لا يمكن لباحث مدقق أن يفصل اتفاقية سايكس – بيكو عن الأحداث الاستعمارية التاريخية التي اتجه فيها الغرب الأوروبي للسيطرة على سورية الطبيعية، ليس في المرحلة التي أعقبت الثورة الصناعية وحسب، بل تقتضي العودة إلى الجذور الاستعمارية الأولى التي تطلّع فيها الغرب نحو سوريا بدءاً من القرن الحادي عشر. ولذلك ثمة ثلاثة عوامل رئيسة أدت إلى اتفاقية سايكس بيكو، تمثلت بنشوء الاستعمار الغربي، وضعف السلطنة العثمانية، والكراهية المسيحية – اليهودية في اوروبا.
أولاً: الاستعمار الغربي للوطن السوري:
إن الإمبراطوريات التي قامت في العصور القديمة من فارسية ويونانية ورومانية وعربية وغيرها، لم تكن في الماضي دولاً استعمارية بقدر ما هي دول أرادت نشر ثقافتها، سواء أكانت دينية أو غير ذلك. ولكن ما حدث في العصور الوسطى من استعمار غربي فقد كان تحولاً خطيراً على مستقبل البشرية جمعاء.
1- الحروب الصليبية.
لعل الحروب الصليبية التي بدأت حملتها الفعلية على سورية عام 1095 م. لتستمر على مدى أكثر من قرنين عبر حملات متكررة، أول الحروب الاستعمارية الغربية نحو سوريا التي تجاوزت منطق توسع حدود الدول وفق تعاظم قوتها، لكونها عبرت دولاً عديدة، ليس لتضم ما تحتله من سوريا إلى أراضيها بل لإقامة دول في مناطق الاحتلال لتستوطنها وتستقر بها، لولا المقاومة التي واجهتها وفرضت عليها الانسحاب والرحيل إلى بلدانها الأوروبية.
وهذه مسألة تاريخية لم يغفل الباحثون الجدد تشخيصها، أمثال: د. قاسم عبده قاسم، الذي بحث في ماهية الحروب الصليبية حيث يقول "إن أحداً لا يستطيع أن يغض النظر عن حقيقة أن الحملات الصليبية ضد الشرق العربي كانت أول المشروعات الاستعمارية الأوروبية من ناحية، وإنها كانت "السابقة" أو "التجربة" التي سبقت مرحلة الاستعمار الحديث من ناحية ثانية، فضلاً عن أنها كانت إلهاماً للتجربة الصهيونية ذات الأهداف الاستيطانية من جهة ثالثة( ).
وبهذا المعنى يقول د. جمال حمدان في الحروب الصليبية: إنها "في رأي السواد الأعظم من المؤرخين، كانت حرباً استعمارية، استعماراً سياسياً ًواقتصادياً لا شبهة فيه إلا شبهة قناع الدين، بل يعدّها بعض كتاب الغرب أول حركة استعمارية كبرى قام بها الغرب في العصور الوسطى، ولعلها في الحقيقة حلقة الوصل ومرحلة الانتقال من الاستعمار الجزئي القديم الذي باشرته أثينا وروما، وبين الاستعمار الحديث الذي ستخرج إليه أوروبا في المستقبل. وهي في الحالتين ليست – استراتيجياً – إلا مظهراً من مظاهر الصراع بين القوى البحرية الغربية وبين المناطق البيئية في العالم القديم، وعلى هذا الأساس ننظر إليها"( ).
2-نتائج الحروب الصليبية على الشعب السوري.
كان للحروب الصليبية على سورية نتائج عديدة على مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
أ- التأثيرات السياسية والاجتماعية.
بعد نجاح الصليبيين بإقامة ممالكهم وإماراتهم الثلاث في القدس، وإنطاكية، والرها، وطرابلس، دبت المنازعات السياسية بين القوى المحلية مما أفرز نتائج خطيرة وخللاً اجتماعياً كبيراً، فبرز قطع الطرق واللصوصية في أكثر من مكان( ).
أما على الصعيد القيمي والأخلاقي، فقد دب الشعور بالعجز وشاعت روح التقوى السلبية، والتدين العاطفي الهروبي، معبراً عن نفسه بانتشار الطرق الصوفية والدراويش، مما أدى إلى استغلال قادة المماليك للمتصوفة في تزعيم سلطانهم والترويج لأشخاصهم عند عامة الناس.
ب- التأثيرات الاقتصادية.
أما على الصعيد الاقتصادي لا سيما في المجال التجاري، فقد تبدل الميزان التجاري لمصلحة الغرب، نتيجة السيطرة الصليبية على كل الموانئ البحرية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط التي أصبحت تحت سيطرة أوروبا ودام ذلك حتى عام 1187 عندما استطاع صلاح الدين الأيوبي من استرداد معظم مدن الساحل، بيد أن موانئ عكا بقيت تحت سيطرة الصليبيين حتى عام 1291 ( ).
تركت الحروب الصليبية في ذاكرة السوريين أثراً سيئاً، ليس لجهة سفك الدماء والتخريب خلال فترة الحروب الصليبية وحسب، بل ما أحدثته من تخلف في الواقع الفكري لدى الشعب السوري. لكون الحروب الصليبية حدثت في القرن نفسه الذي صدرت فيه الوثيقة القادرية وما تلاها من تحريم التفكير في العام 1017 م. فكرّست الحروب الصليبية التجهيل حتى غدت الأمة في العصر العثماني جسداً بلا روح.
أما ما تركته الحروب الصليبية في الذاكرة الأوروبية كإنجاز تاريخي، فقد عبر عنه "دوبرن" بالقول: "أما في ما يتعلق بالإنجاز التاريخي، فهو يتمظهر في صورة جماعية مأخوذة من التاريخ المقدس: فإذا كان من شأن كل من نضال داود ضد "جليات" ومآثر "المكابيين" أن يكرّس نموذجاً للمعارك الخاصة بالحرب المقدسة، فإن صورة هجرة اليهود إلى أرض الميعاد، والإنجاز العجائبي المتمثل في اجتياز البحر الأحمر، يلقيان الضوء على الحج كما على الحملة الصليبية على حد سواء. فتجعل من الحج الاعتيادي التقليدي حجاً، فريداً، أي حجاً ذا تاريخ مقدس.( )
لم تنته الحروب الصليبية حتى تعرّضت سوريا للغزو المغولي الذي احتل العراق وأقام حكمه فيه 1258م. ولكنه فشل في السيطرة على بلاد الشام بفضل هزيمته أمام المماليك في معركة عين جالوت عام 1260م، ثم عاود التتار وخرّبوا المدن الشامية خلال العامين 1400-1401 م.
3- تطوّر أوروبا:
بالرغم من ابتلاء أوروبا الغربية في عصورها الوسطى بأزمات عديدة، تمثلت بالحروب بين ممالكهاـ وبانقساماتها الروحية التي أفرزت محاكم التفتيش. ولكنها كانت في سياقها العام تتجه نحو التطور على مختلف الأصعدة، بدءاً من عصر النهضة الإيطالية ((Rinasesmento ( ) الذي انتشر في معظم أنحاء أوروبا غرباً وشمالاً (من القرن الرابع عشر إلى السابع). كان من مظاهره: انحلال الإقطاع، ظهور الدولة الحديثة، وإحياء الدراسات القديمة. ومن خصائصه: المذهب الإنساني، والفن، والعلوم، والدين، والوعي الذاتي) (، إلى الكشوف الجغرافية البرتغالية التي ترافقت معها القرن الرابع عشر حيت تمّ اكتشاف رأس الرجاء الصالح والوصول إلى الهند، ثم اكتشاف القارة الأميركية على يد كريستوفر كولومبس، واكتشاف استراليا، ثم تأسيس البريطانيين دولة تابعة لهم اعتباراً من عام 1803.
وأهم نقلة نوعية في عملية التطور الأوروبي بدأت عام 1707 بفضل اختراع الآلة البخارية واستخدام الآلة في الصناعة، التي ترافقت مع تحولات سياسية واجتماعية قلبت الحياة رأساً على عقب، مما أدى إلى زوال طبقة الأقنان لتحلّ محلها طبقت البروليتاريا.
وكان من أبرز نتائج الثورة الصناعية زيادة الإنتاج، الذي دفع بدوره الحكومات الرأسمالية إلى البحث عن مستعمرات جديدة لتصريف الإنتاج وتأمين أسواق له. وبالرغم من هذه التطورات التي عادت على أوروبا بالسلطة والمال الوفيرين، بقيت أوروبا عاجزة عن معالجة الكراهية بين اليهود والمسيحيين. وما كان ينتج عنها من تداعيات مأساوية.
2- الموجات الاستعمارية على العالم العربي.
تعرّض العالم العربي لموجات استعمارية غربية، بعد الثورة الصناعية، بدأت بغزو فرنسي لمصر عام 1797 بقيادة نابليون، ولما لم تكن مصر، بالنسبة للغزاة، الهدف وحسب، تحركت جيوشهم عبر فلسطين، فاحتلوا سينا وغزة ويافا عام 1799م مستهدفين سوريا كلها، ولكن حملتهم هزمت أمام أسوار عكا بعد حصارها لمدة شهرين متتاليين، وكانت هزيمتهم بسبب صمود العثمانيين المحاصرين بالمدينة بقيادة احمد باشا الجزار من جهة، وتفشي الطاعون في صفوف جيشهم من جهة أخرى( )، وهزيمتهم أمام البريطانيين، الذين أجبروهم على الخروج من مصر عام 1801م.( )
بالرغم من فشل الحملة العسكرية على مصر، عادت فرنسا واحتلت الجزائر عام (1830 م)، لتكون محطة انطلاق إلى ولايات المغرب الأخرى، مبتدئةً بذلك المرحلة الأولى من الاستعمار الغربي للعالم العربي. ثم أعقبها الاستعمار البريطاني في عدن 1893م لتكون محطة انطلاق على طول الساحل الجنوبي والشرقي للجزيرة العربية حتى سيطر عليها وصولاً إلى الكويت شمالاً قبل نهاية القرن التاسع عشر. ثم كانت الموجة الثانية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث أخذ النفوذ الفرنسي يتمدد من الجزائر باتجاه تونس عام 1981م، فيما احتلت مصر بريطانيا عام 1982م، ثم السودان عام 1899م، وكانت الموجة الثالثة في العقد الثاني من القرن العشرين قبيل وأثناء الحرب العالمية الأولى، فبدأت إيطاليا باحتلال ليبيا عام 1912، فيما اتجهت فرنسا من الجزائر نحو مراكش في ظل منافسة اسبانية حتى انفردت فيها فرنسا عام 1914. وكانت هذه الموجة الأشد خطراً على الهلال الخصيب، حيث سقط العراق وبلاد الشام دفعة واحدة بيد الفرنسيين والانكليز 1917-1918.
ثانياً: ضعف الدولة العثمانية:
بلغت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول القانوني (1522-1566م) الذروة في القوة والتوسّع، فمن ناحية أوروبا تم الاستيلاء على البحر، حيث أصبحت عاصمة النمسا تحت الخطر العثماني، ومن الشرق تم فتح بغداد 1543 م. ومن الجانب الأفريقي تم الاستيلاء على إقليمي الجزائر وتونس 1538م، وفي الجزيرة العربية تم الاستيلاء على عدن 1538م. ولم يحدث أي توسع للدولة العثمانية في العهود اللاحقة باستثناء السيطرة على جزيرة قبرص عام 1570( ).
1-الهزائم العسكرية.
وقفت الإمبراطورية العثمانية في مواجهة ثلاثة أعداء أشداء، ففي الغرب النمسا التي تستند إلى عمق أوروبي فرنسي – ألماني، وفي الشرق الأوروبي إمبراطورية روسيا التي تتوسع برّاً، والإمبراطورية الفارسية في الجنوب الشرقي. في ظل سلاطين ضعفاء لم يخرجوا للقتال بأنفسهم بل استعاضوا بذلك على قادة الجيوش.
في عهد السلطان أحمد الأول (1603- 1617) انتصر الفرس بقيادة الشاه عباس على العثمانيين وانتزعوا من العثمانيين تبريز ووان بالقوة، وبغداد صلحاً وذلك عام 1612م( ). وبعد سلسلة من الحروب وفي عهد قيصر روسيا بطرس الأكبر، اضطرت الدولة العثمانية التي خسرت الحرب أمام الروس عام 1764، والتي أصبحت خزانتها خاوية بسبب الحروب، أن تدفع غرامة مالية لروسيا بموجب معاهدة في عهد السلطان عبد الحميد الأول عام 1774 بلغت 154 ألف كيس يدفع على ثلاثة أقساط في أول يناير من السنوات 1775 و 1776 و1777
فأسباب ضعف الدولة العثمانية، فيها ما هو ذاتي، يتعلق بطبيعة الدولة الإقطاعية العسكرية، التي كان من الصعب تطويرها بحكم أنها دولة دينية. وأسباب خارجية لا تقل أهمية عن الأولى، تتعلق بظهور النمسا وروسيا دولتين حديثتين مهاجمتين متوسعتين، وقد عدت هاتان الدولتان في حالة حرب لا تنقطع مع الدولة العثمانية حتى استنفدت الدولة العثمانية حيويتها وقوتها( ). فعندما وصلت إلى عام 1875 كانت قد أعلنت إفلاسها المالي.
3- الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية في الهلال الخصيب 1830-1914 :
شهد القرن التاسع عشر أزمات اقتصادية واجتماعية حادة في السلطنة العثمانية بلغت ذروتها عندما أعلنت الدولة العثمانية إفلاسها عام 1875 بسبب سيطرة الرأسمال الأوروبي، في المواصلات والبنوك وفي الديون العامة، مما أدى إلى تدخل الدول الأوروبية عن طريق هيئات الديون الغربية وتوجيه الموارد المالية في صالح القروض المالية( ). وكان لا بد أن يشمل هذا الوضع المشرق العربي، لاسيما أن تغييرات كبيرة أخذت تتسم بالطابع العالمي في مجالي الإنتاج والتجارة، إذ اندمج "الشرق الأوسط" في النظام الدولي للتجارة والنقل على فترات زمنية مختلفة، حيث فُتحت طرق جديدة، خصوصاً قناة السويس، وأعيد استخدام طرق قديمة مثل طريق "تبريز طرابزون". فعملت على سحب التجارة من مناطق تابعة للسلطنة العثمانية وتوجيهها عبر أراضٍ خارجها، وأُنشئت موانئ الإسكندرية وبيروت وأزمير، فجلب ذلك حركة النقل البحري التي كانت مبعثرة بين الموانئ الصغيرة. وفي مناطق أخرى حلت السكك الحديدية محل قوافل المشاة لتحقق مزيداً من تركيز التجارة وتلبية الأسواق الأوروبية، وأدخلت محاصيل جديدة، وتم التوسع في إنتاج المحاصيل القديمة المستخدمة في الصناعة، مثل القطن المصري، والتبغ التركي، والأفيون الإيراني. ووسعت البنوك الحديثة أعمالها على حساب الصيارفة التقليديين، ونافست المصنوعات الأوروبية الحديثة منتجات الشرق الأوسط اليدوية، وقضت على الكثير من الحرفيين( ).
واجهت بلاد الشام ركوداً اقتصادياً فيما بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، إذ ارتفعت الأسعار وقلت قيمة صادرات سورية الطبيعية إلى بريطانيا بشكل حاد وتراجعت التجارة الفرنسية التي كانت أكبر حجما ( ). وفي عام 1847 ذكر القنصل الفرنسي في تقريره، أن قبيلة عنزة أغارت على مدينة حلب وصدها السكان بعدما دمرت حقول الشعير والقمح ( ).
وليس خافياً، أن الحكم المصري لسورية الذي امتدّ ما بين 1831-1840، حاول إيقاف التدهور الاقتصادي عن طريق التوسع في الزراعة وزيادة التجارة، ولكن الانسحاب المصري عقبه تدهور حيث أبعدت المنافسة الأوروبية لكثير من الصناع عن صناعتهم والحرفيين عن حرفهم( ).
وفي السبعينيات من القرن التاسع عشر، حصل قحط في دمشق عام 1878 وفي حلب عام 1880، وكانت المصنوعات الحرفية والتجارة الخارجية مستمرتين. واتجه رأس المال الأجنبي الفرنسي إلى الاستثمار في السكك الحديدية، وكانت الهجرة إلى أميركا سمة الفترة. فنتج عنها تدفق التحويلات النقدية التي أسهمت في زيادة موازنة المدفوعات، وجاءت التحويلات للنقد الأجنبي مرسلة كنفقات للإرساليات الأجنبية، فضلاً عن عائدات السياحة( ).
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت فلسطين كأول منطقة استعادت نشاطها الاقتصادي، ففي عام 1851 أوضح القنصل البريطاني في القدس إلى التحسن فيها، مشيراً إلى الزيادة الكبيرة في الموارد المالية التي جمعت خلال السنوات الأخيرة بسبب اتساع نطاق الزراعة وزيادة التجارة في يافا، وإعادة بناء القرى وبسبب الأموال التي صرفت من أجل بناء الأديرة، وتزايد الزوار الأوروبيين والأميركيين القادمين إلى فلسطين( ).
وفي المرحلة الزمنية نفسها كانت بيروت تزدهر بسرعة، إذ ذكر القنصل الفرنسي عام 1847 أن الأموال في لبنان آخذة بالتحسن، والإقطاع آخذ بتفكك مستمر بسب رفضه للإصلاحات الإدارية التي قام بها إبراهيم باشا وما نتج عنها من نزاعات مسلحة أثناء غزوه لبلاد الشام، وبعد المصادمات الطائفية وإقامة النظام الخاص بمتصرفية جبل لبنان عام 1861 وإعفائه من الضرائب تزايد الرخاء الاقتصادي( ).
أما اللاذقية فقد استمرت على تخلفها، وقد تناولها تقرير بريطاني لعام 1874 مفصلاً الزراعة المحدودة في السهول، وسوء حالة الطرق والجسور، وتدني مستوى معيشة القرويين وغلبة الأمّية عليهم، ويضيف "إن تناقص عدد السكان في هذه الجبال والسهول قد تم تدريجيا خلال القرون القليلة الأخيرة، إذ نزح المحاصرون إلى أضنه وأضرت الضرائب بزراعة التبغ وازدادت تجارة اللاذقية نقصاً"( ).
ونستطيع القول إن سورية، الطبيعية، تقدّمت في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، نتيجة للتطورات المذكورة، تقدماً ملحوظاً بحيث فاق التطور في سورية نظيره في العراق( ).
وشهد العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إصلاحات خلال حكم نامق باشا (1861-1868) إذ دفع الرواتب المتأخرة للجنود، وأوقف اختلاسات العسكر، وحقق فائضاً في الموارد المالية. ولعلّ مدحت باشا 1869- 1872 كان أعظم المصلحين العثمانيين في القرن التاسع عشر وقد غطّى نشاطه الكثير من مظاهر الحكم والاقتصاد والمجتمع( ). وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869، دخل العراق مرحلة جديدة بسبب تأثره بافتتاح الطريق التجاري الجديد، الذي أصبح في متناول السفن القادمة من أوروبا، فازداد حجم التجارة الخارجية زيادة كبيرة، وساعدت زيادة الطلب الخارجي على الغلال العراقية وتمره على التوسع بالزراعة واستقرار البدو.
وفي مطلع القرن العشرين، ازداد التقدم في العراق ازدياداً ملحوظاً، وتزايد اهتمام الحكومة العثمانية أكثر بالتنمية، وتوافرت لديها موارد مالية كافية بعد زيادة الفوائد الجمركية عام 1907 واجتذب العراق الألمان ليصبح مخرجاً لخط حديد برلين – بغداد، وليتخذ منها مصدراً لإمداد برلين بالقطن والنفط.
وعلى الرغم من الوضع الأفضل في العراق نسبياً، فهذا لا يعني أن الحياة الاقتصادية –الاجتماعية كانت تتحسّن جوهرياً، إنما كانت عرضة للاضطراب والتردي أمام أي حدث أو هزة.
كان للأوضاع الاقتصادية المضطربة في بلاد الشام والعراق انعكاساتها على النمو السكاني إذ بلغ عدد السكان عام 1814 حوالي 7,5 ملايين نسمة، واستمر النمو السكاني بطيئاً، فكانت نسبته بين الأعوام 1867- 1914 حوالي 1,3 بالمئة سنوياً فقط.
ولعل السبب في بطء النمو السكاني يعود إلى تكرار المجاعات العامة التي حصلت في العراق بين الأعوام 1689 و1878، والأوبئة مثل الطاعون والكوليرا التي أصابت السكان في كل من العراق وسورية، فضلاً عن الصراعات الطائفية التي كانت توقف عملية الاقتصاد وتدمّر القرى والمدن كما في الأعوام 1831-1840 ناهيك عن الهجرة من مختلف المناطق السورية إلى أميركا( ).
كان مستوى التعليم في سورية والعراق منخفضاً جداً، إذ إن المدارس المتاحة للمسلمين كانت مدارس دينية تقتصر على تعليم الأطفال قراءة القرآن، ويمكن التعبير عن الحالة التعليمية بما ورد على لسان أحد رجال الدين الأميركيين إذ قال: لا يوجد أي مدرسة في فلسطين، فيما عدا مدارس الإرسالية البروتستانتية ( ).
هذا الواقع التعليمي السيئ، على الرغم من إقدام الحكومة العثمانية على بذل نشاط ملحوظ في التعليم العام بصدور قانون التعليم 1869( )، هو أحد الأسباب الرئيسة التي استقدمت الإرساليات الأجنبية مستفيدة من الامتيازات التجارية والسياسية للأوروبيين لتأتي إلى سورية تحت عناوين تعليمية، فكانت مدارس الفرنسيسكان الإيطالية في فلسطين، واليسوعية الفرنسية في لبنان 1831 والراهبات الكاثوليكيات، ثم تبعهم البروتستانت، فالمدارس الأرثوذكسية الروسية في فلسطين ثم لبنان وسورية، ولم يقتصر دور هذه الإرساليات على التعليم والتبشير الديني، بل تعداه إلى أهداف سياسية ذات أبعاد خطيرة تمثلت بزرع الشك والريبة في نفوس المسلمين، تسبب بإثارة النزاع الطائفي وإذكاء نار العداوة والبغضاء بين السكان( ). وكانت معظم الإرساليات التابعة للدول الكبيرة ترى من واجبها تعزيز النفوذ السياسي لبلدانها في هذه المنطقة ورعاية مصالحها( ). فكان أفراد الإرساليات يعملون بهمة ونشاط بارزين لغرس محبة أوطانهم في نفوس تلاميذهم الذين يتعلمون في مدارسهم( ).
وكان هذا الاتجاه واضحاً عندما عمّت فرنسا موجة عاطفية تطالب بضم سورية الطبيعية إلى فرنسا يوماً ما، معلنين للملأ بأن سورية هي "فرنسا الشرق". وعلى الرغم من رفض السوريين قبول سلطة فرنسية عليهم، بلغ الغباء في الرأي العام الفرنسي حداً من تصديق مقولة رغبة سورية في الانضمام إلى فرنسا إبان الحرب 1914-1918 وفي أثناء انعقاد مؤتمر الصلح 1919( ).
إن التحسن الاقتصادي الذي حصل في البلاد نتج عن تغلغل رؤوس أموال أجنبية وإدخال صناعات جديدة مدرّة للربح مثل النسيج والحرير والدخان، فتحولت الكثير من الزراعات إلى مزروعات تستخدم في الصناعة، على أن الصناعة الآلية التي أدخلت إلى البلاد كانت محدودة، ولهذا لم تخدم الاقتصاد إلاّ شكلاً، وارتبطت التغييرات الاقتصادية بتحولات اجتماعية جديدة، حيث خلقت طبقة تابعة للرأسمال الأجنبي، وحينها بدأت الطبقة العمالية بالنشوء، وبدأت الهجرة من الريف إلى المدينة، ونتيجة للتطورات السياسية والاقتصادية والثقافية التي حصلت في القرن التاسع عشر وقعت تغيرات في البنية الاجتماعية، إذ كان لفرض النظام على مساحات واسعة في بلاد الشام والعراق، مما جعل الرقعة الزراعية أكثر اتساعاً فيهما، وأدّى إلى سرعة استقرار البدو. ومن ثم تناقصت نسبة البدو الرحل إلى جملة عدد السكان تناقصاً شديداً. إذ نقصت نسبة البدو في العراق من 35 بالمئة عام 1867 إلى 17 بالمئة عام 1905، وهناك أرقام تجعل نسبتهم 7 بالمئة عام 1930 ( ).
شهدت سورية، ثلاثة تيارات من المهاجرين إليها: الأرمن، والجراكسة المسلمين، واليهود، فقد عاش عدد لا بأس به من الأرمن في حلب قروناً عديدة وقد عملوا في التجارة والصناعة الحرفية، وقدّر عدد الأرمن فيها عام 1890 بأربعة آلاف نسمة وفي الولاية قدر عددهم 48 ألف نسمة( ). وقدر عدد الأرمن في بقية أنحاء سورية بـ 2500 نسمة، وخلال سنوات الحرب العالمية الثانية كان هناك 200 ألف أرمني في سورية ولبنان، وأربعة آلاف في فلسطين( ).
كان عدد اليهود في فلسطين محدوداً إذ قدر عام 1806 بألفين، ثم تجاوز عددهم التسعين ألفاً بحلول عام 1914( )، وهذه الزيادة نشأت بفعل الهجرة اليهودية – الصهيونية غير المشروعة إلى فلسطين من أجل الهدف الصهيوني العدواني.
ومن القفقاس وروسيا والبلقان تدفق الجراكسة على الإمبراطورية العثمانية في الأعوام 1876_1878. وقد قدر فارس الخوري الموظف في القنصلية البريطانية في دمشق عدد العائلات الجركسية في ولاية الشام بـ 5540 عائلة (استقروا في القنيطرة وعمان) وكان تعدادهم نحو ثلاثين ألف نسمة. وهناك 670 أسرة أخرى كانت في حماة وعدد أكبر في ولاية حلب وإقليم دير الزور( ( .
ثالثاً: الكراهية المسيحية – اليهودية
لقد ابتُليت أوروبا بكراهية عنيفة بين اليهود والمسيحيين لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، وخلافات دينية كانت على الدوام عاملاً في زيادة المنافسات الاقتصادية وستاراً لها( ).
1- الأسباب الاقتصادية.
أما الأسباب الاقتصادية فتتمثل بمهنة اليهود للربا التي جعلت من المرابي عدم حب الجماهير أو ثقتها به، فالمتعاملون الأساسيون مع المرابين هم: النبلاء والإقطاعيون من ملاك الأراضي من جهة، والحرفيون والفلاحون من جهة أخرى. والمرابي وإن كان ضرورياً لكل هذه الطبقات فقد كان أيضاً على عداء وتوتر مستمرين مع عناصرها الرئيسية كافة. وعلى حد قول ماركس في كتابه رأس المال فإن المرابي لم يكتفِ بابتزاز فائض العمل من ضحيته بل كان يستولي تدريجياً على شروط عملها من عقار ومسكن…، أي أنه كان منهمكاً باستمرار في نزع ملكيتها( ).
2- الأسباب الدينية.
أما الأسباب الدينية فهي كثيرة، أبرزها: عدم إيمان اليهود بإلوهية المسيح، وهم شعبه، وكان اليهود يفطرون عندما يصوم المسيحيون، ويصوم أولئك عندما يفطر هؤلاء، واليهود يصلّون يوم السبت، فيما المسيحيون يصلون يوم الأحد، وكان اليهود يحتفلون بنجاتهم السعيدة من مصر، عندما يحزن المسيحيون يوم الجمعة التي مات فيه المسيح
من ناحية العقيدة الدينية عند اليهود، فإنهم يتميّزون بأن "المطلق" فيها ذاتي في حين أن المطلق فيها شامل وعالمي، ويتخطى حدود الزمان والمكان. ولذلك تكتسب العقيدة اليهودية طابعاً قومياً متخلفاً فيصبح المقدس المطلق هو النسبي، ليكون لهم لغتهم الخاصة، واعتقادهم بأنهم سلالة نقية، مما أسهم في عزلتهم داخل الغيتو.
واقع اليهود في مهنة الربا الفاحش وعيشهم في الغيتوات المطلقة، وشعورهم بالتميز عن سائر البشر. كل ذلك عرضهم للاضطهاد في جميع أنحاء أوروبا مما ادى إلى نشوء المسألة اليهودية في أوروبا بدءاً من القرن الثاني عشر( ) .
لقد انبرى يهود ومسيحيون لإيجاد حل للمسألة اليهودية، فكانت حركة التنوير التي هدفت إلى تحقيق المساواة بين اليهودي وغيره في الحقوق والواجبات. بيد أن كل المحاولات باءت بالفشل ( ). وقد عبر عنها الألماني الصهيوني موسى هس (1812 – 1875)، حيث يقول: "إن حركة التنوير نادت بعدم الإيمان بقوميتنا أساساً للدين اليهودي لكون الإصلاحات المطروحة تدعو إلى عدم الاكتراث باليهودية والتحول إلى المسيحية"( ).
فكان أن ظهر التيار الصهيوني تحت تأثير الكاتب بيرتز لينسكين 1842- 1885،( ) حيث يمكن تلخيص الفكرة الصهيونية بالبحث عن مكان آمن لليهود ينقذهم من الاضطهاد الذي تعرضوا له في أوروبا.
وعلى هذا الأساس كان تاريخ حملة بونابرت على مصر وفلسطين مترافقاً مع عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في العام نفسه 1798، عندما خاطب بونابرت اليهود قائلاً "أنتم ورثة فلسطين الشرعيين( ). يقول الياس شوفانيك "المنعطف الكبير في العمل الصهيوني، -الصهيونية السياسية – في مطلع القرن العشرين، جاء تتويجاً لمسار متدرج، امتد على طول القرن التاسع عشر، وأخذ يتصاعد بالتوازي مع ازدياد اهتمام الدول الأوروبية بـ"الشرق الأوسط" وبالتالي، تصاعد نبرة الدعوة إلى قيام كيان يهودي في فلسطين. عبر الهجرة إليها والاستيطان فيها، بحماية هذه الدولة الكبرى أو تلك، فبعد حملة نابليون ازداد اهتمام بريطانيا، بحماية طرق مواصلاتها، مع الهند. ورأت في إقامة استيطان يهودي في فلسطين، تحت رعايتها، عنصراً في توفير تلك الحماية، وبعد حملة محمد علي كثفت الدول الأوروبية نشاطها للحصول على الامتيازات من السلطنة العثمانية المتهاوية، وكانت الأقليات الدينية ذريعة لذلك، وبرزت الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين مرة أخرى، ومع تفاقم المسألة الشرقية، والإعداد لاقتسام أراضي السلطنة، نشطت الحركة الصهيونية عملياً. وبعد افتتاح قناة السويس (1869) وشراء بريطانيا أسهم مصر فيها (1875)، ومن ثم احتلال مصر، برزت حيوية فلسطين الإستراتيجية للمصالح البريطانية، ومعها أهمية الاستيطان الصهيوني كحلقة في شبكة القواعد لحماية طريق الهند( ).
تقاطعت مصالح الاستعمار البريطاني مع المصالح اليهودية، فعبر هرتسل عن دور الدولة اليهودية في حال قيامها لتعزيز مشاريع بريطانيا الاستعمارية، بقوله: سوف تشكل الدولة اليهودية متراساً لأوروبا في آسيا، يكون مخفراً أمامياً للحضارة ضد البربرية، ويتوجب على الدولة اليهودية أن تبقى محايدة لكي تبقي الصلة قائمة مع اوروبا التي تضمن وجودها( ).
رابعاً: اتفاقية سايكس – بيكو 1916 ووعد بلفور 1917.
استغلت بريطانيا وفرنسا اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914-1918، وعدم بلوغ الشعب السوري الوعي القومي الصحيح، إذ ثمة خلل في تحديد الهوية القومية بين الهوية السورية التي تُعنى بشعب الهلال الخصيب، وبين الهوية العربية التي تُعنى بكل الجانب الآسيوي من العالم العربي، مما أدى إلى تفويض السوريين للشريف حسين بالتفاوض مع الانكليز وقيادة الثورة العربية الآسيوية ضد العثمانيين بالتحالف مع الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا.
لم يكن للشريف حسين تطلعات قومية، بل كانت تطلعاته، في أحسن الأحوال، قبلية مغلفة بالدين، همه الأساسي بناء إمبراطورية هاشمية وراثية على نسق الدولة الدينية الإسلامية التاريخية له ولأولاده من بعده.
1- اتفاقية سايكس- بيكو 1916.
في غمرة هذه الأوضاع الصاخبة في عجلتها، بدأ البريطانيون والفرنسيون منذ العام 1915 بالتشاور فيما بينهما سراً، لتقرير مصير الهلال الخصيب بعيداً عن إرادة شعبه، لتحقيق مصالحهما الاستعمارية في استكمال ما بدآه من استعمار للعالم العربي، فكان أن توصلا بعد مفاوضات سرية جرت بين الدبلوماسي الفرنسي فرنسوا جورج بيكو، والبريطاني مارك سايكس على اتفاق سري بمصادقة روسيا القيصرية تضمن ما يلي:
أ- تقسيم الهلال الخصيب بين الدولتين، بحيث يكون الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال الخصيب، ومنطقة الموصل من نصيب فرنسا، ويكون الطرف الجنوبي من بلاد الشام متوسعاً بالاتجاه شرقاً حتى بغداد والبصرة، وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية من بلاد الشام من نصيب بريطانيا.
ب_ كما تقرّر أن تكون فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، على أن تُمنح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا، على أن يكون لفرنسة حرية ميناء حيفا، فيما منحت فرنسا لبريطانيا، بالمقابل، حق استخدام ميناء الاسكندرونة الذي سيقع في حوزتها. وعندما كشفت الثورة الشيوعية النقاب عن الاتفاقية سارعت بريطانيا لطمأنة الشريف حسين بكلمات مُخادعة وكاذبة.
2- وعد بلفور 1917
لم يكن حبر اتفاقية سايكس- بيكو ليجفّ، حتى قامت بريطانيا بتاريخ 2 تشرين الثاني 1917، بإطلاق وعد بلفور الذي جاء تكملة لسايكس – بيكو، كاشفاً الأهداف الاستعمارية الغربية من خلال نص الوعد إلى روتشيلد زعيم الجالية اليهودية في بريطانيا يقول في ديباجته: عزيزي اللورد روتشيلد. يسرني جداً أن أبعث باسم حكومة جلالة الملك بالتصريح التالي، وهو تصريح يتضمن العطف على الأماني الصهيونية وقد رفع إلى هيئة الوزارة ووافقت عليه: "ان حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية. على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يمس بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى".
بالرغم من تعارض هذا الوعد مع حق تقرير المصير، وتعارضه مع مبدأ الانتداب الذي وضعته عصبة الأمم الذي يقصد منه الأخذ بيد الشعوب المتخلفة في طريق الحرية والاستقلال، فإنه صدر عن غير ذي صفة، حيث إن فلسطين كانت أثناء صدور الوعد لا تزال تحت السلطة العثمانية وليست تحت السلطة البريطانية، وبذلك تكون بريطانيا أعطت لليهود ملكاً ليس ملكاً لها بل هو لغيرها.
3- جعل الاتفاقية والوعد قضية سياسية على الصعيد الامبريالي.
عبرت بريطانيا عن تعهّدها في بذل كل جهدها لتحقيق وعد بلفور على المستوى السياسي في جعل الوعد واتفاقية سايكس بيكو يشكلان قضية واحدة في خدمة المشاريع الصهيونية عبر الخطوات التالية:
أ- تنادت دول المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح المؤلف من الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا، وايطاليا، واليابان إلى عقد مؤتمر في سان ريمو بايطاليا بتاريخ 25 نيسان 1920م في معرض الرد على المؤتمر السوري 8 آذار1920 الذي أعلن قيام المملكة السورية بزعامة فيصل، ورفض الصهيونية، اتخذت فيه المقررات التالية:
– فرض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان وفق سايكس بيكو بالقوة، وهذا اقتضى وقوع معركة ميسلون وإلغاء الملكية في سورية.
– فرض الانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن والعراق.
– الالتزام بوعد بلفور.
– ضم الموصل الى العراق مقابل حصول فرنسا على 25% من نفط العراق.
ب- عندما أقرت عصبة الأمم صك الانتداب على فلسطين ورد في الصك انتداب بريطانيا بالشراكة مع الوكالة اليهودية، وهذا أتاح لليهودي هربرت صموئيل أن يكون المفوض السامي، وأن يكون كل من وزير المالية ووزير المساحة يهوديين. من أجل تأمين المال لشراء الأراضي الفلسطينية من الإقطاعيين، ومصادرة أملاك الدولة العثمانية من الأراضي لمصلحة اليهود.
3- البعد الاستراتيجي لسايكس- بيكو ووعد بلفور.
بعد مرور مئة سنة على اتفاقية سايكس –بيكو و99 سنة على وعد بلفور نستطيع أن نقرر أبرز الأهداف الإستراتيجية التي حققها الاستعمار الغربي. وهي على الشكل التالي:
أ: جزّأ الوطن السوري إلى كيانات سياسية ضعيفة عاجزة عن تحرير فلسطين، بل قل عاجزة عن حماية نفسها، وما توسع الاحتلال الصهيوني باتجاه الضفة الغربية، والجولان إلا الدليل القاطع على عدم قدرة هذه الكيانات على الدفاع عن نفسها.
ب- خلق مشاكل حدودية بين الدول السورية ودول الجوار، حيث منحت فرنسا كيليكيا ولواء والاسكندرون لتركيا، ومنحت بريطانيا الأهواز لإيران، إذ أرادت من هذا المنح أن تبقي أسباب الحروب مع الجوار قائمة، كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980 واستمرت 8 سنوات، كلفت البلدين الجارين حوالي مليون قتيل، و400 مليار دولار، فضلاً عن التدمير في المنشآت السكنية وغيرها.
ج- خلقت دولة الكيان الصهيوني – اليهودي، التي شنت الحرب تلو الأخرى على الدول السورية، ودول عربية أخرى أبرزها مصر.
د- ضعف الدول السورية أدى إلى احتلال الولايات المتحدة للعراق بذرائع واهية تبين بطلانها، وعندما انسحبت منه مهزومة بفعل المقاومة العراقية، أوكلت للإرهاب المتأسلم مهمة تدمير العراق والشام، كما يجري اليوم.
ه- جعلت من بعض الكيانات السورية في حالة من الاحتواء المباشر أو المداور من قبل الدول الامبريالية أو وكلائها في المنطقة.
و- منعت بفعل دعم الامبريالية للكيان الصهيوني، من النهوض السوري والعربي بشكل عام، إن لجهة قيام وحدة سورية أو قيام جبهة عربية.
إن الرد المطلوب على سايكس – بيكو ووعد بلفور، لا يكون بالأماني والتمنيات، بل بقيام نهضة قومية حقيقية، تتجاوز العصبيات الدينية والمذهبية والطائفية، وتتجاوز الحدود المصطنعة بين الدول السورية، مرتكزها كما يقول سعاده "قيمة الحرية التي تعني حق الصراع وحق الصراع حق التقدم"، التي بها تتحقق الوحدة السورية وبها تقوم الجبهة العربية التي سيكون لها وزنها في المسائل العالمية.