مقدمة
تعتبر الآثار أحد ميادين الصراع الايديولوجي الرئيسة في فلسطين، وعلى مدار مئة عام من النشاط الأثري في فلسطين ونحو خمسة عقود سنة من النشاط الأثري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بعد عام 1967 (طه 2009)، جرت تنقيبات أثرية منظمة وإنقاذية في مئات المواقع الأثرية، في انتهاك صريح للقانون الدولي، وكان الهدف من التنقيبات إعادة كتابة تاريخ هذه المواقع بما يخدم الادعاءات الاستيطانية الصهيونية في فلسطين (ويتلام 1999)، من خلال خلق صلة بين الماضي والحاضر، أما الوجه الآخر للنشاط الأثري الصهيوني فقد تجلى في نهب الموارد الأثرية ونقلها أو الاستحواذ عليها في نطاق المستوطنات الإسرائيلية والمعسكرات، أو ضمها بالجملة خلف جدار الفصل العنصري. وقد أدّت عمليات الاتجار غير القانوني إلى تدمير السياقات الأثرية الفلسطينية، من خلال تحفيز عمليات التنقيب غير الشرعية. وتعالج هذه الورقة موضوع إدارة الآثار تحت الاحتلال وتشمل الإطار الإداري والقانوني والتنقيبات غير القانونية، مع معطيات أولية عن حجمها وتوزيعها، ثم موضوع الاتجار غير القانوني بالآثار والممتلكات الثقافية وذلك في الإطار القانوني الدولي والسياسي المحلي. كما تأتي الورقة على انبعاث دائرة الآثار الفلسطينية بعد 1994 والجهود التي تقوم بها لإدارة التراث الثقافي الفلسطيني.
الإطار القانوني الدولي
هناك مجموعة من الوثائق والمعاهدات الدولية التي تنظم وضع الآثار والتراث الثقافي تحت الاحتلال في حالة النزاع الحربي، وأهم الوثائق والمعاهدات الدولية في هذا الصدد هي اتفاقية لاهاي لسنة 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وملحقاتها، ثم اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح لسنة 1954، وتوصيات المؤتمر الدولي التاسع حول التنقيبات الأثرية في دلهي سنة 1956، ومقرّرات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن والمقررات الصادرة عن منظمة اليونسكو والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومؤتمرات الآثار الدولية.
وقد دعت الاتفاقيات الدولية إلى حماية الآثار والممتلكات الثقافية، فقد نصت المادة رقم 27 من الفقرة الرابعة من الملحق الرابع من أنظمة لاهاي لسنة 1907 على واجب القوات في حالة حصارها اتخاذ الوسائل كافة لعدم المساس بالمباني المعدة للعبادة وللفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية. كما حرمت المادة 56 من أنظمة لاهاي لسنة 1954 أي حجز أو تخريب للمنشآت المخصصة للعبادة والبِرّ والمباني التاريخية. وألزمت المادة الخامسة من اتفاقية لاهاي كل طرف يحتل إقليماً أو جزءاً منه تقديم العون لحكومة الطرف الذي احتلت أرضه في حماية الممتلكات الثقافية واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الممتلكات الثقافية. وتضمنت البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1977 في المادة رقم 53 من البروتوكول الاول والمادة رقم 16 من البروتوكول الثاني حظراً بارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعب.
وطالبت مجموعة كبيرة من قرارات اليونسكو إسرائيل بحماية الممتلكات الثقافية، كما أدانت إسرائيل بصفتها قوة محتلة مراراً وتكراراً لانتهاكها الميثاق المتعلق بالمحافظة على الممتلكات الثقافية، وأدانت جريمة حرق المسجد الأقصى بتاريخ 21 آب 1969. وطالبت إسرائيل بالحفاظ على جميع المواقع والابنية والممتلكات الثقافية الأخرى والتوقف عن اجراء التنقيبات الأثرية في الأراضي المحتلة. ويعالج القانون الدولي مسألة التخريب المتعمد للممتلكات الثقافية ويحاسب عليها كجريمة حرب، فقد قرّرت محكمة نورنبرغ اعتبار الاعتداء على الآثار والمباني التاريخية من دون سبب مشروع جريمة حرب استناداً إلى المادة 6 فقرة ب من ميثاق المحكمة.
وتعتني توصيات مؤتمر نيودلهي لسنة 1956 بالمعايير المنطبقة على التنقيبات الأثرية في ظل الاحتلال. وتحرم إجراء التنقيبات الأثرية المنظمة من قبل سلطة الاحتلال، وتضع الضوابط حول التنقيبات الإنقاذية والاكتشافات العرضية. وتعالج الاتفاقية الدولية حول منع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية الصادرة عن اليونسكو لسنة 1970 قضية الاتجار غير المشروع، وهي الاتفاقية التي لم توقع عليها إسرائيل حتى الآن.
كما تنظم الاتفاقية الدولية للتراث الثقافي والطبيعي العالمي المواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي. وقد صدرت مؤخراً العديد من التوصيات حول التدمير المتعمد للتراث الثقافي واحترام التنوع الثقافي إلى جانب الاتفاقية الدولية للتراث الثقافي غير المادي. وتشكل هذه الاتفاقيات والتوصيات الدولية المرجعية القانونية الدولية التي تنظم وضع الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني تحت الاحتلال.
إدارة الاحتلال الإسرائيلي للآثار 1967-1994
بعد احتلال الأراضي الفلسطينية العام 1967 أنيطت صلاحيات الآثار إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي (طه، 2003، 2009)، وقد تم الإبقاء على قانون الآثار الاردني رقم 51 لسنة 1966 في الضفة الغربية وأنظمة الآثار القديمة الفلسطينية لسنة 1929 في غزة. وتأسست في ظل الحكم العسكري إدارة للآثار يرأسها ضابط الآثار الذي يتبع الحكم العسكري والإدارة المدنية. وتعاقب عليها عدد من الضباط العسكريين الإسرائيليين. ومن أجل إحكام سيطرتها على المقدرات الأثرية جرى إدخال عدد من التعديلات على القانون بموجب سلسلة من الأوامر العسكرية الإسرائيلية، فقد انيطت صلاحيات مدير الآثار في القانون الاردني إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي، وتمّ تعطيل العمل ببعض بنود القانون الاردني السائد، خصوصاً تلك المتعلقة بالمجلس الاستشاري، الذي يرأسه الوزير. وفي سنة 1986 جرت تعديلات واسعة على قانون الآثار الاردني وذلك بموجب الاوامر العسكرية رقم 1166 و1167، وطالت التعديلات قضايا الترخيص والاتجار بالآثار. وعلى ضوء التغييرات الجديدة في القانون جرى تفعيل المجلس الاستشاري، ولكن بتشكيل جديد، حيث أصبح يتكوّن من مدير الإدارة المدنية رئيساً وضابط الآثار ورئيس سلطة الآثار الإسرائيلية، واثنين من علماء الآثار الإسرائيليين المرموقين وموظفين آخرين من الإدارة المدنية (Greenberg and Keinan 1997:16-17)
أما التعديل الرئيسي الثاني على القانون (الفقرة الثالثة من الأمر العسكري)، وهو قسم "ب" حول التنقيبات والمسوح الأثرية، لتنطبق على التنقيبات التي يقوم بها ضابط الآثار الإسرائيلي أو التنقيبات التي تجري باسمه. وقد منح التعديل ضابط الآثار الإسرائيلي سلطات قانونية شبه مطلقة في الأراضي الفلسطينية، وأطلقت يده في المواقع من دون حسيب أو رقيب سواء من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي والإدارة المدنية أو من قبل الحكومة الإسرائيلية نفسها. ولا شك في أن التعديلات الجديدة جاءت لإحكام قبضة الاحتلال على الموارد الأثرية الفلسطينية والسيطرة عليها وتوظيفها ضمن المشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطيني (Taha 2015) .
ورغم أن الخطاب الرسمي الإسرائيلي العام لا ينظر إلى دولة الاحتلال كسلطة محتلة، الا ان تشكيل هذه الإدارة المنفصلة عن سلطة الآثار الإسرائيلية يمثل التزاماً شكلياً بالاتفاقيات الدولية. فان إسرائيل تتصرف عمليا كسلطة احتلال لا تقيم اعتباراً كبيراً للاتفاقيات الدولية حول وضع الآثار، وتحرص في الوقت نفسه على إبراز النشاط الأثري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية كنشاط يتعلق بإجراءات الحماية والإنقاذ (أثناء البناء أو لمحاربة سرقة الآثار)، في محاولة للانسجام شكلياً مع متطلبات القانون الدولي. بما في ذلك التأكيدات بأن المكتشفات الأثرية كافة مودعة في مخازن ضابط الآثار ولم ينقل أي منها بشكل نهائي إلى إسرائيل، رغم الإعارة طويلة المدى لبعضها (Greenberg and Keinan1997:18) وهذا الادعاء تنفيه الوقائع، فهي تعتبر من جهة أن التنقيب في القدس المحتلة يقع ضمن صلاحيات سلطة الآثار الإسرائيلية، تأكيداً على قرار ضم مدينة القدس العربية. وتجري تنقيبات منظمة طويلة الأمد في العديد من المواقع الأثرية في الأراضي الفلسطينية، مثال التنقيبات التي جرت في موقع تل الفريديس في بيت لحم وتلول أبو العلايق في أريحا وجبل جرزيم في نابلس وتل الرميدة في الخليل. وقبل الانسحاب الاحادي الجانب من غزة قامت سلطات الاحتلال بإجراء تنقيبات واسعة في غزة ودير البلح.
الاتفاقية الانتقالية
بعد توقيع مذكرة التفاهم سنة 1993 جرى نقل للصلاحيات في أريحا وغزة إلى السلطة الفلسطينية(DPISP 1993) . وفي العامين 1994 و1995 جرى نقل للصلاحيات والمسؤوليات في أجزاء إضافية في الضفة الغربية وقطاع غزة في العديد من المجالات، بما في ذلك الآثار في المنطقتين "أ" و "ب"، والتي تشكل حوالي 40% من مساحة الأراضي المحتلة سنة 1967. أما بالنسبة إلى منطقة "ج" فقد تم الاتفاق على نقل صلاحيات الآثار فيها بشكل تدريجي إلى الجانب الفلسطيني. وحسب البند الأول من نصوص إعلان المبادئ حول ترتيبات الإدارة الذاتية الانتقالية، توجّب الانتهاء من مفاوضات المرحلة الانتقالية في شهر أيار سنة 1999. ويشمل الأراضي الفلسطينية كافة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن البرنامج الزمني للاتفاق المقرّ من الطرفين الذي دعا إلى نقل الصلاحيات في الفترة الانتقالية قد تأخر تنفيذه، ولم يطبق أبداً من قبل الحكومة الإسرائيلية (طه 2003، 2009).
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ورغم الاتفاق الانتقالي فقد قامت إسرائيل سنة 2002 باجتياح الأراضي الفلسطينية، وأعادت احتلال المناطق الفلسطينية "أ" و "ب"، بما خلق وضع احتلال واقعي مباشر لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، لتصبح الامور أكثر تعقيداً على الصعيد الميداني. وفي سنة 2005 انسحبت قوات الاحتلال من داخل أراضي قطاع غزة لتبقي سيطرتها على الحدود كاملة. ومن الناحيتين القانونية والفعلية فإن وضع هذه المناطق التي أُعيد احتلالها في الضفة الغربية واستمرار الحصار على قطاع غزة إلى جانب الاحتلال المباشر لمدينة القدس يجعل من سلطة الاحتلال مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الأراضي الفلسطينية كافة في الضفة الغربية وغزة، بما في ذلك القدس.
في العام 2011 حصلت فلسطين على العضوية التامة في منظمة اليونسكو، بما مهّد لانضمام فلسطين إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقية لاهاي لسنة 1994 والاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي ذات القيمة العالمية المتميزة لسنة 1972. وفي سنة 2012 حصلت فلسطين على عضوية الأمم المتحدة كدولة مراقب حسب قرار الجمعية العامة، بما حوّل الأراضي الفلسطينية إلى دولة تحت الاحتلال(Taha 2015) .
وعلى أي حال ففي غياب اتفاق نهائي تعتبر إسرائيل قوة محتلة ملزمة بتنفيذ الاتفاقيات الدولية (Oyediran 1997) لحماية التراث الثقافي، كما ورد ذلك في اتفاقية لاهاي لسنة 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح لسنة 1954 وتوصيات اليونسكو حول المبادئ الدولية المنطبقة على التنقيبات الأثرية، والتي تمّ تبنيها في المؤتمر التاسع لليونسكو سنة 1956، ثم الاتفاقية الدولية حول أساليب حظر استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية لسنة 1970 و 1985، والعديد من القرارات والتوصيات المتعلقة بالممتلكات الثقافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد منح الوضع الجديد الجانب الفلسطيني الذي حقق حكماً ذاتياً في نهاية القرن الماضي دوراً جزئياً مستقلاً لاستكشاف تاريخ فلسطين من مصادره الأولية (Taha 2005, 2010)، وهي مهمة بقيت حكراً على البعثات الأثرية الإسرائيلية والأجنبية حتى فترة قريبة. وقد أدى هذا الوضع مراراً إلى الاستخدام السياسي والأيديولوجي الواسع لهذه المعطيات وتفسيرها من دون ضبط علمي موضوعي.
إن الرؤية التي تنطلق منها جهود دائرة الآثار في البحث والحماية والتربية والحفاظ والتشريعات، هي جوهريا تلك المعايير المعاصرة المتعارف عليها عالمياً. وهي الرؤية الإنسانية الحديثة التي تنظر إلى الدور التكاملي للحضارة الفلسطينية ضمن الحضارة الإنسانية، والتي تجعل من علم الآثار في فلسطين جهداً علمياً بحتاً في إطار المجهود العلمي الدولي.
تشريعات الآثار والتراث الثقافي
وعلى صعيد تشريعات الآثار والتراث الثقافي ورثت دائرة الآثار الفلسطينية عدداً من الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالآثار والتراث الثقافي. في سنة 1929 صدر قانون الآثار القديمة من قبل حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد صدر قانون عام للآثار يحمل الرقم 51 والذي حلّ محل القانون العثماني. وخضع هذا القانون لسلسلة من التعديلات في السنوات 1934 و 1937 و 1946. بعد الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني سنة 1948 جرى ضم الضفة الغربية إلى الأردن كما اتبع قطاع غزة للإدارة المصرية، وحسب الوضع الجديد جرى تطبيق قانون الآثار الأردني في الضفة الغربية وتم الإبقاء على قانون الآثار القديمة الفلسطيني إبان الإدارة المصرية على قطاع غزة (طه 2003).
بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1967 أصدرت حكومة الاحتلال الإسرائيلية سلسلة من الأوامر العسكرية (طه 2003) أثرت بشكل مباشر على الآثار والموارد الثقافية للبلاد. وأهم هذه الأوامر هو الأمر العسكري رقم 119 لسنة 1967 والذي ألغى العديد من نصوص أنظمة الآثار القديمة الاردني رقم 51 لسنة 1966 السارية في الضفة الغربية وأنظمة الآثار القديمة الفلسطينية لسنة 1929 السارية في قطاع غزة، ووضع كافة صلاحيات دائرة الآثار العامة بيد الحكم العسكري والأشخاص الذين يُعيّنهم. وبذلك اعتبرت الرخص الممنوحة كافة قبل حرب سنة 1967 لاغية.
ولا شك في أن معظم القوانين السابقة أصبحت متقادمة على وجه العموم وتتعأرض في بعض الأوجه مع بعضها البعض. فقد تركت هذه القوانين جزءاً هاماً من التراث الثقافي مثل العمارة التقليدية والمواد التراثية بدون حماية قانونية تلقائية. واعتبر قانون الآثار الفلسطيني لسنة 1929 وقانون الآثار الأردني لسنة 1966 الاتجار بالآثار عملاً غير قانوني إذا تمّ بدون ترخيص صادر عن دائرة الآثار العامة. كما حظرت القوانين تصدير المواد الأثرية بدون ترخيص.
وقد حظرت الأوامر العسكرية الإسرائيلية تصدير الآثار من الأراضي الفلسطينية المحتلة باستثناء القدس الشرقية بدون الحصول على ترخيص أو إذن عام من قبل ضابط الآثار الإسرائيلي. وطبقت إسرائيل القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية المحتلة كنتيجة لضم المدينة، الذي جاء خرقاً للقانون الدولي. ولم توفر القوانين السابقة أي نوع من الحماية للتراث غير المادي. ولهذه الأسباب قامت دائرة الآثار العامة بوضع مسودة لقانون جديد للآثار يأخذ بعين الاعتبار التطورات على الأصعدة العلمية والقانونية في حقل التراث الثقافي حتى الوقت الحاضر. وتؤكد مسودة القانون الجديدة سبل حماية أعلى للتراث الحضاري.
وتعمل دائرة الآثار والتراث الثقافي بموجب قانون الآثار الأردني رقم 51 لسنة 1966 وقانون الآثار الفلسطيني القديم لسنة 1929 في قطاع غزه، وهي القوانين التي كانت سارية عشية احتلال الأراضي الفلسطينية سنة 1967. وأبطلت الوزارة العمل بالأوامر العسكرية الإسرائيلية الصادرة عن سلطة الاحتلال الإسرائيلي (طه 2003). ومع تسلم صلاحيات الآثار سنة 1994 عقب اتفاق غزه – أريحا بدأ العمل فوراً على وضع إطار قانوني جديد وتحديث القوانين لحماية التراث الثقافي. وكان واضحاً للإدارة الفلسطينية الجديدة بأن القوانين السارية هي قوانين متقادمة وتحتاج إلى تعديلات جوهرية وأصبح من البديهي العمل بمفاهيم التراث الثقافي الحديث التي لا تقتصر على الآثار فقط بل تشمل أيضاً المباني التاريخية والعمارة التقليدية والمشاهد الثقافية والتراث الطبيعي. وفي هذا السياق أعدت دائرة الآثار الوليدة مسودة مشروع قانون الآثار للفترة الانتقالية سنة 1995، والتي كان يفترض أن يعمل بموجبها حتى سنة 1998 أي نهاية الفترة الانتقالية، ولكن هذه المسودة لم تجد طريقها إلى المجلس التشريعي. ومنذ سنة 2004 يجري العمل على تحديث قانون الآثار والتراث الثقافي، حيث تمّ وضع مسودة لقانون جديد للتراث الثقافي الفلسطيني ينتظر تصديقه من قبل الحكومة الفلسطينية.
التنقيبات والمسوح الأثرية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية
يحظر القانون الدولي الإنساني إجراء تنقيبات أثرية منظمة في الأراضي المحتلة، أما الاكتشافات العرضية فيجب على الدولة المحتلة اتخاذ التدابير كافة من أجل حمايتها وتسليمها إلى السلطة الوطنية المختصة عند انتهاء الاحتلال. وتنص المادة 32 من الميثاق الاول لاتفاقية لاهاي لسنة 1954، أنه في حالة نزاع مسلح يقتضي على الدولة التي تحتلّ أراضي دولة أخرى الامتناع عن القيام بحفريات أثرية في المنطقة المحتلة وفي حالة العثور على أي أثر بمحض الصدفة، خاصة أثناء الإنشاءات العسكرية فإنه يتحتم على الدولة المحتلة أن تتخذ كافة الإجراءات الممكنة لحماية الآثار التي يتم اكتشافها والتي ينبغي تسليمها عند انتهاء الاحتلال إلى السلطة المختصة في المنطقة التي كانت واقعة تحت الاحتلال مع جميع الوثائق المتعلقة بذلك.
رغم هذا الحظر قام الإسرائيليون بالتنقيب في مئات المواقع الأثرية في الأراضي المحتلة، منتهكين بذلك حرمة الآثار الفلسطينية. وشملت المسوح الأثرية الإسرائيلية الأراضي المحتلة كافة، في حين تركزت التنقيبات في مناطق معينة كالقدس ومحيطها والمناطق المستهدفة لأغراض الاستيطان.
المسوح الأثرية الإسرائيلية
بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 شرع الإسرائيليون بتنظيم سلسلة من أعمال المسح الأثري للمواقع الأثرية في الأراضي المحتلة. وكان الهدف من هذه المسوح هو تحديث قاعدة البيانات الإسرائيلية حول المواقع والمعالم في الأراضي المحتلة، بما في ذلك إعادة صياغة نتائج المسوح الأثرية السابقة، خصوصاً في الجوانب المتعلقة بأسماء المواقع، وقد انطوت هذه التنقيبات على أكبر حملة لتهويد أسماء المواقع وتثبيت أسماء جديدة للمواقع والأماكن. وأشرف موشي كوخافي (Kochavi 1972) المسح الأول الطارئ للمواقع الأثرية سنة 1968، بعنوان "يهودا والسامرة والجولان: المسح الأثري 1967-1968، 1972، وشمل المسح 800 موقع أثري كانت معروفة ومحدّدة في المسوح الأثرية البريطانية. عقب ذلك جرت مسوح أثرية تفصيلية ومركزة في منطقة الجبال الوسطى تبعاً للإطار الجغرافي التوراتي (Greenberg1997) ، وتضم مناطق "أفرايم" و"يهودا"، وهو عمل يقع ضمن سياسة تهويد أسماء المواقع الجغرافية والتاريخية الفلسطينية.
ويظهر اسم هذه المسوح، التي تبعت التقسيمات التوراتية للأراضي الفلسطينية (قاعدة بيانات، دائرة الآثار والتراث الثقافي 2009)، على الوجه التالي:
– منطقة "مناشي" وتضم أراضي جنين وطوباس وشمال نابلس وطولكرم والجزء الشمالي من أريحا.
– منطقة "افرايم" وتضم منطقة رام الله باستثناء الجزء الجنوبي الشرقي وجنوب منطقة نابلس وسلفيت.
– منطقة "بنجامين" وتضم جنوب منطقة رام الله من جهتي الشرق والغرب وشمال غرب القدس.
– منطقة "يهودا" وتضم منطقتي الخليل وبيت لحم.
– منطقة وادي الأردن والبحر الميت وتضم محافظة أريحا وبرية الخليل وبيت لحم.
– "أورشليم" وتضم القدس، وشمل مسح المناطق الجنوبية (Kolner 2000) والشمالية الشرقية (Kolner 2001) والشمالية الغربية (Kolner 2003)
ولم تخفِ هذه المسوح كما نلاحظ في التقسيمات السابقة دوافعها الايديولوجية الواضحة في تهويد أسماء المواقع والأماكن، التي تنشر في تقارير المسوح الأثرية والاعتماد الرسمي لها، وحالما تجد طريقها إلى الخرائط السياحية. أما السمة الرئيسية الثانية لهذه المسوح فتتجلى في التركيز على الفترات التوراتية.
وتلت ذلك موجة أخرى من المسوح الأثرية الإسرائيلية قام بها أفراد ومؤسسات لمناطق بمساحة 10X10 كلم على خرائط بمقياس 1:20000 التي استخدمها ضباط الآثار في الأراضي الفلسطينية، ورغم أن بعض هده المسوح الأثرية نفذ في إطار برامج أكاديمية وبحثية، الا أن أهدافها الايديولوجية والاستيطانية أصبحت أكثر وضوحاً.
كما جرت حملات مسح واسعة ومركزة في بعض مناطق الضفة الغربية وغزة قبيل نقل السلطات إلى الجانب الفلسطيني، وأبرز هذه الحملات ما عُرف في حينه بحملة البحث عن مخطوطات البحر الميت، والتي اتبعت فيها سياسة الأرض الأثرية المحروقة من خلال تجريد هذه المواقع التي ستسلّم للسلطة الفلسطينية من محتوياتها الأثرية.
وقد لوحظ في هذه التنقيبات تركيز ملحوظ على فترات بعينها كالعصر الحديدي والفترتين اليونانية والرومانية وهي ما تعرف بفترتي المعبد الاولى والثانية في الادبيات الأثرية الإسرائيلية، وخصوصاً في المسوح التي قامت بها جامعة تل أبيب تحت إشراف فنكلشتاين ونيئمان من جامعة تل أبيب وادم زرتال من جامعة حيفا، إلى جانب مسوح ضابط الآثار الإسرائيلي نفسه. وهكذا فإن المؤسسات الاكاديمية الإسرائيلية، وخصوصاً الجامعات الإسرائيلية، قد انخرطت مع إدارة الحكم العسكري في التنقيب غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت غطاء المشاريع العلمية والبحثية.
كذلك العمل المنسق لسلطة الآثار الإسرائيلية وضابط الآثار والذي تجلى في حملة المخطوطات الواسعة في منطقة البرية ووادي الأردن، والانخراط المتزايد لسلطة الآثار الإسرائيلية في العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً في مدينة القدس ومحيطها.
التنقيبات الأثرية الإسرائيلية
خلافاً للقانون الدولي قامت السلطات الإسرائيلية منذ سنة 1967 وعلى مدار العقود الخمسة الماضية بتنفيذ مئات التنقيبات الأثرية في الأراضي الفلسطينية، وتشمل أراضي الضفة الغريبة وغزة والقدس. وتشير الإحصائيات المتوفرة إلى ما يزيد عن 900 عملية تنقيب إسرائيلية إنقاذية ومنتظمة منها 170 حفرية في القدس ومحيطها، في ما تُعرف بالقدس الموسعة، والتي تضاعفت مساحتها مرات عدة نتيجة ضم الأراضي الفلسطينية لها. وتشير المعطيات المتوفرة إلى منح ما يزيد عن 1500 رخصة تنقيب في الأراضي الفلسطينية، وهو رقم كبير اذا ما قورن بالفترة التي سبقته أو بالفترة نفسها في الدول المجاورة. ان الملاحظة الاساسية حول هذا الموضوع، هو أن المعطيات ما زالت سرية وهي غير متاحة للباحثين وعلماء الآثار بما يضفي قدراً من الغموض حول الانشطة الأثرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ولهذا السبب فإن المعطيات المتوفرة هي معطيات تقديرية إلى حد ما، أما الملاحظة الثانية فهي تتعلق بتعريف حفرية والتي يمكن أن تتراوح ما بين عمل محدود يستغرق بضع ساعات كما هو الحال في عمليات التنقيب الإنقاذي أو لشهور عدة على مدار مواسم تنقيب عدة لسنوات متتالية.
ترخيص التنقيب في الأراضي الفلسطينية
يتمتع ضابط الآثار التابع للإدارة المدينة الإسرائيلية، وخليفته دائرة الآثار التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي جزء من الحكم العسكري بسلطات مطلقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اذ يستطيع منح أذونات التنقيب لأي جهة، دون مرجعية علمية، كما لا يحتاج نفسه للترخيص. رغم أن النظام الساري بموجب قانون الآثار القديمة يقضي بمنح تراخيص التنقيب سنوياً ومع كل موسم جديد حتى في الموقع الواحد.
إن المعلومات المتوفرة عن تنقيبات ضابط الآثار والفريق العامل معه يسيرة للغاية ومتفرقة، وحتى التقارير النهائية لا تضمّ عادة العناصر الأساسية المفترضة في مثل هذه التقارير، وهي تختلف من ناحية الجودة والكمال عن مثيلاتها داخل إسرائيل. ولذلك فإن المعلومات المتوفرة عن التنقيبات في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة هي جزئية، والنشرات الأولية موزّعة على عدد من المنشورات الشعبية والعامة، وغالباً ما تكون باللغة العبرية إلى جانب عدد قليل من التقارير الأثرية الختامية.
أما بالنسبة إلى التنقيبات الإسرائيلية في القدس المحتلة فهي مرخّصة من قبل دائرة الآثار الإسرائيلية حتى سنة 1989، وخليفتها سلطة الآثار الإسرائيلية من تاريخه. ورغم أن الدخول إلى هذه المعطيات متيسر للباحث الإسرائيلي، فإن مواقعها غير موضحة على الخرائط، نظراً لتجاهل الخط الأخضر الفاصل بين القدس الشرقية والقدس الغربية، وهذا يستدعي جهوداً خاصة لتحديد مواقع هذه التنقيبات خصوصاً العدد الكبير للقبور المنقبة (Greenberg1997:19). أما التقارير في المنطقة المحيطة بالمسجد الاقصى فهي غير معروفة تماماً، اذ يغلب عليها طابع السرية الشديد، والمعطيات الدقيقة حولها غير متوفرة. وتسدل سلطات الاحتلال ستاراً من الغموض والكتمان حول الأعمال الجارية في محيط منطقة الحرم الشريف.
نطاق التنقيبات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية
جرت التنقيبات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية كافة تقريباً، وذلك بهدف السيطرة على موارد التراث الثقافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمكن ملاحظة العلاقة الوثيقة بين مواقع التنقيبات والمستوطنات الإسرائيلية والمناطق العسكرية الإسرائيلية والجدار الفاصل والمناطق الطبيعية، بما يشير إلى توظيف الآثار في خدمة الاستيطان (Taha 2015). ومع توسع المشروع الاستيطاني بمرور الوقت أخذت هذه العلاقة أبعاداً أكثر عمقاً. كما جرت العديد من التنقيبات في المناطق الفلسطينية المأهولة في فترة السيطرة الإسرائيلية المباشرة على هذه المناطق، وخصوصاً في مدن الخليل ونابلس، والتي تعكس النشاط الأثري الإنقاذي في هذه المناطق. ولكن أيضاً النشاط الأثري الثابت المرتبط بالأنشطة الاستيطانية والعسكرية، وأبرز الأمثلة على ذلك التنقيبات الطويلة الأمد في خربة سيلون وموقع تلول أبو العلايق وتل الفريدس وتل الرميدة وخربة سوسيا وجبل جرزيم وجبل عيبال. كما يمكن ملاحظة تمركز هذه التنقيبات في التجمعات الاستيطانية الإسرائيلية، وخصوصاً في المناطق المحيطة بالقدس من الجهتين الشرقية والغربية، وذلك نظراً للنشاط الاستيطاني الواسع المرتبط بالبناء وشق الطرقات في المدينة ومحيطها من جميع الجهات تقريباً، كالتجمع الاستيطاني الواصل ما بين القدس وأريحا، خصوصاً في منطقة "طلعة الدم" ومستوطنة معالي أدوميم ومنطقة الخان الاحمر على امتداد طريق أريحا القدس الحالي. ويشكل دير المرصرص الواقع في وسط مستوطنة معالي أدوميم نموذجاً على استحواذ المستوطنات الإسرائيلية للموارد الأثرية الفلسطينية، والى الجنوب من مدينة القدس استحوذت المستوطنات على العديد من المواقع الأثرية في المنطقة الممتدة من بيت فجار والخضر جنوباً وحوسان وبتير غرباً، لتسيطر على عشرات المواقع الأثرية في هذه المناطق، بما في ذلك عيون المياه التاريخية ومقاطع طويلة من قنوات المياه الرومانية وقناة السبيل التي كانت تجلب المياه من جبال الخليل إلى القدس مروراً عبر بيت لحم. وفي الجهة الجنوبية الشرقية يسيطر حزام المستوطنات الممتد على أطراف مناطق البرية وحتى البحر الميت على مواقع أثرية رئيسية مثل تل الفريدس وكهوف ما قبل التاريخ في وادي خريطون. أما التجمّع الاستيطاني الأكبر الآخر فيقع في منطقة جبال نابلس الغربية والواقعة ما بين نابلس وطولكرم، وخصوصاً تجمع مستوطنات "أرييل"، و"كارني شمرون" في منطقة كفر قدوم، والتجمعات الاستيطانية ما بين نابلس ورام الله في منطقة سنجل واللبن الشرقية والساوية، حيث استحوذت المستوطنات على مواقع أثرية رئيسية مثل خربة سيلون. وقد شكلت منطقة البرية الواقعة إلى الشرق من مدن الخليل وبيت لحم والقدس، والتي تتميز بمشهدها الثقافي والطبيعي المميز أحد المناطق المستهدفة، خصوصاً أعمال التنقيب التي طالت الكهوف في هذه المنطقة المطلة على البحر الميت، وموقع قمران وتلول أبو العلايق وخربة البيوضات وفصايل في منطق وادي الاردن.
ومنذ أواخر عقد التسعينيات من القرن الماضي تجري تنقيبات في المنطقة الواقعة على امتداد جدار الفصل العنصري المحيط بالضفة الغربية من الجهة الغربية من قرية سالم شمالاً وحتى الظاهرية جنوباً، وتمثل المواقع المنقبة في المنطقة التي تقع حالياً خلف الجدار ما يزيد عن 230 موقعاً أثرياً.
وفي قطاع غزة الذي خضع منذ سنة 1967 -1994 لإدارة ضابط الآثار الإسرائيلي، جرت تنقيبات في عدد من المواقع الأثرية(Sadeq 1999, 2000, 2002, Humbert 2000)، واستمرت هذه التنقيبات في المنطقة المصنفة بـ"الصفراء" حتى سنة 2005، وأبرز التنقيبات الإسرائيلية في غزة جرت على شاطئ دير البلح وفي الفترة ما بين 1972-1982 تحت إشراف ترودي دوثان وأظهرت استيطاناً بشرياً من العصر البرونزي المتأخر وحتى الفترة البيزنطية.
وكشفت التنقيبات عن مقبرة ترجع إلى العصر البرونزي المتأخر، استخدمت في القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م. وما يميّزها هو التوابيت الفخارية على شكل الإنسان، وكان التابوت الواحد يتسع لشخصين حتى أربعة أشخاص. وقد وضعت هذه التوابيت في قبور مقطوعة في الصخر الرملي وبينها مدافن بسيطة. والتوابيت أسطوانية الشكل والجزء العلوي يغلق بواسطة غطاء متحرك، رسمت عليه ملامح الوجه والساعدان والأيادي البشرية. أما العطايا الجنائزية المرفقة بالميت فتتكون من مسلات تحمل كتابات هيروغليفية وجعلان وأواني ألباستر وكميات كبيرة من الفخار المحلي واليوناني والقبرصي والمصري المستورد. وجميع المواد المستخرجة من هذه المواقع موجودة في المتاحف الإسرائيلية.
كما جرت تنقيبات أثناء فترة الاحتلال في تل الرقيش، وأرض البركة، وتل قطيف من قبل بيران سنة 1973، حيث قام بالكشف عن أجزاء من المدينة العليا التي يعود تاريخها إلى العصر الحديدي الثاني، خصوصاً مدافن الحرق في الجرار. وفي الفترة ما بين 1982-1984 قام أورن بإجراء تحريات أثرية في الموقع. وشملت التنقيبات الإسرائيلية في غزة مواقع النصيرات وتل قطيف.
وتشير المعطيات المتوفرة حول التنقيبات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية (Greenberg and Keinan 2007) إلى اتجاه تصاعدي كماً ونوعاً منذ سنة 1967 وحتى سنة نهاية عقد التسعينيات، أما الاتجاه الآخر فهو انخراط مؤسسات أكاديمية أخرى إلى جانب سلطة الآثار الإسرائيلية في القدس وضابط الآثار الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة في أعمال التنقيب الأثرية.
.
التنقيبات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس ما بين 1967- 1998
السنوات الضفة الغربية القدس
1968-1972 72 52
1973-1977 96 58
1978-1982 126 51
1983-1987 96 26
1988-1992 100 50
1993-1998 171 90
وتشير هذه البيانات إلى حالة من الثبات في السنوات العشر الاولى للاحتلال وتصاعد ملحوظ في التنقيب مع صعود حكومة مناحيم بيغن الليكودية إلى الحكم والنشاط الاستيطاني الموسّع الذي قام به أرييل شارون كوزير للزراعة ووزير للحرب في الفترة ما بين 1978-1982. ليعود التنقيب إلى أكثر من معدلاته الأولى بقليل في السنوات العشر التي تلتها، وهي الفترة ما بين 1982-1992، وليتضاعف تقريباً مع بداية عقد التسعينيات أي بعد توقيع اتفاقية أوسلو. ويشير غرينبرغ (2007) إلى الدور الذي لعبته قوى معينة في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تشجيع أعمال التنقيب الأثري في الأراضي المحتلة أكثر من غيرها، منها الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف يوفال نيئمان من حزب هتحيا الفاشي. ولكن هذا النشاط بدأ في التراجع التدريجي مع اندلاع الانتفاضة الاولى، وخصوصاً في مدينة القدس ومحيطها اذ وصل التنقيب إلى اقل معدلاته منذ سنة 1967.
ومن اللافت أن النشاط الأثري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة شهد قفزة كبيرة في الفترة ما بين 1992-1995، وهو النشاط الذي تصدره ضابط الآثار الإسرائيلي التابع للإدارة المدنية الإسرائيلية، مستهدفاً المناطق التي ستؤول الصلاحيات فيها إلى السلطة الفلسطينية، في تطبيق لسياسة الأراضي الأثرية المحروقة، باستخدام مئات العمال غير المهرة، على غرار حملة المخطوطات، التي جرت في منطقة وادي الأردن على مدار شهرين، سخرت لها إمكانيات بشرية ولوجستية كبيرة، وكان الهدف من هذه الحملة هو تنظيف هذه المواقع من سياقاتها الأثرية قبل أن تقع بيد الفلسطينيين. وقد سجل القائمون على الحملة بعد ذلك شعورهم بالخيبة، لأن الصيد لم يكن وفيراً، وقد ذكّرت هذه الحملة في دوافعها وتطبيقاتها حملات صيد الدفائن والكنوز الأثرية التي كان يقوم بها مغامرون ولصوص آثار قبل بداية علم الآثار المعاصر.
إن الدوافع الرئيسية الكامنة وراء التنقيبات والممارسات الأثرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية هي محاولة خلق وقائع على الأرض وإعادة كتابة تاريخ هذه المواقع 2001) (Abu el-Haj، من خلال اختلاق صلة ما بين الماضي اليهودي المفترض والحاضر الاستيطاني الكولونيالي. وكانت هذه التنقيبات محكومة عموماً بدافع رئيس هو البحث عن التاريخ اليهودي، وهذا لا يتسنى الا من خلال تغييب الدلائل الأثرية التي تعود لفترات وثقافات أخرى (ويتلام 1999)، وتتسم هذه التنقيبات بالانتقائية سواء في اختيار المواقع التي استهدفت سياقات حضارية معينة، ومن ناحية أخرى الاحتفاء الخاص بأصناف معينة من المواد الحضارية مثل الكتابات العبرية القديمة، والكنس والشمعدان والنجمة السداسية، وأحواض التطهير، وبعض أنواع المعاظم في القبور، وأنواع من الأواني الفخارية كالأسرجة من الفترة الهيرودية، وقد وصلت درجة من الإسفاف حد إجراء دراسات انثربولوجية على العظام القديمة بحثاً عن عرق يهودي. وغني عن القول إن هذه المنطلقات تتنافى مع مناهج العلم الحديثة. وأن هذه المقاربات لا تستند إلى أسس موضوعية. وانطلاقاً من هذه النظرة عمدت الكثير من التقارير الأثرية الإسرائيلية إلى تبني تصنيفات اثنية ودينية كآثار يهودية ومسيحية وإسلامية في محاولة لتقسيم التاريخ الحضاري الفلسطيني على قواعد اثنية ودينية ضيقة. كما عززت هذه التنقيبات النظرة الخاصة بالتراث اليهودي – المسيحي المشترك، وذلك تجسيداً للتحالف ما بين الصهيونية والاتجاهات المسيحية المتهوّدة.
وقد استهدفت معظم هذه التنقيبات تفريغ السياقات الأثرية من مضامينها الثقافية، ولم ترتبط هذه التنقيبات مع أية جهود جدية للحماية ولتطوير، ما عدا بعض المواقع ذات الأهمية الايديولوجية الخاصة للمشروع الاستيطاني مثل موقع تل الفريديس وخربة قمران وجبل جرزيم وخربة سيلون وخربة سوسيا وتل الرميدة. أما بقية المواقع المنقبة التي لم تسفر نتائج التنقيبات فيها عن دلائل تربطها بالتاريخ اليهودي فقد تركت للإهمال والتدمير. وعلى سبيل المثال تركت مواقع الكرمل وعناب الصغير وعناب الكبير والدير وخربة البيوضات دونما حماية وعرضة للتدمير.
المؤسسات الأثرية الإسرائيلية العاملة في مجال التنقيب
الى جانب ضابط الآثار في الضفة الغربية وقطاع غزة وسلطة الآثار الإسرائيلية في القدس والتي قامت بالقدر الأكبر من هذه التنقيبات، هناك المؤسسات الإسرائيلية والجامعات المتعددة قد انخرطت في التنقيب غير القانوني في الأراضي الفلسطينية، وأبرز المؤسسات:
– ضابط الآثار الإسرائيلي، والتي أصبحت دائرة الآثار التابعة للإدارة المدنية
– سلطة الآثار الإسرائيلية (دائرة الآثار الإسرائيلية قبل العام 1989).
– الجامعة العبرية.
– جامعة تل أبيب.
– جامعة بار ايلان في النقب.
– جامعة حيفا.
هذا إلى جانب العديد من المؤسسات البحثية الإسرائيلية المحلية والمؤسسات الدولية (بار – يوسف ومزار 1994). ولا بدّ من الإشارة إلى أن العديد من هذه التنقيبات قد جرى بدعم مالي من وزارة الأديان الإسرائيلية ومؤسسات استيطانية مثل مؤسسة اليعاد وعطيرت كوهانيم الاستيطانيتين في القدس. وتسخر لهذه التنقيبات موارد مالية هائلة من الحكومة الإسرائيلية ومن مؤسسات يهودية وصهيونية ومتبرعين في الداخل والخارج. بما يؤكد أن العمل الأثري عموماً والتنقيب في المواقع خصوصاً، لا ينظر اليه كعمل علمي يهدف إلى الكشف عن النظم الحضارية الماضية، بل كمهمة سياسية – دينية أحيطت بها هالة من القداسة القومية، تجري تحت شعار البحث عن جذور التاريخ اليهودي في فلسطين.
المنشورات الأثرية الإسرائيلية
وهناك المئات من المنشورات الأولية والنهائية الصادرة حول التنقيبات الإسرائيلية في القدس ومحيطها. ويدل المسح الذي قام به كولنر على مصادر الدراسات المنشورة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التنقيبات المنشورة تشكل جزءاً يسيراً من التنقيبات المنفذة في الأراضي الفلسطينية. ورغم أنه من الصعوبة بمكان التمييز القاطع بين التنقيبات المنشورة نشراً نهائياً أو تلك المنشورة نشراً أولياً، فإن المعطيات الاولية لقاعدة البيانات الفلسطينية في دائرة الآثار والتراث الثقافي والبيانات التي جمعها كل من غرينبرع وكينان معطيات حول المواقع المنقبة متقاربة وتشير إلى أنه من بين 368 موقعاً منقباً في الضفة الغربية (وهي المواقع المنقبة ما بين 1967-1997 فإن نصفها تقريباً (177 موقعاً) ليس حولها أي نوع من المعطيات، أما البقية فتنقسم ما بين تنقيبات ذات تقارير نهائية وعددها 93 وتقارير أولية وعددها 98 موقعاً، وتتراوح هذه التنقيبات بين أعداد كبيرة من القبور والكهوف التي تم التنقيب فيها على وجه العجلة أثناء ما عرف بحملة المخطوطات الى تنقيبات منظمة طويلة الامد، على مدار مواسم عدة نشرت نتائجها في عدد من التقارير، مثل تنقيبات شيلو في تلة سلوان وتنقيبات أفيجاد في الحي اليهودي في القدس وتنقيبات أيهود نيتسر في تلول أبو العلايق وتل الفريديس (هيروديون).
وتضم المواقع المنقبة وغير المنشورة العديد من المواقع الفرعية وبعض التنقيبات الرئيسية مثل تنقيبات تل الرميدة في مدينة الخليل والنبي صمويل، إلى جانب تنقيبات نفذت على مدار سنوات طويلة لم ينشر منها إلا القليل مثل تنقيبات جبل جرزيم وتنقيبات مدينة نابلس وخربة البيوضات.
ويشخص غرينبرغ (Greenberg1997:20). واقع النشر عند ضابط الآثار في الضفة الغربية بالقول إنه ورغم تأسيس قسم للنشر فإن ضابط الآثار هو الشخص الذي يرأس وحدة النشر، ويقوم بتسلم التقارير وإقرار محتواها وتحريرها والموافقة على نشرها. ونظرا لغياب أية محاسبة عامة فان هناك ما يبعث على القلق حول نوعية وكمال التقارير العلمية في وحدة ضابط الآثار ودائرة الآثار التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية.
المواد الأثرية المكتشفة
تشير المعطيات الاولية إلى أعداد هائلة تصل الملايين من المواد الأثرية المكتشفة أثناء التنقيبات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وتتكوّن هذه اللقى الأثرية عادة من المواد الأثرية المنقولة التي توجد في السياقات الأثرية، وتشمل المواد المصنعة كافة من قبل الإنسان مثل الأدوات والأواني الحجرية والأواني الفخارية والمعادن والزجاج والعملات والتماثيل والكتابات والنقوش والمخطوطات الخ.
وتنقسم المواد الأثرية المكتشفة في المسوح والتنقيبات الأثرية سواء الإنقاذية منها أو التنقيبات المنظمة إلى قسمين، الاول، ويشمل المواد أو اللقى الأثرية الكاملة، وهي القطع المتحفية، أما الصنف الثاني فيتكوّن من أعداد لا تُحصى من القطع الأثرية الصغيرة المكررة والمكونة من كسر الفخار أو الصوان أو الزجاج وعينات التربة والمواد العظمية البشرية والحيوانية، وغالباً ما يتم الاحتفاظ بنماذج من هذه المواد المحطمة أو غير المكتملة لأغراض الدراسة، أما القطع المميزة منها ككسرة فخار تحمل كتابة أو نمطاً زخرفياً فريداً فتعامل معاملة اللقية الكاملة. وهذا يصح أيضاً على المواد الملتقطة من سطح المواقع الأثرية أثناء أعمال المسوح الأثرية، ورغم أن معظم المواد تكوّن كسرات من المواد الأثرية، الا أنه من الممكن أن تكون مواد أثرية مكتملة، ذات قيمة كالنقود قديمة والكتابات على الفخار.
وتشير المعلومات المتوفرة أن المواد الأثرية المكتشفة في تنقيبات ضابط الآثار ودائرة الآثار التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية مخزنة في المقر الرئيس لضابط الآثار في الشيخ جراح في القدس وفي منطقة قريبة من الخان الأحمر. ولا توجد قوائم كاملة بهذه المواد، ويشير غرينبرغ (Greenberg 1997:20). إلى أن أعداداً من المواد المكتشفة في الضفة الغربية معروضة في متاحف مختلفة داخل إسرائيل، على أساس عقود إعارة طويلة المدى، ورغم انتهاء العروض، فإن بعض هذه المواد لا تعود إلى مخازنها الأصلية.
كما تم الكشف عن اعداد لا تحصى من المواد الأثرية في القدس الشرقية المحتلة منذ سنة 1967، وهي معروضة في المتاحف الإسرائيلية وتحمل رقم تسجيل إسرائيلي خاص بسلطة الآثار الإسرائيلية، انسجاماً مع قرار ضم مدينة القدس غير الشرعي، بما يجعل فصل هذه المواد أمراً بالغ الصعوبة. ان جرد هذه المواد الأثرية يحتاج إلى مجهود كبير على ضوء المطلب الفلسطيني الدائم باستعادة هذه المواد الأثرية كجزء من اتفاق الحل النهائي.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذه المواد هي جزء من السجل الأثري الذي يتكوّن في العادة من سلسلة من الوثائق مثل التقارير اليومية والصور والمخططات والمقاطع ووصف الحيز، ثم التقارير الحقلية غير المنشورة إلى جانب التقارير الاولية والنهائية المنشورة. ولذلك فان المواد الأثرية والسجلات المصاحبة لها يجب أن تعامل معاملة واحدة في أي إطار للتعامل المستقبلي مع قضية استرداد المواد الأثرية الفلسطينية.
التنقيبات الإسرائيلية في القدس
تعتبر القدس أكثر المناطق استهدافاً منذ سنة 1967، وقد جرت في المدينة ومحيطها عشرات التنقيبات الإنقاذية أبرزها التنقيبات في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى، خصوصاً في المنطقتين الغربية والجنوبية ومنطقة باب المغاربة ثم تنقيبات الحي اليهودي، أما أكبر التنقيبات فقد جرت في منطقة الظهور وهي التلة المطلة على سلوان في ما يُعرف بالتسمية الاستيطانية "مدينة داوود".
حظيت القدس بما تتمتع به من أهمية خاصة باهتمام المجتمع الدولي منذ احتلالها سنة 1967 نظراً إلى المحاولات الإسرائيلية لتغيير طابع المدينة التاريخي والعربي ومن ثم تهويدها (طه 1996)، وقد أصدرت الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها سلسلة من القرارات التي تدين محاولات تغيير طابع المدينة والمسّ بأماكن العبادة والمباني التاريخية، ثم إجراء التنقيبات فيها وذلك كعمل مناهض للقانون الدولي، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سلسلة من القرارات بشأن التدابير والأعمال التي تؤثر على وضع مدينة القدس، كما دعا المؤتمر العام والمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو بشكل متواصل لحماية الممتلكات الحضارية في القدس وطالب السلطة المحتلة بالامتناع عن إجراء الحفريات والكفّ عن تغيير معالم المدينة ورغم عشرات القرارات الصادرة عن المنظمات العربية والدولية فقد ذهبت هذه الدعوات غالباً ادراج الرياح، اذ لم تلتزم إسرائيل بهذه القرارات، بسبب ضعف الارادة الدولية والحماية الاميركية التي تتمتع بها إسرائيل في ظل النظام الدولي الحالي.
بدأ الاهتمام اليهودي والصهيوني في أعمال التنقيب الأثري في القدس قبل أكثر من مئة سنة من احتلال المدينة، ولم تنفصل التنقيبات الأثرية في القدس منذ حملة تشارلز وارن 1863 عن المخططات الصهيونية حول المدينة. وقد اختلطت الدوافع العلمية باستكشاف تاريخ المدينة بالدوافع الايديولوجية. ومنذ هذا التاريخ جرت ما يزيد عن أربعين حفرية رئيسية في المدينة. تركز معظمها في محيط منطقة الحرم. في حين عالجت ما يزيد عن عشرين حفرية التلال المجاورة للمدينة. وكان البحث عن الهيكل في منطقة المسجد الاقصى الدافع السري وراء التنقيبات في المنطقة المحيطة بالحرم الشريف ومنطقة سلوان. ولم يكن هذا الهدف معلناً في التنقيبات الاولى بسبب المحاذير السياسية، وقد جرت التنقيبات في منطقة الظهور بدعم من الثري اليهودي روتشيلد في بداية القرن الماضي.
وأول التنقيبات المنظمة قام بها صندوق استكشاف فلسطين ما بين 1863-1867 وذلك تحت اشراف الضابط البريطاني وارن الذي قام بحفر سلسلة من الانفاق حوالي منطقة الحرم، تلت ذلك تنقيبات كل من بلس ودكي ما بين 1894-1897 جنوب المدينة، ثم تنقيبات باركر ما بين 1909-1911 وقام فنسنت بنشر نتائج التنقيبات ما بين 1913-1914. وقام فايل بدعم من الثري اليهودي روتشيلد بالتنقيب في جبل الظهور المطل على سلوان وفي الفترة ما بين 1923-1925 قام كل من دينكان وماكلستر وكروفوت بالتنقيب في المنطقة الجنوبية، وفي الفترة ما بين 1934-1948 بالتنقيب في منطقة قلعة القدس. وفي سنة 1961 قامت عالمة الآثار البريطانية كاثلين كنيون والاب رولاند دي فو بالتنقيب في المنحدرات الجنوبية.
بعد احتلال القدس مباشرة سنة 1967 باشر الإسرائيليون الحفر بصورة غير قانونية في المنطقة الجنوبية والغربية المحاذية للحرم الشريف وهي الحفريات التي قام بها كل من بن- دوف ومازار ليتكشفوا على خلاف ما توقعوا على سلسلة من القصور الاموية وسويات أثرية من الفترة البيزنطية تحتها. كما بدأت تنقيبات إسرائيلية موسعة في منطقة البستان وجبل الظهور المطل على سلوان وفي بقية أرجاء المدينة. وتتواصل أعمال التنقيب من دون انقطاع في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى منذ تاريخ احتلال المدينة.
واتخذت التنقيبات في القدس سواء في البلدة القديمة أو محيطها هدفاً واضحاً وهو البحث عن السياق الأثري اليهودي للمدينة وإظهاره على حساب السياقات الحضارية الأخرى للمدينة. ويتضح جلياً أن الهدف من هذه التنقيبات هو اختلاق وقائع أثرية وتاريخية وكتابة رواية أحادية الجانب لمدينة القدس خدمة للمشروع الاستيطاني الصهيوني في ما يُعرَف من قبل الإسرائيليين "بالقدس الموسعة" والتي قامت فيها إسرائيل بعد احتلال المدينة بضمّ القدس الشرقية بصورة غير قانونية، وتشمل البلدة القديمة، خصوصاً ما يُعرَف بحارة اليهود ومنطقة الحرم الشريف وسلوان والأحياء المحيطة بالمدينة وهي التلة الفرنسية ومستوطنات "رامات اشكول" و"جيلو" و"راموت" والنبي يعقوب ومؤخراً مستوطنة "هار حوامه" على أراضي جبل أبو غنيم في المنطقة الواقعة ما بين بيت لحم والقدس، والتي اقيمت على أراضي الضفة الغربية التي احتلت عام 1967. ويتضح أن الهدف من سياسة التنقيب هذه هو خلق وقائع استيطانية أمام الحل النهائي.
وفي منطقة الظهور وهو السفح الجنوبي المطل على سلوان تركزت أعمال التنقيب فيما يعرف "مدينة داود" تحت إشراف يغئال شيلو وايليت مزار، ومثلت هذه التنقيبات إحدى الحلقات الخطيرة للمشروع الاستيطاني في القدس، والذي يستهدف بناء حي يهودي على أنقاض بلدة سلوان العربية.
كما بدأت تنقيبات موسعة فيما عرف بحارة اليهود، وتضمّ هذه التسمية مناطق تم الاستيلاء عليها في حارة المغاربة وحارة الشرف ولم تكن تتبع لهذه الحارة أصلاً، وأشرف على هذه التنقيبات نحمان أفيجاد في الفترة ما بين 1969-1982. وتواكبت هذه التنقيبات مع التغيرات التنظيمية والديموغرافية التي طالت هذه الجزء من المدينة، ومشاريع البناء التي جرت فيها، خصوصاً في عقد السبعينيات من القرن الماضي. وجرت تنقيبات أثرية موسّعة في هذه المنطقة استمرت ما بين 6-8 أشهر في السنة الواحدة في سباق مع الزمن لخلق وقائع استيطانية جديدة في المدينة، والكشف عما سمي بالتاريخ اليهودي في المدينة. وكشفت هذه التنقيبات عن مراحل استيطانية في المدينة في الجزء الجنوبي الغربي للمدينة، ويشمل التاريخ الاستيطاني للمدينة وتحصيناتها.
وحين لم تأت هذه التنقيبات بالثمار المرجوة، بدأ الإسرائيليون في عقد الثمانينيات وبشكل سري في الاندفاع شرقاً إلى منطقة الحرم نفسها لتتبع سلسلة الانفاق الأرضية المكتشفة في التنقيبات السابقة وربطها بشكل اصطناعي ببعضها البعض (طه 1996)، لخلق مسارات أرضية في المدينة، وأبرزها النفق الأرضي الواقع تحت السور الغربي لمنطقة الحرم والممتد من حائط البراق إلى باب الغوانمة والذي أدى في حينه إلى تصدع في المباني الواقعة فوقه. ويمتد النفق بطول 488 متراً، وهو ليس بالنفق الوحيد، فقد جرت محاولات التسلل شرقاً باتجاه قبة الصخرة يصل سبيل قايتباي، ولكن المؤكد ان حجم العمل في منطقة الحرم غير معروف الأبعاد بما يستوجب العمل على وقفه وإخضاعه للرقابة الفلسطينية والدولية. كما يجري مؤخراً ربط سلوان بهذه الأنفاق الأرضية، باستخدام القنوات الأرضية وشق أنفاق جديدة لم تكن موجودة سابقاً.
وبعد خمسين عاماً تقريباً من تدمير حي المغاربة كلياً وتشريد سكانه والذي شمل تدمير 135 مسكناً ومسجدين وزاويتين بحجة توسيع ساحة البراق (أمام حائط المبكى)، شرعت السلطات الإسرائيلية صبيحة يوم الاثنين بتاريخ 6/2/2007 بإزالة آخر معالم هذا الحي والمتمثلة بالتلة الترابية للطريق التاريخي القديم الواصل بين حي المغاربة وساحة الحرم الشريف، بحجة بناء جسر بديل، وقد أصبح الممر الترابي مع الوقت عرضة للتهديد مع استمرار التنقيبات في المنطقة الغربية للحرم من كلا الجانبين. وجرى إضعافه إنشائياً بصورة متواصلة. وفي سنة 2004 جرى انهيار جزئي في ظروف غامضة لأحد جوانب التلة الترابية، وبدلاً من اجراء أعمال التدعيم والترميم للانهيارات تركت على حالها من دون ترميم، وجرى بناء جسر خشبي مؤقت سنة 2005. وما زالت المحاولات الإسرائيلية جارية لإنشاء جسر ضخم بدلاً من إعادة الوضع إلى سابق عهده. وحذرت منظمة اليونسكو من أن استمرار هذه التنقيبات على مستويات عميقة من مستوى الأسس وتفريغ الأرض تحت هذه المباني التاريخية القديمة يضعف أسسها ما ينطوي على أخطار انشائية كبيرة على هذه المباني على المديين القريب والوسيط.
وفي سنة 2007 عاودت سلطات الاحتلال أعمال التنقيب في التلة الترابية التي تصل ساحة البراق بباب المغاربة باستخدام الآليات الثقيلة هذه المرة، وقد أدت التنقيبات المتواصلة إلى ازالة التلة الترابية التي تربط ساحة المسجد الاقصى بحارة المغاربة وازالة المشهد التاريخي في محيط المسجد الاقصى. وتعود الآثار المكتشفة والمزالة في هذا الموقع إلى الفترات الاموية والفاطمية والأيوبية والعثمانية. وقد جرى معظم هذه التنقيبات تحت جنح الظلام بما لا يسمح بأي تقييم مستقل لنتائجها، إلى جانب الدوافع السياسية والايديولوجية المعلنة لهذه التنقيبات التي تحاول تغيير الوقائع التاريخية والدينية في هذا المكان المقدس.
ويأتي تدمير طريق باب المغاربة متزامناً مع استمرار التنقيبات غير القانونية في شبكة أنفاق أرضية تحت ساحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة ومحيطها، بما في ذلك التنقيبات المتواصلة في منحدرات جبل الظهور المطل على سلوان وتتبع سلسلة من الأنفاق الأرضية تحت سويات المسجد الاقصى.
تأتي أعمال التدمير الحالية كمخالفة واضحة للقانون الدولي، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة حول المباني الدينية والعامة، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح لسنة 1954، والتوصيات الدولية حول التنقيبات الأثرية لسنة 1956 وتلزم الاتفاقية إسرائيل كقوة محتلة بحماية التراث الثقافي وتدين أية عمليات تدمير متعمّدة للتراث الثقافي باعتبارها جريمة حرب. وتعتبر أعمال التدمير الجارية مخالفة للاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي والطبيعي لسنة 1972، والعديد من الاتفاقيات والقرارات الدولية الصادرة حول القدس.
كما تشكل أعمال التنقيب الجارية في القدس خرقاً واضحاً للاتفاقية الدولية للحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي العالمي، باعتبار أن مدينة القدس وأسوارها مسجلة على لائحة التراث العالمي منذ سنة 1981. ولم تجدِ تحذيرات اليونسكو ولجنة التراث العالمي من تداعيات الإفراط الكبير في التنقيب في محيط الحرم الشريف.
وقد تحوّلت أعمال التنقيبات الأثرية الإسرائيلية من أعمال ظاهرها علمي، كما في السنوات الأولى من السيطرة على مدينة القدس والمتمثلة في مشاريع التنقيب الكبرى في "الحي اليهودي" داخل المدينة وفي منطقة سلوان إلى حالة من الهوس السياسي والديني والأيديولوجي، وأصبحت أداة طيعة بيد المؤسسة الرسمية والجماعات الاستيطانية لتغيير الطابع التاريخي للمدينة. وقد وصلت هذه التنقيبات السطحية التي تجري تحت شعار إثبات يهودية المدينة حداً من الإسفاف العلمي أثار انتقادات بعض علماء الآثار الإسرائيليين أنفسهم، الذي وصفوا هذه التنقيبات بالسطحية وغير الموجهة علمياً، والخاضعة للأهواء الأيديولوجية للمستوطنين. ولمداراة هذا الضعف غالباً ما تلجأ المؤسسات القائمة عليها إلى الاعلانات الدائمة عن اكتشافات مثيرة تجد طريقها سريعاً للصحافة.
إن هذه التنقيبات الإسرائيلية الخاطفة، لا تلتزم بالأعراف العلمية في التنقيب العلمي. ولا تمنح الوقت الكافي لإجراء أعمال التنقيب بروية، وهي ملاحظة طالما رددتها اليونسكو في إشارتها إلى حالة الإفراط في التنقيب الأثري في المدينة. بما يضع التنقيبات الإسرائيلية في إطار التنقيبات العشوائية.
اما الملاحظة الاخرى حول التنقيبات الإسرائيلية في القدس فهي أنها تجري ضمن مخطط غير معروف وغير معلن، ومعظم أعمال التنقيب تجري سراً وتحت جنح الظلام. وهذا الوضع غير المألوف في أعمال التنقيب العلمية ينفي إمكانية التقييم العلمي المستقل لنتائجها. إن التنقيبات العلمية الحديثة هي أماكن للبحث والنقاش والنقد؛ وهذا ما هو غير متوفر في التنقيبات الإسرائيلية في القدس على وجه الخصوص. ويشير باحث الآثار الإسرائيلي غرينبرغ إلى أن التنقيبات الجارية في القدس هي تنقيبات متسرعة، تبتلع الكثير مما لا تستطيع هضمه واستيعابه. ذلك أن هذه التنقيبات تخضع لأهواء كبار الإقطاعيين من أصحاب المصالح وليس للعلماء، ويشكك غرينبرغ في المؤهلات العلمية للمنقبين المشرفين على النظام المائي في سلوان ممن لم يسبق أن نشروا بحثاً علمياً جدياً واحداً.
التنقيبات الأثرية والاستيطان
هناك علاقة وثيقة ما بين التنقيبات الأثرية والاستيطان؛ فقد جرى توظيف العمل الأثري لخدمة السياسة الاستيطانية الكولونيالية في الأراضي الفلسطينية، وغالبا ما كانت هناك دوافع أيديولوجية وذلك بهدف الكشف عن دلائل يهودية قديمة لتبرير الدعاوي الاستيطانية(Abu el-Haj 2001) .
وهناك الكثير من الحالات التي تحوّلت فيها الحملات والمخيمات الأثرية إلى نقاط استيطانية ثابتة ومن الأمثلة على ذلك التنقيبات الجارية في القدس ومحيطها (Taha 2015)، وأبرز الأمثلة على ذلك دير المرصرص الذي أصبح في مركز تجمع استيطاني يُعرف باسم معالي أدوميم، ثم تل الرميدة في مدينة الخليل وخربة سيلون التي تحولت إلى مستوطنة شيلو وخربة سوسيا بالقرب من السموع إلى تحولت إلى مستوطنة ثابتة، كذلك الاستيطان في جبل جرزيم وكفر قدوم. وتحمل العديد من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أسماء تاريخية وتوراتية وذلك بهدف إضفاء طابع تاريخي استيطاني على مصادرة الأرض من الفلسطينيين.
الى جانب السيطرة على أعداد كبيرة من المواقع الأثرية تقع في نطاق المستوطنات الإسرائيلية أو المعسكرات الإسرائيلية ومناطق التدريب العسكري والمحميات الطبيعية مثل كهوف ما قبل التاريخ في برية القدس وبيت لحم.
ويتجلى استخدام الرموز التاريخية لخدمة المشروع الاستيطاني الصهيوني في السيطرة الجزئية أو الكلية على الرموز الدينية والأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الحرم الإبراهيمي في الخليل وأحياء في البلدة القديمة ومقام قبة راحيل في بيت لحم ومقام يوسف في نابلس وبيت شهوان في أريحا. هذا إلى جانب المحاولات الدائمة للسيطرة على الرموز الدينية في القدس. وفي سنة 2012 أعلنت حكومة الاحتلال عن قائمة تضم 150 موقعاً ذا قيمة "قومية" منها 35 موقعاً يقع في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد أدانت منظمة اليونسكو هذه الخطوة.
الاتجار غير المشروع بالآثار
تعتبر عمليات التنقيب غير القانوني والاتجار غير المشروع واحدة من أخطر الظواهر في فلسطين (Taha 2002)، أدت إلى استنزاف كبير للموارد الأثرية في الأراضي الفلسطينية، وقد حفزت سياسة الاحتلال الاتجار غير المشروع بالمواد الأثرية ليس لدوافع مالية فقط ولكن لدوافع ايديولوجية أيضا. وقد شهدت فترة الاحتلال الإسرائيلي تصاعداً كبيراً لحجم عمليات التهريب والاتجار غير القانوني في الأراضي الفلسطينية (Kersel 2006)، ومن ثم حجم الضرر الذي لحق بالمواقع الأثرية. ووصل هذا النشاط حداً ينذر بالخطر. ولا يخفى أن الانحدار نحو غياب القانون وانهيار نظام الحماية في الأراضي المحتلة والضغوط الاقتصادية على المواطنين تمتد بجذورها إلى الاحتلال نفسه.
يعرف علم الآثار أيضاً إلى جانب تعريفاته العادية بأنه تدمير منظم، لذلك فان كل ما ينقب عنه يجب أن يوثق توثيقاً كاملاً. والتوثيق هو الحد الفاصل بين التنقيب العلمي وغير العلمي. ذلك أن تحليل المواد الأثرية يعتمد على موقعها الدقيق في السياق الأثري، وبدون توثيق السياق الأثري تفقد المواد الأثرية قيمتها العلمية. وتتعدى منهجية التوثيق المنظم لعلم الآثار القيمة الجمالية والذاتية التي تشكل الاهتمام الأوحد لجامع العاديات وتاجر الآثار.
وقد سهلت التكنولوجيا الحديثة عمليات نهب المواقع الأثرية، وهي تنطوي على مخاطر كبيرة متسببة في دمار لا يمكن إصلاحه. وتستخدم الجرافات وآلات الكشف عن المعادن على نطاق واسع في عمليات النهب. ووصلت ظاهرة نهب الآثار حداً ينذر بالخطورة بما لا يبقي لعلماء الآثار سوى التراكمات الملوثة والمواقع المدمرة في القريب العاجل. وقد توفرت آلات الكشف عن المعادن بكثرة في الأسواق المحلية، وجرى الترويج لها من خلال مواقع إسرائيلية في حيفا وفي المستوطنات الإسرائيلية، ثم الصحف المحلية. وأنعشت أحلام الحصول على الثروة نشاط مجموعات عاثت الخراب في المواقع الأثرية.
وقد أظهر التقييم الأولي الذي قامت به دائرة الآثار الفلسطينية لحالة مواقع التراث الحضاري، وبعد نقل صلاحيات الآثار إلى الجانب الفلسطيني الضرر الكبير الذي أصاب هذه المواقع أثناء الاحتلال الإسرائيلي. فإلى جانب التنقيبات غير القانونية التي قامت بها سلطات الاحتلال في عدد كبير من المواقع الأثرية وتعرضت آلاف المواقع الأثرية للنهب والتدمير، رافق ذلك عمليات اتجار واسعة بالممتلكات الأثرية والتراثية (Taha 2002) .
وقد شهدت السنوات الخمسين الماضية من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية تصاعداً كبيراً لحجم عمليات التهريب والاتجار غير القانوني ومن ثم حجم الضرر الذي لحق بالمواقع الأثرية. وأصبحت الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر بقاع الأرض تعرضاً للنهب. وانخرط في هذا النشاط غير القانوني مئات الأشخاص، ووصل هذا النشاط حداً يُنذر بالخطر. ولا يُخفى أن الانحدار نحو غياب القانون وانهيار نظام الحماية في الأراضي المحتلة والجهل بأهمية الآثار والضغوط الاقتصادية على المواطنين تمتدّ بجذورها إلى الاحتلال نفسه.
وشجّعت السياسة الإسرائيلية الرسمية في الأراضي المحتلة عمليات نهب المواقع الأثرية ثم عمليات التهريب والاتجار غير المشروع بالمواد الأثرية (Taha 2002). ويدل انخراط رموز سياسية كبيرة على حجم هذا النشاط، ويعتبر تاجر الآثار الإسرائيلي موشي ديان والذي شغل مناصب رسمية عليا منها وزارة الحرب الإسرائيلية، ثم تيدي كوليك رئيس بلدية القدس المحتلة نماذج بارزة في نهب التراث الثقافي الفلسطيني تحت الاحتلال. وقد قام المتحف الإسرائيلي بشراء جزء من مجموعه دايان الضخمة بعد موته سنة 1981. وهي مجموعة منهوبة بأغلبيتها من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعلى صعيد سياسة الاحتلال، حظرت الأوامر العسكرية الإسرائيلية تصدير الآثار من الأراضي الفلسطينية المحتلة باستثناء القدس الشرقية، بدون الحصول على ترخيص أو إذن عام من قبل ضابط الآثار الإسرائيلي. وقد طبقت إسرائيل بشكل غير قانوني القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية المحتلة كنتيجة لضم المدينة، الذي جاء خرقاً للقانون الدولي. ولم توفر القوانين السابقة أي نوع من الحماية للمواد الاثنوغرافية، وتبددت تحت الطلب العاتي لها من قبل تجار التراث وأصحاب المجموعات الخاصة، وتندرج المواد التراثية والتي تشكل جزءاً من ثقافة المجتمع الفلسطيني التقليدي أكثر أصناف التراث الثقافي تهديداً، إذ إلى جانب عوامل الاندثار الطبيعي فقد بدأت هذه المواد في الاختفاء كلياً. وتكمن أهمية هذا الصنف من التراث أنه ذو علاقة مباشرة بالهوية الثقافية الفلسطينية.
وتشير الإحصائيات المتوفرة لدى دائرة الآثار حول الفترة ما بعد 1967 إلى نهب آلاف المواقع الأثرية (Ilan, Dahari and Avni 1989). وحيث تركز النشاط في البداية على القبور القديمة من الفترات البرونزية والحديدية والرومانية والبيزنطية، فقد بدأ يطال المواقع الأثرية نفسها التي أصبحت عرضة للتدمير. وقد أبقى الاحتلال على مفارقات الوضع القانوني الذي يعتبر التنقيبات غير المصرح بها عملاً غير قانوني ولكن الاتجار باللقى الأثرية نفسها أمر مشروع. وتحولت إسرائيل إلى مركز إقليمي للاتجار بالآثار التي تنتقل إليها من الدول المجاورة، عبر شبكات التهريب، وأظهرت الحرب العراقية الأولى والثانية دور إسرائيل كقاعدة رئيسية في نقل وتهريب المواد الأثرية من العراق عبر دول الجوار، واستمر هذا الدور في الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية.
ومنذ العام 1967 جرى نقل آلاف القطع الأثرية من المناطق الفلسطينية المحتلة بصورة مخالفة للقانون المحلي والدولي. وقامت السلطات الإسرائيلية الرسمية نفسها بنقل جزء كبير من هذه المواد الأثرية. وهذا يشمل المواد الأثرية المنقولة من متحف الآثار الفلسطيني في القدس.
قبل نقل الصلاحيات حول الآثار سنة 1994 كان هناك ما يزيد عن مئة متجر للآثار في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويشمل 15 متجراً في الأراضي الفلسطينية، معظمها في مدينة بيت لحم، وتعتبر القدس المركز الرئيس، وفيها 55 متجراً تليها مدينة تل أبيب وفيها 15 متجراً. هذا إلى جانب عشرات المتاجر غير المرخصة، إلى جانب فئة التجار الكبار والوسطاء والمتجولين. وتشير الإحصائيات بأن حجم التداول يصل إلى مئة ألف قطعة سنوياً، يتسرّب معظمها إلى الخارج. كما انتعشت عمليات التهريب والاتجار غير القانوني بالممتلكات الثقافية على المستوى الإقليمي. وقد حفزت سياسة الاحتلال المتهاونة خلق طبقة من الوسطاء والمهربين وتجار الآثار يمارسون نشاطهم غير القانوني بدون ترخيص (Taha 2002). وتم تسجيل ما يزيد عن مئة تاجر آثار في الأراضي الفلسطينية، وجميع هؤلاء التجار لا يحملون ترخيصاً بممارسة المهنة، وكانوا يمارسون نشاطهم غير القانوني بكل حرية تحت الاحتلال، وهم مرتبطون بمراكز الاتجار الكبيرة في القدس. ويعتبر دور التجار الوسطاء الفلسطينيين عموماً دوراً ثانوياً في بنية هذه التجارة غير الشرعية، منهم خمسة من التجار الكبار وعشرات من التجار الصغار الذي يعملون كوسطاء بين مراكز الاتجار ولصوص الآثار المحليين. وقد جرى هذا النشاط تحت رعاية الاحتلال الإسرائيلي الذي وفر لها كل سبل الحماية.
والى جانب ظاهرة الاتجار بالممتلكات الثقافية التي تجري بدوافع ربحية ومالية هناك ظاهرة جديدة تتسم بقدر لا تقل خطورة عن الأولى، وهو تزييف المواد الأثرية لغايات أيديولوجية، وأبرز الأمثلة على ذلك ما عُرف بالرمانة العاجية والتي اعتبرت على مدار فترة من الزمن الدليل الأثري الوحيد على الهيكل وتبين أنها ومثيلتها كالكتابة التي خطت على التابوت الحجري "جيمس أخو المسيح" بأنها من فعل مجموعة من التجار والمزوّرين الإسرائيليين المحترفين.
بعد الاتفاق الانتقالي الفلسطيني – الإسرائيلي عملت دائرة الآثار العامة على منع الاتجار بالممتلكات الثقافية، ولم تصدر رخصاً جديدة للاتجار بالآثار منذ سنة 1996، عدا بعض الرخص السارية التي تم تجديدها لمرة سنة واحدة حسب القانون. ونجحت دائرة الآثار الفلسطينية في إخراج ظاهرة الاتجار بالآثار من دائرة النشاط المشروع في الضفة الغريبة وقطاع غزة. ولكن التصدي لظاهرة تهريب الآثار والنقل والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية أكثر تعقيداً من مجرد إصدار قانون بحظر هذه التجارة، خصوصاً في ظل الوضع السياسي المعقد الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية. حيث لا يسيطر الفلسطينيون على كامل الأرض وعلى الحدود. إضافة إلى عدم وجود حدود واضحة ما بين مناطق السيطرة الفلسطينية (مناطق أ و ب) وما بين المناطق المصنفة "ج" التي ما زالت تحت السيطرة المباشرة للاحتلال الإسرائيلي. ثم غياب حدود فاصلة ما بين الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل. ورغم تعقيدات هذا الوضع تمكنت دائرة الآثار الفلسطينية بمساعدة الشرطة من وضع يدها على آلاف القطع الأثرية المعدّة للتهريب.
التدمير المتعمّد للتراث الثقافي
تعرض التراث الثقافي الفلسطيني لعملية تدمير شبه منظمة على مدار سنوات الاحتلال (Taha 2010)، وعانت مواقع التراث الثقافي من آثار القصف والتفجير متسببة بأضرار متفاوتة. وقد تكثف الهجوم الإسرائيلي على مواقع التراث الثقافي منذ شهر نيسان 2002. وجرى استهداف مقصود لمواقع التراث الثقافي في المدن التاريخية في غزه ورفح وخانيونس والخليل وبيت لحم وبيت جالا ورام الله ونابلس وجنين وطولكرم وسلفيت وقلقيلية وعابود. وتعرضت المدن القديمة في الخليل وبيت لحم ونابلس لعمليات تدمير واسعة طالت المباني الأثرية والتاريخية والدينية. ويعتبر حصار كنيسة المهد وتدمير البلدة القديمة في نابلس أكبر شاهد على الاعتداءات الإسرائيلية على التراث الثقافي الفلسطيني. فقد طالت عمليات التدمير أحياء البلدة القديمة في نابلس وبيوتها وأسواقها ومبانيها التاريخية وأماكن العبادة فيها. كما طالت الاعتداءات مسجد الخضرا المملوكي وكنيسة الروم الأرثوذكس ومقام الشيخ مسلم. وجرى تدمير مصانع الصابون القديمة في حي الياسمينة ثم خان التجار وعشرات بيوت السكن والمباني التاريخية.
وفي الحرب الأخيرة على غزة جرى استهداف مقصود لمواقع التراث الثقافي والمباني العامة والدينية والمؤسسات التعليمية والبنية التحتية. وطالت الاعتداءات مباني الوزارات ومرافق الخدمات العامة والمباني التاريخية والمواقع الأثرية شملت مبنى السراي التاريخي، وقصر الحاكم إلى جانب مئات البيوت القديمة في غزة وخانيونس وبيت حانون، كما شملت الاعتداءات المواقع الأثرية في موقع البلاخية والمنطار وجباليا والنصيرات وتل السكن، وتم استهداف مقصود لمنارات المساجد التاريخية إلى جانب تدمير المشهد الثقافي والطبيعي في منطقة حي الزيتون وبيت لاهيا وبيت حانون وجحر الديك. وقد أدى استمرار الحصار المفروض على غزة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والحيلولة دون تقديم الدعم الدولي لحماية التراث الثقافي.
كما أدى بناء الجدار الفاصل في عمق الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة على المصادر الثقافية للشعب الفلسطيني، وإلحاق أضرار فادحة بالتراث الثقافي الفلسطيني، تمثلت بتدمير عشرات المواقع والمعالم الأثرية في مسار بناء الجدار نفسه، وفصل مئات المواقع الأثرية في المنطقة العازلة الواقعة بين الخط الأخضر ومسار الجدار إلى جانب فصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني. كما أدى هذا الجدار إلى تدمير كارثي للمشهد الثقافي والطبيعي.
استعادة الممتلكات الأثرية المنقولة
بعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1967 شهد التراث الفلسطيني عمليات نهب واسعة للتراث الثقافي الفلسطيني نجم عنها ضياع كبيرـ تمثل بالمواد المنقولة من خلال أعمال التنقيب والمسوح الإسرائيلية المرخصة لباحثين إسرائيليين أو من خلال الجنود والأفراد، وتقدر بحوالي 200 الف قطعة سنويا في الفترة ما بين 1967-1995 وحوالي 120 ألف قطعة سنوياً في الفترة التي تلت. ويشمل التراث الثقافي إلى جانب المواد الأثرية كلاً من المواد الثقافية المنقولة كالمخطوطات والكتب والأعمال الفنية والمواد التراثية.
وتنص اتفاقية لاهاي لسنة 1954 على واجب السلطة المحتلة في حماية التراث الثقافي ومنع المساس به والحيلولة دون تصديره وحراسته، بما يضع الإطار القانوني لعملية إعادة الممتلكات الثقافية عند انتهاء الاحتلال (Einhorn 1996). وقد شملت الأنشطة الإسرائيلية ما يلي:
– التنقيبات المنظمة التي قامت بها سلطة الآثار الإسرائيلية أو ضابط الآثار ودائرة الآثار التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية.
– التنقيبات التي قامت سلطة الاحتلال الإسرائيلي بترخيصها.
– المواد التي قامت إسرائيل بنقلها من المتاحف في الأراضي المحتلة مثل مخطوطات قمران من متحف الآثار الفلسطيني في القدس.
– المواد التي قامت إسرائيل بنقلها من المواقع الأثرية كأرضيات الفسيفساء من نابلس وغزة وسلفيت ..الخ، بما في ذلك التوابيت والتماثيل المنقولة من المواقع الأثرية في القدس ومقام النبي يحيي في سبسطية والتوابيت الشبيهة بالإنسان من مقبرة دير البلح وتلك المنقولة من مئات المواقع الفلسطينية.
– المواد الأثرية المسروقة والمنقولة من قبل جنود أو أفراد إسرائيليين، وهذا يصح على مجموعة موشي دايان الذي قام بجمعها بصورة غير قانونية من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مستغلاً موقعه في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
– المواد المصادرة والمضبوطة من أفراد أو تجار فلسطينيين أو تلك المضبوطة على نقاط العبور الفلسطينية
– الأضرار والدمار الذي لحق بالآثار غير المنقولة.
إن معظم هذه الأنشطة تمثل خرقاً واضحاً لالتزامات إسرائيل في اتفاقية لاهاي لسنة 1954. وفي سابقة جديرة بالدراسة قامت إسرائيل سنة 1994 بإعادة المواد الأثرية المكتشفة في سيناء إلى السلطات المصرية، وذلك في إطار التزاماتها في بروتوكولات اتفاقية لاهاي. ويلزم القانون الدولي إسرائيل كقوة محتلة في إعادة الوضع إلى سابق عهده أو دفع تعويضات على الأضرار التي ألحقتها بالتراث الثقافي.
هناك مجموعة من المواقع الأثرية التي كانت هدفاً واضحاً للتنقيبات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ولم تخلُ هذا الاختيارات عموماً من الاعتبارات الأيديولوجية المرتبطة بسياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد سخر النشاط الأثري الإسرائيلي بشكل جلي في خدمة المشروع الاستيطاني. وهو يفسّر كيف آلت الأمور في العديد من هذه المواقع الأثرية، التي تحولت من مخيم للتنقيب الأثري إلى مستوطنة إسرائيلية ثابتة مثل القدس القديمة ودير المرصرص وتل الرميدة في الخليل وخربة سوسيا وخربة سيلون على أراضي ترمسعيا وجبل جرزيم والنبي صمويل ودير سمعان ومواقع أخرى.
خاتمة
قدمت هذه الورقة في ندوة "التراث الأثري في الهلال الخصيب" والتي عُقدت على هامش معرض "الآثار الفلسطينية المستردّة" ما بين 2-4 نوفمبر 2015 في قصر الأونيسكو في بيروت، لبنان. وقد طرحت الندوة والمعرض أسئلة حضارية بالغة الأهمية بالنسبة لشعوب المنطقة العربية، في وقت يجري فيه تدمير واسع لتراث الأمة، يصل حد الاستباحة العامة، بما يمثل نوعاً من التدمير الذاتي للهوية الثقافية وإفقاراً لشعوب المنطقة من مورد رئيسي للتنمية المستدامة. ويتضح عظم مسؤولية هذا الجيل من خلال الإدراك بأن هذا التراث ليس ملكاً للجيل الحالي وإنما هو ملك للأجيال القادمة. كما وانه ملك للإنسانية جمعاء. وان تنوع التراث الثقافي والديني هو مصر ثراء للأمة بما يستوجب الحفاظ عليه.
أنها المرة الأولى التي تقوم فيها مؤسسة عربية غير حكومية، وهي مؤسسة سعاده للثقافة، باستعادة مواد أثرية منقولة من فلسطين، بعد استرجاع الآثار المصرية في سيناء عن طريق المفاوضات، والنص المتعلق بمطلب فلسطين استعادة الآثار في الاتفاقية الانتقالية الفلسطينية – الإسرائيلية، وتعيد قضية الآثار المستعادة من مجموعة موشي دايان إلى الأذهان مجدداً قضية نهب التراث الثقافي في فلسطين على مدى نصف قرن وسبل مواجهتها. وهي مثال بالغ القوة لدور الاحتلال العسكري الإسرائيلي في السيطرة على الموارد الأثرية وتوظيفها الأيديولوجي والاتجار بها لأغراض الربح المالي أيضاً، كما هو الحال في عرض هذه الآثار في المعارض الدولية.
يعتبر التاريخ في فلسطين أحد ميادين الصراع الأيديولوجي الرئيسية والمعركة المحتدمة الآن في القدس هي واحدة من فصول هذا الصراع المرير. ويتضح ذلك من خلال الاستغلال الواسع لنتائج علم الآثار من قبل الحركة الصهيونية لتبرير الادعاءات الأيديولوجية على أرض فلسطين. والتي اتخذت كذريعة لتجريد الشعب الفلسطيني من أرضه وتاريخه معاً.
جرت تنقيبات أثرية إسرائيلية منظمة وإنقاذية في آلاف المواقع الأثرية الفلسطينية، في انتهاك صريح للقانون الدولي، وكان الهدف من التنقيبات إعادة كتابة تاريخ هذه المواقع بما يخدم الادعاءات الاستيطانية الصهيونية في فلسطين، من خلال خلق صلة بين الماضي والحاضر، وتسخير موارد هائلة لكتابة رواية تاريخية أحادية الجانب تبرر بشكل ذرائعي المشروع الاستيطاني على أرض فلسطين. أما الوجه الآخر للنشاط الأثري الإسرائيلي فقد تجلى في نهب الموارد الأثرية ونقلها أو الاستحواذ عليها في نطاق المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية أو ضمّها بالجملة خلف الجدار العنصري الفاصل. وقد أدت عمليات الاتجار غير القانوني والنقل غير المشروع للممتلكات الأثرية الفلسطينية إلى تدمير كبير للمواقع الأثرية الفلسطينية، من خلال تحفيز عمليات التنقيب غير الشرعية.
تعرّض التراث الثقافي الفلسطيني لعملية تدمير شبه منظمة على مدار سنوات الاحتلال، وتمثلت بمحو آثار ما يزيد عن خمسمئة مدينة وقرية فلسطينية في الفترة ما بين 1948 و1952، وتواصلت هذه العملية بعد احتلال الضفة الغربية وغزة سنة 1967، وتركزت في مدينة القدس في محاولة لتغيير الطابع التاريخي لهذه المدينة. وفي الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة للأراضي الفلسطينية تعرّضت المدن التاريخية لاستهداف مقصود، ويعتبر حصار كنيسة المهد وتدمير البلدة القديمة في نابلس شاهدين على عمليات التدمير المتعمد سنة 2002. وفي الحرب الأخيرة على غزة جرى استهداف مقصود لمواقع التراث الثقافي والمباني العامة والدينية والمؤسسات التعليمية والبنية التحتية.
كما أدى بناء الجدار الفاصل في عمق الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة المباشرة على حوالي 50% من الموارد الأثرية، وفصل مدينة القدس عن محيطها، وتسبب أيضا في تدمير كارثي للمشهد الثقافي.
وتم توظيف العمل الأثري لخدمة السياسة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية، وهناك الكثير من الحالات التي تحولت فيها المخيمات الأثرية إلى نقاط استيطانية ثابتة كما هو الحال في القدس وسلوان و دير المرصرص وخربة سيلون وخربة سوسيا و كفر قدوم والخان الاحمر. ثم السيطرة على الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية، كما هو الحال في محيط المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل وقبر راحيل ومقام يوسف ومسجد النبي صمويل. وتعمد سلطات الاحتلال إلى تغيير أسماء هذه المواقع بهدف إضفاء طابع تاريخي عليها.
تشير المعطيات الأولية إلى أعداد هائلة تصل الملايين من المواد الأثرية التي تقع تحت سيطرة سلطات الاحتلال وتشمل المواد الأثرية في مخازن دائرة الآثار الفلسطينية ومتحف الآثار الفلسطيني في القدس، ثم المواد الأثرية
المكتشفة أثناء التنقيبات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. هذا إلى جانب المواد الأثرية المصادرة والمسروقة والمنقولة من قبل مؤسسات وأفراد مثل مجموعة موشي دايان، والتي تستوجب إجراء جرد شامل بها تمهيداً للمطالبة بها في مفاوضات الحل النهائي.
مصادر مختارة
بار- يوسف- عمحاي مزار، 1994علم الآثار في إسرائيل، وجهة نظر إسرائيلية، المركز العربي للدراسات المعاصرة، القدس (ترجمة د. حمدان طه).
الخالدي، وليد، 1998، كي لا ننسى، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت.
طه، حمدان، 1996 القدس وحقائق التاريخ، ملحق الأيام بتاريخ ص. 6.
طه، حمدان/ 1996 حفريات النفق، خلفيات وحقائق، ملحق الأيام ص. 3.
طه، حمدان، 2003 ، إدارة التراث الثقافي في فلسطين، في المشروع الثقافي الفلسطيني واستراتيجيته المستقبلية، المجلس الأعلى للتربية والثقافة، فلسطين، القاهرة: ص.ص. 172-198.
طه، حمدان، 2009 التراث الثقافي والهوية الفلسطينية، في الهوية الفلسطينية إلى أين؟، جمعية إنعاش الأسرة، مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني، البيرة: 85-99.
ويتلام، كيت، 1999 اختلاق إسرائيل القديمة، سلسلة عالم المعرفة، الكويت. (ترجمة د. سحر هنيدي).
قاعدة بيانات التراث الثقافي، 2009 دائرة الآثار والتراث الثقافي، وزارة السياحة والآثار.
Abu el-Haj, Nadia, 2001 Facts on the Ground: Archeological Practice and Territorial Sekf-Fashioning in Israeli Society, University of Chicago Press.
DPISP 1993, Declaration of Principles on Interim Self-Government for Palestinians. (Washington, DC) 13 September 1993.
Einhorn, T., 1996, Restitution of Archeological Artifacts: The Arab-Israeli aspect. International Journal of Cultural Property 5: 133-153.
Finkelstein, I., 1988, The Archeology of Israelite Settlement. Jerusalem
Finkelstein, I., and Z. Lederman, 1977, Highlands of Many Cultures: The Southern Samaria Survey.
Finkelstein, I. and Y. Magen, (eds.) 1993, Archeological Survey of the Hill Country of Benjamin.Jerusaelm 1988.
Greenberg R. and A. Keinan,2007, Israeli Archeology in the West Bank and East Jerusalem since 1976. Tel Aviv University.
Hirschfeld, Y., 1985, Archeological Survey of Israel: map of Herodium, Jerusalem.
Humbert, Jean-Baptist
2000 Gaza Mediterraneenne. Historie et Archeologie en Palestine. Editions errance. Paris.
Ilan, David, Uzi Dahari and Gideon Avni
1989 Plundered! The Rampant Rape of Israel’s Archeological Sites. Biblical Archeology Review, Vol. XV (March/April): 38, 42.
Kersel, Morag, License to Sell: The Legal tRade of Antiquities in Israel, PhD dissertation, 2006.
Kloner, A., 2000, Survey of Jersualem, The Southern Sector, Jerusalem
Kloner, A., 2001, Survey of Jersualem, The Northeastern Sector, Jerusalem
Kloner, A., 2003, Survey of Jersualem, The Northwestern Sector, Jerusalem
Kochavi, M., ed), 1972, Judea Samaria and the Golan: Archeological Survey 1967-1968. Jerusalem.
Oyediran, Joanna
1997 Plunder, Destruction and Despoliation. An Analysis of Israel’s of the International Law of Cultural Property in the Occupied West Bank and Gaza Strip. Al-Haq, Ramallah.
Sadeq, M.
1999 Antiquites de Gaza. Dossiers de Archeologie, 240: 46-51.
2000 The City of Gaza and the Surroundings Area during the Roman-Byzantine Period, Adamatu, 2: 27-42.
2002 The Historical Monuments of Gaza Strip. Meditrraneum, vol. Vol. 2, edited by
Fabio Maniscalco, Massa editore: 243-259.
2005 Recent Archeological Survey and Excavations in Gaza region. Meditrraneum, vol.5, edited by Fabio Maniscalco, 5, Massa Editore: 245-264.
Taha, H., 1998 The Emergency Clearance Campaign of One Hundred Sites in Palestine. Al-Muhandis, no 42: 36-40.
Taha, H., 1998a The Palestinian Department of Antiquities, Two Years of Archeology in Palestine. Quaderni di Gerico 1: 3-7.
Taha, H., 2002 Protection of Cultural Heritage in Palestine.Meditrraneum, vol.2, edited by Fabio Maniscalco, Massa editore: 256-270..
Taha, H., 2004 Managing cultural Heritage, UNDP, Focus vol.1: 31-32.
Taha, H., 2005 A Decade of Archeology in Palestine. Meditrraneum, vol., edited by Fabio Maniscalco, 5, Massa editore: 63-71.
Taha. H., 2010, The Current State of Archeology in Palestine. In Present Pasts, Vol. II.
Taha, H. and M.Jaradat,
2009 Inventories in Palestine, Proceedings of the Workshop on Inventories, EUROMED Heritage IV, Paris.
2015 The Archeological Heritage of Area C. This Week in Palestine, November, Special Issue No. 210.5.