إنّها الثّالثة إلّا ربع.. ظهراً
أمّي تحرّك الأشياء بنزقِ شديد
دون أن تعير أي انتباهِ
لعرقِ الملائكة الذي يملأ وجهها
إنّها الأمومة القاتلة
التي تجعلها تتقبّل كلّ شيء
بصمتِ مخيف..
أبي.. يرتّب سنيّ حياته
كعلب سجائر فارغة فوق بعضها البعض
ثمّ بإصبع واحدة يكتشف
كيف يسقط هرم العمر
كلاهما لا يكترث
كلاهما يسقط في النّهاية
كجثّة هامدة
في عين الآخر…
إنّه الحب الذي يقطر كعرق الملائكة
طوال خمسين عاماً
رغم مكعّبات الثّلج المبعثرة
في كل مكان
في الثّلاجة… على السّرير
على الطّاولة…. في علب سجائر أبي
تحت جلد أمّي وفي قلبها
إنّها الثّالثة إلّا ربع ظهراً
أنتظر من يدفننِي
ثمَ أعدل عن الأمر
حين أفكّر بالشّمس التي تغلي
في المقبرة
ثمّ أتخيّلُ
وجهَك في البانيو
ليلة البارحة
وجهك الذي يقطر منه عرق الملائكة
وْمكعبات الثّلج التي
تغطّي جسده
إنّه الحب
في الثّالثة إلّا ربع.. ظهراً
……..
على القاتل الذي سيقطع رأسي يوماً ما
بكامل جبروته
ويعلّقه من رقبتي
أن يعرف جيّداً كفلّاحٍ عتيق
كيفَ ينظر إلى ابنه العنقود
وهو ينضح وحيداً هناك تحت السّماء
على القاتل الذي سيشقّ صدري كجزّارٍ مبتدئ
ولعاب غزير يسيل من عينيه
أن يعرف جيّداً كصانع نبيذٍ ماهر
كيف تتخمّرُ رئتاي
تحتَ شمس الرّب
أن يشربَ ليدرَك للمرّة الأولى ما معنى أن تحملَ دماً دافئاً في جسدِك
على القاتل الذي سيقلب جثّتي -في نهاية الأمر- على نصلِها
كي يفسحَ مكاناً في مقبرته الجماعيّة لجثّة أخرى
عليه أن يعرف جيّداً
كعازفٍ محترف
كيف يُرفَع الغطاء عن مفاتيح بيانو "غراند" قبل العزف..
ولأنّ القاتل
لا يمكن أن يكونَ يوماً ما
فلاحاً عتيقاً
أو صانع نبيذٍ ماهراً
أو عازف بيانو محترفاً
عليه.. عليه أن يتركني وحيداً
أشتم القتلة
كلّما سعلت الحرب
وأن يمضي هو الآخر.. بعيداً
يربّي دمه البارد
كذئاب ثلجٍ
تعوي باستمرار….
……..
حينَ تمرّ الحرب من أسفل النّافذة
تركض أمّي إلى حبل الغسيل
تلمّ وجوهنا وأيدينا وأعناقنا المعلّقة
خوفاً من شظايا مطر الحرب الطّائش
أمّا أبي.. يرمي لها علبة سجائر
علّها تنسى قليلاً
أخي الصّغير
يفتح باب البيت.. ويخرج إليها
بحذاء جديد
يمشي خلفَ وجوه أصدقائه الزّرقاء
وهو ينده لهم "انتظروني"
أمّا أنا…
أجلس بخوف خلفَ الباب
أتعرّق كقميص رطب
ما زال في حضن أمّي
وأنا أسمع صوت أقدامها على السّلالم
ويدها التي تقترب كي تدقّ الباب..
كلّ ليلة.. تمرّ الحرب
من أسفل النّافذة
وتتركنا وحيدين..
نضمّ ما تبقّى منّا على قيد الحياة
بذعرٍ شديد