الأديب مجلة أدبية لبنانية مشرقية
أستمرت في الصحافة الادبية من سنة 1942 الى سنة 1983
تعتبر مجلة "الأديب" تجربة مهمة في الصحافة الادبية استمرت من العام 1942 وحتى العام 1982 وجمعت على صفحاتها رموز واقطاب الادب والفكر في لبنان وسوريا ومصر والعالم العربي. ولبثت امنية لخطها التجديدي الجامع وشكلت تحولاً مهماً في الحياة الثقافية والادبية. هنا اضاءة مفصلة في تاريخ المجلة ودورها وانجازاتها.
أستمرت في الصحافة الادبية من سنة 1942 الى سنة 1983
"الأديب" مجلة لبنانية كانت تصدر في مطلع كل شهر… أنشاها ألبير أديب.. كان عنوانها "الأديب" مجلة تبحث في الآداب والفنون والعلوم والسياسة والاجتماع. وكان عدد صفحاتها اربعاً وستين صفحة من القطع الكبير.
صدر العدد الاول منها في اول كانون الثاني سنة 1942، وكان غلافها الخارجي الذي لم يتغير طوال مدة صدورها من تصميم الفنان رأفت بحيري.
اما فكرة إنشاء المجلة فقد انطلقت اولاً في مجلس أدبي خاص ضمّ كلاّ من: الشاعر الدكتور نقولا فياض والشاعر الدكتور حبيب ثابت ورئيف أبي اللمع وخليل تقي الدين، الذين شجعوا ألبير أديب على إصدار مجلة أدبية خاصة به، وكان هذا الاخير يعمل في جريدة "المكشوف" لصاحبها الشيخ فوزي حبيش، ما حداه الى تنفيذ الفكرة في أسرع وقت ممكن.
وكان ان تشكلت أسرة "الأديب" في اواخر عام 1943 وكان من اعضائها: الشيخ عبدالله العلايلي والشيخ الياس خليل زحريا والدكتور نقولا فياض ونور الدين بيهم والشاعر محمد علي حوماني والشاعر صلاح الأسير وألبير أديب، ومن ثم تحوّل مكتب المجلة في غضون أشهر الى ملتقى للزعماء ورجال السياسة أمثال: كمال جنبلاط وعبد الحميد كرامي وكميل شمعون وسامي الصلح وأحمد الأسعد. ولكن ما عتّم ان ابتعدت المجلة عن السياسة بعد عدة اشهر وصار منهجها التوجيه الوطني والقومي، لأن صاحبها وجد ان السياسة بتداعياتها ستؤدي به الى مشاكل هو بغنى عنها، فقد كان يريد ان تنتشر "الأديب" في جميع الأقطار العربية بشكل فعّال، وأن تبتعد عن تناول الدين والجنس والطائفية، كي تضمن استمرارها ومسيرتها الادبية والثقافية، وان تكون لسان حال المثقفين والادباء والشعراء في كل مكان. جاء في الصفحة الاولى، في العدد الاول، في السنة الاولى: ثمن الجزء اربعون غرشا، بدل الاشتراك في لبنان وسوريا خمس ليرات لبنانية، في الخارج جنيه مصري، جميع المخابرات باسم منشئها، بيروت، صندوق البريد رقم 878، الادارة في بيروت، مطابع دار الاحد، شارع فينيقيا.
في عام 1958 وابتداء من شهر كانون الثاني أصبحت الاشتراكات كما يلي: بدل الاشتراك عن سنة كاملة في لبنان وسوريا 12 ل.ل. المؤسسات والشركات والدوائر الرسمية 25 ل.ل. في الخارج 35 ل.ل. في الولايات المتحدة 10 دولارات اميركية.
اما ابواب المجلة الثانية ومنذ صدور العدد الأول منها فهي :
مكتبة الاديب، جولة الاديب في شهر، برقيات ادبية، أنباء العالم في شهر، ظهر حديثا، اخبار علمية، بالاضافة الى المقالات والقصائد والمواضيع التي تدرج تحت عناوينها وخطوطها دون ذكر الأبواب.
والذين كتبوا في مجلة "الأديب" لا يحصى لهم عدد بعضهم أصبح في ديار الحق وبعضهم الآخر لا يزال حياً، وكلهم تتلمذوا في مدرسة "الأديب" وكان لهم شأن عظيم في عالم الكتابة عرباً ولبنانيين، نذكر منهم:
محمد كرد علي وأمين نخلة وقدري حافظ طوقان والياس أبو شبكة ود.حبيب ثابت وعبدالله المشنوق ومحيي الدين النصولي وبهيج عثمان ورئيف خوري وراجي الراعي ود.نقولا فياض ويوسف الخال وزكي محاسني وسامي كيالي وشفيق طبارة وميشال ابو شهلا ووليم صعب وأمين الغريب وغنطوس الرامي وعمر فاخوري وعبدالله العلايلي وأنور الجندي وعلي محمد شلق ومحمد يوسف حمود وخليل تقي الدين وصلاح الأسير ومارون عبود والياس خليل زخريا ورشاد المغربي دارغوث وعيسى الناعوري وفارس مراد سعد وايليا حاوي وفؤاد الخشن وفوزي عطوي وطه الوالي وعجاج نويهض وزكي قنصل وعبد السلام العجيلي ويوسف اسعد داغر وأمين ابو عز الدين وكرم ملحم كرم ووداد سكاكيني وسهيل ادريس وحبران التويني وجرجي نقولا باز ورشدي المعلوف ومحمد جميل بيهم وقدري قلعجي وأحمد الصافي النجفي وخلدون ساطع الحصري وجبرائيل جبور ورضوان الشهال وعيسى اسكندر المعلوف ونازك الملائكة ووديع فلسطين وعبد اللطيف شراره ومحمد روحي فيصل وعبدالله عبد الدائم وعيسى ابراهيم الناعوري وحسن الامين وقسطنطين زريق ود.رئيف أبي اللمع ومحمود تيمور وجبور عبد النور ورياض الصلح ود.حسن صعب ود.احمد ابو سعد وكمال جنبلاط ونزار قباني وخليل مطران وانيس الحوري المقدسي وسعيد ابو الحسن وجورج صيدح، وسهيل ادريس، وانسي الحاج، وثريا ملحس، وغيرهم كثيرون.
طبع العدد الاول في المطبعة الحديثة، طريق الشام، بيروت . جاء في العدد الاول، السنة الاولى، تحت عنوان "كلمتنا" بقلم ألبير أديب عن اهداف المجلة ومسيرتها الادبية ما يلي :
"نتقدم الى قراء العربية بهذه المجلة الجديدة "الأديب" في مطلع العام الجديد، راجين ان يكون عام طمأنينة للعالم، وسعادة للقراء ، ونجاح للمشروع الذي أخذنا على عاتقنا تحقيقه، والسير به من حسن الى أحسن. ونحن على مثل اليقين بأننا، رغم المصاعب الكثيرة الراهنة، بالغون ان شاء الله الغاية التي نتوخاها، بعون الملإ الصالح من اصدقائنا الادباء واهل الرأي وذوي الاختصاص في مختلف المعارف والفنون. فهذه المجلة مجلتهم، يخرجونها في مستهل كل شهر وفقا للخطة الرشيدة التي اختطوها، سعيا نحو المقاصد الرفيعة التي جعلوها نصب أعينهم.
"لقد رأينا الحاجة ماسة الى سدّ ما يحسب بحق فراغاً في مكتبة الاديب العربي، فألهمنا ان نساهم في ذلك بمجلة نطمح الى ان تكون معرضاً للانتاج الفني والأدبي والعلمي، ومنبراً للرأي السياسي المنبثق من العقيدة الصادقة والايمان الخالص، ثم لا تلبث ان تصير همزة الوصل بين أقطاب الفكر الحر في الاقطار العربية جمعاء".
"اما الخطوط الاساسية لهذا المشروع فتتجلى بوضوح في موضوعات هذا الجزء من "الأديب" الذي يجمع – كما ترون – بين طرائف القديم ونفائس الحديث، مما نشر او لم ينشر، في شتى الفنون والشؤون".
"واذا كان لنا ما نقوله، ونحن في المرحلة الأولى من عملنا، فهو أن نسأل جمهرة القراء مساعدتنا على انجاح هذا العمل، كي تصبح "الأديب" مجلة القراء الذين يطالعونها كما هي مجلة الكتّاب الذين ينشئونها ، والله من وراء القصد".
يقول ألبير أديب في العدد الأخير من السنة الاولى لصدور المجلة ( في سنة 1943 ) ما يلي:
"بهذا العدد تودّع "الأديب" سنتها الاولى وتستقبل السنة الثانية. لا شك انك قد شعرت أيها القارىء الكريم بمدى الجهود التي نبذلها لنتغلّب على العقبات التي لا بدّ ان تلاقيها الاعمال الأدبية في مثل هذه الظروف.
وليس لنا مسافة ما نشكوه، فإن التشجيع الذي صادفناه في مختلف الأقطار العربية لخير حافز لنا على المضي قدماً، وليس أدلّ على هذا التشجيع من المساهمة الأدبية التي تكرّم بها علينا الادباء في كل قطر عربي، ولنا أمل في المزيد. فاذا نجحت "الأديب" بأن تظل صوتاً للادب والفكر والمبادىء القومية الصحيحة في الأقطار العربية في هذه الفترة التي قلّ فيها الانصراف الى الادب فإننا لنعتبر أنفسنا جدّ سعداء. ولكن ذلك يتوقف عليك، أيها الأديب العربي، كما يتوقف علينا، ويتوقف عليك ايها القارىء الكريم ايضاً، فان "الأديب" لم تبلغ ما بلغت الا بمعاضدتك المعنوية والمادية، وهي مكملة سيرها في طريق التقدم، معتمدة عليك وحسب".
ويقول الشيخ عبدالله العلايلي في عدد شهر كانون الثاني، في السنة الخامسة، 1946 تحت عنوان "أعداء الوطن هم أدعياء الوطنية" ما يلي :
"لقد أردنا "الأديب " رسالة، ورسالة انفطار جديد، فمضت عاملة مطمئنة، غير ثابتة او حافلة، بما قد أقيم لها وما سوف يقام لها. فهي تستلهم عناصر خالدة، تثبت في اصول طبيعة عربية خالقة، أعطت الابداع اول ما اعطت، وانها وراء مستوفز حركتها – رغم الجاحدين الآفنين – سوف تخط غاية ابداع جديد، لوجه انسانية جديدة.
مضت "الأديب" تشق الطريق صعداً، هادرة حيناً وهادئة حيناً. وهي بين قوة من هديرها ووعي من هدوئها، تبني وتعلي في ذيالك البناء، كما تميل فتمس ما اخلولق بالهدم، فان في بعض من معنى الهدم لكثيراً من معنى البناء فالهدم – أي الثورة الفكرية – رجة عنيفة تمس الافئدة والعقول، فتنبعث فيها تيارات مطورة جديدة تختلف قوة وضعفاً، ولا تخلو ملابساتها عن تغيير في ارتكاز الآفاق العامة للاوضاع او تعديل في السنن المفروضة. ولا شك في ان عملية البعث التي تستنها الثورة، ثم ما توالي به من ضروب الالوان والتشكلات، تعد الكائن في خاصيانة النفسية وفي حالات اجتماعية لشيء جديد.
و"الأديب" أغضبت، في اتجاه غايتها، قوماً عششوا في الطلل المخلولق، الذي آنسوه في أنفسهم حبوراً، وأروه للناس بإفكهم قصوراً، فنثروا الصعاب بين يديها ومن أمامها. ولكن "الأديب" مضت جاهدة صابرة، ومستعلية قاهرة. وكانت تعزيتها – رغم ما اتهمت به كله – كلمة "رينان" حينما قال في ذكرى سبينوزا – وأشار الى النافذة التي كان يطل منها، وكانت رمز التجديف الى زمن غير بعيد – لعل الله كان اقرب الى هذه النافذة من أي مكان آخر.
وماذا أخذوا عليها؟ اخذوا عليها انها آمنت وكفروا، وانها اخلصت ومانوا، وانها جدت وعبثوا، وانها تجردت وانتهزوا. ولكن "الأديب" لن تغضي، وهى ترى كلاّ يذوب وفردية تتحكم، ولن تعدل عن تحديها، وهي ترى الدائرة تذوب كلها في نقطة، والمعروف في المنطق الرياضي، ان النقطة تصحح الحط الدائري ولا تبتلعه.
مرت "الأديب" الى سنتها الجديدة، وهي تجاهد وتجالد. تجاهد بسبيل الغاية التي قدستها، وتجالد الصعاب التي نثرت بين يديها، وما نثرها الا اولئك الذين غرروا بالناس، فأحلوهم محل الزعامة من أنفسهم.
ولكننا نقول للشعب – والشعب هو الكل الصالح – ان حاجتك الى زعيم غسل نفسه من الانانية في الوطن فلا يستأثر به، وتوافر لديه الشعور بالواجبات فلا يغفل عنك.
وأما اولئك الذين تعرفهم، فاحذرهم لأنهم تجار يبحثون من وراء الزعامة عن سوق لسلعهم، وعن منهل عذب يبردون به حرقة انانيتهم الظامئة.
نحن لا نعرف الارستقراطية الا في الوطنية والخدمة العامة والانتاج المثمر، فاي امرىء كان أكثر وطنية اي اكثر خدمة واكثر جهاداً وانتاجاً، فهو الارستقراطي فينا، وأما كل ما وراء ذلك فلصوصية اجتماعية لا نغتفرها. على ان الامة اذا استفاقت لا بد ان تنشر قانون الجزاء الوطني، وتنطق على لسانها العدالة.
يجب ان تعلم – والمجتمع كالكائن الحي بدون قياس الفارق – ان ميزة العضو لا بمقدار ما يملك من الدم، بل بمقدار ما يحرق منه ويجهد بسبيل الأعضاء الاخرى، فالدماغ والقلب ربما كانا أفقر الاعضاء بالدم كمحصول ولكنهما أشرف ما في الانسان، فالاول يحرق لضياء الفكر والثاني يجهد لبقاء الحياة.
ايها الشعب : الزعيم والأمة شيئان، ولكن الزعيم من الامة، فلم يبق الا الامة وحدها فقط فاذا فكر بنفسه دونها او معها ، فقد سقط خائنا وعاد شخصا مزرياً.
اكبر الاضرار ان تكون الأمة بدون زعيم، واكبر الاخطاء ان تعفل الامة عن تخير بالزعيم، فلتنتخب الامة زعيماً، ولكن لتحذر جيدا كي لا ينقلب الانتخاب انتحاباً".
من هو ألبير أديب، وما هي سيرته الادبية والاعمال التي قام بها وأنجزها في حياته؟
ولد ألبير أديب في المكسيك سنة1908ن من ابوين لبنانيين. ارسله والده عندما بلغ الخامسة من عمره، مع امه ليقيم عند جده بطرس ديب في دير القمر بلبنان، لتلقي العلوم العربية، ثم دخل مدرسة "الفرير" وظل فيها الى العام 1918، ثم انتقل الى المدرسة المارونية في القاهرة لإتقان اللغة العربية العالية فأمضى فيها ست سنوات، ثم دخل الجامعة المصرية لدراسة التجارة والحقوق ففشل فيهما وطرد من كلية الحقوق بسبب قيادته احدى المظاهرات. أخذ يراسل "الجريدة التجارية المصرية"، وكتب في مجلة "الرقيب" وعمل في مجلة "الروايات المصورة" ومجلة "الاسبوع" لابراهيم عبد القادر المازني، واشترك في التظاهرات الوطنية المصرية، وكان اتجاهه عربياً بحيث أثار حفيظة تلاميذ المدارس للاشتراك في الأعمال الوطنية متخذا مواقف إيجابية منها.
سافر الى السودان في عام 1927 وعمل في مجلة "حضارة السودان" لثلاث سنوات، ثم عاد الى لبنان فعمل في جريدة "النداء" ثم تركها في عام 1931 حيث عمل في مجلة "المعرض". وفي عام 1938 كلف بانشاء "راديو الشرق" فبقي يعمل فيها، الى سنة 1943 حيث عيّن رئيساً لاكاديمية الموسيقى الشرقية، ثم عمل في جريدة "المكشوف" ثم عكف على اصدار مجلة "الأديب" التي استمرت من سنة 1942 الى سنة 1983،واضطر الى نقل مكاتب المجلة عدة مرات من بناية اللعازارية الى باب إدريس، ثم اصدرها من بيته، ثم من بيت ابنته في رأس بيروت، وكان برغم ضعف نظره يلجأ الى كتابة عناوين المشتركين بقلم "الفلوماستر" بخط كبير وواضح لعدم الوقوع في الخطأ.
وكان يضع مكبرين كهربائيين الواحد فوق الاخر ليستطيع القراءة والكتابة. وكان الدكتور فوزي عطوني يساعده في بعض الاحيان في ترتيب المواد التي تصله قبل دفعها الى المطبعة. وتوقفت المجلة نهائياً عن الصدور في عام 1983 بسبب تعرض منزله ومكتبه للقصف العشوائي إبان الحرب اللبنانية، فاضطر الى الانتقال الى بيروت الغربية، ليسكن مع ابنتيه ندى وهدى في منطقة الحمراء – رأس بيروت تاركاً اوراقه ورسائله ومكتبته وثلاثة واربعين مجلداً من "الأديب" وكتباً ادبية مخطوطة، وكتاباً شعريا مخطوطاً، عرضة للسرقة والنهب. وله دراسات منها:
توفيق يوسف عواد والقصة . وعاش بعد ذلك بعيدا عن مجلته وكتبه الى ان وافته المنية في 26 أيلول سنة 1985 في منزل ابنته في رأس بيروت.
خلاصة الكلام: ان مجلة "الأديب" كانت سجلاً أدبياًحافلاً للحركة الثقافية في لبنان والوطن العربي.وكان لكبار الكتّاب والشعراء العرب مراسلات ومقالات مع هذه المجلة، ومن الشعراء الذين راسلوها وكتبوا فيها أعذب قصائدهم، نذكر على سبيل المثال : يوسف الخال وعيد الوهاب البياتي ونازك الملائكة واحمد الصافي النجفي وبلند الحيدري وصفاء الحيدري وبدر شاكر السياب ونزار قباني وعبد القادر رشيد الناصري وصلاح الاسير والياس ابو شبكة وغيرهم. ففيها نشرت اولى قصائدهم كما نشر البير اديب قصائد جديدة من مجموعته الشعرية "لمن" التي صدرت عن دار المعارف، بمصر، في عام 1952.
كان لوفاة البير اديب رنة اسى وحزن وغياب بعيد الأثر – اذ كانت حياته صفحة مضيئة مشرقة في سبيل حرية الكلمة ، والمبادىء القويمة، والسيرة الحسنة ، والاخلاق الرفيعة، والتواضع الجّم.
عاش البير اديب حياته ابّي النفس، لا يرضى بأن تمده دولة بالمال، او يعطيه احد رجال السياسة مساعدة مادية، أو يتعهد نتاجه أحد، فبقيت موارد المجلة في نطاق مواردها الشريفة، ضئيلة، في ظل الاوضاع المادية المترديّة. اعترف الدكتور سهيل ادريس – احد تلاميذ مجلة "الأديب" – صراحة بمكانة هذه المجلة، بالرغم انه اصدر مجلة "الآداب" التي راحت تنافس مجلة "الاديب" في وقت من الاوقات.
قال :
"اول ما نشرت من نتاجي نشرته على صفحات "الأديب". كنت اكتب عروضاً نقدية ومقالات ولكن عندما صدرت "الآداب" انقطعت علاقتي بصاحب الأديب فهو كانت لديه آراء مخالفة لما استجد لدينا نحن كجيل جديد يطمح الى الدخول في مغامرة جديدة على صعيد الابداع والنقد الأدبي، وما دار على صفحات "الآداب" من مساجلات نقدية وفكرية ما كان ليدور على صفحات "الاديب" في ذلك الوقت. فالرجل كان يفضل ان يبقى في منأى عن الصراعات، ولكن "الأديب" أدت قسطها الوافر والكبير في نشر الابداع الأدبي وتشجيع المبدعين وكلنا خرجنا من معطفها".
وقال فيه الأديب والمؤرخ عيسى فتوح:
"لقد ظلّت مجلة "الأديب" على مدى اربعة عقود ونيف المجلة الوحيدة الرصينة التي تعتمدها المكتبات الوطنية ودوائر الاستشراق في العالم وتسعى الى طلبها واقتنائها، نظراً لعراقتها ومكانتها الرفيعة، وابحاثها القيمة واعتدال لهجتها واتزان كل ما ينشر فيها، فقد كان البير اديب يزن كل مادة تصله بميزان دقيق وحساس لا بتعصب لجنس ادبي آخر او لطريقة في النظم دون أخرى كل ما كان يهمه هو الجودة قبل كل شيء .فنشر جميع الانواع الشعرية: الشعر العمودي والشعر الحر لكن الشرط الوحيد هو التميز والفرادة".
ونظم الشاعر رياض المعلوف ابياتاً بمناسبة بلوغ "الاديب" عامها الأربعين، فقال :
قلم به نور العيــــــون يسيــــل فكأنه طيَ الدجـــى قنديـــــل
افنيت عمرك والعيون محّرراً تلك الصحائف دأبك التحليل
تلك الحروف كسوتها دم مهجة وبها استنار من الثقـــافة جيل
الاربعون من السنين تصرّمت جاهدت فيها الجهاد طويـــــل
وقال فيه صديقه د.علي شلق بعد وفاته في جريدة "السفير" بتاريخ السبت 28 أيلول سنة 1985:
"وفي هذا الزمن، ومن المكان المطحلب بالطين والدم والصديد، حزم البير اديب حقائبه وسافر وحيداً في قطار الوحشة، والمرض، والرعب الى مدينة الذكريات، ولم يجد على الرصيف واحداً ممن كانوا يتهافتون على مجلسة الانيس في بار مسعود، ومنزله بفرن الشباك".
وحتم شلق متأسفا على رحيله : " فيا رفيق السنين ، وحبيب الروح، حسبك الغار المنضود ابداً على تاج اسمك… والمجد الذي رفت قبابه الى مطارح النجوم، وللجرّ والورق زهو كلما لاحت مآتيك الخالدة من وجوه الأيام، ولجدتك المطهر أكاليل من زهر القلوب، والآداب لا ينطفىء عبيرها على مدى الزمان".
++++
احتفل العالم العربي بيوبيل "الأديب" الفضي في الاونيسكو في عام 1970 في صالة وزارة التربية الوطنية في بيروت، ونال عدة اوسمة وتناويه ورسائل شكر وثناء من كل الأقطار العربية. ومن جميع الأدباء والشعراء في بيروت والعالم العربي الذين أثنوا على مسيرة "الأديب" وإغنائها النهضة العربية والفكرية.
كما أقام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي بتاريخ الجمعة 8/11/1985 ندوة تكريمية في أربعة اصوات " تحية وفاء الى البير اديب " شارك فيها كل من: د.علي سعد واحمد سويد ومحمد عيتاني ومحمد عيتاني ومحمد دكروب، وقدم للندوة الاستاذ حبيب صادق. وقد تكلم المنتدون عن رسالة البير اديب والفرص التي قدمها للناشئين اصحاب المواهب الادبية، وكيف ان مجلة "الاديب" كانت امتدادا لمجلة "المكشوف" التي اكدت على الادب والثقافة والفكر. وكانت المجلة، تصدر بجهد رجل، وسردوا ذكرياتهم مع صاحب "الأديب" الذيك كان له اسلوبه الخاص بالتعاطي مع الأدب والأدباء تعاطياً ممتازا، وخلق المواطن الصالح المسلح بالمعرفة والعلم والثقافة.
رحم الله صاحب مجلة "الأديب" الذي عرفته في اواخر ايامه… يوم كان يصدر "الأديب" في احدى بنايات شارع طريق الشام، في الطابق الثاني، في بناية قديمة العهد، وكانت تعاونه في بعض الاحيان ابنته الشاعرة بالفرنسية هدى.
انتقل البير اديب الى جوار ربه ولكن "الأديب" بقيت بين ايدي القراء مرجعاً مهماً لكثير من المواضيع الأدبية والتحقيقات الفكرية والقصائد الجديدة. لقد توقفت هذه المجلة عن الصدور، وتوقف بنض كاتبنا وشاعرنا المجيد ولكن اسمه بقي مخّلداً. وستبقى "الأديب" مرجعاً ومصدراً من مصادر العلم والثقافة والمعرفة والأدب، ومشعلاً حضارياً راقياً، يعود اليها الباحثون والدارسون والمهتمون بشؤون الأدب لحقبة تاريخيه علمية فكرية من تاريخ الادب العربي الحديث وفكره المعاصر.
نجيب البعيني