع الضرورية لوحدة النظام»(94).
ولتحقيق الوحدة والأمة السورية، لا بُدّ من «إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب»، فهذه الحواجز هي «حواجز تقليدية ليست من الضروريات الدينية، إن في أمتنا تقاليد متنافرة مستمدة من انظمة مؤسساتنا الدينية والمذهبية، كان لها أكبر تأثير في إضعاف وحدة الشعب الاجتماعية والاقتصادية وتأخير نهضتنا القومية والاجتماعية». فالوحدة القومية عند سعاده لا تتم إلا بإزالة أسباب الاختلاف. والحواجز الاجتماعية الحقوقية بين مذاهب وطوائف الأمة الواحدة هي المانع من الوحدة القومية الروحية- المادية»(95)
ج- في التأسيس لحركة المحرومين – أمل – عند موسى الصدر:
يظهر الامام السيد موسى الصدر أهداف تأسيس هذه الحركة من خلال ميثاقها:
1. إنها طموحة نحو حياة أفضل، تدفعه (الانسان) للتصدي لكل ما يفسد عليه حياته أو يجمد مواهبه أو يهدد مستقبله.
2. فإنها حلقة من حركة الانسان العامة في التاريخ قادها الأنبياء والأولياء والمصلحون ودفعها المجاهدون وأغناها الشهداء الخالدون.
3. إن هذه الحركة تنطلق من الايمان بالله: الايمان بمعناه الحقيقي لا بمفهومه التجريدي.
4. كما وأنها تعتمد على أساس الايمان بالانسان، بوجوده، بحريته، بكرامته، والحقيقة أن الايمان بالانسان هو البعد الأرضي للإيمان بالله.
5. إن حركة المحرومين… تؤمن بالحرية الكاملة للمواطن، وتحارب دون هوادة كافة انواع الظلم من استبداد وإقطاع وتسلط وتصنيف المواطنين.
6. ترفض الحركة الظلم الاقتصادي.
7. إن حركة المحرومين هي حركة وطنية تتمسك بالسيادة الوطنية وسلامة أراضي الوطن وتحارب الاستعمار والاعتداءات والمطامع التي يتعرض لها لبنان.
والحركة هذه تعتبر أن التمسك بالمصالح القومية وتحرير الأرض العربية وحرية أبناء هذه الأمة هي من صميم التزاماتها الوطنية لا تنفصل عنها.
8. إنها ليست حركة طائفية ولا عملا خيرياً ولا موعظة ونصحاً ولا تهدف إلى تحقيق مكاسب فئوية إنها حركة المحرومين جميعاً.
9. إنها حركة اللبنانيين الشرفاء جميعاً… إنها حركة اللبناني نحو الأفضل(96).
د- في تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي عند انطون سعاده:
يقول أنطون سعاده في أسباب ودوافع تأسيس الحزب وفي المبدأ الأول من دستور الحزب «حين ابتدأت أفكر في بعث أمتي ونهضتها وألاحظ الحركات السياسية الاعتباطية القائمة فيها، لاحظت أنه لا يوجد إجماع على تعيين هويتنا وحقيقتنا الاجتماعية، ورأيت ان كل عمل قومي صحيح يجب أن يبدأ من هذا السؤال الفلسفي: من نحن؟، … وقد أجبت نفسي بعد هذا التنقيب الطويل فقلت: نحن سوريون ونحن أمة تامة…».
ثم يضيف سعاده قائلاً: «إن هذه التعاريف المبلبلة التي جزأت حقيقتنا القومية أو أذابتها ومحتها: نحن اللبنانيين، نحن الفلسطينين، نحن الشاميين، نحن العراقيين، نحن العرب، لم يمكن أن تكون اساساً لوعي قومي صحيح ولنهضة الأمة السورية التي لها دورتها الاجتماعية والاقتصادية في وحدة حياة ووحدة مصير… والحقيقة أن قومية السوريين التامة وحصول الوجدان الحي لهذه القومية أمران ضروريان لكون سورية للسوريين، بل هما شرطان أوليان لمبدأ السيادة القومية»(97).
وتتوزع المبادئ الأخرى على الشكل التالي:
– المبدأ الثاني: «القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كل الاستقلال عن اية قضية اخرى»(98).
– المبدأ الثالث: القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري(99).
– المبدأ الرابع: الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الجلي(100).
وفي هذا المبدأ يقول سعاده: «… فإن نبوغ السوري وتفوق السوريين العقلي على ما جاورهم وعلى غيرهم أمر لا جدال فيه، فهم الذين مدّنوا الإغريق ووضعوا أسس مدنية البحر المتوسط التي شاركوا فيها الإغريق فيما بعد…»(101).
ثم يبين مدلول الأمة السورية قائلاً: «… وهو المجتمع القائم في بيئة واحدة ممتازة عرفت تاريخياً بإسم سورية وسماها العرب «الهلال الخصيب» لفظاً جغرافياً طبيعياً محض لا علاقة له بالتاريخ ولا بالأمة وشخصيتها، فالأصول المشتركة: الكنعانية – الكلدانية – الآرامية – الآشورية – الآمورية – الحثية – المتنية – الآكادية، التي وجودها وامتزاجها حقيقة علمية تاريخية لا جدال فيها، هي أساس أثني- نفسي – تاريخي ثقافي كما أن مناطق سورية الطبيعية الهلال الخصيب) هي وحدة جغرافية – زراعية – إقتصادية – استراتيجية»(102).
– المبدأ الخامس: ويحدد من خلالها سعاده : الحدود الجغرافية للوطن السوري والأمة السورية، وهي:
«الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية، وهي ذات حدود جغرافية تميزها عن سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق، ويُعبّر عنها بلفظ عام: الهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص»(103).
– أما المبادئ (6-7-8)، فهي تؤكد على وحدة المجتمع السوري، والايمان بأن مصلحة سورية فوق كل المصالح(104).
الخاتمة:
بعد الاطلاع على فكر كل من السيد موسى الصدر وأنطون سعاده، سنأتي على ذكر بعض أشكال الالتقاء والاختلاف بين فكري الرجلين، على الشكل التالي:
1- في المجال السياسي:
– أسس الإمام الصدر، حركة امل، وهي الجناح العسكري لحركة المحرومين، واعتبرها حركة وطنية، هدفها «صون كرامة الوطن ومنع اسرائيل من الاعتداءات السهلة»(105).
فكانت حركة أمل، تنظيماً حزبياً سياسياً لبنانياً بحتاً.
يقول أنطون سعاده عن قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي، «لم نقل انها لبنانية ولا أن غايتها إظهار شيء يسمى «إستقلال لبنان»، بل قالت أنها سورية أولاً وآخراً وأنها لا تعترف بأية تسوية لا تكون وليدة إرادة الأمة السورية الموحدة في مبادئ قضيتها القومية»(106).
ويحدد انطون سعاده الحدود الجغرافية للأمة السورية: من جبال طوروس في الشمال الغربي وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية وخليج العجم في الشرق»(107).
1- في الدين:
– عند الإمام السيد موسى الصدر: اعتبر أن الدين وعبادة الله تعالى، «خطوات ووسائل ودوافع لأجل أن تدفع الانسان نحو الكمال» وأكد ان عبودية الله تعالى تعني التحرر وكل الكمالات»(108).
وربط السيد الصدر بين جبهة الأنبياء وجبهة المؤمنين، التي تبدأ من الأزل وتنتهي إلى الآخرة، محاولة الترابط بين نضالنا اليوم وبين نضال الانسان في سابق الزمن، «بهذا المفهوم نحن ننظر إلى أسلافنا» وأكد اهمية الايمان بكتب الله ورسله والقرآن الكريم، وربطه ذلك بالعمل اليومي للإنسان، وأوجده في ميثاق حركة المحرومين»(109).
وقد ورد في مقدمة الميثاق: «إن هذه الحركة تنطلق من الايمان بالله، الايمان بمعناه الحقيقي لا بمفهومه التجريدي»(110).
– عند أنطون سعاده: دعا إلى فصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التعاطي في الأمور السياسية، ويناقض تماماً فكرة السيد موسى الصدر الدينية البحتة.
فسعاده اعتبر أن «أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي هي تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية وتشبث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض سلطاتها»(111).
بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يعتبر أن «الجامعة الدينية المدنية والسياسية، تجلب خطراً كبيراً على الأمم والقوميات ومصالح الشعوب»(112).
إلا أن الرجلين يلتقيان في مناحي أخرى كثيرة، ومنها:
1- في الاقتصاد والتنمية:
– عند السيد موسى الصدر: رفض الظلم الاقتصادي(113).
فهو وفي مهرجان بعلبك بتاريخ 17/3/1974 انتقد بشكل واسع، لا مبالاة الدولة بمطالب المحرومين في البقاع والجنوب والشمال وكل لبنان وهاجم الحكومة لعدم صرف الاعتمادات المخصصة للتنمية(114) وأقام المهرجانات المطالبة بإنصاف المناطق المحرومة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. فهو يقول: «إن الأساس لبقاء الأوطان العدالة وكرامة المواطن»(115).
– عند أنطون سعاده: دعا في المبدأ الرابع للحزب السوري القومي الاجتماعي إلى: «إلغاء الاقطاع وتنظيم الاقتصاد الوطني على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة»(116) وهو يشرح ذلك بقوله: «اما تنظيم الاقتصاد القومي على أساس الانتاج فهو الطريقة الوحيدة لإيجاد التوازن الصحي بين توزيع العمل وتوزيع الثروة. كل عضو في الدولة يجب ان يكون منتجاً بطريقة من الطرق»(117) ويضيف قائلاً: «إن ثروة الأمة العامة يجب ان تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية… فإقامة العدل الاجتماعي – الحقوقي – والعدل الاقتصادي – الحقوقي، أمر ضروري لفلاح النهضة السورية القومية الاجتماعية»(118).
2- في إيجاد جيش قوي:
– عند السيد موسى الصدر:
1. «سوف نؤسس جيشاً في داخل هذا البلد لكي ندافع عن اللبنانيين ونحمي حدود لبنان ونحمي جنوب لبنان ونحمي شواطئ لبنان»(119).
2. «إن للتجنيد الاجباري أكثر من فائدة، فهو يجمع الصفوف ويوحد الكلمة ويهيئ الشعب لمواجهة الخطر القائم حالياً… ويكون دعامة لردع هذا الخطر في المستقبل»(120).
3. إن الجيش هو العمود الفقري لبناء الدولة وهو سياج الوطن(121).
4. أريد الجيش قوياً مسلحاً قادراً على حماية الحدود(122).
– عند أنطون سعاده: أورد في المبدأ الخامس من المبادئ الإصلاحية: « إعداد جيش قوي يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن»(123) فهو يدعو وبشكل واضح إلى ضرورة أن تكون «الأمة السورية كلها يجب أن تصبح قوية مسلحة»(124).
3- الخطر الصهيوني:
– عند السيد موسى الصدر:
1. إن غدر الصهاينة ومؤامراتهم لم ينج منها لا المسيحيون ولا المسلمون على السواء، والتاريخ شاهد على اضطهادهم للسيد المسيح وعلى تحريفهم للأحاديث النبوية ومقاومتهم للدعوة الاسلامية(125).
2. إن إسرائيل بوجودها وبما لها من اهداف تشكل خطراً علينا محدقاً على جنوبنا وشمالنا على أرضنا وشعبنا على قيمنا وحضارتنا على اقتصادنا وسياستنا(126).
3. إن معركتنا مع العدو ذات وجوه كثيرة، فهي معركة حضارية طويلة الأمد متعددة الجهات، وطنية قومية دينية، إنها معركة الماضي والمستقبل(127).
4. تجب إزالة إسرائيل من الوجود(128).
5. إن إسرائيل هي العدو للعرب وللمسلمين وللمسيحيين وللإنسانية ولله سبحانه وتعالى»(129).
6. إن إسرائيل شر مطلق(130).
– عند أنطون سعاده: ومن خلال محاضراته، أظهر أنطون سعاده خطر الوجود الصهيوني: «من أهم المشاكل الخطرة جداً التي سنواجهها… المشكل الصهيوني الذي صار خطراً عظيماً مداهماً يهدد بالقضاء على معظم آمالنا» ويضيف: «إن سورية تواجه خطرين: الواحد في الجنوب والآخر في الشمال، الأول هو الخطر اليهودي والثاني الخطر التركي…»(131).
ويمكن أن نعتبر أن أنطون سعاده هو أول من اظهر الخطر الصهيوني على بلادنا، ونادى بوجوب مقاومته.
يقول مصطفى صادق الرافعي: «ان نهضة هذا الشرق العربي لا تعتبر قائمة على اساس وطيد الا اذا نهض بها الركنان الخالدان: الدين الاسلامي واللغة العربية، وما عداهما فعسى ان لاتكون له قيمة في حكم الزمن الذي لايقطع بحكمه على شيء إلا بشاهدين المبدا والنهاية».(132)
ان هذه النخبة من المصلحين المتمثلة بموسى الصدر وانطون سعاده، والتي وجدناها انها لاتساوم بملك ولا امارة ولايطلبون بالاصلاح غرضا من اغراض الدنيا او باطلا بزخرفها، فقد جعلتهم مبادئهم العالية القوية اول ضحاياها، وتروي منهم عرق الثرى الذي يتغذى من بقايا الاجداد لينبت منه الاحفاد .
لقد كان موسى الصدر وانطون سعاده، جوابا على نهضة امة ثابتة لم تكن من الكلام وفنونه بل مبدأ ثابت ومستمر يعمل عمله في نفوس أهلها، وقد كان هذا المبدأ قائماً على اربعة اركان: إرادة قوية، وخلق عزيز، واستهانة بالحياة، وصبغة خاصة بالامة .
ان هذه النهضة لاتصلح في الكتب ولا في الفنون بل في الرجال القائمين عليها، فالقلوب والادمغة هي اساس النهضة الحقيقية الثابتة، فكل الناس يرضون التمتع بالمال والجاه والسيادة والحكم، فليست هي مسألة الشرق، ولكن المسألة: مَن هو النبي السياسي الذي يرضى ان يُصْلب؟
الهوامش:
1- وجيه كوثراني، اشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في العقل العملي، منبر الحوار، العدد 39، صيف وخريف 1999، ص 11.
2- الامام القائد السيد موسى الصدر، امل المعذبين، منشور صادر عن حركة امل، 2001، ص5.
3- يعقوب ضاهر، مسيرة الامام السيد موسى الصدر، بيروت: دار بلال، الطبعة1، 1 : 29، 2000.
4- المرجع نفسه.
5- المرجع نفسه، ص 30.
6- المرجع نفسه، 31.
7- المرجع نفسه، ص 37.
8- الامام القائد السيد موسى الصدر، أمل المعذبين، المرجع السابق، ص15.
9- الامام القائد السيد موسى الصدر، أمل المعذبين – حركة امل : المكتب الاعلامي المركزي، 2001، ص15.
10- محمد قرة علي، هوية الامام الصدر ومهمته في لبنان، جريدة الحياة البيروتية، عدد 22/12/1961.
11- يعقوب ضاهر، مسيرة الامام السيد موسى الصدر، مرجع سابق، الجزء1، ص 314.
12- المرجع نفسه، الجزء1، ص 224.
13- جريدة النهار، 3/2/ 1974.
14- المرجع نفسه.
15- جريدة النهار، 18/3/1974.
16- جريدة النهار، 6/5/1974.
17- جريدة النهار، 28/6/1975
18- المرجع نفسه.
19- جريدة النهار، 18/3/ 1974.
20- جريدة النهار، 5/4/1974.
21- المرجع نفسه.
22- المرجع نفسه.
23- جريدة النهار، 6/5/1974.
24- المرجع نفسه.
25- جريدة النهار، 16/5/1970.
26- الامام القائد السيد موسى الصدر أمل المعذبين، المرجع السابق، ص 28.
27- جريدة النهار، 18/3/1974.
28- المرجع نفسه، 5/4/ 1974.
29- المرجع نفسه، 6/5/ 1974.
30- جريدة النهار، 30/3/ 1975.
31- الامام القائد السيد موسى الصدر أمل المعذبين، ص 72.
32- جريدة النهار، 7/7/1975.
33- يعقوب ضاهر، مسيرة الامام السيد موسى الصدر، الجزء9، ص 228 وما بعدها.
34- الياس جرجي قنيزح، مآثر من سعاده، بيروت: مؤسسة سعاده للثقافة، الطبعة2 ، 2013، ص 17-18.
35- المرجع نفسه، ص 19-20.
36- المرجع نفسه، ص 22- 23.
37- المرجع نفسه، ص 26.
38- المرجع نفسه، ص 27.
39- مآثر من سعاده، المرجع السابق، ص 21.
40- المرجع نفسه، ص 28.
41- المرجع نفسه، ص 33-34.
42- مآثر من سعاده، ص 36.
43- المرجع نفسه، ص 45- 46.
44- المرجع نفسه، ص 67-68.
45- المرجع نفسه، ص 77.
46- المرجع نفسه، ص 90- 91.
47- المرجع نفسه، ص 99.
48- المرجع نفسه، ص 204.
49- المرجع نفسه،
50- مآثر سعاده، ص 261.
51- المرجع نفسه، ص 266.
52- أنطون سعاده، في مغتربه القسري – الآثار الكاملة- 12 – د. ت، ص 16.
53- الزوبعة، العدد 75، 15 حزيران 1944
54- انطون سعاده، في مغتربه القسري، المرجع السابق، ص 17
55- الزوبعة، العدد 79، 12 آب 1944.
56- المرجع نفسه.
57- المرجع نفسه.
58- الزوبعة، العدد 79، 12 آب 1944.
59- الزوبعة، العدد81، 30 أيلول 1944.
60- المرجع نفسه.
61- الزوبعة، العدد 77، 15 تموز 1944.
62- الزوبعة، العدد 79، 12 آب، 1944.
63- المرجع نفسه.
64- المرجع نفسه.
65- أنطون سعاده، المحاضرات العشر، د. ت، ص 3، (المحاضر الأولى 7 كانون2 1948).
66- المرجع نفسه.
67- أنطون سعاده، المحاضرات العشر، ص 6.
68- المرجع نفسه، ص 7.
69- المرجع نفسه، ص 8.
70- المرجع نفسه، المحاضرات الثانية، ص 9 – 18 كانون2 – 1948.
71- أنطون سعاده، المحاضرات العشر، المحاضرة الثانية، ص 9.
72- المرجع نفسه، ص 10.
73- المرجع نفسه، ص 10.
74- المرجع نفسه، ص 10.
75- المرجع نفسه، ص 10.
76- أنطون سعاده، المحاضرات العشر، المرجع السابق، ص 11.
77- المرجع نفسه، ص 11.
78- المرجع نفسه، ص 11.
79- مآثر من سعاده، المرجع السابق، ص 32.
80- يعقوب ضاهر، مسيرة الامام السيد موسى الصدر، المرجع السابق، الجزء1، ص 15- 16.
81- المرجع نفسه، الجزء11، ص 50.
82- المرجع نفسه، الجزء11، ص 51.
83- المرجع نفسه، ص 52.
84- المرجع نفسه، الجزء11، ص 54.
85- أنطون سعاده، بين الدين والدولة، ص 217.
86- المرجع نفسه، ص 218.
87- المرجع نفسه، ص 219.
88- المرجع نفسه، ص 219.
89- المرجع نفسه.
90- المرجع نفسه، ص 222.
91- أنطون سعاده، الدليل إلى العقيدة السورية القومية الاجتماعية، بيروت: دار الركن للطباعة والنشر، 1993، ص 30.
92- المرجع نفسه، ص 31.
93- المرجع نفسه، ص 33.
94- المرجع نفسه، ص 33.
95- المرجع نفسه، ص 34.
96- صوت المحرومين، العدد الأول، 28/5/1976.
97- أنطون سعاده، الدليل إلى العقيدة السورية القومية الاجتماعية، بيروت: الركن للطباعة والنشر، 1993، ص 12-13.
98- المرجع نفسه، ص 14.
99- المرجع نفسه، ص 16.
100- المرجع نفسه، ص 17.
101- المرجع نفسه، ص 18.
102- المرجع نفسه، ص 19.
103- المرجع نفسه، ص 22.
104- المرجع نفسه، ص 26-29.
105- جريدة النهار، 7/7/1975.
106- الزوبعة، العدد: 28، 3 أيلول 1944.
107- انطون سعاده – الدليل إلى العقيدة السورية القومية الاجتماعية، المرجع السابق، ص 22.
108- يعقوب ضاهر، مسيرة الامام موسى الصدر، المرجع السابق، الجزء1، ص 15 – 16.
109- المرجع نفسه، الجزء11، ص 50-51.
110- صوت المحرومين، العدد الأول، 28/5/1976.
111- أنطون سعاده، الدليل إلى العقيدة السورية القومية الاجتماعية، المرجع السابق، ص 30.
112- المرجع نفسه، ص 31.
113- من ميثاق حركة المحرومين، صوت المحرومين، العدد الأول 28/5/1976
114- جريدة النهار، 18/3/1974.
115- الامام القائد السيد موسى الصدر، امل المعذبين، المرجع السابق، ص 31.
116- أنطون سعاده، الدليل إلى العقيدة …، ص 36.
117- المرجع نفسه، ص 37.
118- المرجع نفسه، ص 37.
119- يعقوب ضاهر، المرجع السابق، الجزء4، ص 269.
120- المرجع نفسه، الجزء2 ص 74.
121- المرجع نفسه، الجزء8، ص 172.
122- المرجع نفسه، الجزء5، ص 224.
123- انطون سعاده، الدليل، المرجع السابق، ص 39.
124- المرجع نفسه، ص 39.
125- يعقوب ضاهر، المرجع السابق، الجزء1، ص 343.
126- المرجع نفسه، الجزء2، ص 215.
127- المرجع السابق، الجزء2، ص 216.
128- المرجع نفسه، الجزء4، ص 343.
129- المرجع نفسه، الجزء5، ص 143.
130- المرجع نفسه، الجزء6، ص 292.
131- الزوبعة، العدد 79، 12 آب 1944.
132- مصطفى صادق الرافعي، وحي القلم دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الجزء3، ص 153.